آخرین نوشته ها
لینک های روزانه
    نشانی ایمیل نویسنده
    h.ataei.n@gmail.com




    المدخل: 1
    تمّت ترجمة المقالة الىٰ اللغة العربية من قبل هيئة التحرير.

    لم يكن علم الكلام خلال مسيرته التاريخية عند الإمامية علىٰ منوال ونسق واحد، وقد طرأت عليه الكثير من التطوّرات شملت مختلف جوانبه. وقد تأثّر متكلّمو الإمامية في مختلف المراحل بالعديد من المدارس الفكرية، وخاصّة بالمدارس المهمّة في الحضارة الإسلامية آنذاك، ونخصّ بالذكر منها مدرسة الكلام المعتزلي والأشعري وفلسفة ابن سينا والحكمة الفلسفية للملّا صدرا، حيث عرضوا للمعتقد الديني الشيعي مناهج كلامية متميّزة. إنّ معرفة المدارس الكلامية ومختلف النزعات الموجودة في علم الكلام عند الإمامية هي من أولويّات ما يحتاجه التحقيق الدقيق في هذا العلم، ولا يوجد لحدّ الآن تقسيم وتصنيف واضح ـ يتناول المعايير والموازين القائمة عليها المدارس الكلامية عند الإمامية ـ يكون مبيّناً للمناهج والنزعات المختلفة الموجودة في تاريخ كلام الإمامية، ويكون كذلك مقبولاً ومُتّفقاً عليه من قِبَل المحقّقين في هذا المجال. ولم نألُ جهداً لأن نقدّم في بحثنا هذا مقترحاً في شأن تصنيف المراحل والمدارس الكلامية عند الإمامية.
    ويمكننا أن نعرّف مصطلح (المدرسة الكلامية): أنّها عبارة عن: (منهج اعتقادي متكامل ومنظّم للاعتقادات الدينية، يتناول المباني الخاصّة والتعاليم التي تميّزه عن سائر المناهج الكلامية الأخرىٰ، وذلك بمساعي متكلّمي تلك المدرسة خلال حقبة زمنية). ولكلّ مدرسة كلامية مبانٍ وأصول وقواعد، وقد تكون مناهج ومصطلحات خاصّة يتّخذها أتباع تلك المدرسة لبيان وتوضيح المواضيع الكلامية، يتبلور من خلالها منهج فكريّ وتراث كلاميّ مشترك ومنسّق. وهذا الاشتراك الموجود في المباني والأصول والقواعد والمنهج والمصطلحات الخاصّة يكون مميّزاً تنفرد به أتباع تلك المدرسة الكلامية دون غيرها.
    إنّ علم الكلام الإمامي ـ بصفته أحد المدارس الكلامية الإسلامية القديمة والمهمّة ـ قد مرّ طوال تاريخه بمختلف المنعطفات، وقد طرأت عليه تغييرات وتطوّرات عديدة ومختلفة، وإنّ تلك التغييرات التي ظهرت نتيجة لأسباب وعوامل طارئة عليه والتي منها ـ علىٰ الخصوص ـ تأثّر متكلّمي الإمامية بسائر المدارس الفكرية في الحضارة الإسلامية التي أدّت إلىٰ ظهور مختلف المدارس والمناهج الفكرية في كلام الإمامية؛ وفي النتيجة فإنّ مجموع ما نعرفه اليوم تحت عنوان (كلام الإمامية) لم يكن ذا منهج ونسق واحد، حيث أصبح يضمّ مختلف النزعات والمدارس الكلامية، حتّىٰ علىٰ المتضادّة منها. ولا شكّ فإنّ أيّ تحقيق دقيق في (كلام الإمامية) اليوم لابدّ وأن يقوم علىٰ معرفة مختلف هذه المدارس والنزعات، ولا يمكن للدراسات والتحقيقات في هذا المجال أن تسير بالاتّجاه الصحيح وتكون لها نتيجة مثمرة من دون الإلمام بمراحل علم الكلام وبمختلف المدارس والنزعات التي ظهرت في كلام الإمامية. بناء علىٰ هذا، فإنّ معرفة المراحل المهمّة التي مرّ بها علم الكلام الإمامي ومعرفة مدارسه أمر جدير بالاهتمام. ونسعىٰ في هذه العجالة أن نبيّن مراحل علم الكلام الإمامي ومدارسه الرئيسية التي ظهرت في كلام الإمامية ونعرّفها بنحو مختصر.
    إنّ النزعات والمدارس الكلامية المختلفة عند الإمامية إنّما تكوّنت ـ أساساً ـ نتيجة لاختلاف مناهج المتكلّمين في تحقيقهم للمسائل الكلامية، ونتيجة لاختلاف مبانيهم وتعاليمهم الاعتقادية، فإنّ أفضل طريقة لتصنيف المدارس الكلامية الإمامية، هو تصنيفها علىٰ أساس المناهج والمباني الكلامية عند المتكلّمين. فإنّ نشأة المدارس الفكرية وظهورها تأتي تارة نتيجة لما يعرضه أحد المتكلّمين أو بعضهم من أصول ومبانٍ وقواعد جديدة؛ وتارة بسبب إبداع منهج جديد لإثبات الادّعاءات وتوضيحها؛ وتارة أخرىٰ يكون نتيجة لوجود كلا الأمرين. وبذلك يمكن أنّ نقول: إنّ سبب نشأة المدارس الكلامية في الكلام الإمامي هو خليط من كلا العاملين المذكورين آنفاً، أي: الاستفادة من المباني والقواعد الجديدة، وكذلك التغيير في طريقة الاستدلال ومنهجيّته.
    وأمّا التغييرات في المناهج وطرق الاستدلال وكذلك الاستفادة من المباني والقواعد الجديدة في المسائل الكلامية تارة تنشأ إثر إبداع وابتكار أحد أو بعض المتكلّمين، وتارة تأتي هذه التغييرات نتيجة للعلاقات والارتباطات القائمة بين متكلّمي تلك الفرق مع مدارس فكرية أخرىٰ والاقتباس منهم. وبطبيعة الحال فإنّ تعامل متكلّمي الإمامية مع سائر المدارس الفكرية الفلسفية والكلامية وتعاطيهم معهم يمكن له أن يهيّئ أرضية للتأثّر بتلك المدارس الفكرية في بعض الجوانب، كتأثّرهم بالمناهج والمباني والقواعد الجديدة. لقد تعرّض الفكر الكلامي الإمامي في مراحل تطوّره وتكامله إلىٰ تغييرات وتطوّرات في بعض جوانبه وأطروحاته، وذلك نتيجة لمواجهاته واختلاطه مع سائر أفكار المدارس الفاعلة في تلك المرحلة، وقد استطاعت هذه المواجهات التي كانت قائمة بين متكلّمي الإمامية وبقيّة المدارس والمذاهب الفكرية المقتدرة ـ مثل الكلام المعتزلي والكلام الأشعري والفلسفة السينوية (ابن سينا) والفلسفة الإشراقية وعرفان ابن العربي والحكمة الصدرائية ـ أن تؤدّي في مراحل مختلفة إلىٰ تغييرات كبيرة في طريقة متكلّمي الإمامية ومبانيهم وآرائهم الكلامية في بعض المسائل والأبحاث. وبطبيعة الحال فإنّ هذا التأثّر لم يكن من جانب واحد بل كان تأثيراً وتأثّراً من قبل أحد الجانبين علىٰ الآخر؛ أي: إنّ الكلام الإمامي استطاع أن يؤثّر هو الآخر أيضاً علىٰ بعض المدارس الفكرية مثل الكلام المعتزلي والأشعري في بعض الجوانب والمسائل، وفي الواقع فإنّ أكثر المذاهب الفكرية الفاعلة في الحضارة الإسلامية كانت علىٰ ارتباط وثيق ببعضها البعض بحيث كان من الطبيعي أن تحتكّ ببعضها البعض ويكون بينها هذا التأثير والتأثّر؛ وبناء علىٰ ذلك فليس من الصحيح وليس من المنطقي أن نفكّك بين كلّ واحدة منها عن الآخرىٰ كلّياً من دون الأخذ بنظر الاعتبار ارتباط بعضها بالبعض الآخر، وليس من الصحيح أن نأخذ أفكار كلّ واحدة منها علىٰ حدة وبشكل مستقلّ.
    بناء علىٰ ما تقدّم آنفاً، أرىٰ أنّ الاشتراك في المباني الفكرية والآراء الاعتقادية وكذلك في طريقة التعامل مع علم الكلام يمكن أن يكون ملاكاً ومعياراً مناسباً لتصنيف المدارس والنزعات الكلامية، وكذلك لفهرسة طبقات متكلّمي الإمامية، لكن في نفس الوقت لابدّ أن نشير إلىٰ أنّ كلّا ً من المدارس والنزعات الكلامية المشهورة الأصيلة التي تأسّست بابتكار أحد أو بعض متكلّمي الإمامية البارزين الفاعلين في منطقة جغرافية معيّنة يمكن أن نعتبرها بنياناً مستقلّا ً كذلك، وبناء علىٰ ذلك يمكننا أن نشير إلىٰ مؤسّس أو ممثّل بارز لكلّ واحدة من المدارس الكلامية الإمامية، كما يمكننا أن نلحظ لها منطقة جغرافية معيّنة، بحيث تكون هذه المنطقة مبيّنة لمنشأ وموطن تلك المدرسة الكلامية، ومبيّنة لمكان ومركز نشاطات أغلب المتكلّمين التابعين لتلك المدرسة، علماً بأنّ ملاحظة كلّ ذلك يمكن أن يكون مفيداً في تعريف ودراسة المدارس الكلامية. هذا وأنّ رواج أيّ مدرسة فكرية وقبول تعاليمها من قبل الآخرين ـ بعد تبلورها ـ لا يقتصر عادة علىٰ منطقة معيّنة أو بعض المناطق الجغرافية المحدّدة، فقد تجد لهذه المدرسة أنصاراً وتابعين في مناطق مختلفة أخرىٰ، وبناء علىٰ ذلك فإنّ أهمّ أمر يمكن الإشارة اليه في تعريف مدرسة ما من الناحية الجغرافية هو المنشأ والمنطقة التي تواجدت بها نشاطات أتباع تلك المدرسة، ولكنّ ظهور النزعات الكلامية المختلفة في العديد من المناطق وفي مراحل مختلفة جعل من الأفضل أن يذكر ـ حين تسمية هذه المدارس ـ أسماء مؤسّسيها كذلك للتميز فيما بينها.
    بناء علىٰ هذا، أرىٰ أنّه من الممكن تقسيم المدارس الكلامية الإمامية في القرون الهجرية الوسطىٰ ـ أي: من أواخر القرن الرابع وحتّىٰ القرن الحادي عشر؛ وفي الفترة التي نشأت فيها أوّل مدرسة كلامية إمامية واضحة المعالم ـ علىٰ النحو المشار إليه أدناه:
    فللوهلة الأولىٰ يمكننا أن نقسّم المدراس الكلامية الإمامية الأصلية وفقاً للتقسيم المعروف المبتني علىٰ: (طريقة الاستدلال والتحقيق في المسائل الكلامية) إلىٰ التقسيم التالي:
    المبحث الأوّل: المدرسة الكلامية النقلية.
    المبحث الثاني: المدرسة الكلامية العقلية.
    أوّلاً: أقسام الكلام العقلي:
    (1) الكلام العقلي الجدلي.
    (2) الكلام العقلي الفلسفي.
    ثانياً: مراحل الكلام العقلي ومدارسه عند الإمامية:
    بناء علىٰ التقسيم أعلاه، فإنّه يوجد هناك منهجان ومدرستان في الكلام الإمامي ـ بنحو كلّي ـ ذات نزعتين عقلية ونقلية. فالمدارس الكلامية ذات النزعة العقلية تعتمد طريقة الاستدلال والتحقيق العقلي؛ أي: تقوم بإثبات ما تدّعيه ـ بشكل أساسي ـ استناداً إلىٰ الأدلة العقلية، في حين أنّ المدارس الكلامية ذات النزعة النقلية تعتمد طريقة الاستدلال والتحقيق النقلي؛ أي: إنّها غالباً ما تتمسّك بالأدلّة النقلية ـ الأعمّ من الآيات والروايات ـ في إثبات ما تدّعيه. هذا وإنّ منهجية المدرسة الكلامية ذات النزعة العقلية تنقسم ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ إلىٰ نوعين مختلفين: (الكلام العقلي الجدلي والكلام العقلي الفلسفي). وكذلك المدرسة ذات النزعة النقلية هي الأخرىٰ أيضاً تنقسم إ لىٰ عدّة أقسام مختلفة، ولكنّها ليست محلّا ً للنقاش الآن.
    هذا ولا يمكن إنكار أنّ الكلام الإمامي المعترف به رسميّاً في مرحلة القرون الهجرية الوسطىٰ هو الكلام العقلي؛ ولكنّ هذه النزعة العقلية في الكلام الإمامي خلال العديد من مراحلها ظهرت بأنماط وأطوار مختلفة، وكان من نتيجة ذلك ظهور المدراس الكلامية المختلفة. وإنّ واحداً من أهمّ أسباب ظهور تلك المناهج العقلية المختلفة في الكلام الإمامي هو ما أشرنا إليه سابقاً؛ وهو التأثير ـ الملفت للنظر ـ الذي تركته المدارس الفكرية من الكلام المعتزلي والكلام الأشعري والفلسفة السينوية (ابن سينا) والحكمة الصدرائية علىٰ الكلام الإمامي. وبناء علىٰ تأثّر الكلام العقلي الإمامي بالمدارس الفكرية المذكورة، نتطرّق الآن إلىٰ تصنيف مراحل الكلام الإمامي وتعريف مختلف مدارسه.
    الجدير بالذكر هنا هو أنّه بالرغم ممّا ذكرناه سابقاً من أنّ بعض النصوص والدراسات المختلفة قد أشارت إلىٰ التفصيل بين النزعات الكلامية ـ التي سنذكرها أدناه ـ وحتّىٰ بين عناوين بعض تلك المدارس، إلّا أنّ طريقة تصنيف المراحل والمدارس الكلامية الإمامية وتسميتها بالشكل الذي يأتي فيما بعد هو من اقتراح راقم السطور؛ فإنّ هذا النمط من تسمية وتصنيف المدارس الكلامية إنّما جاء من أجل التمييز بين النزعات الكلامية عند الإمامية والفصل بينها، حيث لا يوجد مثل هذه الأسامي وهذا التصنيف في النصوص الكلامية القديمة. وبطبيعة الحال لا زال باب التساؤلات والانتقاد والإصلاح في شأن دقائق هذا التفصيل مفتوح علىٰ مصراعيه.
    وأرىٰ أنّه من الممكن أن نقسّم الكلام العقلي الإمامي في القرون الهجرية الوسطىٰ إلىٰ مراحل أربعة أصلية متمايزة تشتمل علىٰ المدارس المذكورة أدناه:
    ثانياً: مراحل الكلام العقلي ومدارسه عند الإمامية:
    ">پررنگ"> (1) مرحلة الكلام المعتزلي الإمامي. ">/پررنگ">
    توجد في هذه المرحلة ثلاث مدارس متمايزة يمكن معرفتها وتمييزها كما يلي:
    (أ) مدرسة بغداد المتقدّمة [مدرسة الشيخ المفيد (ت 413ه‍ )وأتباعه].
    (ب) مدرسة بغداد المتأخّرة [مدرسة الشريف المرتضىٰ (ت 436ه‍) وأتباعه].
    (ج) مدرسة الحلّة المتقدّمة [مدرسة الحمّصي الرازي (كان حيّاً: 600ه‍) وأقرانه].
    (2) مرحلة الكلام (المعتزلي ـ الفلسفي) الإمامي.
    تشتمل علىٰ مدرسة الحلّة المتأخّرة [مدرسة الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672ه‍) والعلّامة الحلّي (ت 726ه‍) وأتباعهما].
    (3) مرحلة الكلام الفلسفي الإمامي.
    تشتمل علىٰ مدرسة قم [مدرسة الفيّاض اللاهيجي (ت 1072ه‍) وأقرانه].
    (4) مرحلة الكلام (الفلسفي ـ العرفاني) الإمامي.
    تشتمل علىٰ مدرسة إصفهان [مدرسة الملّا صدرا (ت 1050ه‍) والفيض الكاشاني (ت 1091ه‍) وأتباعهما].
    وكما هو واضح فأنّ التقسيم أعلاه قد أشار إلىٰ شخصية أو شخصيّتين من المؤسّسين والممثّلين البارزين لكلّ من المدارس المذكورة، مع ذكر المنطقة الجغرافية التي كانت فيها نشأة تلك المدرسة ونموّها.
    ومن خلال التقسيم المذكور لمراحل ومدارس الكلام الإمامية يظهر بوضوح مدىٰ ابتعاد واقتراب وشباهة ومخالفة المدارس الكلامية الإمامية من بعضها البعض؛ فعلىٰ سبيل المثال نرىٰ أنّ المدارس التي تمّ الإشارة إليها في مرحلة الكلام المعتزلي الإمامي بينها شبه كبير بالمقارنة مع المدراس التي ظهرت في المراحل التي تلتها. وكلّما ازداد الشرخ بين تلك المرحلة والمراحل الأخرىٰ التي تلتها، وبَعُدت تلك المدارس عنها، فإنّ المدارس التي نشأت فيما بعد في الكلام الإمامي كانت لها اختلافات وفوارق أكثر ممّا كانت عليه المدارس الفاعلة في مرحلة الكلام المعتزلي الإمامي؛ فمن هذا المنطلق يمكن أن نقول أنّ المدارس المصنّفة تحت المرحلة المذكورة لها السهم الأوفر من الاختلافات والفوارق مع الكلام (الفلسفي ـ العرفاني) لمدرسة إصفهان.
    وعلىٰ ما أعتقد أنّ التصنيف المذكور آنفاً لمراحل ومدارس الكلام الإمامي يمكن أن يكون ـ إلىٰ حدٍّ كبير ـ معياراً للتمييز بين حدود الاختلافات الفكرية والنزعات الكلامية في الفكر الإمامي في القرون الهجرية الوسطىٰ. وفي الواقع ـ بناء علىٰ هذا التصنيف ـ يمكن إضافة العديد من متكلّمي الإمامية المعروفين إلىٰ إحدىٰ المدارس المذكورة بناء علىٰ تعيين منهجهم الفكري ونزعتهم الكلامية، وتحديد توجّههم الفكري. علماً بأنّه قد يكون هناك متكلّمون لا يمكن تصنيفهم ضمن نطاق التقسيمات المذكورة، أو لا يمكننا حاليّاً أن نبدي رأينا القطعي في شأن نزعاتهم الكلامية بناء علىٰ المعلومات الموجودة عنهم؛ علىٰ سبيل المثال فقد استطاع ابن أبي جمهور الأحسائي (ت بعد 904 ه‍) أن يبتكر أسلوباً كلاميّاً خاصّاً في تدوينه للكتب الكلامية، وذلك من خلال استفادته من الفلسفة المشّائية والإشراقية والعرفان في مباحث علم الكلام، ولكنّ طريقته هذه لم تحظَ باتّباع لها، ولم تدُم زمناً طويلاً، وبذلك لا يمكننا أن نعتبر منهجه بعنوان مدرسة كلامية مستقلّة، كما لا يمكننا أن نصنّفه ـ بنحو دقيق ـ في قائمة إحدىٰ المدارس المذكورة آنفاً. وكذلك الحال بالنسبة إلىٰ بعض المتكلّمين أو بعض الكتب الكلامية، حيث لا نستطيع ـ بناء علىٰ المعايير التي تمّ علىٰ أساسها تصنيف تلك المدارس ـ أن نصنّفها في قائمة إحدىٰ المدارس المذكورة آنفاً؛ وذلك لأنّ لهم نظريّات ومؤلّفات تختلف نسبيّاً مع مؤلّفات المدارس المذكورة، وهذا النمط من المتكلّمين وكذلك المؤلّفات الكلامية الإمامية التي تمّ تأليف أغلبها في الفترة الزمنية بين النصف الثاني من القرن السادس والقرن السابع الهجري بأسره ـ وهو الزمن الذي التقت وظهرت فيه عدّة مدارس كلامية مختلفة، منها مدرسة بغداد المتأخّرة ومدرسة الحلّة المتقدّمة ومدرسة الحلّة المتأخّرة ـ تحتوي علىٰ مميّزات وخصائص متنوّعة، وغالباً ما كان فيها مزيج من المناهج والنظريّات الكلامية لمدرستين من المدارس الكلامية المذكورة، فإنّ بعض تلك الكتب مثل كتاب مشكاة اليقين في أصول الدين ـ المنسوب إلىٰ علي بن محمود الحمّصي نجل سديد الدين محمود الحمّصي الرازي بناء علىٰ قول البعض2
    انظر: (كهنترين واكنش به فخر الدين رازي؟ بررسي كوتاهي درباره كتاب مشكوة اليقين في اصول الدين)، والمنشورفي:
    http://ansari.kateban.com/post/3706.
    ـ هي عبارة عن مزيج من نزعات ونظريّات المعتزلة البهشمية والنظريّات الفلسفية ـ أي: إنّها تحتوي علىٰ مجموعة من خصائص مدرسة بغداد المتأخّرة ومدرسة الحلّة المتأخّرة ـ وأمّا البعض الآخر من الكتب مثل رسالة الخلاصة في علم الكلام3
    الخلاصة في علم الكلام: تحقيق: السيّد محمّد رضا الجلالي، مؤسّسة آل‌البيت ^ لإحياء التراث، 1432 ه‍. (تمّ تحقيق هذه الطبعة علىٰ أساس ستّة نسخ من الرسالة وهي من أفضل الطبعات، لذلك فالإحالات اللاحقة علىٰ هذه الرسالة التي ذكرتها هنا تأتي بناء علىٰ هذه الطبعة).
    ـ المنسوبة وفقاً لبعض النسخ المتبقّية منها إلىٰ قطب الدين السبزواري ـ فهي تعكس لنا مزيجاً من آراء مدرسة أبي الحسين البصري الكلامية والنزعات والنظريّات الفلسفية ـ أي: مزيجاً من خصائص مدرسة الحلّة المتقدّمة ومدرسة الحلّة المتأخّرة ـ فلا يمكننا أن نعدّ مثل هؤلاء المتكلّمين وتلك المؤلّفات الكلامية بنحو دقيق من مدرسة كلام بغداد المتأخّرة (البهشمية)، ولا من متكلّمي ومؤلّفات الحلّة المتقدّمة، ولا يمكن إدراجهم بنحو كامل في منظومة كلام مدرسة الحلّة المتأخّرة، بل هي مؤلّفات بين هذه المدرسة وتلك وبمميّزات مزيجة، ففي حقيقة الأمر لابدّ أن نأخذها مستقلّة بعين الاعتبار، ونقيّمها بنحو مستقلّ. إنّ ظهور هذا النمط من المتكلّمين، وتأليف أمثال هذه الرسائل بالمميّزات المذكورة في تلك الفترة الزمنية ـ وهي الفترة التي برزت فيها مختلف النزعات والمدارس الكلامية الإمامية، وكانت الآراء الكلامية لجميع هذه المدارس بمختلف مستوياتها مثاراً للنقاش في الساحة الفكرية للفكر الكلامي الإمامي ـ يبدو أنّه أمر طبيعي.
    والأمر الآخر الجدير بالذكر في باب التصنيف المذكور للمدارس الكلامية الإمامية ـ علىٰ ما أظنّه، وخلافاً لما يراه بعض المحقّقين ـ أنّ فلاسفة مدرسة شيراز الفلسفية ـ من أمثال: السيّد صدر الدين الدَّشتَکي (ت 903 ه‍) المعروف بالسيّد السَّنَد، ونجله غياث الدين منصور الدَّشتَکي (ت 949 ه‍)، وكذلك شمس‌الدين محمّد الخَفري (ت 942 ه‍)، ونجم الدين الحاجّ محمود النيريزي (ت بعد 943 ه‍)، وفخر الدين السَّماکي (ت 984 ه‍) ـ لابدّ من إخراجهم عن نطاق متكلّمي الإمامية، فلا يمكننا أن نعدّهم من ضمن متكلّمي الإمامية المعروفين، بالرغم من أنّهم قد تطرّقوا في جانب من مؤلّفاتهم إلىٰ بعض المواضيع والأبحاث الكلامية.
    مع صرف النظر عن الشكوك التي تحوم حول تشيّع بعض فلاسفة شيراز مثل شمس الدين محمّد الخفري، فإنّ آراءهم ومؤلّفاتهم لا تكشف عن منهجهم الكلامي وطريقتهم فيه، ففي الحقيقة لا يمكن من خلال مجموع مؤلّفات وآراء كلّ واحد من هؤلاء الفلاسفة أن نرسم تصوّراً لنظام كلامي كامل لهم، وإنّ الشكوك المثارة حول مذهب الكثير من هؤلاء العلماء وميولهم الكلامية إنّما يعود إلىٰ عدم وجود نظام كلامي يمكن أن ينسب إليهم، كما أنّ مؤلّفاتهم ـ بصورة عامّة ـ تتناول مناهج ومفاهيم فلسفية، ولا يوجد أيّ كتاب كلامي جامع يمكن أن يكون مبيّناً لدقائق آرائهم في جميع مسائل علم الكلام سوىٰ بعض الرسائل الاعتقادية، كما أنّ أكثر نشاطاتهم الكلامية كانت مقتصرة علىٰ البحث في باب معرفة الباري عزّ وجلّ، وخاصّة علىٰ أدلّة إثبات واجب الوجود، واقتصرت كذلك علىٰ الشروح والحواشي علىٰ أبحاث كتاب تجريد الاعتقاد للخواجة نصير الدين الطوسي، وحتّىٰ هذه الشروح والحواشي كانت غالباً ما تشير إلىٰ المواضيع الفلسفية والطبيعية، أو إلىٰ أمور عامّة، ولم تتناول الأبحاث الاعتقادية والكلامية الأساسية. وإلىٰ جانب هؤلاء الفلاسفة المذكورين آنفاً فإنّ العلّامة جلال الدين الدواني (ت 908ه‍) أيضاً كان علىٰ نفس الشاكلة تقريباً؛ فقد أثيرت الكثير من الشكوك حول شخصية هذا الفيلسوف الإشراقي4
    وكما ذكر بعض المحقّقين بعد التنقيب في مختلف المصادر أنّه من الصعب أن نبتّ في شأن مذهب الدواني. انظر حول هذه الشخصية ماكتبه رضا پور جوادي في دانشنامه جوان إسلام 18 / 264، تحت عنوان: (دواني، جلال الدين محمّد). إنّ نسبة تأليف رسالة (نور الهداية) إلىٰ الدواني ـ من قبل بعض ممّن يعتقدون بتشيّعه ويقولون أنّ تأليفها من قبله هو خير شاهد علىٰ تغيير مذهبه من مذهب السنّة الأشعرية إلىٰ المذهب الشيعي ـ هو أمر غير مسلّم به؛ حيث يواجه الكثير من الإشكالات والإيرادات عليه. انظر: تأمّلي در انتساب رساله نور الهداية به جلال الدين دواني، مقالة مطبوعة في: مجلّة آينه ميراث: 123ـ143. وكذلك فإنّ بعض المحقّقين الذين اعتبروا جلال الدين الدواني فيلسوفاً أشعريّاً قد شكّكوا في كونه متكلّماً أوفيلسوفاً، حيث قالوا ما معرّبه: «هناك سؤال يطرح نفسه ويبقىٰ من غير جواب؛ هو أنّ جلال الدين الدواني هل هو أشعري يسعىٰ لإثبات مذهبه الكلامي من خلال استفادته من الاستدلالات الفلسفية؟ أو علىٰ العكس من ذلك، أي: إنّه فيلسوف استطاع من خلال الاستفادة من الأفكار الفلسفية أن يتوصّل إلىٰ متانة منهج كلام الأشاعرة وإلىٰ أعماق أفكار الأشعري بالخصوص؟ ولكن بالرغم من وجود أجوبة علىٰ هذا السؤال إلّا أنّ اضطراب وتضادّ الأجوبة وتعدّدها جعل من الصعب الوصول إلىٰ نتيجة في هذا الخصوص». جلال الدين دواني فيلسوف ذوق‌ التألّه: 429.
    ، في خصوص أنّه هل كان (عالماً كلاميّاً)؟ وهل أنّه كان (إماميّاً)؟ وعلىٰ أقلّ التقديرات أنّنا نعلم أنّ أكثر مؤلّفاته قد ألّفت في المرحلة التي كان فيها من أتباع المدرسة الأشعرية.
    بناء علىٰ هذا، فإنّ اعتبار فلاسفة مدرسة شيراز في عِداد متكلّمي الشيعة يرد عليه إشكالية من ناحيتين:
    الناحية الأولىٰ: أنّ الكثير منهم لم يثبت تشيّعه، ولا زال تشيّعهم أمراً مجهولاً بالنسبة لنا، ومن ناحية ثانية: لم يثبت كونهم من المتكلّمين، ويبدو أنّ أكثر ما يمكن أن تعكسه شخصيّتهم هو كونهم من الفلاسفة لا المتكلّمين، وفي الحقيقة أنّ الشكوك المثارة حولهم في مجال معرفة عقيدتهم ومذهبهم الكلامي هو دليل علىٰ أنّ العلماء المذكورين لم يتطرّقوا لعلم الكلام ولم يتعاملوا معه بحدٍّ بحيث تتّضح لنا عقيدتهم بنحو قطعي، وعلىٰ هذا الأساس يبدو أنّ عدّ هؤلاء الفلاسفة في عداد المتكلّمين أمر غير منطقي نوعاً ما.
    ومع كلّ ما ذكرناه فلا يزال هناك بعض المحقّقين يؤكّدون علىٰ اعتبار فلاسفة مدرسة شيراز في عداد متكلّمي الإمامية، ويعتقدون أنّهم كانوا من أصحاب مدرسة كلامية من نوع الكلام الفلسفي ذات نزعة إشراقية عرفانية.
    ويبدو أنّ النتيجة النهائية للحكم علىٰ كون فلاسفة شيراز في عداد متكلّمي الإمامية إنّما يعتمد علىٰ طباعة ودراسة جميع كتب هؤلاء الفلاسفة، كما له علاقة أيضاً بما نقصده من معنىٰ ومفهوم: (المتكلّم الإمامي).
    وبناء علىٰ المعلومات المتوفّرة لدينا حاليّاً أرىٰ أنّه من الأرجح أن لا نعدّ فلاسفة شيراز في عداد التصنيف المقترح الذي قدّمناه من مدراس الإمامية، وبالتأكيد فليس معنىٰ ذلك أنّ لا تؤخذ مؤلّفاتهم الكلامية وما تركته آراؤهم من تأثير علىٰ الكلام الشيعي وخاصّة مدرسة ملّا صدرا بعين الاعتبار.
    وبعدما ذكرنا المقدّمات الآنفة الذكر، نقدّم فيما يلي بياناً مختصراً في شأن كلّ واحدة من المدارس والمراحل الكلامية الإمامية:
    المبحث الأوّل: المدرسة الكلامية النقلية:
    من الناحية التاريخية فإنّ هذه المدرسة تعتبر نموذجاً لأوّل مرحلة ومنهج كلامي في تاريخ الكلام الإمامي. إنّ الميزة الأساسية للمدرسة الكلامية النقلية في تعاملها مع المسائل الاعتقادية هو أن يؤخذ النصّ أو النقل بعين الاعتبار دون غيره؛ وذلك بمعنىٰ أنّ النصوص الدينية ـ الأعمّ من الآيات والروايات ـ تعتبر المصدر الرئيسي لمعرفة وتبيين المفاهيم الدينية والمعتقدات الإسلامية.
    إنّ العلماء الذين اختاروا هذا الأسلوب الكلامي الخاصّ لفهم المسائل الاعتقادية وتدوينها غالباً ما كانوا من المحدّثين العارفين بالنصوص الدينية والمطّلعين عليها، وكانوا يعتقدون بأنّ الطريقة الصحيحة للوصول إلىٰ المسائل الاعتقادية وتبيينها ـ مثلها مثل المسائل الفقهية ـ منحصر في الرجوع إلىٰ القرآن الكريم وأحاديث الأئمّة ^ والتعويل عليها. هذا وأنّ أكثر المحدّثين الذين كانوا قد اتّخذوا المنهج النقلي للتحقيق في المسائل الاعتقادية كانوا يعتقدون بحجّية العقل الإجمالية، وذلك بصفته أحد عوامل فهم النصوص، وكذلك أيضاً بصفته أحد المصادر المهمّة في معرفة المفاهيم الدينية، ولكنّهم كانوا يعتبرون أنّ الأصل والأولوية لنفس الأدلّة والنصوص النقلية الموجودة في القرآن والمجامع الروائية الشيعية. بناء علىٰ هذا، فإنّ اعتماد هذه الطائفة من محدّثي متكلّمي الإمامية علىٰ النقل ليس معناه رفضهم للعقل وللمناهج العقلية ومحاربتها، بل بمعنىٰ أنّ النصّ هو الأساس الذي يجب الاعتماد عليه في الأبحاث الكلامية، وأنّ أكثر تعويلهم علىٰ الأدلّة النقلية في قبال الأدلّة العقلية، بل وترجيحها علىٰ الأدلّة العقلية كذلك.
    وباختصار فإنّ أهمّ المباني الفكرية عند المتكلّمين التابعين للمدرسة الكلامية النقلية هي عبارة عن:
    1ـ الاعتقاد بكون الأخبار والأحاديث هي المرجع في معرفة المفاهيم الدينية وتبيينها.
    2ـ قبول حجّية خبر الواحد والتعويل عليه في تبيين المسائل الاعتقادية.
    3ـ الاعتقاد بتقديم الدليل النقلي علىٰ الدليل العقلي وترجيحه عليه حين التعارض بينهما.
    واحدة من الاختلافات الأساسية بين مدرسة الكلام النقلي ومدرسة الكلام العقلي هي حجّية خبر الواحد عند المحدّثين من المتكلّمين، وعدم حجّيته عند المتكلّمين العقليّين؛ و(خبر الواحد) هو مصطلح أصولي يطلق علىٰ الحديث الذي لم يتمّ نقله بواسطة عدد من الرواة، وبتعبير أدقّ: إنّ خبر الواحد يطلق علىٰ الحديث الذي لا تتوفّر به شروط (الخبر المتواتر)؛ أي: كثرة الرواة الثقات العدول في جميع طبقات السند الذين يستحيل تبانيهم علىٰ الكذب. ويرىٰ المحدّثون أنّ خبر الواحد حجّة ويمكن التعويل عليه في المسائل والمواضيع الدينية الأعمّ من الفقهية أوالكلامية، في حين أنّ أكثر المتكلّمين العقليّين كانوا يرفضون بشدّة حجّية خبر الواحد في مجال الاعتقادات ولا يجوّزون الاستفادة منه في المسائل الاعتقادية، وذلك لأنّ هذه الطائفة من المتكلّمين تعتقد ما يلي:
    (أ) لابدّ للإنسان من أن يحصل له اعتقاد يقيني وقاطع في المسائل الاعتقادية. بناء علىٰ هذا، فإنّ الأدلّة التي يحصل منها اليقين في المسائل الاعتقادية فقط هي الحجّة.
    (ب) إنّ خبر الواحد في حالة كونه معتبراً، فهو إنّما يفيد الظنّ ولا يؤدّي إلىٰ اليقين؛ إذن لا حجّية لخبر الواحد في المسائل الاعتقادية، ولا يجوز التعويل عليه في مثل هذه المسائل.
    فعلىٰ هذا الأساس نرىٰ أنّ المتكلّمين العقليّين لا يعتقدون بصحّة الاستناد علىٰ الكثير من الروايات والأحاديث في المسائل الاعتقادية، وبالنتيجة فهم يقولون بأنّه لا محالة من الرجوع إلىٰ العقل والأدلّة العقلية في الأبحاث الكلامية. وأمّا محدّثو متكلّمي الإمامية المعتقدون بحجّية واعتبار خبر الواحد، كانوا يعتبرون أفضل طريقة لمعرفة المفاهيم الاعتقادية وتبيينها هو التعويل علىٰ النصوص الدينية وأقوال الأئمّة ^ والاستدلال بها، فكان هؤلاء يرون أنّه لا حاجة للرجوع إلىٰ العقل والتعويل علىٰ الأدلّة العقلية ما دامت أحاديث المعصومين ^ متوفّرة لدينا ويمكننا علىٰ أساسها أن نبيّين المسائل الاعتقادية، فإنّ الرجوع إلىٰ العقل أمر معرّض للخطأ.
    وكذلك أيضاً خلافاً لعقيدة المتكلّمين العقليّين الذين يحكمون حين يتعارض الدليلين النقلي والعقلي بطرح الدليل النقلي دون العقلي5
    علىٰ سبيل المثال: ذكر الشيخ المفيد في هذا الشأن قائلاً: «إن وجدنا حديثاً يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل بفساده». تصحيح الاعتقاد: 149.
    ؛ فإنّ المتكلّمين من المحدّثين يرجّحون الدليل النقلي علىٰ العقلي في حالة تعارضهما.
    وبطبيعة الحال فإنّ الاختلاف الحاصل بين مدرستي الكلام النقلي والكلام العقلي إنّما جاء علىٰ إثر اختلافهما في المباني، الذي أدّىٰ بدوره إلىٰ الاختلاف الواضح بين آرائهما ومناهجهما الكلامية، حيث ظهرت بينهما مواجهات في مواضع عديدة، تنمّ عن مدىٰ التضادّ والاختلاف الذي كان قائماً بينهما. ويمكننا أن نرىٰ في مواجهة أراء متكلّمي مدرستي الكلام النقلي في قم والكلام العقلي في بغداد أنموذجاً من هذا الخلاف الفكري بين هاتين المدرستين6
    انظر: مكتب حديثى قم: 444ـ450.
    . فإنّ ردّ الشيخ المفيد (ت 413ه‍) ـ بصفته مؤسّس مدرسة الكلام العقلي الإمامي في بغداد ـ الذي جاء تحت عنوان: تصحيح الاعتقاد علىٰ رسالة الاعتقادات للشيخ الصدوق (ت 381ه‍) ـ وهو أبرز ممثّل لمدرسة الكلام النقلي الإمامي في قم ـ يعكس نموذجاً للاختلافات الفكرية الواضحة التي كانت قائمة بين هاتين المدرستين7
    كان المرحوم العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري يعتقد أنّ موارد الاختلاف‌ بين الشيخ المفيد والشيخ الصدوق بالمقارنة مع موارد الاتّفاق‌ بينهما قليلة جدّاً، ولا يوجد بين هذين العلمين في الأصول الاعتقادية وجزئيّاتها اختلاف يعتنىٰ به، وإنّ أكثر اختلافاتهم حول نوعية وكيفية الاستدلال علىٰ الآراء الاعتقادية. (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه)، مقال في مجلّة تراثنا، العدد المزدوج: 30ـ31، ص158ـ159. وبالطبع فإنّ تقييم هذا الرأي يفتقر إلىٰ بحث مستقلّ في هذا الموضوع.
    ، فهناك قسم كبير من النقد الذي ذكره الشيخ المفيد في حواشيه وتعليقاته علىٰ كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق منشؤه هو اختلافهما في المباني في قبول الروايات، ولطالما انتقد الشيخ المفيد الشيخ الصدوق بسبب اعتماده أخبار الآحاد والشاذّة منها في إثبات المدّعيات الكلامية8
    علىٰ سبيل المثال: ذكر الشيخ المفيد في موضع قائلاً: «عوّل أبو جعفر & في هذا الباب علىٰ أحاديث شواذّ لها وجوه يعرفها العلماء متىٰ صحّت وثبت إسنادها ولم يقل فيه قولاً محصّلاً وقد كان ينبغي له لمّا لم يكن يعرف للقضاء معنىٰ أن يهمل الكلام فيه»، تصحيح الاعتقاد: 54.
    ، ولعدم درايته ولسوء فهمه تلك الروايات، ولعدم تمييزه الأحاديث الصحيحة من السقيمة، ولعمله بظواهر الأحاديث المتعارضة9
    علىٰ سبيل المثال: فقد انتقد الشيخ المفيد في موضع طريقة الشيخ الصدوق ورأيه حيث قال: «الذي ذكره الشيخ أبو جعفر & في هذا الباب لا يتحصّل ومعانيه تختلف وتتناقض والسبب في ذلك أنّه عمل علىٰ ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممّن يرىٰ النظر فيميّز بين الحقّ منها والباطل ويعمل علىٰ ما يوجب الحجّة ومن عوّل في مذهبه علىٰ الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه‏». تصحيح الاعتقاد: 49.
    ، وكذلك أشكل الشيخ المفيد في بعض المسائل علىٰ الشيخ الصدوق في قبوله الأخبار التي مدلولها مخالف للأدلّة العقلية.
    إنّ المدارس والمناهج الكلامية النقلية عند الإمامية أوّل نشأتها كان في المناطق التي أضحت مركزاً لنقل أحاديث الأئمّة ^، وكان لرواة الأخبار تواجد فاعل فيها، ثمّ اتّسعت بعد ذلك رقعتها إلىٰ مناطق أخرىٰ. وكانت تعرف مناطق مثل الكوفة10
    وفي شأن مدرسة الكوفة ومختلف تيّاراتها الفكرية الكلامية راجع كتاب: جستارهايي در مدرسه كلامي كوفه.
    وبغداد وقم11
    للاطّلاع بصورة إجمالية علىٰ الآراء التي تمّت مناقشتها في مدرسة قم الكلامية انظر كتاب: جستارهايي در مدرسه كلامي قم، وكتاب: مكتب كلامي قم، وكتاب: مدرسه كلامي قم، ومجلّة: نقد ونظر 1391ش، ص66ـ89. وللتعرّف علىٰ مدرسة قم ومحدّثيها ومؤلّفاتهم الحديثية الكلامية، انظر كتاب: مكتب حديثي قم.
    والري بالمراكز الأصلية لنشر مدرسة الكلام النقلي أو الحديث الإمامي؛ وذلك لأنّها كانت مكاناً للتواجد الفاعل لرواة ومشايخ الحديث الإمامي. ربّما لأوّل مرّة تمّ جمع أحاديث اعتقادات الإمامية في شكل نظام شامل ومنظّم ومبوّب وذلك في ظلّ جهود محدّثي مدرسة قم؛ فقد تمّ تأليف أهمّ مجموعة للحديث الاعتقادي ـ الفقهي الشيعي في مرحلة ازدهار مدرسة قم، وهو كتاب الكافي للشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه‍)12
    بالرغم من أنّ الشيخ الكليني كانت نشأته في الري ثمّ رحل بعدها إلىٰ بغداد إلّا أنّ شخصيّته العلمية ومؤلّفاته قد تأثّرت بمدرسة قم الحديثية، حيث يبدو ذلك واضحاً من خلال أسانيد أحاديث كتاب (الكافي) أنّه استفاد من رواة الشيعة ومن مشايخهم في قم؛ ولذلك لابدّ أن نعتبر نتاجاته العلمية وثمرة أفكاره إنّما تعود إلىٰ مدرسة قم. انظر: مدرسه كلامي قم: 73.
    ، حيث عرض في هذا الكتاب صياغة للمباني الكلامية للإمامية المبتنية علىٰ روايات أهل البيت ^، وقد تمّ قبولها فيما بعد ذلك من قبل الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد ومن قبل العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 13
    كلام إماميه (ريشه‌‌‌ها ورويش‌‌‌ها): 31.
    .
    إنّ واحداً من أبرز محدّثي الإمامية الذين لعبوا دوراً مهمّاً في أنشاء مدرسة الكلام النقلي الإمامي، وهو أبو جعفر محمّد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381ه‍)؛ ألّف كتباً فريدة وقيّمة في الحديث الكلامي مثل كتاب كمال الدين وتمام النعمة وكتاب التوحيد، كما ألّف أيضاً أوّل كتابين في المعتقد الإمامي الشيعي مشتملَين علىٰ جميع الأركان الأصلية للفكر الشيعي وهما كتاب الاعتقادات والهداية 14
    نفس المصدر: 32.
    ، وبذلك استطاع أن يعرض منظومة جامعة لعقائد الإمامية بناء علىٰ نصوص الآيات والروايات. وبالرغم من أنّ الشيخ الصدوق التزم روايات أئمّة الشيعة في بادئ الأمر كأساس في تحقيق وتحرير المسائل الاعتقادية، إلّا أنّه لم يُعرِض عن الأدلّة العقلية والآراء الكلامية للمتكلّمين العقليّين، بل كان له اطّلاع ومعلومات واسعة عنهم أيضاً؛ علىٰ سبيل المثال فإنّه قد تطرّق في مواضع من كتابه التوحيد ـ بعد استناده علىٰ الروايات ـ إلىٰ نقل الأدلّة العقلية وآراء متكلّمي المعتزلة ودراستها 15
    علىٰ سبيل المثال: انظر الاستدلالات العقلية التي ذكرها الشيخ الصدوق في كتابه التوحيد: 298ـ303؛ بعدما نقل الروايات الدالّة علىٰ إثبات حدوث الاجسام.
    ، وقد أشارت بعض الدراسات المعاصرة إلىٰ تأثّر الشيخ الصدوق في بعض المسائل ببعض آراء المعتزلة 16
    Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 201.
    ؛ منها ما ذكره مك درموت في أنّ طريقة دراسة ومناقشة وبيان مواضيع العدل الإلهي في كتاب التوحيد تكشف عن تأليف هذا الكتاب في مرحلة متأخّرة من الحياة العلمية للشيخ الصدوق، أي: في الفترة التي كانت له صلة قريبة بالفكر المعتزلي 17
    McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, p. 323.
    وانظر أيضاً الترجمة الفارسية لهذا الكتاب: انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 427.
    . والذي يتبيّن من خلال دراسة كتب الشيخ الصدوق أنّ محور استدلالات الشيخ في هذه الكتب هو روايات الأئمّة ^، وأنّ الاستدلالات العقلية إنّما تمّ مناقشتها استطراداً وتفريعاً للموضوع بعد الأدلّة النقلية.
    مرّ الكلام النقلي الشيعي بمنعطفات عديدة بين ارتقاء وهبوط، فقد ازدهر وانتشر بفضل جهود بعض العلماء مثل السيّد ابن طاوس (ت 664ه‍) 18
    للتعرّف علىٰ نزعة الكلام النقلي لديه ودراسة آرائه الكلامية، انظر كتاب: آراي كلامي سيد بن طاووس: 33.
    ومحدّثين مثل الحسن بن سليمان الحلّي (كان حيّاً سنة 802 ه‍)، كما اعتني به كذلك وزاد الاهتمام به في العصرالصفوي من قبل بعض المحدّثين مثل الفيض الكاشاني (ت 1091ه‍)، وإنّ كتابه علم اليقين خير دليل علىٰ الالتقاء الحاصل بين الكلام الفلسفي ـ العرفاني والكلام النقلي، حيث تجلّىٰ فيه المنهج الفلسفي ـ العرفاني للمؤلّف مع استناده واستشهاده بالكثير من الروايات. ومن بعد الفيض الكاشاني نرىٰ أنّ المحدّث والمتكلّم الشيعي العلّامة محمّد باقر المجلسي (ت 1110ه‍) قد اتّبع طريقة الكلام النقلي ـ الفلسفي، حيث كان له باع في الفلسفة والأبحاث الكلامية العقلية ـ الفلسفية فضلاً عن كونه محدّثاً لامعاً، وإنّ كتابه حقّ اليقين يحتوي علىٰ العديد من الاصطلاحات والاستدلالات الفلسفية الكلامية، خاصّة في باب التوحيد والعدل 19
    علىٰ سبيل المثال: انظر اصطلاحات العلّامة المجلسي واستدلالاته الفلسفية في إثبات وجود الباري ووحدانيّته وصفاته في كتابه حقّ اليقين: 11ـ25.
    ، كما اعتمد فيه أيضاً علىٰ العديد من الروايات، خاصّة في أبحاث النبوّة والإمامة والمعاد. وتبعاً للعلّامة المجلسي فقد اتّخذ بعض علماء الشيعة مثل السيّد عبد الله شبّر (ت 1242ه‍) نفس هذه الطريقة في تدوين النصوص الاعتقادية، فكثيراً ما تأثّر كتاب الحقّ اليقين في معرفة أصول الدين للسيّد عبد الله شبّر بالطريقة النقلية ـ العقلية، حتىٰ أنّ بعض فصوله قد نقلها من كتاب حقّ اليقين للعلّامة المجلسي بالأسلوب النقلي ـ العقلي، ولكن بطبيعة الحال فإنّ كتاب السيّد عبد الله شبّر ليس فيه جنبة فلسفية مقارنة بكتاب العلّامة المجلسي الآنف الذكر 20
    ذكر السيّد عبد الله شُبَّر في مقدّمة كتابه هذا الذي جمع فيه بين المعقول والمنقول قائلاً: «قد جمعت بين المعقول والمنقول». الحقّ اليقين في معرفة أصول الدين: 16.
    .
    وباختصار يمكننا أن نقول: إنّ قم هي المحلّ الأصلي الذي وضع به الحجر الأساس للكلام النقلي الإمامي، حتّىٰ عادت هذه المدينة مركزاً لنموّ الكلام النقلي ـ الكلام الحديثي الإمامي ـ ونشره. واستطاعت مدرسة الكلام النقلي بمساعي وجهود علماء مثل الشيخ الكليني والشيخ الصدوق أن تجمع تراثاً عظيماً من الأحاديث الاعتقادية وتبوّبها وتنظّمها وتأسّس نظاماً كلاميّاً متكاملاً، بحيث تحوّل هذا النظام الاعتقادي المبتني علىٰ النصوص الدينية ـ والذي يعدّ تراثاً قيّماً لمدرسة قم ـ إلىٰ أنموذج لمحقّقي علم الكلام وأتباع النصّ عند الإمامية في المراحل التالية وخاصّة العصر الصفوي، بل وفي عصرنا الحاضر صار محلّ اهتمام مختلف مدارس الحديث الإمامي وخاصّة (مدرسة التفكيك).
    المبحث الثاني: المدرسة الكلامية العقلية:
    إنّ اصطلاح: (العقلي) في تركيب عبارة: (مدرسة الكلام العقلي) إنّما أتىٰ في إزاء اصطلاح: (النقلي) أو (الوحياني)، والكلام العقلي هو نوع من أنواع علم الكلام يتمّ من خلاله دراسة وتبيين المسائل الكلامية باتّخاذ الطريقة والمنهجية العقلية. ففي المنهجية العقلية نرىٰ أنّ المتكلّمين في تحقيقهم للمسائل الاعتقادية يستفيدون من الأساليب العقلية ـ الأعمّ من أقسام القياس ومن أنواع الاستدلالات العقلية ـ المبتنية علىٰ الأصول والقواعد العقلية.
    أوّلاً: أقسام الكلام العقلي:
    بما أنّ التوجّه العقلي يأخذ أشكالاً مختلفة، فإنّ الكلام العقلي أيضاً يمكن له أن يكون ذا أقسام وأساليب مختلفة. فالكلام المسمّىٰ بـ: (الكلام الجدلي المعتزلي) و(الكلام الفلسفي) كلّ واحد منهما ـ بنحو ـ يعدّ كلاماً عقليّاً، ووجه اشتراك هذين القسمين من الكلام العقلي ـ مع ما بهما من اختلافات كثيرة ـ هو في التوجّه العقلي والاستدلالات العقلية في تبيين وتحليل وتدوين المسائل الكلامية.
    إنّ كلا مدرستي (الكلام الجدلي) و(الكلام الفلسفي) لهما توجّه عقلي قوي، وللتفكير العقلي في نظامهم المعرفي منزلة ومركزية ومكانة أساسية. وكما ذكرنا فإنّ النظام المعرفي في المدرسة النقلية ـ بما في ذلك مدارس أصحاب الحديث والأخباريّين وأخيراً في عصرنا هذا مدرسة التفكيك ـ مبتنٍ علىٰ الآيات والروايات باعتبارها هي الأساس ولها الدور المحوري في استنباط وفهم الاعتقادات الدينية، حيث لا يمكن لأيّ نوع من المعارف العقلية منها أو الشهودية أن تسدّ مسدّها. خلافاً للمعرفة العقلية في مدارس مثل مدرسة الكلام المعتزلي والكلام الفلسفي، حيث تعتبر هي الأساس والمبنىٰ في المعارف الدينية، بحيث أنّ المعارف الدينية لا يمكن أن تحظىٰ بأيّ حجّية إذا لم تستند إلىٰ المعرفة العقلية والدليل العقلي. فمن وجهة نظر متكلّمي التوجّه العقلي، أنّ المعرفة العقلية والأدلّة القائمة علىٰ العقل إنّما تدعم الأدلّة النقلية وتمنحها الحجّية، ولذلك تكون المعرفة العقلية والدليل العقلي مقدَّمَين علىٰ المعرفة النقلية والدليل النقلي.
    إنّ العلّامة الحلّي ـ الذي يعدّ من أتباع مدرسة الكلام الفلسفي ـ يعتقد أنّ كلّ استدلال في مضمار المعرفة الدينية لابدّ أن يشتمل ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ علىٰ واحدة من المقدّمات العقلية، فعلىٰ هذا الأساس لابدّ في جميع الأدلّة إمّا أن تكون كلا المقدّمتين عقليّتين، مثل: (العالَم متغيّر، وكلّ متغيّر حادث)، أو علىٰ الأقلّ تكون مركّبة من مقدّمة عقلية ومقدّمة نقلية. بناء علىٰ هذا، فمن وجهة نظر العلّامة أنّه لا يمكن لأيّ استدلال أن يتألّف فقط من المقدّمات النقلية لا غير، والدليل علىٰ ذلك هو أنّ الأدلّة والمقدّمات النقلية في حدّ ذاتها ليست لها أيّ حجّية إلّا بعد إثبات صدق النبي ’، وإثبات هذا الأمر لا يمكن أن يتيسّر إلّا عن طريق العقل 21
    ومن قبل العلّامة فقد نفىٰ الفخر الرازي أيضاً وجود الدليل السمعي المحض بنفس الدليل الذي نفاه العلّامة. انظر: المُحَصّل: 142.
    ، لأنّ إثبات صدق النبي ’ عن طريق الدليل النقلي والسمعي يستلزم الدور وهو باطل 22
    مناهج اليقين في أصول الدين: 171.
    .
    والمؤشّر الآخر الذي يرمز إلىٰ التوجّه العقلي في إزاء التوجّه النقلي وتتمسّك به كلا مدرستي الكلام الجدلي والكلام الفلسفي هو (ترجيح الحكم العقلي علىٰ النقلي في حالة تعارض الدليل النقلي مع الدليل العقلي)، فالشيخ المفيد ـ الذي يمكن أن نعتبر طريقته ومنهجه الكلامي منهجاً عقليّاً اعتزاليّاً معتدلاً ـ ذكر بشكل صريح: «إن وجدنا حديثاً يخالف أحكام العقول اطّرحناه؛ لقضية العقل بفساده» 23
    تصحيح الاعتقاد: 149.
    . وكذلك العلّامة الحلّي ـ الذي هو من أتباع المدرسة الكلامية الفلسفية ـ قد أكّد بأنّه فيما إذا تعارض الدليل النقلي مع الدليل العقلي؛ حينها لابدّ من تأويل الدليل النقلي أو طرده. والدليل علىٰ هذا الحكم هو ما ذكره قائلاً: «العقلي أصل للنقلي، فلو أبطلنا الأصل لزم إبطال الفرع أيضاً، فوجب العدول إلىٰ تأويل النقلي وإبقاء الدليل العقلي علىٰ مقتضاه» 24
    كشف المراد: 350.
    . وقد صرّح الفيّاض اللاهيجي أيضاً ـ في كلام له يشبه الحكم المذكور ـ بترجيح الدليل العقلي وتأويل الدليل الشرعي حين التعارض بينهما قائلاً: «إذا وقع خلاف ـ أحياناً ـ بين المسألة التي تمّ إثباتها بالبرهان الصحيح وبين القاعدة الشرعية، فكان واجباً تأويل القاعدة الشرعية» 25
    گوهر مراد: 41.
    .
    وفيما يلي سنتناول توضيحاً مختصراً في بيان تعريف الكلام الجدلي والكلام الفلسفي وبعض الاختلافات الأساسية بينهما.
    (1) الكلام العقلي الجدلي:
    وفقاً لما يعتقده بعض العلماء والمحقّقين، فإنّ علم الكلام ـ منذ بداية نشأته وحتىٰ تكامله في شكله الذي نعهده به، أي: شكله المعتزلي ـ كان علماً جدليّاً في الأصل، حيث يعتقد هؤلاء أنّ علم الكلام الجدلي ـ من حيث المنهجية ـ يسعىٰ إلىٰ إثبات التعاليم الدينية والدفاع عنها عن طريق الجدل والاستدلال الجدلي 26
    (الجَدَل): هو الاستفادة من المقدّمات المسلّمة والمقبولة عند المخاطب لإثبات النتيجة المطلوبة. بناء علىٰ هذا فإنّ المقدّمات التي يستفاد منها في القياسات والاستدلالات الجدلية هي عبارة عن المسلّمات (أي: القضايا المقبولة عند المخاطب) والمشهورات. عادة ما تكون هذه الطريقة الاستدلالية مقرونة بالأسئلة والأجوبة في المناظرة، وذلك أن يستخدم أحد المتناظرين الأمور المقبولة والمسلّم بها عند الطرف الآخر، ثمّ ينهال عليه بالسؤال تلو الآخر ليوقعه بالتناقض أو قبول المحال، وبالنتيجة يقرّ ببطلان ادّعاءاته وينصرف عنها. انظر كتاب: فرهنگ اصطلاحات منطقي: 83. وقد تطرّق الفارابي في رسالة مستقلّة له يذكر فيها ماهية الجدل والأمور المرتبطة به بالتفصيل. فقال في تعريف الجدل: «صناعة الجدل هي الصناعة التي بها يحصل للإنسان القوّة علىٰ أن يعمل من مقدّمات مشهورة قياساً في إبطال وضع موضوعه كلّي يتسلمه بالسؤال عن مجيب يتضمّن حفظه أيّ جزء من جزئي النقيض اتّفق، وعلىٰ حفظ كلّ وضع موضوعه كلّي يعرضه لسائل يتضمّن إبطاله أيّ جزئين من جزئي النقيض اتّفق ذلك. وأرسطوطاليس يجعل هذه الصناعة عند تحديده لها أنّها طريق، ويقول إنّها طريق، يتهيّأ لنا بها أن نعمل من مقدّمات مشهورة قياساً في كلّ مسألة تُقصَد، وأن يكون إذا أجبنا جواباً لم نأتِ فيه بشيء مضادّ». كتاب الجدل المطبوع في ضمن كتاب: المنطق عند الفارابي 3/13.
    ، فإنّ مثل هذا التعريف والتفصيل المذكور لعلم الكلام ـ بوصفه حكمة جدليّة ـ عادة ما صدر من قبل الفلاسفة 27
    علىٰ سبيل المثال: فقد وصف ابن رشد ـ الفيلسوف الأرسطي المسلم ـ علم الكلام وسمّاه بـ: (الحكمة الجدلية) قائلاً: «أغنىٰ مراتب صناعة الكلام أن يكون حكمة جدلية، لا برهانية». الكشف عن مناهج الأدلة: 136.
    أو المتكلّمين ذوي المسلك الفلسفي 28
    يعتبر تعريف الفيّاض اللاهيجي لعلم الكلام ـ حيث وصفه بالفنّ الجدلي ـ انعكاساً لهذه النظرية: «الكلام صناعة جدلية يقتدر بها علىٰ محافظة عقائد الإسلامِ عن إيرادات المعاندين بطريق الجدل». الكلمة الطيّبة: 121.
    ، حيث كانوا يعتبرون الكلام علماً وحكمة جدليّة غير برهانية، في حين يعتبرون أنّ الفلسفة علم برهاني.
    إلّا أنّ الحكم علىٰ الرأي المذكور آنفاً ومدىٰ صحّته وقوّته إنّما يعتمد علىٰ تقييم جامع للاستدلالات التي يتمّ تناولها في علم الكلام في مختلف مواضيعه؛ لكن من خلال ذلك يبدو ـ علىٰ سبيل الإجمال ـ أنّ مثل هذا الحكم لا عمومية له في مضمار الاستدلالات الكلامية، ولا يمثّل حتّىٰ أكثرية له كذلك، حيث نرىٰ أنّ الاستفادة من الاستدلال بالبرهان في الكلام المعتزلي إن لم يكن أكثر من الاستدلالات الجدلية فهو حتماً ليس أقلّ منه، حيث أنّ متكلّمي المعتزلة بالرغم من أنّهم يقولون بالاستدلالات والأساليب الجدلية إلّا أنّهم كانوا يستفيدون منها ـ في العديد من الحالات ـ إلىٰ جانب الاستدلالات العلمية والبرهانية 29
    علىٰ سبيل المثال: ذكر أحمد بن الحسين مانكديم المعتزلي في الجواب علىٰ أحد الأسئلة قائلاً: «ولنا في الجواب عن ذلك طريقان: إحداهما: طريقة جدلية، وهي أن نقول: إنّ ما ذكرتموه من النفع غير ما استدللنا به وبمعزل عمّا أوردناه، فلا يلزمنا الجواب عن طريق الجدل. والثانية: طريقة علمية». انظر: شرح الأصول الخمسة: 307.
    ، فلا يمكن أن نعتبر أنّ كلّ الاستدلالات الكلامية في الكلام المعتزلي هي جدلية بحتة فقط.
    خصوصية الجدلية في علم الكلام تكمن جذورها في وظيفة المتكلّم، وهي من صميم عمله؛ فإنّ المتكلّم يحاول أن يستفيد ـ ما أمكنه ـ من كلّ طريقة وأسلوب علمي للوصول إلىٰ إثبات التعاليم الدينية والدفاع عنها، وذلك خلافاً للفيلسوف والحكيم اللذَين تتكرّس مهمّتهما وهدفهما علىٰ خصوص كشف الحقيقة والدفاع عنها عن طريق الاستدلالات الصحيحة التي تورث اليقين، سواء أكانت موافقة لمذهب ودين خاصّ أم لم تكن موافقة، وذلك بناء علىٰ ما ذكره الفلاسفة في تعريفهم للحكمة والفلسفة.
    إنّ الفارق الأساسي للكلام الجدلي مع الكلام الفلسفي هو أنّه يستفاد في الكلام الفلسفي من الاصطلاحات والقواعد الفلسفية وكذلك من أسلوب البرهنة، في حين أنّ مثل هذه الميزات لا يلزم أن تكون في الكلام الجدلي، فإنّ المائز الأصلي بين الأسلوب الجدلي وأسلوب البرهنة هو أنّه في البرهان لابدّ أن تكون المادّة والصورة الاستدلالية يقينية؛ أي: لابدّ وأن تكون مادّة الاستدلال واحدة من أقسام اليقينيّات، ولابدّ أيضاً أن يؤخذ بنظر الاعتبار في صورته أن تكون في هيئة قياس ذي شروط خاصّة معتبرة في الاستنتاج، في حين لا يلحظ في الجدل مثل هذه الضوابط، بل إنّ أغلب مقدّماته مبتنية علىٰ المشهورات والمقبولات. هذا ويعتبر المتكلّم والحكيم المعروف فيّاض اللاهيجي (ت 1072ه‍) هو واحد من الذين بيّنوا الفرق المذكور بنحو جيّد، حيث ذكر في كتبه الفرق بين الكلام والفلسفة من وجهين:
    (أ) الفرق بين الكلام والفلسفة من حيث نوعية الأدلّة والبراهين:
    فمن وجهة نظر اللاهيجي أنّ (الفلسفة) أو (الحكمة) هو علم يسعىٰ لنيل المعارف الحقيقية ومعرفة موجودات العالم معرفة يقينية وصحيحة من خلال الاستفادة من البراهين العقلية المحضة المبتنية علىٰ البديهيّات 30
    يرىٰ اللاهيجي أنّ طريقة الحكماء هي عبارة عن: «اكتساب المعارف الحقيقية وإثبات الأحكام اليقينية لذوات الموجودات عن طريق الأدلّة والبراهين العقلية المحضة المؤدّية للبديهيّات وعلىٰ النهج الموافق لنفس الأمر». گوهر مراد: 41.
    . فهو يرىٰ أنّه في الفلسفة ـ أو الحكمة ـ لا اعتبار لموافقة الأدلّة أو مخالفتها مع المدّعيات والقوانين الدينية، ولا يمكن لحاظ ذلك في الفلسفة أو الحكمة؛ في حين لابدّ للأدلّة في (علم الكلام) أن تكون موافقة ومطابقة مع مناهج الشرع وقوانين الشريعة 31
    نفس المصدر: 41 و43.
    . هذا ويذكّرنا اللاهيجي بالفرق الأصلي بين الكلام والحكمة في قوله: «فإنّ مبادئ الأدلّةِ الکلاميةِ في الکلامِ، يجبُ أن يکونَ علىٰ قانونٍ يطابقُ ما ثبتَ مِن ظواهرِ الشريعةِ، بخلافِ مبادئ العلمِ الإلهي؛ فإنّها لا يعتبرُ فيها مطابقةُ ظواهرِ الشرعِ، بل المعتبرُ فيها مطابقةُ القوانينِ العقليةِ الصرفةِ، سواء طابقت الظواهر أم لا؛ فإن طابقت فذاك وإلّا فيأوّلون الظواهر إلىٰ ما يطابقُ قوانين المعقولِ؛ فهذا هو الفرقُ بينَ الکلامِ والإلهي» 32
    شوارق الإلهام 1/ 70.
    .
    (ب) الفرق بين الكلام والفلسفة من حيث الغرض:
    يعتقد الفيّاض اللاهيجي أنّ الفيلسوف يسعىٰ في معرفة حقائق العالم، و«المتکلِّمُ إنْ هو إلّا حافظ الأوضاعِ، وليسَ مِن طالبي المعرفةِ؛ لأنّ الکلامَ صناعةٌ جدَليةٌ يقتدرُ بها علىٰ محافظةِ عقائدِ الإسلامِ عن إيراداتِ المُعاندين بطريقِ الجدلِ ـ لاستحالةِ أنْ يردَ عليها شيءٌ علىٰ سبيلِ البرهانِ ـ فليسَ علىٰ المتکلِّمِ إلّا المحافظةُ علىٰ تلك العقائدِ، ودفعُ الاِعتراضاتِ عنها بمقدّمات مسلَّمة أو مقبولة أو مشهورة يحصلُ بها إلزامُ الخصمِ فقط، وليس عليه إثباتُ تلك العقائدِ بمقدّماتٍ برهانيةٍ» 33
    الكلمة الطيّبة: 121.
    ، وبما أنّه ليس من الممكن أن يرد أيّ إشكال علىٰ المعتقدات الإسلامية من النوع البرهاني أو اليقيني، فبالتأكيد أنّ إشكالات المخالفين إنّما هي إشكالات جدلية وليست برهانية. فلذلك تُعتبر مهمّة المتكلّم إنّما هي المحافظة علىٰ تلك المعتقدات الدينية بنفس الطريقة المستفاد منها عند المخالفين، أي: الطريقة الجدلية. إذن فالمتكلّم بما هو متكلّم يجب عليه أن يتطرّق إلىٰ المقدّمات المسلّمة أو المقبولة أو المشهورة للدفاع عن الشريعة وإلزام الخصم، وإنّ إثبات المعتقدات الدينية عن طريق المقدّمات البرهانية ليست من مهامّ المتكلّم أبداً .
    وقد أشار الملّا عبد الرزّاق أيضاً في كتابه القيّم الموسوم بـ: (گوهر مراد) إلىٰ أنّ الكلام الإسلامي التقليدي ـ الأشعري والمعتزلي ـ المبتني علىٰ أدلّة غير يقينية، لا يمكن من خلاله تحصيل المعارف اليقينية؛ حيث قال ما معرّبه: «إنّ علم الكلام المشهور ـ سواء الأشعري أو المعتزلي ـ المبتني علىٰ غير اليقينيّات في تحصيل المعارف اليقينية لا يمكن الاعتماد عليه ولا يؤدّي إلىٰ الصواب» 34
    گوهر مراد: 49.
    .
    ويرىٰ الفيّاض أيضاً، أنّ الفيلسوف إذا أراد أن يدافع عن مجموعة من المعتقدات من خلال الفلسفة فقط لم يكن حكيماً حقيقيّاً؛ لأنّ الحكيم الحقيقي هو الحكيم الذي يتبع البراهين العقلية المأخوذ من المقدّمات اليقينية المحضة 35
    «وبالتأكيد أنّ تقليد الفلاسفة، والاعتقاد بأنّ الكمال منحصر في نقل كلامهم، وأنّ الهداية في اتّباعهم، هو محض الضلال وعين الشقاء، بل أن يكون المؤمن متّبعاً في طريق اكتساب المعارف محض اتّباع البرهان والحصول علىٰ اليقين لا غير. وليس لزاماً عليه أن يكون متكلّماً ولا فيلسوفاً، بل عليه أن يكون مؤمناً موحّداً معتمداً في طلب الحقيقة علىٰ الرأي الصحيح وعلىٰ الشريعة الحقّة، وإذا لم يكن مؤهّلاً للكمال الحقيقي فليس له أن يخسر تقليد أهل الكمال الحقيقي». گوهر مراد: 44.
    ولا يعوّل أبداً علىٰ المسلّمات والمشهورات والمقبولات.
    وقد أجاب اللاهيجي علىٰ السؤال التالي: «هل يستطيع المتكلّمون أصحاب السلوك والطريقة أن يعتمدوا عليها في تحصيل المعرفة ـ ممّن عجز عن تحصيلها عن طريق البرهان واليقينيّات ـ أم لا؟» حيث أجاب قائلاً: بطبيعة الحال إنّ الأشاعرة والمعتزلة لم تكن لهم مثل هذه الطريقة لتحصيل المعرفة؛ وذلك لاستفادتهم من الطريقة الجدلية المحضة وعدم رجوعهم إلىٰ المصدر الصحيح، في حين أنّ متكلّمي الإمامية لهم طريقة مستلهمة من الأئمّة المعصومين ^، وهي عبارة عن رجوعهم إلىٰ كلام الأئمّة ^ وإرشاداتهم والاستدلال علىٰ أساسها. وفي الواقع إنّ قول المعصومين ^ وكلامهم ـ المبتني علىٰ البرهان الدالّ علىٰ عصمتهم ـ هو كلام صادق ومؤدٍّ إلىٰ اليقين. بناء علىٰ هذا، فحينما يقع كلامهم مقدّمة للدليل فذلك الدليل يكون بحكم البرهان ومؤدّياً لليقين ويمكن الاستفادة منه في نيل المعارف اليقينية. ففي هذه الحالة يكون الفرق بين البرهان ومثل هذا الدليل إنّما هو من حيث الإجمال والتفصيل والتحقيق والتمثيل فقط 36
    الكلمة الطيّبة: 122.
    .
    ويعتقد اللاهيجي أنّ علم الكلام إنّما يكون ممدوحاً فيما لو ارتوىٰ من مشرب أصيل وصحيح، وفي غير هذه الحالة فهو مذموم. ويعتقد أنّ الأحاديث الواردة عنهم ^ في ذمّ علم الكلام والقدح فيه إنّما هو الكلام الذي لم تؤخذ مقدّماته منهم ^، وأمّا علم الكلام الذي أُخذت مقدّماته من أحاديث أئمّة الهدىٰ ^ فلم يكن مذموماً أبداً 37
    نفس المصدر: 124.
    .
    (2) الكلام العقلي الفلسفي:
    (الكلام الفلسفي) هو نوع من (الكلام العقلي)، الذي يمكن أن نعرّفه عبارة عن: «النزعة الفلسفية في تناول علم الكلام من خلال الاستفادة من الأسلوب والمصطلحات والمباني والقواعد الفلسفية في تحقيق المواضيع والمسائل الكلامية وفي الدفاع عن المعتقدات الدينية». الكلام الفلسفي هو طريقة ونزعة تشكيكية في تبيين وإثبات المسائل الكلامية، وفيه مراتب مختلفة. لقد مرّت النزعة الفلسفية في الكلام الفلسفي الإسلامي بمراحل ومنعطفات مختلفة؛ رقيّاً وأفولاً، وقوّة وضعفاً. وإنّ وجود الآراء الخاصّة لمتكلّمي المذاهب الإسلامية المختلفة فيما يخصّ الفلسفة ومبانيها وقواعدها وتعاليمها، أدّىٰ إلىٰ ظهور درجات ومراتب مختلفة في علم الكلام الفلسفي. إنّ التعريف المذكور لعلم الكلام الفلسفي يشمل جميع المدارس الكلامية، وكذلك يشمل مختلف المتكلّمين ممّن له نوع من الميول الفلسفية في علم الكلام، وهذا التعريف يصدق علىٰ المنهج الكلامي المتّبع عند بعض المتكلّمين مثل الغزّالي والفخر الرازي والعلّامة الحلّي المخالفين بشدّة لبعض المباني والقواعد والتعاليم الفلسفية، ولكنّهم في نفس الوقت يأخذون في الكثير من المواضع طريقة الفلاسفة وآراءهم واصطلاحاتهم ويستفيدون منها في إثبات المسائل الكلامية وتدوينها، كما ينطبق هذا التعريف أيضاً علىٰ المنهج الكلامي عند البعض الآخر من المتكلّمين مثل الفيّاض اللاهيجي الذي تأثّر بالأصول الفلسفية وقواعدها بنحو كامل تقريباً، واستفاد منها في دراساته للمسائل الكلامية.
    بناء علىٰ هذا، فإنّ الكلام الفلسفي يعتمد علىٰ مدىٰ تأثّر المتكلّم واستفادته من العناصر الأصلية لأحد الأنظمة الفلسفية ـ والتي هي عبارة المباني والمناهج والمصطلحات والقواعد الفلسفية التي يستفيد منها المتكلّم في طرحه للمواضيع الكلامية ـ حيث يترتّب علىٰ ذلك اختلاف مراتب ودرجات الكلام الفلسفي اعتماداً علىٰ هذه المتغيّرات، فكلّما كان مقدار تأثّر المتكلّم واستفادته من هذه العناصر أكثر فالكلام الناتج عنه يكون أكثر فلسفيّاً، وكلّما كان مقدار التأثّر والاستفادة أقلّ فالكلام الناتج عنه يكون ذا صبغة فلسفية أقلّ؛ وعلىٰ هذا الأساس يمكننا أن نقول ـ كأنموذج ـ: إنّ النهج الكلامي عند بعض المتكلّمين مثل الفيّاض اللاهيجي يعتبر أكثر فلسفية من متكلّمي الحلّة من الإماميّة، بما فيهم العلّامة الحلّي، وفي قباله الأسلوب الكلامي للعلّامة الحلّي الذي يمتاز بصبغته الفلسفية فقط، أو بتعبير آخر: هو كلام ذو وجهة فلسفية وليس كلاماً فلسفيّاً كاملاً.
    ثانياً: مراحل ومدارس الكلام العقلي عند الإمامية:
    طالما كان الكلام العقلي هو التوجّه المعروف والغالب عند متكلّمي الإمامية في تاريخ الكلام الإمامي، فإنّ رواج التوجّه العقلي وهيمنته علىٰ كلام الإمامية كان قد بدأ ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ منذ القرن الرابع الهجري واستمرّ حتّىٰ يومنا هذا، وكان الكلام النقلي دائماً إلىٰ جانبه بصفته توجّه فرعي وهامشي في الكلام الإمامي.
    يمكننا أن نقسّم مراحل الكلام العقلي الإمامي المختلفة إلىٰ أربع مراحل: الكلام المعتزلي، الكلام (المعتزلي ـ الفلسفي)، الكلام الفلسفي، والكلام (الفلسفي ـ العرفاني)، وفيما يلي نقدّم تعريفاً مختصراً عن كلّ واحدة من هذه المراحل وعن المدارس التي ظهرت في غضون تلك المراحل.
    (1) مرحلة الكلام المعتزلي الإمامي:
    لقد قدّمنا سابقاً في مقال مستقلّ دراسة مبسوطة عن علاقة الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي والارتباط بينهما، ومسيرة تلك العلاقة في مختلف المراحل صعوداً ونزولاً، وقد وضّحنا فيه أسباب وعلل تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي 38
    انظر: «كلام شيعي وگفتمان معتزلي (ملاحظاتي در باب مسأله تأثيرپذيري كلام إماميه از كلام معتزله)»، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 167ـ168، 1396، ص: 3ـ40.
    . ونظراً إلىٰ أنّنا في بحثنا هذا إنّما نأخذ بعين الاعتبار تصنيف المدارس الكلامية الإمامية في القرون الهجرية الوسطىٰ (4ق ـ11ق)، وأمّا تطوّرات الكلام الإمامي في القرون الثلاثة الهجرية الأولىٰ فهي خارجة عن نطاق بحثنا هذا، كما لم نتطرّق في بحثنا هذا إلىٰ تعامل الكلام الإمامي مع الكلام المعتزلي في مرحلة ما قبل القرون الهجرية الوسطىٰ.
    إنّ المرحلة الأولىٰ للكلام العقلي الإمامي في القرون الهجرية الوسطىٰ كانت تعتبر عصراً ازدادت فيه أواصر الارتباط بين الكلام الإمامي مع الكلام المعتزلي، ولهذا يمكننا أن نسمّي ذلك العصر بـ: (مرحلة الكلام المعتزلي الإمامي). تتزامن هذه المرحلة مع بدايات النشاط الكلامي للشيخ المفيد (ت 413ه‍) وتلامذته في مدرسة بغداد وتمتدّ إلىٰ ما قبل عصر الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672ه‍)، حيث نرىٰ أنّ متكلّمي الإمامية في المرحلة الأولىٰ من الكلام العقلي الإمامي والتي امتدّت من النصف الثاني للقرن الرابع ـ تقريباً ـ إلىٰ ما يقارب النصف الثاني للقرن السابع الهجري كانوا يتناولون علم الكلام في إطار حوار كلامي معتزلي، ولذلك نرىٰ أنّ حاصل كلامهم في علم الكلام ـ إلىٰ حدّ كبير ـ كان ذا صبغة اعتزالية. واعتقد أنّ هناك ثلاث مدارس مختلفة يمكن الإشارة إليها في هذه المرحلة، وهي كما يلي:
    (أ) مدرسة بغداد المتقدّمة (الشيخ المفيد وأتباعه).
    (ب) مدرسة بغداد المتأخّرة (الشريف المرتضىٰ وأتباعه).
    (ج) مدرسة الحلّة المتقدّمة (الحمّصي الرازي وأقرانه).
    وفيما يلي سنقدّم توضيحاً مختصراً في باب كلّ واحدة من هذه المدارس.
    (أ) مدرسة بغداد المتقدّمة (مدرسة الشيخ المفيد وأتباعه):
    لقد نشأت هذه المدرسة الكلامية عند الإمامية تأثّراً بآراء ومؤلّفات المتكلّم الإمامي الكبير محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالشيخ المفيد (ت 413ه‍). وقد سمّيت هذه المدرسة بـ: (مدرسة بغداد) لأنّ نشأتها قد تزامنت مع نشاط الشيخ المفيد في بغداد، حيث كانت المركز الأصلي لنشاطه، وقد سمّيت بـ: (المتقدّمة) لتقدّمها من الناحية الزمانية ـ إلىٰ حدٍّ ما ـ مقارنة مع مدرسة الشريف المرتضىٰ التي أسميناها بـ: (مدرسة بغداد المتأخّرة)، لأنّ تأسيس هذه المدرسة عند الإمامية كان قبل مدرسة الشريف المرتضىٰ.
    هناك خاصّيّتان فكريّتان مهمّتان لمدرسة بغداد المتقدّمة تميّزها عن سائر المدارس الكلامية الإمامية وهما عبارة عن:
    (1) اختيار منهَجَي التوجّه العقلي والتوجّه النقلي المعتدل في تناول المسائل الكلامية.
    (2) التأثّر بالمقالات الكلامية لمعتزلة بغداد، وخاصّة بآراء أبي القاسم الكعبي البلخي ومؤلّفاته.
    واحدة من المميّزات الأساسية المهمّة للفكر الكلامي عند الشيخ المفيد هو اهتمامه بالأدلّة النقلية بالتزامن مع الأدلّة العقلية في تناوله للمسائل الكلامية؛ حيث يمكن أن يقال بحقّ بأنّ الشيخ المفيد متكلّم ومحدّث في آن واحد، وقد قام بمراعاة الجانبين العقلي والنقلي في الأبحاث الكلامية بأحسن وجه، ولهذا صار الشيخ المفيد في منزلة الحدّ الوسط بين إفراط الشيخ الصدوق في توجّهه الشديد للنصوص النقلية، وبين إفراط السيّد المرتضىٰ في توجّهه للأمور العقلية. ففي الواقع أنّ نزعة الشيخ الصدوق واهتمامه بالنصوص والتعويل علىٰ نقل الأخبار واعتماده واهتمامه بالأحاديث أكثر من الشيخ المفيد؛ وأمّا من ناحية التوجّه العقلي فإنّ النزعة العقلية عند السيّد المرتضىٰ أكثر بكثير ممّا هي عند الشيخ المفيد، وقلّما اعتمد السيّد المرتضىٰ علىٰ الروايات في تناوله مختلف المسائل الاعتقادية علىٰ العكس من الشيخ المفيد.
    أحد الفوارق المعرفية المهمّة بين الشيخ المفيد والسيّد المرتضىٰ في منهجيهما الكلامي هو أنّ الشيخ المفيد يعتقد أنّ الوحي والأدلّة النقلية ضرورية لمعرفة الباري ومعرفة الأصول الاعتقادية والأخلاقية الأساسية، ولكنّ الشريف المرتضىٰ يرىٰ رأي المعتزلة حيث يعطي العقل السهم الأوفر في أداء دوره في تحقيق المسائل الكلامية، ويعتبره مصدراً غنيّاً وآليّة لابدّ منها في معرفة أصول الدين 39
    انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 521.
    . ولذلك فإنّ الشيخ المفيد ـ وكما قلنا آنفاً ـ نظراً إلىٰ منهجه الكلامي فهو بمنزلة الوسط بين التوجّه النقلي لأهل الحديث والتوجّه العقلي المعتزلي للسيّد المرتضىٰ 40
    نفس المصدر: 6 و522.
    . ففي الحقيقة إنّ الشيخ المفيد ـ مثله مثل معتزلة بغداد ـ كان يعتقد أنّ العقل لا يلعب دوراً كبيراً في فهم المعارف، وكان يميل أكثر من السيّد المرتضىٰ إلىٰ أصحاب الحديث وطريقتهم في الاستفادة من الأحاديث 41
    نفس المصدر: 522.
    .
    وهذا الفرق الأساسي ـ بين منزلة النصّ ومنزلة العقل في الاستدلالات الكلامية ـ قد انعكس في مؤلّفات الشيخ المفيد الكلامية ومؤلّفات الشريف المرتضىٰ؛ فالاستفادة من الأدلّة النقلية كعموم الآيات والروايات والتعويل عليها في مؤلّفات الشيخ المفيد أكثر من المقدار الذي نراه في مؤلّفات السيّد المرتضىٰ. ويحتمل أن يكون هذا الفرق معلولاً لتقارب الشيخ المفيد الفكري مع معتزلة بغداد من جهة، ولتأثّر السيّد المرتضىٰ بمدرسة معتزلة البصرة من جهة آخرىٰ، حيث أنّ معتزلة البصرة يقولون بأنّ للعقل دوراً ومنزلة أكثر في فهم المعارف الدينية ممّا يقول به معتزلة بغداد.
    ففي الحقيقة إنّ الشيخ المفيد يعتبر الشرط الأساسي في انتخابه لآرائه الاعتقادية هو موافقة تلك الاعتقادات وانسجامها مع روايات الأئمّة ^، وقد أشار في مواطن عديدة من مؤلّفاته إلىٰ انسجام آرائه وتوافقها مع الأحاديث المعتبرة؛ علىٰ سبيل المثال، فإنّ الشيخ المفيد في عنوان الفصل الثاني من كتاب أوائل المقالات ـ الذي اختصّه بذكر مواقفه في شأن المواضيع والمسائل الاعتقادية ـ ذكر هذا التوافق والانسجام لآرائه ـ فيما يخصّ الأصول الاعتقادية ـ مع روايات الأئمّة ^ قائلاً: «باب وصف ما اجتبيته أنا من الأصول نظراً ووفاقاً لما جاءت به الآثار عن أئمّة الهدىٰ من آل محمّد» 42
    أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 51.
    .
    والأمر الآخر الذي يعتبر مميّزاً لتوجّه الشيخ المفيد العقلي المعتدل واهتمامه بالآيات والروايات هو موقفه فيما يخصّ ارتباط العقل بالوحي؛ فمن وجهة نظر الشيخ المفيد أنّ العقل يفتقر في استدلالاته والنتائج الناجمة عنه إلىٰ الوحي والأدلّة السمعية، فبناء علىٰ ما ذكره فإنّ الوحي والأدلّة السمعية تؤدّي إلىٰ انتباه الشخص وإدراكه لكيفية الاستدلال، وبذلك يكون العقل مفتقراً إلىٰ الوحي ولا يمكن تصوّر استقلاليّته عنه. والحقّ أنّ هذا الأمر بالذّات هو الذي جعل العقل في بداية التكليف مفتقراً إلىٰ هداية الأنبياء وإرشادهم لمعرفة الباري والمعارف الإلهية. وقد ذكر الشيخ المفيد هذا الرأي وقال بأنّه حكم مُجمع عليه من قبل الإمامية وموافق لرأي أصحاب الحديث كذلك 43
    «واتّفقت الإماميّة علىٰ أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلىٰ السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمعٍ يُنبّه العاقل علىٰ كيفية الاستدلال، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث». نفس المصدر: 44.
    . وأنّ مثل هذه العقيدة جعلت رأي الشيخ المفيد أقرب إلىٰ رأي أصحاب الحديث، وجعلته في قبال التوجّه العقلي الإفراطي لبعض المعتزلة الذين يعتقدون أنّ العقل يعمل بشكل مستقلّ من دون الاستعانة بالوحي 44
    «وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية علىٰ خلاف ذلك وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف». نفس المصدر.
    .
    وبالرغم من أنّ الشيخ المفيد وأصحاب الحديث من الإمامية قد أكّدوا علىٰ لزوم التعويل علىٰ الأحاديث والأخبار في التعامل مع المسائل الكلامية، إلّا أنّ طريقة اعتمادهم علىٰ الأخبار مختلفة جدّاً؛ حيث اتّخذ الشيخ المفيد طريقة النقد والتشدّد في تعامله مع الأحاديث، فلا يتساهل في قبول كلّ رواية، ولا يعوّل علىٰ كلّ خبر كان؛ وأمّا أصحاب الحديث فقد اتّخذوا طريقة التساهل والتسامح في قبول الروايات والتعويل عليها، ولذلك صاروا عرضة لانتقاد الشيخ المفيد. ويتبيّن من خلال ملاحظة انتقادات الشيخ المفيد التي ذكرها علىٰ رسالة الاعتقادات للشيخ الصدوق أنّ هذه الانتقادات والإشكالات ـ في الكثير من المواضع ـ ناظرة إلىٰ اشتباه الشيخ الصدوق في تعويله علىٰ الأخبار الشاذّة وغير الموثّقة بناء علىٰ تقييم الشيخ المفيد لها. بناء علىٰ هذا، فبالرغم من أنّ الشيخ المفيد كان يهتمّ اهتماماً خاصّاً في الاستفادة من الروايات والتعويل عليها، إلّا أنّه كان محتاطاً في الأخذ بها، وكان لا يعوّل إلّا علىٰ الأخبار المعتبرة التي تُؤَيّد مضامينها بقرائن وشواهد أخرىٰ.
    بناء علىٰ هذا يمكننا أن نختصر رأي الشيخ المفيد بما يلي:
    أوّلاً: يعتبر توافق الآراء الكلامية وانسجامها مع الروايات أمراً ضروريّاً وشرطاً أساسيّاً في تحقيق المسائل الاعتقادية وتبيينها؛ وثانياً: إنّ العقل في استدلالاته فيما يخصّ المسائل الاعتقادية يفتقر إلىٰ النقل والدليل السمعي.
    الأمر الآخر فيما يتعلّق بخصائص الفكر الكلامي عند الشيخ المفيد والذي يمكن ملاحظته من خلال مؤلّفاته ـ وخاصّة كتابه أوائل المقالات ـ هو أنّ الشيخ فضلاً عن اطّلاعه الواسع والعميق علىٰ التراث الروائي الإمامي وآراء من سبق من متكلّمي الإمامية وخاصّة النوبختية منهم، فقد كانت لديه معلومات غزيرة ومعرفة تامّة بمؤلّفات المعتزلة وآرائهم، وخاصّة بمؤلّفات المتكلّم المعتزلي البغدادي أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 314ه‍).
    إنّ معرفة الشيخ المفيد بمختلف المذاهب الفكرية ـ مع غضّ النظر عن قراءته كتبهم ـ إنّما جاءت نتيجة لعلاقاته بأساتذة ذوي توجّهات فكرية مختلفة؛ حيث يوجد من بين أساتذة الشيخ المفيد علماء ينتمون إلىٰ المجموعات الثلاث المذكورة آنفاً. فقد تلمّذ الشيخ عند أبي الجيش البلخي (ت 367ه‍)، وهو تلميذ أبي سهل النوبختي، وقرأ عليه علم الكلام الإمامي، حيث تعرّف من خلاله علىٰ مذهب النوبختيّين وآرائهم. كما أنّه تعرّف علىٰ الآراء الكلامية لمعتزلة بغداد عن طريق علي ابن عيسىٰ الرمّاني (ت 384ه‍)، وهو من أتباع ابن إخشيد (ت 326ه‍)، وأيضاً عن طريق قراءته لمؤلّفات الكعبي البلخي 45
    McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, p. 395.
    (الترجمة الفارسية للكتاب تحت عنوان: «انديشه‌هاى كلامى شيخ مفيد»، ص: 521).
    . كما تلمّذ ردحاً من الزمن أيضاً عند أبي عبد الله البصري (ت 369ه‍)، ومن خلاله أصبح له معرفة تامّة بمدرسة معتزلة البصرة البهشمية 46
    مقال: (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه [1])، مجلّة تُراثُنا، السنة الثامنة، 1413، العدد المزدوج: 30ـ31، ص: 244ـ256.
    . واستطاع الشيخ المفيد بتلمّذه عند ابن قولويه القمّي (ت 368ه‍) وارتباطه بالشيخ الصدوق أن يتعرّف علىٰ طريقة أهل الحديث. بناء علىٰ هذا، فإنّ الشيخ المفيد كان وريثاً لتيّار كلام النوبختية الاعتزالي، ولكلام أتباع النصّ من أصحاب الحديث في قم، ولكلام معتزلة بغداد، وقد سعىٰ أن يتناول في مؤلّفاته منهجاً مستلهماً من جميع المناهج الكلامية هذه.
    وفيما يخصّ مدىٰ تأثّر الشيخ المفيد بالمعتزلة وآرائهم الكلامية فمن المناسب الإشارة إلىٰ أنّ الشيخ المفيد كان يميل في الكثير من المواضيع والمسائل الكلامية إلىٰ مدرسة معتزلة بغداد الفكرية، وخاصّة إلىٰ طريقة أبي القاسم الكعبي البلخي؛ في إزائه كان بعض تلامذته مثل الشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي أكثر تأثّراً بمدرسة معتزلة البصرة البهشمية. وعند مقارنة آراء الشيخ المفيد الكلامية مع الأفكار الكلامية للمعتزلة نرىٰ خير شاهد علىٰ ذلك نظريّات الشيخ في أصلَي التوحيد والعدل، حيث نراها أقرب لآراء المعتزلة، وخاصّة لآراء أبي القاسم الكعبي البلخي؛ وأمّا في المسائل المرتبطة بالإمامة ومنزلة بين المنزلتين والوعيد، نرىٰ الشيخ المفيد ـ مثله مثل أغلب الإمامية ـ بعيد كلّ البعد عن معتقدات المعتزلة 47
    McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, pp. 4-5.
    (الترجمة الفارسية للكتاب تحت عنوان: «انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد» ص: 5ـ6).
    .
    بناء علىٰ هذا، فإنّ المنهج الكلامي للشيخ المفيد ـ من بين الفرعين الأصليّين لمدرسة معتزلة البصرة ومدرسة معتزلة بغداد ـ أشبه ما يكون بمدرسة معتزلة بغداد من مدرسة البصرة البهشمية التي يميل لها كلّ من القاضي عبد الجبّار والسيّد المرتضىٰ. كما أنّ أغلب آراء الشيخ المفيد في المسائل الاختلافية بين معتزلة البصرة وبغداد أيضاً كانت موافقة لمعتزلة بغداد. وقد عبّر عن عقيدته في الكثير من الأبحاث، وأشار إلىٰ ما اتّفق عليه رأي المعتزلة مع الإمامية، وإلىٰ ما توافق عليه هو مع معتزلة بغداد وإلىٰ مخالفته لمعتزلة البصرة بعبارات مثل: «وهو مذهب کثير من الإمامية والبغداديّين من المعتزلة خاصّة، ويخالف فيه البصريّون من المعتزلة» 48
    أوائل المقالات: 61.
    .
    وكذلك أيضاً في فصل: «القول في اللطيف من الکلام» من كتابه أوائل المقالات الذي ذكر فيه الشيخ المفيد أبحاث الفلسفة الطبيعية عند تناوله لعلم الكلام، حيث تطرّق في عدّة مواضع منه إلىٰ ذكر عبارة: «وهو مذهب أبي القاسم خاصّة من البغداديّين، ومذهب أکثر القدماء من المتکلّمين، ويخالف فيه الجبّايي وابنه» 49
    نفس المصدر 100.
    ، التي تنمّ عن موافقة رأيه مع رأي أبي القاسم الكعبي البلخي، ومخالفته مع معتزلة البصرة وخاصّة مع أبي علي الجبّائي (ت 303ه‍) وابنه أبي هاشم الجبّائي (ت 321ه‍) 50
    انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 252.
    . ولعلّ أنّ واحدة من آثار تلمّذ الشيخ المفيد عند الرمّاني البغدادي هو عدم موافقته لآراء متكلّمي مدرسة البصرة وأتباعها مثل أبي علي الجبّائي وأبي هاشم الجبّائي.
    وبالرغم من التقارب الفكري للشيخ المفيد وميله لآراء معتزلة بغداد الكلامية في بعض الأبحاث، فقد سعىٰ الشيخ أن يحافظ علىٰ استقلاله الفكري أيضاً، حيث قام بنقد وردّ نظريّات المعتزلة في بعض المسائل التي كان يعتقد بعدم صحّة آرائهم فيها، ويتبيّن من خلال استقراء فهرست مؤلّفات الشيخ المفيد أنّه في بعض الأبحاث كان يقول ببطلان بعض آراء متكلّمي المعتزلة ـ سواء معتزلة بغداد، أو المعتزلة الإخشيدية، أو معتزلة البصرة البهشمية ـ وإنكارها وعدم قبولها 51
    انظر عناوين المؤلّفات الانتقادية للشيخ المفيد في رجال النجاشي: 399ـ402.
    .
    وقد اتّبع مدرسة الشيخ المفيد الكلامية من بعده تلامذته، ومنهم أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الکَراجَکي (ت 449 ه‍)، وأبو يعليٰ محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري (ت 463 ه‍)، ويحتمل أن يكون واحداً منهم أبو الحسن محمّد بن محمّد بن أحمد البُصرَوي (ت 443 ه‍) 52
    Hassan Ansari and Sabine Schmidtke, “Al-Shaykh al-Ṭūsī: His Writings on Theology and their Reception”, in: Studies in Medieval Islamic Intellectual Traditions, p. 312.
    ، وللأسف لم يصِل إلينا من مؤلّفاتهم الكلامية سوىٰ مؤلّفات الكراجكي، فهو الوحيد من بين هؤلاء ممّن ترك لنا مؤلّفات كلامية جديرة بالاهتمام؛ فكتاب كنز الفوائد للكراجكي فيه مجموعة قيّمة من التراث الروائي والأبحاث الكلامية المتناثرة هنا وهناك للإمامية، وقد تمّ تأليف هذا الكتاب ـ بنحو عامّ ـ في نفس الإطار الفكري للشيخ المفيد، ويُعدّ هذا الكتاب ـ بعد مجموعة الشيخ المفيد الكلامية ـ مصدراً له ثقله في فهم الآراء الاعتقادية لمدرسة بغداد المتقدّمة. وللأسف أنّ المدّ الفكري القوي لمدرسة تلميذ الشيخ المفيد ـ أي: الشريف المرتضىٰ (ت 436ه‍) ـ قد ألقىٰ بظلاله علىٰ مدرسة الشيخ الكلامية ومنهجه، حتّىٰ هُمّشت آراؤه في الكلام الإمامي ولم يدُم كثيراً بعد الكراجكي.
    (ب) مدرسة بغداد المتأخّرة (مدرسة الشريف المرتضىٰ ت: 436ه‍ وأتباعه):
    ومن بعد نشأة مدرسة الشيخ المفيد وأتباعه التي أسميناها بـ: (مدرسة بغداد المتقدّمة)، تمّ تأسيس مدرسة كلامية متمايزة، متأثّرة بآراء وأفكار أحد تلامذة الشيخ المفيد وهو أبو القاسم علي بن الحسين بن موسىٰ، الملقّب بعلم الهدىٰ، والمعروف بالشريف المرتضىٰ (355ـ436ه‍) 53
    لمزيد من الاطّلاع علىٰ شخصية الشريف المرتضىٰ وكتبه، انظر:
    Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: al-Sharif al-Murtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017.
    أسعدي، عليرضا، سيّد مرتضيٰ، پژوهشگاه علوم وفرهنگ اسلامى، قم، 1391ش؛ الشمَّري، رؤوف، الشريف المرتضىٰ متكلّماً، مراجعة: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1434هـ؛ الجعفري، محمّد رضا، (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه [2])، مجلّة تُراثُنا، السنة الثامنة، 1413، العدد المزدوج: 32ـ33، ص77ـ114.
    ، حيث كان له مذهب كلامي متمايز عن مذهب أستاذه، حيث أقام صرحاً فكريّاً ثانياً تَمثّل بمدرسة كلامية بارزة عند الإمامية، وتمّ تأسيس هذه المدرسة في بغداد بعد مضي فترة زمنية عن مدرسة أستاذه الشيخ المفيد، ولذلك سمّيناها بـ: (مدرسة بغداد المتأخّرة).
    تعدّ مدرسة الشريف المرتضىٰ أوّل مدرسة في الكلام الإمامي ذات شمولية علميّة وفيها نظم وترتيب، حيث عرضت منهجاً مفصّلاً ومنسجماً لمعتقدات الإمامية، ولا زالت هذه المدرسة تعتبر أنموذجاً بارزاً من بين المدارس العقلية في الكلام الإمامي. ونظراً إلىٰ انعدام أكثر المؤلّفات الكلامية للشيخ المفيد واندراسها، فإنّ مؤلّفات السيّد المرتضىٰ الكلامية لعبت دوراً مهمّاً في عرض منهج منسجم لمعتقدات الإمامية بالمقارنة مع مؤلّفات الشيخ المفيد؛ فالكثير من المسائل الكلامية ـ التي لم تُتَحْ الفرصة لعرضها ومناقشتها في مؤلّفات الشيخ المفيد لأسباب ما ـ قد وَجدت في مؤلّفات السيّد المرتضىٰ مجالاً لمناقشتها ودراستها، وأقلّ ما يمكن أن يقال هنا أنّه لا شكّ أنّ المسائل التي تمّت مناقشتها في التراث الخالد للسيّد المرتضىٰ كانت لها كفّة الرجحان نسبة إلىٰ المسائل المطروحة في التراث الكلامي للشيخ المفيد من حيث تنوّعها وكثرتها والتفصيلات التي تمّ تناولها فيها. إنّ أهمّ مؤلّفات السيّد المرتضىٰ وهما كتاباه الملخّص والذخيرة يعتبران أنموذجاً لمنهج كلامي منسجم وكامل لمعتقدات الإمامية، في حين لم نشهد مثل هذه البنية المنظّمة في المؤلّفات الكلامية التي وصلت إلينا من الشيخ المفيد أو من سائر متكلّمي الإمامية المعاصرين للشيخ المفيد أو المتقدّمين عليه كالنوبختيّين، فلابدّ من استخراج وتدوين وتنظيم مجموعة المؤلّفات الكلامية المتبقّية من هؤلاء بمنهج منظّم ومنسّق بقدر المستطاع.
    هذا وإنّ مدرسة الشريف المرتضىٰ الكلامية كانت معروفة بين الإمامية في القرون الهجرية الوسطىٰ بصفتها مدرسة ذات أسلوب كلامي متميّز، وقد عرف هذا الأسلوب بـ: (طريقة السيّد المرتضىٰ الكلامية) 54
    «ممّن تكلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضيٰ». مسائل ابن زهرة: 128.
    . وقد استمرّت هذه المدرسة ـ بمساعي تلامذته وأتباعه ـ حتّىٰ عصر سديد الدين الحمّصي الرازي (ت بعد 600ه‍) وتأسيس مدرسة الحلّة المتقدّمة، وكانت مدرسته ـ إلىٰ حدود منتصف القرن السادس الهجري ـ تعتبر من أبرز المدارس الكلامية توجّهاً عند الإمامية، فقد استمرّت هذه المدرسة إلىٰ بضع قرون بعد ذلك أيضاً، وكان لها أتباع في مختلف المناطق رغم قلّتهم.
    وهناك خاصّيّتان أصليّتان لـ: (مدرسة بغداد المتأخّرة) ميّزتها عن سائر المدارس الكلامية الإمامية، وهي عبارة عن:
    1ـ تأثّر (مدرسة بغداد المتأخّرة) بطريقة كلام مدرسة معتزلة البصرة البهشمية وآرائهم.
    2ـ انتخاب أقصىٰ حدود الاستفادة من المنهج العقلي، وأدنىٰ حدود الاستفادة من الأدلّة النقلية في تحقيق المسائل الكلامية ودراستها.
    وكما أشرنا سابقاً؛ فإنّ أفكار وآراء السيّد المرتضىٰ قد أحدثت تغييراً جوهريّاً وتحوّلاً أساسيّاً في الكلام الإمامي لمدرسة بغداد بعد الشيخ المفيد، وذلك من حيث المبادئ والمواضيع والقواعد والاصطلاحات والمسائل الكلامية. ففي الواقع إنّ مؤلّفات السيّد المرتضىٰ الكلامية كانت سبباً في ازدياد أواصر العلاقة بين الفکر الكلامي الإمامي والفکر الكلامي المعتزلي، وازدياد القرب بينهما؛ حيث اتّخذ الكثير من متكلّمي الإمامية ـ تبعاً للشريف المرتضىٰ ـ طريقة ومباني الكلام المعتزلي البهشمي ـ إلىٰ حدود كبيرة ـ في تناولهم لموضوعات علم الكلام.
    وفي النتيجة: فإنّ تأسيس الكلام الشيعي عند الإمامية من قبل السيّد المرتضىٰ علىٰ شاكلة النمط البهشمي في الكلام، وانتشاره تأثّراً بنشاطات تلامذته أمثال الشيخ الطوسي (ت 460ه‍) أدّىٰ إلىٰ تغيير المسار المعروف للكلام الشيعي وانحرافه عن المسار الذي رسمه الشيخ المفيد، فظهرت فيه مناهج ومبانٍ وآراء جديدة، وإنّ التغيير الذي حصل في التوجّه الكلامي هذا قد أثّر بشكل كبير وواضح علىٰ فكر متكلّمي إمامية بغداد ومدوّناتهم، وأدّىٰ إلىٰ نشوب اختلاف في الآراء بين متكلّمي الإمامية، ومن بين أبرز النماذج لهذه الاختلافات هو ما نراه في الفرق بين آراء ونظريّات السيّد المرتضىٰ ونظريّات أستاذه الشيخ المفيد.
    إذن لا شكّ بأنّ أحد الأسباب الرئيسية في الاختلاف الفكري العميق بين الشيخ المفيد والسيّد المرتضىٰ هو عبارة عن التقارب والتشابه الفكري للشيخ المفيد مع معتزلة بغداد من جانب، وتوجّه السيّد المرتضىٰ إلىٰ مدرسة كلام معتزلة البصرة البهشمية من جانب آخر. فإنّ ميول السيّد المرتضىٰ ـ الواضحة ـ إلىٰ مدرسة كلام المعتزلة البهشمية كان قد بلغ إلىٰ حدٍّ بحيث عدّه البعض في زمرة أتباع المعتزلة بل ومن رؤوسهم؛ علىٰ سبيل المثال: فقد ذكره الصفدي وقال فيه: «وكان رأساً في الاعتزال، كثير الاطّلاع والجدال» 55
    الوافي بالوفيّات 21/7.
    ، فإنّ تشابه مباني ومحتوىٰ مؤلّفات الشريف المرتضىٰ في بعض المسائل مع مؤلّفات متكلّمي معتزلة البصرة البهشمية وخاصّة القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت 415ه‍) خير شاهد علىٰ ميوله هذه وتأثّره بهم.
    والخصوصية المهمّة الثانية لمدرسة الشريف المرتضىٰ الموسومة بـ: (مدرسة بغداد المتأخّرة) ـ والتي ميّزتها عن مدرسة الشيخ المفيد ـ هو الاستفادة إلىٰ حدّ كبير من المنهج العقلي في دراسة وتحقيق المسائل الكلامية، وعدم الاستفادة من الأدلّة النقلية إلّا بالحدّ الأدنىٰ من الاستفادة. وكما أشرنا سابقاً؛ فمن وجهة نظر الشيخ المفيد أنّ انسجام الآراء الكلامية مع الروايات المعتبرة وعدم تعارضها معها يعدّ شرطاً أساسيّاً في تحقيق الأبحاث الكلامية، ولكن من وجهة نظر السيّد المرتضىٰ فإنّ الأحكام العقلية واستدلالاتها لها المرتبة الأولىٰ من حيث الاعتبار والأهمّية، وإنّ القسم الأكبر من الروايات ـ بما أنّها خبر واحد وظنّية الصدور ـ لا تتمتّع بالمقدار اللازم من الحجّية للتعويل عليها في المسائل الاعتقادية، ولذلك لا يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار في تحليل المسائل الكلامية ودراستها. إنّ القول بأمثال هذه المباني في مواجهة الروايات صارت سبباً لأن يميل السيّد المرتضىٰ بالفكر الكلامي الإمامي عن مسار توافق العقل مع النقل ويهديه إلىٰ التوجّه العقلي الاعتزالي. وبالنتيجة فقد أسّس السيّد المرتضىٰ في الكلام الإمامي مدرسة ذات منهج اعتزالي، وقد استمرّت هذه المدرسة ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ إلىٰ أواخر القرن السادس الهجري بصفتها المعتقد والمذهب الكلامي الغالب في الإمامية.
    وفي المقابل نرىٰ بعض متكلّمي الإمامية من أتباع المدرسة النقلية قد أبدىٰ ردود فعل إزاء النزعة والتوجّه الاعتزالي الشديد للشريف المرتضىٰ وأتباعه، ومنهم ابن طاووس والعلّامة المجلسي، إذ لم يجوّزوا نأي الكلام الإمامي عن الروايات ولم يقبلوا بذلك؛ فقد وصفا طريقة الشريف المرتضىٰ وسائر متكلّمي الإمامية من ذوي التوجّه الاعتزالي بأنّها سلوك انحرافي قديم عن أصول الإمامية، يؤدّي إلىٰ الابتعاد عن الآيات والروايات، حيث نرىٰ العلّامة المجلسي يقول ما مضمون معرّبه: «فقد سعيت ـ بالقدر المستطاع ـ في هذه الرسالة [حقّ اليقين] إلىٰ ترميم الأصول المندرسة للإمامية وتجديدها، بعد أن مُحيت آثارها وأعرض عنها أكثر مَنْ يدّعي العلم، ممّن اتّخذ أصول المعتزلة قدوة له وتخلّىٰ عن الآيات الكريمة والأخبار المتواترة» 56
    حقّ اليقين: 568.
    .
    وبالإضافة إلىٰ الشريف المرتضىٰ فقد مال أيضاً أخوه الشريف الرضي (ت 406ه‍) إلىٰ المعتزلة البهشمية في آرائه الكلامية، وكان قد تلمّذ ردحاً من الزمن عند القاضي عبد الجبّار المعتزلي الذي يعدّ رئيس البهشمية في عصره 57
    لقد صرّح الشريف الرضي في بعض كتبه بتلمّذه علىٰ القاضي عبد الجبّار المعتزلي، فقد ذكر في كتاب: (تلخيص البيان في مجازات القرآن) أنّه قرأ كتاب: (تقريب الأصول) في الكلام عند القاضي. تلخيص البيان في مجازات القرآن: 212.
    . هذا وبعد أن تمّ تأسيس مدرسة بغداد المتأخّرة علىٰ يد الشريف المرتضىٰ قام تلامذته وأتباعه بنشر مبادئها وتوطيد قواعدها ومبانيها في مختلف المناطق مثل النجف وحلب والري، وعلىٰ الخصوص شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت460ه‍)، وأبوالصلاح تقي بن نجم بن عبيد الله الحلبي (ت447ه‍)، والسيّد حمزة بن علي بن زُهرة الحلبي (ت585ه‍)، وقطب الدين أبو جعفر محمّد بن حسن المُقرِئ النيشابوري (ت بعد سنة 520ه‍).
    (ج) مدرسة الحلّة المتقدّمة (مدرسة الحمّصي الرازي (ت600ه‍) وأقرانه):
    لقد نشأت مدرسة الشريف المرتضىٰ الكلامية إثر التطوّر الحاصل في الكلام المعتزلي، وتزامناً مع مدرسة أبي الحسين البصري (ت 436ه‍)، وقد انتمىٰ إليها شيئاً فشيأً بعض متكلّمي الإمامية، ثمّ فقدت بعد ذلك أتباعها علىٰ مرّ الزمن، ونشأت عوضاً عنها مدرسة أخرىٰ باسم: (مدرسة الحلّة المتقدّمة)، وصار لها الهيمنة علىٰ الفكرالكلامي الإمامي. وسوف نتناول هنا الحديث عن هذه المدرسة وعن خصوصيّاتها التي قلّما جرىٰ الحديث عنها في الدراسات المعاصرة.
    كانت مدينة الحلّة في غضون القرون الهجرية الوسطىٰ ـ وخاصّة منذ القرن السادس وحتّىٰ القرن التاسع ـ معقلاً للشيعة الإمامية وعاصمتهم العلمية. وكان لعلماء هذه المنطقة السهم الأوفر في تكامل العلوم الفقهية والأصولية والحديثية والكلامية الشيعية، وكذلك في تأليف الكتب العلمية وتدوينها عند الإمامية في تلك المرحلة. وقد تواجد متكلّمو الإمامية في مدينة الحلّة بمختلف توجّهاتهم الفكرية، فكانت مركزاً للتيّارات الكلامية، مثل متكلّمي الإمامية من أصحاب التوجّه النقلي ـ وهو التيّار الذي كان فاعلاً ونشطاً في ظلّ جهود متكلّمي آل طاووس ـ ومثل متكلّمي الإمامية من أصحاب التوجّه المعتزلي الذين كانوا متواجدين بقوّة هناك، ومثل متكلّمي التوجّه الفلسفي ممّن سعىٰ إلىٰ التفصيل في الكلام الإمامي وتوضيحه وشرحه في هذه المنطقة.
    وكما ذكر بعض المحقّقين فإنّ لمدرسة الحلّة مرحلتين مختلفتين يمكن تمييزهما: ففي المرحلة الأولىٰ من تكامل علم الكلام في هذه المدرسة كان الكلام الإمامي معروفاً بنمطه المعتزلي، وذلك خلافاً للمرحلة التالية التي اتّخذ فيها الكلام الإمامي شكلاً فلسفيّاً من خلال ما بذله الخواجة نصير الدين الطوسي والعلّامة الحلّي من جهود في هذا المجال، ممّا أدّىٰ إلىٰ ظهور المرحلة المتأخّرة من الكلام الإمامي أي: مرحلة الكلام (المعتزلي ـ الفلسفي) الإمامي 58
    (شهيدين در كشاكش دو جريان كلامي مدرسه حلّه)، السبحاني، محمّد تقي، مجلّة نقد ونظر، السنة 14، العدد الرابع، 1388ش، ص: 190ـ191.
    .
    إنّ كلامنا في هذا المقال عن (مدرسة الحلّة) وتعريفنا لها، وكذلك تقسيمها إلىٰ مرحلتين (المتقدّمة) و(المتأخّرة)، إنّما هو في خصوص علم الكلام، وفي الواقع هو إطلالة علىٰ دراسة مراحل علم الكلام وتطوّره في الحلّة. وبناء علىٰ هذا التقسيم فإنّ المرحلة المتقدّمة من مدرسة الحلّة قد نشأت في النصف الثاني من القرن السادس الهجري ـ تقريباً ـ تحت تأثير آراء وأفكار سديد الدين محمود بن علي بن حسن الحمّصي الرازي (ت بعد سنة 600ه‍)، واستمرّت حتّىٰ النصف الثاني من القرن السابع الهجري ـ تقريباً ـ أي: إلىٰ زمن الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672ه‍). ومن ثمّ بدأت المرحلة المتأخّرة من مدرسة الحلّة الكلامية واستمرّت إلىٰ زمن الصفويّين، أي: إلىٰ أيّام حياة الفيّاض اللاهيجي (ت 1072ه‍) تقريباً.
    إنّ التطوّر الذي حصل في كلام المعتزلة تزامناً مع ظهور مدرسة أبي الحسين البصري (ت 436ه‍) قد ترك أثره أيضاً علىٰ الكلام الإمامي الاعتزالي، فمن بعد مرحلة الشيخ الطوسي (ت 460ه‍) نرىٰ أنّ آثار ذلك التطوّر في مدرسة المعتزلة قد ظهرت شيئاً فشيئاً في مدرسة الكلام الإمامي أيضاً. وكان أبو الحسين محمّد بن علي البصري ـ أحد تلامذة القاضي عبد الجبّار المعتزلي ـ قد تطرّق إلىٰ نقد قسم من مباني البهشمية واستدلالاتهم 59
    شرح عيون المسائل، المطبوع في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: 401ـ402؛ طبقات المعتزلة: 119.
    ، وقد أسّس مدرسة جديدة في المعتزلة، وذكرها البعض باسم: (المدرسة الحسينية) 60
    اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: 45.
    . وقد مال بعض متكلّمي الإمامية ـ ممّن كان لهم معرفة بآراء أبي الحسين البصري ومبانيه ـ إلىٰ جانب من آرائه واتّخذوها عوضاً عن آراء ومباني البهشمية التي تبنّتها مدرسة الشريف المرتضىٰ؛ وقد أدّىٰ هذا الأمر إلىٰ ظهور تطوّر جديد في كلام الإمامية وتأسيس (مدرسة الحلّة المتقدّمة)، فالفارق الأصلي بين (مدرسة بغداد المتأخّرة) وبين (مدرسة الحلّة المتقدّمة) هو توجّه وميول متكلّمي المدرسة الأخيرة إلىٰ آراء مدرسة أبي الحسين البصري.
    لقد تمّ تناول أغلب المسائل والمواضيع الكلامية في (مدرسة الحلّة المتقدّمة) في نفس أطر وكلّيّات المطالب والنظريّات التي تمّت مناقشتها في مدرسة الشريف المرتضىٰ الكلامية الموسومة بـ: (مدرسة بغداد المتأخّرة)، مع بعض التغييرات في المباني والآراء والاستدلالات ومعاني الاصطلاحات، وقد ظهرت هذه التغييرات نتيجة لاختلاف آراء منهجين كلاميّين في الكلام المعتزلي والإمامي، وهما كلام البهشمية وكلام ما بعد البهشمية، أي: مدرسة (أبي الحسين البصري)، وقد بلغت هذه التغييرات حدّاً بحيث استطاعت أن تأسّس مدرسة جديدة في الكلام الإمامي. وقد تمّ تناول فهرسة لبعض هذه الفوارق والاختلافات الموجودة بين آراء البهشمية ومتكلّمي مدرسة (أبي الحسين البصري) في بعض المؤلّفات؛ فقد أشار تقي ‌الدين صاعد بن أحمد العجالي الأصولي في کتابه الکامل في الاستقصاء فيما بلغنا من کلام القدماء إلىٰ ستّ عشرة مسألة أصلية وقع في بعضها اختلاف بين مدرسة أبي الحسين وبين البهشمية في أصل الحكم، وفي بعضها الآخر وقع الاختلاف فيها في طريق إثبات الحكم 61
    «وقد تكلّمنا في هذا الكتاب مع أبي ‌هاشم وأصحابه في ستّ عشرة مسألة: في بعضها وقع الخلاف في حكم المسألة. وفي بعضها وإن وقع الوفاق في حكم المسألة لكن وقع الخلاف في طريق إثبات ذلك الحكم؛ فنتكلّم فيها أوّلاً في تصحيح طريقتنا، وثانياً في تزييف طريقتهم». الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: 60.
    ، وقد أعدّ الفخر الرازي فهرسة مبسوطة للاختلافات في آراء كلّ من أبي الحسين البصري مع البهشمية، وبيّن كلّ واحدة منها في بابها باختصار 62
    الرياض المونقة في آراء أهل العلم: 287ـ295.
    ، حيث كان للفخر الرازي معرفة جيّدة بكتب أبي الحسين مثل كتاب تصفّح الأدلّة وكتاب غرر الأدلّة 63
    علىٰ سبيل المثال انظر: الرياض المونقة في آراء أهل العلم: 289؛ حيث أشار فخر الدين الرازي إلىٰ رأيين مختلفين لأبي الحسين في الكتابين المذكورين. كما تطرّق الرازي أيضاً في موضع من كتابه: (المطالب العالية) إلىٰ نقل فقرات من كتاب: (تصفّح الأدلّة)‌ لأبي الحسين. انظر: المطالب العالية 1/87.
    وكان يثني عليه بعبارة: «کان من أذکياء المعتزلة» 64
    انظر: المطالب العالية 1/87.
    .
    وقد بلغت حدّة الاختلافات المذكورة وشدّتها حدّاً بحيث كان يحكم أتباع إبي الحسين البصري من الإمامية علىٰ الإمامية البهشمية بالكفر؛ وذلك لاعتقادهم ببعض الآراء مثل: (شيئية المعدوم) أو (الکينونة)؛ علىٰ سبيل المثال فقد كفّر مؤلّف كتاب خلاصة النظر ـ وهو أحد متكلّمي الإمامية من أتباع مدرسة أبي الحسين البصري ـ البهشمية لاعتقادهم بـ: (الكينونة) وبنظرية (المعاني)، حيث يعتبرهما يستلزمان التصديق ببعض الاعتقادات الباطلة 65
    خلاصة النظر: 27.
    . وكذلك أيضاً نرىٰ شرف الدين العودي الحلّي (كان حيّاً سنة 740ه‍) ـ الذي يميل إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري ـ كان يقول صراحة بتكفير من يعتقد بـ: (الشيئية) أو (إثبات المعدوم)، ويقصد بذلك المعتزلة البهشمية والإمامية البهشمية، حيث أكّد علىٰ كفرهم 66
    رسائل المحقّق الحلّي: 384ـ385.
    واعتبر الحكم بتكفيرهم هو أيضاً رأي الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والحمّصي الرازي كذلك 67
    نفس المصدر: 377ـ379.
    . وفي الوقت نفسه نرىٰ جماعة أخرىٰ من متكلّمي الإمامية ـ ممّن تأثّروا بأبي الحسين البصري مثل المحقّق الحلّي 68
    نفس المصدر: 377ـ379.
    والعلّامة الحلّي 69
    مسائل ابن زهرة: 115ـ116.
    ـ كان لهم رأي أكثر اعتدالاً في هذه المسألة؛ حيث اعتبروا الشخص المعتقد بـ: (الشيئية) أو (إثبات المعدوم) خاطئاً فقط وذا عقيدة باطلة، واعتبروا رميه بالكفر أو الفسق أمراً غير صحيح.
    وبالرغم من وجود كثرة الاختلافات والنزاعات التكفيرية المذكورة فإنّ أطر وكلّيّات المسائل الكلامية في مدرستي (الحلّة المتقدّمة) و(بغداد المتأخّرة) متشابهة إلىٰ حدّ كبير وتلتقي في الكثير من المسائل، كما هو الحال في مدرسة أبي الحسين البصري التي كثيراً ما تتوافق وتنسجم في كلّيّاتها مع المدرسة البهشمية. ولذلك نرىٰ أحد علماء الإمامية في القرون الهجرية الوسطىٰ كان قد ذكر الحمّصي الرازي ـ من أكابر مدرسة الحلّة المتقدّمة ـ وتحدّث عن سيرته الكلامية الموافقة لطريقة الشريف المرتضىٰ 70
    ذكر علاء‌ الدين علي بن إبراهيم ابن زُهرة ـ في استفتائه من العلّامة الحلّي ـ الحِمّصي في عداد من سلكوا طريقة السيّد المرتضىٰ الكلامية في أصول الدين بقوله: «ممّن تكلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضي» نفس المصدر: 127.
    .
    مع ذلك نرىٰ أنّ بعض المحقّقين ـ بناء علىٰ وجود بعض الاختلاف في آراء الحمّصي والشريف المرتضىٰ في بعض المسائل الكلامية ـ يقولون بأنّ الحمّصي في كتابه المنقذ من التقليد كان يعتقد بآراء مدرسة أبي الحسين البصري، حيث كان يراها أقرب إلىٰ تعاليم الأئمّة ^ بالمقارنة مع آراء البهشمية، وبذلك نأىٰ عن آراء الشريف المرتضىٰ وأتباعه. فمن وجهة نظر هؤلاء المحقّقين أنّ الحمّصي كان يعتقد بأنّ آراء أبي الحسين البصري وأتباعه موافقة ـ في الأصل ـ مع آراء متكلّمي بغداد من الإمامية مثل الشيخ المفيد وأتباعه. ولذا يمكننا أن نعتبر مدرسة الحمّصي الكلامية بمثابة تكميل وتجديد للمنهج الكلامي للشيخ المفيد. وفقاً لما قاله هؤلاء المحقّقون فإنّ سائر متكلّمي الإمامية ـ فيما بعد ـ كانوا يعتقدون بذلك أيضاً، وهو أنّ اعتقادات الشيخ المفيد أقرب إلىٰ تعاليم الأئمّة ^ بالمقارنة مع آراء الشريف المرتضىٰ الذي مال إلىٰ آراء البهشمية ونظريّاتهم ونأىٰ عن تعاليم الأئمّة ^ نتيجة لذلك 71
    Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 204 - 205.
    .
    بناء علىٰ ما ذكره البعض فإنّ ميول متكلّمي الإمامية إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري قطعاً كانت موجودة منذ منتصف القرن السادس الهجري علىٰ أقلّ التقديرات 72
    علىٰ سبيل المثال: ذكرالقطب الراوندي (ت 573 ه‍) في شأن من اتّبع مدرسة أبي الحسين البصري من علماء الإمامية ما يلي: «وأمّا من يختار من أصحابنا طريقة أبي الحسين البصري فإنّه يقول: معنىٰ قوله: (ليس لصفته حدّ) أي: ليس لوصفنا إيّاه بما نذكره من الحمد والمدح ونحوهما غاية». منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 1/37. وقال في موضع آخر: «وقال بعض أصحابنا ممّن يختار طريقة أبي الحسين البصري: إنّ لله ذات مخصوصة ليس له صفات، وإنّما يخالف غيره بذاته المتميّزة». نفس المصدر: 47.
    ، حتّىٰ أنّ بعض التحقيقات أشارت إلىٰ احتمال انتماء الشيخ الطوسي في أواخر عمره إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري 73
    Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 203; Hassan Ansari and Sabine Schmidtke, “Al-Shaykh al-Ṭūsī: His Writings on Theology and their Reception”, in: Studies in Medieval Islamic Intellectual Traditions, p. 321.
    . ويحتمل أنّ انتماء متكلّمي الإمامية إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري الكلامية كان شائعاً وقد بلغ من الشهرة حدّاً بحيث أشارت بعض الدراسات التاريخية إلىٰ اتّباع الكثير من متكلّمي الإمامية آنذاك لهذه المدرسة 74
    طبقات المعتزلة: 119.
    . بناء علىٰ ذلك يبدو أنّ تيّاراً كلاميّاً واسع النطاق يميل إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري كان قد تشكّل في منطقة الحلّة تحت تأثير تعاليم الحمّصي الرازي (ت بعد سنة 600ه‍) 75
    تاريخ وفاة الحِمّصي الرازي ليس واضحاً بدقّة، ويوجد اختلاف في ذلك. ابن حَجَر في (لسان الميزان) نقل لنا وفاته بعد سنة (600 هـ): «ومات بعد الستمائة». لسان الميزان 5/317. وذكر آية الله السيّد موسيٰ الشبيري الزنجاني ـ بعد تحقيقه في باب تاريخ وفاة الحِمَّصي ـ نفس قول ابن حَجَر مقروناً بتصويبه. انظر: جرعه‌اي از دريا 1/ 52ـ58.
    وتدريسه. وبحسب ما ذهب إليه بعض الباحثين فإنّ الحمّصي الرازي يعتبر أوّل متكلّم إمامي معروف كان يقول بآراء أبي الحسين البصري وأفكاره الكلامية 76
    آخرين دوره معتزله: أبوحسين بصري ومكتب وي: 507؛ مقدّمة المعتمد في أصول الدين: xi.
    Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu l-‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford).”, p.375.
    ، وقام بضمّها إلىٰ الكلام الإمامي بشكل منظّم، بالرغم من أنّنا نعلم أنّ قبل الحمّصي الرازي أيضاً كان عدد من متكلّمي الإمامية يميلون إلىٰ مدرسة أبي الحسين البصري إلّا أنّه ليس لدينا أيّ معلومات عنهم. وعلىٰ كلّ حال فإنّ مرحلة إنشاء وازدهار مدرسة الحلّة المتقدّمة في كلام الإمامية قد بدأت من المنتصف الثاني للقرن السادس الهجري تقريباً واستمرّت إلىٰ ما بعد النصف الأوّل من القرن السابع الهجري.
    وكان الحمّصي قد قضىٰ أكثر أيّام حياته العلمية في مدينة الري ولذلك عرف بـ: (الرازي). وأهمّ مؤلّفاته الكلامية هي عبارة عن: (المُنقِذ من التقليد والمرشد إلىٰ التوحيد) أو (التعليق العراقي) الذي ألّفه ـ بناء علىٰ ما ذكره هو ـ في الفترة القصيرة التي أقام بها في الحلّة في غضون سنة (580 ـ 581 ه‍) امتثالاً لطلب علمائها، حيث أملاها ودرّسها عند عودته من الحجّ 77
    المُنقِذ من التقليد 1/ 17ـ18.
    وأتمّها في التاسع من جمادىٰ الأولىٰ سنة (581ه‍) 78
    نفس المصدر 2/402.
    . هذا وقد أسّس الحمّصي بتأليفه وتدريسه كتاب المنقذ في الحلّة مدرسة كلامية جديدة في الكلام الإمامي. وبما أنّ كتاب المنقذ من التقليد يعتبر أهمّ كتاب كلامي ـ يعود إلىٰ مدرسة الحلّة المتقدّمة ـ كان قد تمّ تأليفه في الحلّة، وأنّ أغلب أتباع هذه المدرسة هم من متكلّمي الحلّة، فإنّه من الطبيعي تسمية المدرسة المذكورة بـ: (مدرسة الحلّة).
    ومن بعد الحمّصي الرازي اتّخذ آخرون من متكلّمي الإمامية طريقته ومسلكه الكلامي؛ ومن بين هؤلاء لابدّ من الإشارة هنا إلىٰ مؤلّف كتاب خلاصة النظر ـ وللأسف أنّه ليس لدينا معلومات دقيقة عن اسمه وحياته سوىٰ أنّه ذكر في كتابه هذا كتاب الحمّصي الرازي المنقذ من التقليد حيث يحتمل من خلال ذلك أنّه كان حيّاً في القرن السادس وأوائل القرن السابع تقريباً 79
    المقدّمة الإنجليزية لكتاب خلاصة النظر: xv.
    ـ حيث تأثّر كتابه هذا ـ إلىٰ حدٍّ ما ـ من حيث منهجيّته ومضمونه بكتاب المنقذ من التقليد للحمّصي الرازي، حيث يمكننا رؤية ميوله إلىٰ آراء أبي الحسين البصري فيه واضحة 80
    نفس المصدر: xvii.
    .
    وهناك آخرون من متكلّمي الإمامية البارزين ممّن يمكننا أن نعدّهم من ضمن متكلّمي (مدرسة الحلّة المتقدّمة) وهم: نجم الدين أبو القاسم جعفر بن حسن الحلّي (ت 676 ه‍) المعروف بالمحقّق الحلّي، صاحب کتاب المسلك في أصول الدين، وهو من آخر المتكلّمين من أتباع مدرسة الحلّة المتقدّمة؛ ونصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي المشهدي (ت بعد سنة 599 ه‍.)، مؤلّف رسالة الوافي بکلام المُثبِت والنافي 81
    للاطّلاع علىٰ شخصيّته وكتابه، انظر:
    Ansari, Hassan and Schmidtke, Sabine, “Philosophical Theology among Sixth/ Twelfth-Century Twelver Shīʿites: From Naṣīr al-Dīn al-Ṭūsī (d. after 599/1201-2 or 600/1202-3) to Naṣīr al-Dīn al-Ṭūsī (d. 672/1274): A Critical Edition of Two Theological Tracts, Preserved in MS Landberg 510 (Beinecke Rare Book and Manuscript Library, Yale University)”, Shii Studies Review, 1, 2017, pp. 194-256.
    تمّ التأكيد في الصفحات: 196 و208 من المقالة المذكورة أعلاه علىٰ توجّه نجم الدين الحلّي إلىٰ آراء أبي الحسين البصري ونقل آراء البصري إلىٰ الإمامية عن طريقه.
    ؛ وهناك بعض مؤلّفي الرسائل المختصرة مثل الخلاصة في علم الکلام 82
    انظر: (الخلاصة في علم الكلام از كيست؟) لحسن الأنصاري والمنشور في:
    http://ansari.kateban.com/post/2032.
    حيث تمّ في هذا المقال مناقشة احتمال نسبة الكتاب إلىٰ قطب‌ الدين الكيذُري البيهقي تلميذ نصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي وصاحب حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة.
    المنسوبة لقطب‌ الدين السبزواري؛ والمعتمد من مذهب الشيعة الإمامية 83
    انظر: (ابن البطريق الحلّي ويك اعتقاد نامه امامي در مكتب ابوالحسين بصري) لحسن الأنصاري والمنشور في:
    http://ansari.kateban.com/post/2036
    حيث تمّ في هذا المقال مناقشة احتمال نسبة الكتاب إلىٰ ابن بِطريق الحِلّي.
    الذي طبع ونسب خطأً لسديد‌ الدين الحِمَّصي 84
    (المنسوب بالخطأ إلىٰ) الحِمَّصي الرازي، سديد الدين، المعتمد من مذهب الشيعة الإمامية، المطبوع في: ميراث اسلامي ايران، دفتر ششم، قم: انتشارات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1376ش.
    ؛ وعُجالة المعرفة تأليف ظهير الدين أبي الفضل محمّد الراوندي 85
    للاطّلاع علىٰ شخصيّته وتوجّهه الكلامي، انظر: (أدبيات كلامي اماميه در نيمه دوم سده ششم قمري: نمونه عجالة المعرفة فرزند قطب راوندي) لحسن الأنصاري والمنشور في:
    http://ansari.kateban.com/post/2027.
    ، نجل قطب الدين الراوندي (ت 573 ه‍)؛ وكتاب الياقوت تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت.
    وتزامناً مع ظهور تعاليم ابن سينا الفلسفية في المدرسة الكلامية الإمامية، أخذت مدرسة الحلّة المتقدّمة بالتراجع والانزواء إلىٰ حدّ كبير، وتركت مكانها لمدرسة وتيّار جديد من متكلّمي الحلّة الإمامية، وهو التيّار الذي يميل في الكثير من المسائل والأبحاث إلىٰ فلسفة ابن سينا والحوار الفلسفي فضلاً عن توجّهه النسبي لمدرسة أبي الحسين البصري الاعتزالية. وسنتطرّق في الفصل التالي إلىٰ الحديث عن هذه المرحلة والمدرسة الجديدة وتعريفها.
    (2) مرحلة الكلام (المعتزلي ـ الفلسفي) الإمامي:
    وهي (مدرسة الحلّة المتأخّرة [مدرسة الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672ه‍) والعلّامة الحلّي (ت 726ه‍) وأتباعهما ]).
    لقد بيّنّا سابقاً في المرحلة الأولىٰ من الكلام العقلي الإمامي ـ التي استمرّت تقريباً من النصف الثاني من القرن الرابع الهجري إلىٰ حدود النصف الثاني من القرن السابع الهجري ـ أنّ الكلام الإمامي قد تأثّر تأثّراً نسبيّاً بمختلف مدارس المعتزلة بحكم ارتباطه وعلاقته مع الكلام المعتزلي، سواء مدارس معتزلة بغداد أو البصرة (البهشمية) أو الحسينية، فكان له صبغة ونمط اعتزالي، وقد تكامل إلىٰ حدّ كبير في إطار الفكر المعتزلي. كما طرأ علىٰ الكلام الإمامي تطوّر كبير آخر في النصف الثاني من القرن السابع الهجري ـ تقريباً ـ بحيث أدّىٰ إلىٰ تغيير حوار الكلام الإمامي من الحوار المعتزلي إلىٰ الحوار المعتزلي الفلسفي. ففضلاً عن تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي في المرحلة الثانية من مراحل الكلام العقلي الإمامي، فإنّ الكثير من متكلّمي الإمامية إثر اطّلاعهم علىٰ فلسفة ابن سينا أخذوا قسماً من منهاجه ومبانيه وقواعده واصطلاحاته وآرائه الفلسفية، واستفادوا منها في تدوين الكلام الإمامي وشرحه وتبيينه. وبما أنّ الكلام الإمامي في هذه المرحلة بقي محتفظاً ـ نوعاً ما ـ بمنهجيّته وطريقته الاعتزالية في بعض المطالب، وخاصّة تأثّره بمدرسة أبي الحسين البصري، إلّا أنّه في نفس الوقت كان قد تأثّر في بعض الجوانب بفلسفة ابن سينا المشّائية، فمن الجدير أن نسمّي هذه المرحلة بمرحلة الكلام (المعتزلي ـ الفلسفي) الإمامي.
    ففي هذه المرحلة يمكن الإشارة إلىٰ مدرسة واحدة فقط، وهي المدرسة التي يمكن أن نطلق عليها اسم: (مدرسة الحلّة المتأخّرة)؛ ونسبناها إلىٰ الحلّة بسبب تواجد أكثر أتباعها في هذه المدينة وكان تأسيسها فيها، وأسميناها بـ: (المتأخّرة) لتأخّرها الزماني عن (مدرسة الحلّة المتقدّمة). وقد كانت بداية هذه المدرسة تزامنت مع تأسيس أوّل مدرسة للكلام الفلسفي عند الإمامية علىٰ يد الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672ه‍)، ومن ثمّ اتّسع نطاقها وتكاملت إثر جهود العلّامة الحلّي وأتباعه. وقد استمرّت مدرسة الحلّة المتأخّرة بصفتها التوجّه الغالب في الكلام الإمامي حتّىٰ العصر الصفوي وظهور الفيّاض اللاهيجي (ت 1072ه‍). بناء علىٰ هذا يمكننا تحديد النطاق الزمني لنشاط (مدرسة الحلّة المتأخّرة) ـ بنحو تقريبي ـ من النصف الثاني من القرن السابع حتّىٰ النصف الأوّل من القرن الحادي عشر الهجري. وفيما يلي نشير إلىٰ بعض التوضيحات فيما يخصّ تأسيس هذه المدرسة وتطوّرها.
    (أ) الخواجة نصير الدين الطوسي وتأسيس مدرسة الحلّة المتأخّرة:
    كان التوجّه الكلامي الإمامي إلىٰ فلسفة ابن سينا يُعدّ تطوّراً كبيراً في الكلام الإمامي 86
    للحصول علىٰ بحث مختصر في شأن تاريخ تأثّر الكلام الإمامي بفلسفة ابن سينا، انظر: (نگاهي به تأثيرپذيري‌هاي‌ كلام اماميه از كلام اشعري وفلسفه سينوي وعرفان ابن عربي وحكمت صدرايي)، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 29، العدد 169، 1397ش: 3ـ20.
    ، وهو الأمر الذي غيّر الكلام الإمامي من حيث البنية والمحتوىٰ وأسلوب تناول المواضيع والمسائل الكلامية إلىٰ حدّ كبير، وقد طرأ هذا التطوّر علىٰ الكلام الإمامي إثر استئناس بعض متكلّمي الإمامية وخاصّة الخواجة نصير الدين الطوسي بفلسفة ابن سينا وتأثّرهم بها، فقد استطاع الخواجة نصير الدين الطوسي بمنهجه وأفكاره الفلسفية أن يحدث في الكلام الإمامي هذا التطوّر الكبير الذي أشرنا إليه، وذلك من خلال المناهج والأفكار المقتبس أكثرها من تعاليم ابن سينا الفلسفية. ففي الحقيقة إنّ الخواجة نصير الدين كان بمثابة حلقة الوصل التي تمّ من خلالها نقل فلسفة ابن سينا إلىٰ الكلام الشيعي، ولذا لابدّ أن نعتبر التطوّر الذي طرأ في الكلام الإمامي ـ في ظلّ التوجّه إلىٰ الفلسفة ـ تطوّراً متأثّراً بمنهج ابن سينا الفلسفي، وليس تطوّراً ناشئاً من أفكار الخواجة نصير الدين الفلسفية علىٰ نحو مستقلّ. ومن خلال ما ذكرنا يتّضح أنّ تأثير ابن سينا علىٰ الكلام الإمامي لم يكن بشكل مباشر، بل كان عن طريق إحداث سنّة فلسفية مستحكمة في الكلام الإمامي من خلال حماتها ومن روّج لها مثل الخواجة نصير الدين الطوسي وغيره ممّن دعمها بقوّة واستطاع أن يُدخل فصولاً منها في علم الكلام الإمامي.
    وبالرغم من أنّ ابن ميثم البحراني أيضاً قد تعرّف علىٰ فلسفة ابن سينا وتأثّر بها عن طريق علماء البحرين مثل علي بن سليمان البحراني (ت سنة 670ه‍ تقريباً) وعن طريق مؤلّفات الفخر الرازي، ولكن يبدو أنّ مؤلّفاته لم يكن لها ذلك التأثير في نقل فلسفة ابن سينا إلىٰ علم الكلام الإمامي، بل إنّ تأثّر متكلّمي الحلّة بفلسفة الشيخ الرئيس إنّما كان بشكل رئيسي عن طريق الخواجة نصير والعلّامة الحلّي، ومن خلال مطالعاتهم المباشرة لنفس مؤلّفات ابن سينا.
    وبغضّ النظر عن الدور البارز الذي لعبه الخواجة نصير الدين الطوسي في دمج فلسفة ابن سينا في الكلام الإمامي، فهو يعتبر من دعاة إحياء مدرسة ابن سينا الفلسفية في العصور الهجرية الوسطىٰ. وقد ذكر القاضي نور الله التستري ـ في تقييمه لدور الخواجة نصير في إحياء فلسفة ابن سينا ـ أنّ فلسفة ابن سينا التي اندثرت إثر الشبهات التي أثارها أبو البركات البغدادي والفخر الرازي وتراجعت القهقرىٰ، استطاعت أن تستعيد حياتها مرّة أخرىٰ علىٰ يد الخواجة نصير؛ حيث أبان للجميع ضعف شبهات أبي البركات والفخر الرازي علىٰ فلسفة ابن سينا ووهنها 87
    مجالس المؤمنين 4/504.
    .
    من الواضح لدينا أنّ الخواجة نصير الدين كان فيلسوفاً مشّائيّاً بارزاً، ومدافعاً عن أكثر آراء ابن سينا، وشارحاً لقسم من مؤلّفاته. وأنّ أهمّ المساعي التي قام بها الخواجة لحفظ نهج ابن سينا وأفكاره وآرائه الفلسفية هو دفاعه عن مدرسة ابن سينا الفلسفية إزاء منتقديه من الأشاعرة. وبالرغم من أنّ الخواجة نصير لم يؤلّف كتباً فلسفية مفصّلة؛ إلّا أنّه ترك أثراً كبيراً في توطيد مدرسة ابن سينا الفلسفية ونشرها، وذلك من خلال تأليفه لشرحه القيّم علىٰ كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا، والذي جاء تحت عنوان حلّ مشكلات الإشارات، وكذلك من خلال أجوبته علىٰ مخالفي ومنتقدي فلسفة ابن سينا من الأشاعرة.
    إنّ شرح الخواجة نصير الدين علىٰ كتاب الإشارات لابن سينا هو ردّ علىٰ الشرح الانتقادي الذي كتبه الفخر الرازي الأشعري، والذي عبّر عنه الخواجة نصير بـ: (جرح الفخر الرازي علىٰ إشارات ابن سينا) ولم يقُل شرح وإنّما قال عنه جرح؛ وأمّا الدفاع الآخر للخواجة نصير عن ابن سينا فكان من خلال تأليف كتابه مصارع المصارع في الردّ علىٰ كتاب: (مصارعة الفلاسفة) لتاج الدين محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548ه‍) المتكلّم الأشعري البارز ذي النزعة الإسماعيلية. وبالتأكيد لولا دفاع الخواجة ودعمه الدؤوب لأفكار ابن سينا في الأيّام التي كانت فيها انتقادات متكلّمي الأشعرية علىٰ فلسفة ابن سينا علىٰ أشدّها لواجهت هذه المدرسة أزمات أدّت إلىٰ تقهقرها في الحضارة الإسلامية، ولكنّ اهتمام الخواجة نصير الدين بفلسفة ابن سينا أدّىٰ بها إلىٰ أن تستعيد أنفاسها مرّة أخرىٰ وتعود إلىٰ سابق حياتها ويستمرّ نهجها، هذا من جانب، ومن جانب آخر نرىٰ أنّ اهتمام الخواجة بفلسفة ابن سينا أدّىٰ إلىٰ إحداث تطوّر كبير في الكلام الإمامي.
    وكما أشرنا سابقاً فإنّ الخواجة نصير فضلاً عن تأثّره بفلسفة ابن سينا من حيث أسلوبه ومنهجه الكلامي إلّا أنّه استفاد أيضاً في بعض المواضيع والمسائل من مدرسة اعتزال أبي الحسين البصري، وهو الأمر الذي جعل منهجه الكلامي الفلسفي ذا صبغة اعتزالية؛ بناء علىٰ هذا فإنّ المنهج الكلامي الذي اختاره الخواجة هو منهج بأسلوب وطريقة اعتزالية فلسفية 88
    قدّم عبّاس سليمان دراسة عن بعض تأثيرات المعتزلة وفلسفة ابن سينا علىٰ الفكر الكلامي للخواجة نصير الدين الطوسي في مختلف المواضيع الكلامية. انظر: (الصلة بين علم الكلام والفلسفة في الفكر الإسلامي، محاولة لتقويم علم الكلام وتجديده)، الفصل الثاني: تطوّر علم الكلام وانتهاؤه إلىٰ الفلسفة في فكر الطوسي: 111ـ147.
    . وكذلك استفاد الخواجة نصير ـ في منهجيّته وطريقته في الأبحاث الكلامية ـ من بعض كتب الفخر الرازي، ولذا لابدّ أن نأخذ جميع هذه المناشئ الفكرية بعين الاعتبار عند دراسة أفكار الخواجة نصير الدين الطوسي الكلامية 89
    للحصول علىٰ تحقيق مختصر في باب أفكار الخواجة نصير الدين الطوسي الفلسفية والكلامية انظر: انديشه‌هاي فلسفي وكلامي خواجه نصير الدين طوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي، آراؤه الفلسفية والكلامية)، تأليف: هاني نعمان فرحات، ترجمه إلىٰ الفارسية: غلامرضا جمشيدنژاد اوّل، مركز پژوهشي ميراث مكتوب، 1389ش، ص: 412.
    ، وهو أمر في غاية الأهمّية. بناء علىٰ هذا، فمن الضروري المقارنة بين آراء ومؤلّفات الخواجة نصير مع آراء ومؤلّفات ابن سينا وإبي الحسين البصري والفخر الرازي عند دراسة وتقييم أفكار الخواجة الكلامية 90
    للحصول علىٰ نماذج للمقارنة بين آراء الخواجة نصير الدين الطوسي وآراء الفخر الرازي، انظر: بررسي وداوري در مسائل اختلافي ميان دو فيلسوف اسلامي خواجه نصير طوسي وامام فخر رازي، تأليف: السيّد حسن الحسني، انتشارات دانشگاه تهران، تهران،1373ش، ص: 304.
    .
    ولا شكّ أنّ الأثر المستحكم الذي ابتدعه الخواجة نصير الدين الطوسي والذي ترك بصماته علىٰ الفكر الأمامي هو إدخاله عناصر من فلسفة ابن سينا في الكلام الإمامي. فقد استطاع الخواجة بتأليفه الرائع لكتابه المسمّىٰ بـ: تجريد الاعتقاد (تجريد العقائد) أن يعرض للفكر الشيعي واعتقاداته صرحاً كلاميّاً منسجماً وبأسلوب ومنهج فلسفي من خلال الاستفادة من بعض مباني وقواعد فلسفة ابن سينا واصطلاحاتها. والإهمّية الخاصّة لكتاب تجريد الاعتقاد تكمن في احتمال أن يكون هذا الكتاب أوّل كتاب وجيز وجامع أُدخل فيه الكثير من المفاهيم والمباني الطبيعية والفلسفية المشّائية في الكلام الإمامي 91
    تمّت دراسة دور كتاب: (تجريد الاعتقاد) في تكوين الكلام الفلسفي الإمامي والإسلامي والبحث في مختلف جوانبه الفلسفية في كتاب: تطوّر علم الكلام إلي الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي (دراسة تحليلية مقارنة لكتاب تجريد العقائد)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1994م، ص: 146.
    . وسرعان ما أصبحت رسالة تجريد الاعتقاد أنموذجاً يحتذىٰ به في تدوين النصوص الكلامية عند الإمامية بعد الخواجة، وبذلك نشأ في الكلام الإمامي تطوّر جدير بالاهتمام.
    (ب) العلّامة الحلّي وتكامل مدرسة الحلّة المتأخّرة:
    استطاعت مدرسة الحلّة المتأخّرة بعد تأسيسها من قبل الخواجة نصير الدين الطوسي أن تشقّ طريقها نحو مزيد من التفصيل والتكامل العلمي من خلال مساعي وتأليفات تلميذه الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ه‍). ويعدّ العلّامة الحلّي ـ بسبب كثرة مؤلّفاته الكلامية وتنوّعاتها ـ أبرز وأهمّ متكلّم إمامي في مدرسة الحلّة، ولا يوجد أيّ متكلّم إمامي آخر في القرون الهجرية الوسطىٰ كان قد ساهم عن طريق تأليف المؤلّفات الكلامية المختلفة كما ساهم هو في نشر الكلام الإمامي وتوطيده.
    إنّ العلّامة الحلّي يعتبر من حيث التوجّه والمنهج الكلامي يميل إلىٰ المدرسة الكلامية الفلسفية الإمامية، ولكنّه في نفس الوقت كان متأثّراً بكلام مدرسة الحلّة المتقدّمة وبآراء أبي الحسين البصري في العديد من المسائل 92
    Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology, p. 19.
    . بناء علىٰ هذا، فإنّ مدرسة أبي الحسين البصري الكلامية تركت أثرها علىٰ العلّامة وساهمت في رسم أطر أفكاره الكلامية 93
    قدّمت زابينه اشميتكه تحقيقاً مستقلّا ً في نماذج هذا التأثّر، انظر: كتاب: (الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي) بالإنجليزية:
    Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology.
    . وما ذكره بعض أصحاب التراجم من أنّ العلّامة الحلّي هو أحد متكلّمي المعتزلة 94
    أعيان العصر وأعوان النصر 2/292؛ كذلك انظر: الوافي بالوفيّات 9/130.
    كذلك يمكن أن يكون شاهداً علىٰ منهج كلامه الاعتزالي في الكثير من مؤلّفاته، كما أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً.
    إنّ السمة البارزة للعلّامة الحلّي التي تميّزه عن سائر متكلّمي الإمامية المعاصرين له وتجعل له الأرجحية عليهم هي سعة اطّلاعه وهيمنته علىٰ مؤلّفات وأفكار المعتزلة والأشاعرة وإحاطته الواسعة علىٰ الأفكار الفلسفية؛ فإنّه كان علىٰ دراية جيّدة بإفكار المعتزلة وآرائهم، كما كان علىٰ دراية بمباني وآراء الفلاسفة المسلمين، وبالخصوص آراء ابن سينا. إنّ ترديد العلّامة وتردّده بين الآراء الكلامية لمتكلّمي المعتزلة وبين الآراء الفلسفية جعلت فكره الكلامي في مهبّ الصراع القائم بين الكلام المعتزلي وفلسفة ابن سينا، ولذلك فإنّه في بعض المسائل كان يميل تارة إلىٰ المعتزلة وآرائهم، وتارة أخرىٰ كان يميل إلىٰ جانب فلسفة ابن سينا وآرائه 95
    علىٰ سبيل المثال: يمكن الإشارة إلىٰ تردّد عقيدة العلّامة الحلّي في شأن حقيقة الإنسان وماهية النفس الإنسانية حيث نراه في بعض كتبه كان قد مال إلىٰ نظرية المعتزلة في باب حقيقة الإنسان، أي: نظرية (الأجزاء الأصلية)؛ ولكنّه في بعض كتبه الأخرىٰ قد مال إلىٰ نظرية الفلاسفة، حيث اعتبروا النفس الإنسانية مجرّدة وغير مادّية. انظر: الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي (بالإنجليزية): 246ـ247.
    Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology
    ، ممّا أعاق هذا الأمر ـ إلىٰ حدّ ما ـ استقرار رأيه وقوّته في بعض المسائل الكلامية.
    وقد انعكس بشكل واضح إلمام العلّامة وإدراكه العميق لآراء المعتزلة في بعض كتبه، خاصّة نهاية المرام ومناهج اليقين، حيث ذكر في العديد من أبحاثهما آراء متكلّمي المعتزلة وأفكارهم. وفضلاً عن ذلك فإنّ العلّامة كان يحظىٰ أيضاً بنطاق واسع من المعرفة بآراء متكلّمي الأشاعرة وبمؤلّفاتهم، وقد ذكرها مراراً في مؤلّفاته. ومن خلال شروح العلّامة الثلاثة علىٰ كتاب الإشارات لابن سينا يتّضح جليّاً معرفته اللافتة بأفكاره، وتلك الشروح عبارة عن: (الإشارات إلىٰ معاني الإشارات، بسط الإشارات إلىٰ معاني الإشارات 96
    أجوبة المسائل المُهَنّائية: 157.
    وإيضاح المُعضِلات في شرح الإشارات 97
    نفس المصدر.
    )، كما يتّضح هذا الأمر أيضاً من خلال حَكَميّته بين شرّاح الإشارات التي جاءت علىٰ شكل كتاب تحت عنوان: (المحاكمات بين شرّاح الإشارات) 98
    خلاصة الأقوال: 113.
    ، وكذلك من خلال شرحه علىٰ كتاب الشفاء وهو بعنوان: (كشف الخفاء من كتاب الشفاء). كما شرح العلّامة أيضاً عدداً من كتب السهروردي ومنها التلويحات 99
    أجوبة المسائل المهنّائية: 157؛ خلاصة الأقوال: 112.
    ، وبذلك أثبت هيمنته علىٰ فلسفة الإشراق وإتقانه لها، ورغم ذلك يبدو أنّ الحكمة الإشراقية لم يكن لها ذاك التأثير الملموس علىٰ أفكار العلّامة.
    يظهر من خلال دراسة الكتب الكلامية للعلّامة الحلّي أنّه كان متأثّراً في الأبحاث العقلية لعلم الكلام بأفكار المعتزلة والأشاعرة وبفلسفة ابن سينا في العديد من المواضع، ولكنّ ذلك لا يعني أنّه كان متأثّراً بهذه المدارس بنحو مطلق، حيث كان يذكر آراءهم ـ في بعض الأحيان ـ مقرونة بانتقادات شديدة يوجّهها لأفكار تلك المدارس. وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي وجّهها العلّامة علىٰ الفخر الرازي الأشعري، إلّا أنّه لا يمكن إنكار تأثير أفكار الفخر الرازي ومؤلّفاته علىٰ جوانب من أفكار ومؤلّفات العلّامة 100
    كان تأثّر العلّامة بالفخر الرازي محلّ اهتمام بعض الدراسات، انظر: الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي (بالإنجليزية): 243.
    Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology
    ؛ حيث نرىٰ بوضوح في بعض تأليفات العلّامة أنّ المواضيع التي كتبها إنّما هي اقتباس من عبارات الفخر الرازي 101
    للحصول علىٰ نماذج للمقارنة بين آراء العلّامة الحلّي وآراء الفخر الرازي انظر علىٰ سبيل المثال: الأمور الموجودة في الصفحات: (168ـ222) من المجلّد الثاني من كتاب (نهاية المرام في علم الكلام)، وبين الأمور التي ذُكرت في الصفحات: (468ـ500) من المجلّد الأوّل من كتاب (المباحث المشرقية)، حيث جاءت أغلبها ـ تقريباً ـ اقتباساً من عبارات الفخر الرازي، وقد كُتبت أكثرها عارية عن اسم المؤلّف؛ وهو ما اعتاد عليه علماء السلف في نقولاتهم في تلك الفترة.
    ، وكذلك نلاحظ أنّ نقد العلّامة للأفكار الفلسفية جاء نتيجة لتأثّره بآراء الفخر الرازي بالرغم من أنّ العلّامة لم يكن نقّاداً للفلسفة والنظريّات الفلسفية بالحدّ الذي كان عليه الفخر الرازي، إلّا أنّه كان متأثّراً به بشكل كبير في معظم المواقف التي تناول بها العلّامة نقد الآراء الفلسفية، حتّىٰ أنّه تطرّق في بعض الحالات إلىٰ تأييد انتقادات الفخر الرازي وتعزيز رأيه علىٰ آراء ابن سينا، واعتبر أجوبة أستاذه الخواجة نصير علىٰ إشكالات الفخر الرازي ناقصة وغير تامّة 102
    نهاية المرام في علم الكلام 2/204؛ وانظر أيضاً نفس المصدر: 209 ـ 210.
    ، مضافاً إلىٰ ذلك نرىٰ أنّ العلّامة قد ذكر في مواضع عديدة إشكالاته وانتقاداته علىٰ الآراء الفلسفية ـ مستقلّا ً عن تأثّره بالفخر الرازي ـ أكثر ممّا أبداه الفخر الرازي وبيّنه 103
    ىٰ ذكر انتقاداته علىٰ بعض القواعد الفلسفية بالإضافة إلىٰ ما نقله من انتقادات الفخر الرازي.
    .
    وخلاصة القول: إنّه إذا أردنا أن نذكر المصادر والمآخذ الفكرية الكلامية للعلّامة الحلّي من بين مصادر غير الإمامية، فلابدّ من الإشارة إلىٰ ثلاثة تيّارات فكرية أصلية أخذ منها العلّامة، وهي: الكلام المعتزلي بعد البهشمية، والكلام الأشعري، والفلسفة المشّائية لابن سينا؛ فعلىٰ هذا الأساس يمكننا أن نقول: إنّ كتب العلّامة الكلامية ومؤلّفاته ـ بشكل رئيسي ـ هي نسيج من الموروث الكلامي الإمامي القديم والإرث الفكري للتيّارات الفكرية الثلاثة المهمّة آنذاك.
    ومن خلال مقارنة الأفكار الكلامية لكلّ من العلّامة الحلّي والخواجة نصير يتبيّن لنا أنّ العلّامة كان متكلّماً قبل أن يكون فيلسوفاً، ولذلك فإنّه بالمقارنة مع الخواجة حاز قصب السبق في هذا المضمار، فكان أكثر اهتماماً من الخواجة بمناقشة ودراسة ونقد أفكار متكلّمي المعتزلة والأشاعرة في كتبه. وبإزائه نرىٰ أنّ الخواجة نصير كان فيلسوفاً قبل أن يكون متكلّماً، وكانت له علقة شديدة بالأفكار الفلسفية؛ ولذلك نرىٰ أنّ الخواجة نصير لم يتطرّق في مؤلّفاته إلىٰ ذكر آراء المتكلّمين وتقييمها بالمقدار الذي تناول به نقل آراء الفلاسفة وتبيينها، وبالأخصّ فلسفة ابن سينا. ففي الواقع كان الخواجة يعتبر طريقة المعتزلة في الأبحاث الكلامية طريقة جدلية 104
    «الاشتغال ببيان طريق المعتزلة في هذا الموضع خروج عن الشرط الذي رسمه ملتمس الكلام علىٰ هذه الرسالة، فإنّ شرطه أن لا يكون الكلام علىٰ طريقة الجدليّين‏»، أجوبة المسائل النصيرية: 76.
    ، ولهذا السبب لم يبدِ رغبته في مناقشة أفكارهم ودراستها. هذا وإنّ توجّه الخواجة لآراء الأشعرية ـ مثل الفخر الرازي ـ إنّما يعود في الغالب إلىٰ انتشار أفكارهم في عصره وضرورة تقييمها ونقدها في الدفاع عن فلسفة ابن سينا ليس إلّا. وقد انعكس أيضاً هذا الاختلاف بالمنهج بوضوح في كتب ومؤلّفات الخواجة نصير والعلّامة الحلّي؛ فإنّ أغلب جدال الخواجة نصير وصراعه الفكري في كتبه هو مع كبار متكلّمي الأشعرية وفي الدفاع عن فلسفة ابن سينا، فقد جاء كتابه مصارع المصارع في نقد مصارعة الفلاسفة للشهرستاني، وكتابه شرح الإشارات في الردّ علىٰ شرح الفخر الرازي لكتاب الإشارات، وكتابه تلخيص المحصّل المعروف بـ: نقد المحصّل في نقد وردّ المحصّل للفخر الرازي. وعلىٰ عكس الخواجة، فإنّ العلّامة الحلّي لم يتصدّ قطّ للدفاع عن أفكار ابن سينا الفلسفية إزاء انتقادات المتكلّمين، أو يتطرّق لتأليف كتاب في هذا المجال فحسب؛ بل كان هو أيضاً ـ نوعاً ما ـ نقّاداً للكثير من مباني وقواعد ابن سينا وأفكاره الفلسفية، ويمكن تحليل الكتب التالية في نفس هذا السياق، مثل: كتاب المقاومات الذي قال فيه العلّامة: إنّه تطرّق فيه للنقاش مع من سبقه من الحكماء وتصدّيه لهم، وكان ينوي أن يستمرّ بمواجهتهم إلىٰ آخر عمره 105
    «كتاب المقاومات، باحثنا فيه الحكماء السابقين، وهو يتمّ مع تمام عمرنا»، خلاصة الأقوال: 111.
    ، ومثل كتاب إيضاح التلبيس من كلام الرئيس 106
    نفس المصدر: 112.
    أو كشف التلبيس في بيان سير الرئيس 107
    أجوبة المسائل المهنّائية: 157.
    ، حيث يبدو من عنوانيهما أنّهما أُلّفا في نقد الشيخ الرئيس ابن سينا وردّه.
    ويتبيّن من خلال الانتقادات العديدة التي وجّهها العلّامة علىٰ بعض تعاريف ابن سينا ومبانيه وقواعده وآرائه مدىٰ شدّة خلافه الفكري مع الشيخ الرئيس، وعدم اتّباعه ـ بنحو كامل ـ للنهج الفلسفي لابن سينا؛ علىٰ سبيل المثال: فقد تطرّق العلّامة الحلّي في كتابه نهاية المرام للتعاريف التي تناولها بشكل مفصّل ابن سينا حول مصطلح: (العلم) ومن ثمّ شرع العلّامة بنقدها واحدة تلو الأخرىٰ نقداً مبسوطاً 108
    نهاية المرام في علم الكلام 2/ 36ـ38.
    . وقد أشار العلّامة أيضاً إلىٰ رأي ابن سينا في مسألة اتّحاد (العقل والعاقل والمعقول)، ومن خلال ردّه لهذه النظرية انتقد كلام الشيخ الرئيس في هذه المسألة 109
    نفس المصدر: 36.
    .
    وكذلك انتقادات العلّامة وسائر متكلّمي الحلّة لمباني الفلاسفة وآرائهم القائلة بـ: (قدم العالم) ـ حيث كانت من وجهة نظر متكلّمي الحلّة مخالفة للتعاليم الدينية والشريعة الإسلامية ـ قد عكست بوضوح منهج هؤلاء الثلّة من المتكلّمين اتّجاه الفلسفة. فالمتكلّمون يعتبرون الفلسفة آليّة من الآليّات التي يمكن من خلالها تبيين المسائل والأبحاث الاعتقادية بنحو أفضل ليس إلّا، وعلينا الاستعانة بالفلسفة والتعاليم الفلسفية فقط إلىٰ الحدّ الذي يساعدنا في تحقيق هذا الهدف، وأن لا يجعلنا ذلك في تعارض مع تعاليم الشريعة. فمن وجهة نظر متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة: تعتبر الفلسفة عبارة عن وسيلة لتبيين المعتقدات الكلامية وللدفاع عنها فقط، وأنّ المعارف الفلسفية بحدّ ذاتها ـ علىٰ نحو الاستقلالية ـ ليست هي المقصود والمراد. ونتيجة لذلك؛ فمن الطبيعي عند هؤلاء المتكلّمين أن يتطرّقوا لنقد التعاليم الفلسفية في كلّ موقف تتعارض فيه الفلسفة مع التعاليم الدينية المسلّمة عندهم.
    ويتبيّن من خلال ما ذكرنا أنّ طريقة ومنهجيّة كلّ من الخواجة نصير الطوسي والعلّامة الحلّي في تناولهم لعلم الكلام لا تخلو من فوارق واختلافات واضحة رغم بعض التشابهات والتوافق في بعض المسائل فيما بينهما. علماً بأنّ هذا الاختلاف بين الخواجة والعلّامة لا يبلغ من الأهمّية بمقدار بحيث نعدّهما مدرستين متمايزتين. وإذا أردنا أن نلخّص أصل وأساس الاختلاف الفكري الذي ذكرناه بينهما في عبارة واحدة فعلينا أن نقول: إنّ كلام العلّامة الحلّي أكثر اعتزالاً من كلام الخواجة نصير الدين الطوسي، وكلام الخواجة ـ بسبب ما فيه من محتويات ومضامين فلسفية ـ أكثر فلسفية من كلام العلّامة الحلّي. وبهذا يتّضح أنّ كلّا ً من الخواجة والعلّامة كان لهما جذور فكرية اعتزالية وفلسفية، رغم اختلاف مقدار الاشترك والانسجام في الرأي فيما بينهما، وقد أدّىٰ هذا الأمر إلىٰ إدراج منهجهما الكلامي تحت لواء مدرسة كلامية واحدة باسم: (مدرسة الحلّة المتأخّرة) في ضمن مرحلة الكلام المعتزلي ـ الفلسفي الإمامي عند تقسيم مراحل الكلام الإمامي.
    إنّ التحديد الدقيق لمدىٰ ميول متكلّمي مدرسة الحلة المتأخّرة إلىٰ الفلسفة يعتمد علىٰ نشر مؤلّفاتهم الكلامية ودراسة مقدار قبولهم للأفكار الفلسفية في تلك المؤلّفات؛ لكن إجمالاً يبدو أنّ معظم متكلّمي هذه المدرسة كانوا يتّبعون نفس المنهج والأسلوب الكلامي للعلّامة الحلّي، وكانت لديهم آراء وكتابات مثل ما للعلّامة من آراء وأفكار، وإنّهم أكثر شبهاً به من حيث التوجّه الفلسفي والحدود التي كان يرتئيها العلّامة فيما يخصّ الفلسفة ومدىٰ مدخليّتها في علم الكلام، ولم ينسجم متكلّمو هذه المدرسة مع طريقة الخواجة وآرائه بقدر انسجامهم مع طريقة العلّامة. ويعتبر علي بن محمّد بن علي نصير الدين الكاشاني (القاشي) الحلّي (ت 755ه‍) واحداً من المتكلّمين القلائل من مدرسة الحلّة المتأخّرة الذي انتهج ـ إلىٰ حدّ ما ـ منهجاً مماثلاً للخواجة حيث كان له مزيد من التوجّه الفلسفي، وقد كتب تعليقاته المفصّلة علىٰ كتاب شرح الإشارات للخواجة نصير 110
    انظر: «نصير الدين كاشاني ونگاشته‌هاي كلامي او»، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 164، 1396ش، ص: 119ـ128.
    .
    بناء علىٰ ذلك يمكن القول بأنّ مدرسة الحلّة المتأخّرة كان فيها مجموعتان مختلفتان من المتكلّمين؛ المجموعة الأولىٰ: وهم قلّة قليلة، من أمثال الخواجة نصير الدين الطوسي ونصير الدين الكاشاني ممّن كان لهم ميول فلسفية أكثر من غيرهم، والمجموعة الثانية: وهم يمثّلون غالبية هذه المدرسة، من أمثال العلّامة الحلّي وتلامذته ممّن له تعلّق وميل أقلّ من المجموعة الأولىٰ اتّجاه الفلسفة، بل نراهم في الكثير من المواقف يوجّهون انتقاداتهم للآراء والمباني الفلسفية.
    وقد استمرّ بعد العلّامة الحلّي اتّساع نطاق الكلام الإمامي لمدرسة الحلّة المتأخّرة؛ وذلك من خلال كتابات ابنه محمّد بن الحسن بن يوسف الملقّب بفخر المحقّقين (ت 771 ه‍)، وابني أخت العلّامة وهما عميد الدين (ت 754 ه‍) وضياء الدين الأعرجي الحسيني (ت بعد 740 ه‍)، وكذلك تلاميذ العلّامة الآخرين مثل ركن الدين محمّد الجرجاني (حيّاً عام 728 ه‍). هذا وأنّ تلميذ فخر المحقّقين شمس الدين محمّد مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت 786 ه‍)، وكذلك تلميذ الشهيد الأوّل جمال الدين الفاضل المقداد السيوري الحلّي (ت 826 ه‍)، ونفر ممّن حضروا درس نصير الدين الكاشي؛ منهم عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم العتائقي الحلّي (المتوفّىٰ حوالي 790 ه‍)، وشمس الدين محمّد بن صدقة الحلّي، والسيّد جلال الدين أبو العزّ عبد الله بن شرف الدين شرف شاه العلوي الحسيني (توفّي حوالي 810 ه‍)، ممّن واصلوا مسيرة العلّامة الحلّي في الكلام الإمامي وفقاً للمنهج المعتزلي ـ الفلسفي، وتمكّنوا من لعب دور مهمّ في تثبيت واستكمال علم الكلام في مدرسة الحلّة المتأخّرة. وقد استمرّ هذا المنهج الفكري بمساعي وجهود عدد من المتكلّمين من أمثال الحسن بن محمّد بن راشد المعروف بابن راشد الحلّي (كان حيّاً سنة 830ه‍)، والشيخ نجم الدين خضر بن محمّد الحلبرودي العالم الإمامي من أعلام القرن التاسع الهجري، وأحمد بن محمّد الأردبيلي المعروف بالمقدّس أو المحقّق الأردبيلي (ت 993ه‍).
    وتزامناً مع ازدهار الفلسفة المشّائية في إيران في القرن العاشر الهجري، ظهر متكلّمون ذوو ميول فلسفية قوية أكثر ممّا كان عليه معظم متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة، ومن بين هؤلاء يمكن الإشارة إلىٰ الملّا أبي الحسن بن أحمد الآبيوردي الكاشاني (ت 966 ه‍) صاحب كتاب الشوارق.
    وبذلك تكون مدرسة الحلّة المتأخرّة ـ التي نشأت في النصف الثاني من القرن السابع الهجري ـ في كلام الإمامية قد استمرّت هيمنتها علىٰ مدىٰ عدّة قرون، فكانت هي المدرسة المتفوّقة والمعروفة في الكلام الإمامي حتىٰ العصر الصفوي، حيث ظهرت فيه مؤلّفات متكلّمين مشّائيّين بارزين مثل الفيّاض اللاهيجي (ت 1072 ه‍)، عندها احتلّت الفلسفة مكانة متميّزة في الكلام الإمامي، ممّا أدّىٰ إلىٰ تغيير جذري وظهور مدرسة متميّزة أخرىٰ في كلام الإمامية باسم: (مدرسة قم).
    (من أبرز متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة)
     زیرنویس:


    (3) مرحلة الکلام الفلسفي الإمامي: (مدرسة قم: مدرسة الفيّاض اللاهيجي وأقرانه):
    بعدما أخذت الفلسفة مكانتها في الكلام الإمامي في عصر الخواجة نصير الدين الطوسي ومرّت بمنعطفات عديدة في مدرسة الحلّة المتأخّرة، أخذت بالإزدهار بمساهمة بعض متكلّمي الإماميّة من خارج مدرسة الحلّة مثل ابن أبي جمهور الأحسائي (ت بعد 904ه‍)، وكذلك بجهود بعض فلاسفة الإمامية من مدرسة شيراز مثل صدر الدين الدشتكي (ت 903ه‍) المعروف بالسيّد السند، وابنه غياث الدين منصور الدشتكي (ت 949ه‍)، وفخر الدين السماكي (ت 984ه‍) ممّن تطرّق في مؤلّفاته إلىٰ قسم من المواضيع والأبحاث الكلامية، وقد استمرّت هذه المرحلة علىٰ هذا المنوال حتّىٰ العصر الصفوي، حينها استطاع الكلام الفلسفي المشّائي الإمامي ـ الذي كان للخواجة نصير الدين الطوسي السهم الأوفر في إرساء وتوطيد قواعده ـ أن يدخل بمساعي الفيّاض اللاهيجي (ت1072ه‍) وبمؤلّفاته مرحلته الجديدة ويبلغ ذروته؛ فصار الكلام الإمامي في هذه المرحلة ذا منهج وأسلوب وصبغة فلسفية أكثر ممّا كان عليه سابقاً، حيث فقد الكثير من مضامينه ومحتوياته الاعتزالية. ومن أجل هذه الميزة سمّينا العصر الذي نشطت فيه مدرسة قم بـ: (مرحلة الكلام الفلسفي الإمامي).
    وكان الملّا عبد الرزّاق بن علي بن حسين اللاهيجي أبرز متكلّم بعد الخواجة نصير الدين الطوسي قام بتأليف كتب كلامية في إطار المنهج الكلامي الفلسفي المشّائي 111
    انظر ترجمته ومؤلّفاته وآراءه الكلامية في: (فيّاض لاهيجي وانديشه‌‌‌هاي كلامي او)، تأليف: عطائي نظري، حميد، الطبعة الأولىٰ، نشر معارف، قم، 1392ش، ص: 320.
    . والملّا عبد الرزّاق بن علي بن حسين اللاهيجي الملقّب بـ: (الفيّاض) متكلّم وحكيم إمامي بارز في العصر الصفوي، وله مؤلّفات كلامية قيّمة مثل گوهر مراد وسرمايه إيمان وشوارق الإلهام في شرح تجريد الکلام. ولد ـ علىٰ بعض الأقوال ـ في شيخانور لاهيجان 112
    أعلام الشيعة 2/818.
    أو لاهنج 113
    تذكرة نتائج الأفكار: 578.
    من مدن جيلان، ثمّ سكن قم 114
    تذكرة (نصرآبادي): 156.
    ، فنسبه بعض أصحاب التراجم إليها لطول إقامته بها فأضافوا إليه (القمّي) 115
    ريحانة الأدب 4/361؛ تذكرة رياض العارفين 2/107؛ تذكرة مجمع النفائس 2/1235؛ سفينة خوشگو: 512.
    أيضاً. وقد سُمّيت مدرسة الكلام الفلسفي المشّائي في الإمامية بـ: (مدرسة قم)؛ وذلك لأنّ الفيّاض اللاهيجي الذي يعدّ من أبرز وألمع مَن يمثّلها، وكذلك نجله الميرزا حسن اللاهيجي الذي استمرّ من بعده بجهوده في هذا المجال، كان جلّ نشاطهم في حوزة قم.
    تعتبر مدرسة قم من حيث التوجّه الكلامي ـ إلىٰ حدّ ما ـ استمراراً لمدرسة الحلّة المتأخّرة، وبالخصوص امتداداً للمنهج الفكري الذي رسمه الخواجة نصير الدين الطوسي، ولا يعتبرونها في الدراسات المعاصرة ـ عادة ـ منهجاً ومدرسة مستقلّة عن الكلام الفلسفي لمدرسة الحلّة. وأمّا من حيث عدد أتباع هذه المدرسة، فلم يكن لمدرسة اللاهيجي الكلامية عدد من الأتباع يعتدّ بهم، ولذلك هناك تردّد في وصف هذه المدرسة بصفتها مدرسة مستقلّة في الكلام الإمامي. وبالرغم ممّا ذكرنا لا غرو أن نعرّف النهج الكلامي لللاهيجي وأقرانه بصفته منهجاً كلاميّاً متمايزاً ومستقلّا ً عن مدرسة الحلّة المتأخّرة؛ وذلك بسبب الاختلافات المهمّة التي تميّز بها المنحىٰ الكلامي لللاهيجي ـ وسائر الفلاسفة المتكلّمين المشّائيّين في العصر الصفوي ـ عن المنحىٰ الكلامي لأغلب متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة، مثله مثل الشيخ المفيد، فكما أنّه لابدّ من اعتبار مدرسة الشيخ المفيد ـ رغم قلّة أتباع منهجه الكلامي كمّاً وعدداً ـ مدرسة مستقلّة في الكلام الإمامي متمايزة عن مدرسة الشريف المرتضىٰ الكلامية؛ وذلك لوجود الاختلافات الواضحة التي ميّزتها عن منهجية مدرسة الشريف المرتضىٰ وتلامذته الكلامية، فكذلك لابدّ من اعتبار مدرسة اللاهيجي مدرسة مستقلّة عن مدرسة الحلّة المتأخّرة.
    والخصوصيّتان الأصليّتان لـ: (مدرسة قم الكلامية) التي تميّزت بهما عن (مدرسة الحلّة المتأخّرة) هما عبارة عن:
    (أ) الابتعاد عن حوار الكلام المعتزلي (وبعبارة أخرىٰ: الأسلوب الفكري والتأليفي الخاصّ).
    (ب) التأثّر بفلسفة ابن سينا المشّائية، وقبول الحوار الفلسفي بشكل كامل.
    إنّ الخصوصيّة الأولىٰ: هي عبارة عن الامتياز الذي امتازت به (مدرسة قم) عن سائر المدارس الإمامية السابقة مثل: (مدرسة بغداد والحلّة المتقدّمة والمتأخّرة)، وأمّا الخصوصية الثانية: فهي الميزة التي تميّزت بها (مدرسة قم) عن (مدرسة إصفهان). بناء علىٰ هذا، فإنّ وجه تسمية (مدرسة قم) بهذا الاسم إنّما جاء للإشارة إلىٰ أولئك المتكلّمين من الإمامية ممّن لهم ميول شديدة إلىٰ فلسفة ابن سينا، خلافاً لمتكلّمي (مدرسة الحلّة المتأخّرة)؛ حيث إنّ متكلّمي (مدرسة قم) لا يميلون إلىٰ الكلام المعتزلي ولم يتأثّروا به. وتزامناً مع ازدهار فلسفة ابن سينا ورواجها في إيران في القرنين العاشر والحادي عشر الهجري يحتمل جدّاً أنّه رافقه ازدياد في عدد المتكلّمين الذين نأوا عن الكلام المعتزلي ومالوا إلىٰ كلام فلسفة ابن سينا. ولا شكّ أنّ الملّا عبد الرزّاق اللاهيجي كان من بين أبرز هؤلاء المتكلّمين وأكثرهم تأثيراً، لذلك ذكرناه بالخصوص دون غيره بصفته أفضل شخصية في هذا التيّار، ولذلك نسبنا مدرسة قم له.
    إنّ أهمّ خصوصية فكرية يتميّز بها الفيّاض اللاهيجي هي معرفته العميقة بالفلسفة المشّائية وإلمامه بها وتبنّيه لجميع أصولها وقواعدها بشكل كامل تقريباً. ويبدو أنّه أفضل شارح لآراء ابن سينا من بين المتأخّرين. ومن خلال دراسة مؤلّفات اللاهيجي يتبيّن بوضوح تأثّره الكبير بمؤلّفات ابن سينا الفلسفية وتعاليمه. هذا وأنّ رسائل ابن سينا الفلسفية ومؤلّفاته دائماً ما تعتبر من أهمّ أركان المصادر التي اعتمدها الفيّاض اللاهيجي في تأليفاته، وكثيراً ما تناول اللاهيجي آراء الشيخ الرئيس في كتبه ـ مثل كتاب گوهر مراد وشوارق الإلهام في شرح تجريد الکلام ـ وكانت آراؤه وأفكاره قد ملأت طروس كتب اللاهيجي الكلامية من أوّلها إلىٰ آخرها. هذا وإنّ إلمام اللاهيجي بالحكمة المشّائية وتمكّنه وهيمنته عليها صارت سبباً لأن تعتبر كتبه والمواضيع المذكورة فيها من أفضل وأبلغ الشروح الموجودة علىٰ الحكمة المشّائية وأفكار ابن سينا؛ علىٰ سبيل المثال، فإنّ التوضيحات التي ذكرها اللاهيجي ـ في معرض كلامه عن كيفية العلم الإلهي ـ في كتابه شوارق الإلهام يمكن أن يجعل من كتابه هذا أفضل شرح وبيان أُلّف حتّىٰ الآن في مجال عقيدة الشيخ الرئيس في هذا الباب.
    بالرغم من أنّ الفيّاض اللاهيجي كان قد تلمّذ عند صدر المتألّهين مدّة طويلة ـ كالفيض الكاشاني (ت1091ه‍) ـ وكان فضلاً عن ذلك صهره علىٰ ابنته أيضاً، ومطّلعاً علىٰ أفكاره من قريب، إلّا أنّه لم يتأثّر به ذاك التأثّر، وفي الحقيقة إنّ مقدار ما تأثّر به اللاهيجي من آراء ومؤلّفات صدر المتألّهين قليل جدّاً، ويمكننا أن نفهم هذا الأمر من إحالاته القليلة في كتبه إلىٰ صدر المتألّهين ومؤلّفاته؛ علىٰ سبيل المثال، لم يذكر اللاهيجي في كلّ كتابه شوارق الإلهام ملّا صدرا سوىٰ سبع مرّات 116
    شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام 5/342.
    فقط. في حين أنّ تلميذ ملّا صدرا وصهره الآخر الفيض الكاشاني كان قد انغمر إلىٰ حدّ كبير بأفكار أستاذه وتبنّاها، وكان يعدّ من أتباعه.
    إنّ هيمنة آراء ابن سينا وأفكاره علىٰ أفكار اللاهيجي جعلت منه متكلّماً وفيلسوفاً مشّائيّاً بالمعنىٰ الكامل للكلمة. كما أنّه سعىٰ من خلال الاستفادة من أصول الفلسفة المشّائية وقواعدها إلىٰ نقد الحكمة المتعالية للملّا صدرا، ومن أجل ذلك فقد وصفه بعض المؤلّفين بأنّه أوّل من انتقد آراء صدر المتألّهين 117
    ماجرا در ماجرا: 471.
    . ولا يمكن إنكار التأثير المباشر الذي تركه اللاهيجي من شدّة تعلّقه بفلسفة ابن سينا علىٰ طريقة تعامله مع علم الكلام، حتّىٰ أوجدت مؤلّفاته الكلامية منهجاً فلسفيّاً كلاميّاً من أكثر المناهج فلسفيةً في علم الكلام الإمامي علىٰ مدىٰ التاريخ.
    ومن أجل فهم مميّزات مرحلة الكلام الفلسفي المحض ـ والتي يمكن أن تمثّل مدرسة قم ذروتها ـ بنحو أفضل، لابدّ وأن نستعرض بعض التوضيحات في هذا الشأن مردفة ببعض المصاديق:
    * تمثّل هذه المرحلة ـ في الواقع ـ عصر ابتعاد الكلام الإمامي عن الكلام المعتزلي وانفصاله عنه. وكما سبق الإشارة إليه، ففي هذه المرحلة فقد الكلام الإمامي بشكل كبير صبغته الاعتزالية التي كان لا يزال محتفظاً بها في مدرسة الحلّة المتأخّرة، وأصبح أكثر صبغة فلسفية ممّا كان عليه سالفاً. وفي الحقيقة إنّ الفارق الأصلي بين هذه المرحلة من الكلام الإمامي وبين سائر المراحل السالفة منه؛ هو أنّه في هذه المرحلة تمّ عرض الكلام الإمامي بقراءة ومنهجية جديدة لا تمتاز فقط بانفصاله عن نمط الكلام المعتزلي وطريقته وفكره وتأليفه، بل اعتبرت طريقة الكلام المعتزلي في تناول المسائل الكلامية ـ كما وصفها اللاهيجي ـ أسلوباً غير صحيح في تحقيق المسائل الكلامية 118
    علىٰ سبيل المثال: وصف اللاهيجي ـ في أحد المواضع ـ الكلام المعتزلي والأشعري بعدم الكفاءة، وأنّه لا يؤدّي إلىٰ الصواب، وذلك لاعتمادهم علىٰ أمور غير يقينية، حيث قال ما معرّبه: «إنّ علم الكلام المشهور ـ سواء الأشعري أو المعتزلي ـ المبتني علىٰ غير اليقينيّات في تحصيل المعارف اليقينية لا يمكن الاعتماد عليه ولا يؤدّي إلىٰ الصواب» گوهر مراد: 49.
    ؛ وذلك خلافاً لكثير من السلف من متكلّمي الإمامية الذين اعتبروا طريقة الكلام المعتزلي هي الطريقة المثلىٰ في تناول علم الكلام، حيث اتّخذوه منهجاً لهم 119
    وصف المحقّق الحلّي المنهج المعتزلي المتأخّر من بين المناهج التحقيقية كونه أتمّ تحقيقاً وأوضح مسلكاً وطريقاً حيث قال: «فإنّه لمّا كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد، وأعزّ الفرائد، وجب علىٰ كلّ ذي فطنة أن يصرف رويّته إلىٰ استخراج حقائقها، وكشف غوامضها ودقائقها، ولمّا كانت الطُرُق إلىٰ ذلك مختلفة، والوسائل إليه منكّرة ومعرّفة، وجب أن نسلك أتمّها تحقيقاً، وأوضحها مسلكاً وطريقاً، وهو النهج الذي سَلَكَه متأخّرو المعتزلة»، المسلك في أصول الدين: 33.
    .
    * الأمر الآخر، في هذه المرحلة الجديدة ـ التي تعتبر مرحلة اندماج وامتزاج الكلام الإمامي بالتعاليم الفلسفية علىٰ نحو كامل ـ اتّخذ متكلّمو الإمامية فيها منهجاً جديداً بالتعامل مع الفلسفة مغايراً إلىٰ حدّ كبير منهجية أغلب متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة. وكما ذكرنا سابقاً أنّ الفلسفة ـ علىٰ رأي أكثر متكلّمي الحلّة ومنهم العلّامة الحلّي وتلامذته وأتباعه ـ تُعتبر آلية لتوضيح وتبيين المسائل والأبحاث الاعتقادية ووسيلة للدّفاع عنها، وأنّ استفادة المتكلّم من الفلسفة لابدّ وأن يكون بالمقدار الذي يُعينه في بلوغه هذا الهدف، وبشرط أن لا تتعارض مع تعاليم الشريعة. بناء علىٰ هذا، فإنّ الفلسفة من وجهة نظرهم حكمها حكم الوسيلة والأداة، وأنّ المعارف الفلسفية بحدّ ذاتها ـ علىٰ نحو الاستقلالية ـ ليست هي المقصود والمراد. بناء علىٰ هذا، فإنّ هؤلاء المتكلّمين كانوا يقومون بردّ الآراء الفلسفية ونقدها في كلّ موضوع تتعارض فيه الفلسفة مع التعاليم الدينية المسلّمة، كما في عقيدة الفلاسفة بـ: (قدم العالم) 120
    أكّد العلّامة الحلّي في مختلف كتبه علىٰ اعتقاده بالحدوث الزماني للعالم؛ بمعنىٰ حدوث العالم بأكمله سوىٰ الذات الربوبية، وسعىٰ حثيثاً في ردّ آراء ابن سينا وأدلّته في شأن قدم العالم، انظر: مناهج اليقين في أصول الدين: 78 وما بعدها؛ الأسرار الخفية: 533 وما بعدها؛ أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 68 وما بعدها. حيث أفتىٰ بتكفير من اعتقد بقدم العالم: «من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف؛ لأنّ الفارق بين المسلم والكافر ذلك، وحكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار بالإجماع.». أجوبة المسائل المهنّائية: 88ـ89.
    .
    وبإزاء هؤلاء نرىٰ أنّ الفيّاض اللاهيجي والفلاسفة المتكلّمين من أقرانه كانوا ينظرون إلىٰ الفلسفة باعتبارها حكمة إلهية، ويعتقدون بقدرها وقيمتها الذاتية لا كوسيلة، ويعتبرونها الغاية والمراد والطريق لفهم حقائق العالم. بناء علىٰ هذا، فمن وجهة نظر هؤلاء أنّ الحكمة والفلسفة لا تعدّ كأداة فقط لتبيين المعتقدات والذبّ عنها؛ بل كانوا يعتبرونها علماً قيّماً لمعرفة العالم وموجوداته. ولذلك نرىٰ اللاهيجي عادة ما يدافع عن مواقف الفلاسفة في المسائل التي يعتقد فيها متكلّمو مدرسة الحلّة المتأخّرة أنّ التعاليم الفلسفية تتعارض مع التعاليم الدينية ولا مندوحة لهم سوىٰ ردّ آراء الفلاسفة. علىٰ سبيل المثال؛ فإنّه في مسألة (حدوث العالم وقدمه) ردّ رأي المتكلّمين بشأن وجوب الاعتقاد بالحدوث الزماني للعالم، ويناقش احتمال صحّة قول الفلاسفة القائم علىٰ الحدوث الذاتي للعالم، فإنّه يعتقد أنّ كلمات الأنبياء والحكماء قديماً إنّما تدلّ علىٰ مطلق حدوث العالم من دون تقييد وتخصيص بالحدوث الذاتي أو الزماني 121
    گوهر مراد: 229.
    .
    وربّما يكون أحد الأسباب في شدّة النزعة الفلسفية لدىٰ اللاهيجي وأتباعه وشدّة تعلّقهم بها بالمقارنة مع متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة هو اعتقاد اللاهيجي وأتباعه بالأصل المبنائي القائل بالانسجام الكامل والارتباط الوثيق بين الحكمة والشريعة. فمن وجهة نظر هؤلاء أنّ المعارف الحِكَمية والفلسفية تتطابق وتنسجم مع التعاليم الدينية والكلامية بنحو كامل، ولا يوجد بينهما أيّ تعارض حقيقي. وقد مهّد هذا الاعتقاد الأرضية لتقبّل الكثير من التعاليم والقواعد الفلسفية في منهجهم الكلامي.
    بناء علىٰ هذا، فإنّ الاعتقاد بتطابق الحكمة ـ أو الفلسفة ـ مع الشريعة والكلام يعتبر قطب رحىٰ التعاليم الكلامية لدىٰ متكلّمي مدرسة قم، فلابدّ من أن يؤخذ هذا الأصل المبنائي بعين الاعتبار عند دراسة مواقفهم الاعتقادية وتقييمها. وإنّ اللاهيجي ـ بصفته أبرز متكلّم في مدرسة قم الكلامية ـ يعتقد اعتقاداً راسخاً بانسجام الحكمة مع الشريعة، وبتطابق التعاليم الفلسفية مع التعاليم الاعتقادية والكلامية. وقد صرّح في كلام له قائلاً ما معرّبه: «لقد نشأ الاعتقاد بمنابذة الحكمة ومقارعتها في الإسلام من الأشاعرة، وإلّا فإنّ الحكمة في حقيقة الأمر لم تكن سوىٰ أساس الشريعة وأسرار القرآن والحديث، وقد أدّىٰ الجهل بحقيقة الحكمة والشريعة وعدم معرفتهما إلىٰ التوهّم بوجود التعارض بينهما» 122
    نفس المصدر: 48.
    .
    وقد خطا ابنه الميرزا حسن اللاهيجي أيضاً ـ في رسالته التي ألّفها في الدفاع عن الحكمة ـ خطوةً أكبر واعتبر أساساً الفلسفة جزءاً من المعرفة الدينية. فإنّه يعتقد: «أنّ حقيقة الحكمة هي اكتساب المعارف الإلهية بالتفكّر والتدبّر» 123
    رساله آينه حكمت، المطبوعة في: رسائل فارسي حسن بن عبد الرزّاق لاهيجي: 78.
    وعلىٰ هذا الأساس: «يعتبر علم الحكمة أشرف أجزاء الدين بالرغم من أنّه مقدّم علىٰ الدين ومنسوب إلىٰ رهط من غير النبيّين» 124
    نفس المصدر: 85.
    .
    وعلىٰ حدّ علمنا فإنّ مَنْ سلف مِنْ متكلّمي الإمامية ـ وخاصّة من كانت لهم ميول فلسفية إلىٰ حدّ ما من متكلّمي مدرسة الحلّة المتأخّرة ـ لم يتّخذوا في شأن النسبة بين الفلسفة والدين في كتبهم موقفاً كهذا: «أي: الاعتقاد بالتطابق الكامل بين الحكمة والشريعة أو القول بكون كلّ منهما عين الآخر». ففي الواقع، إنّ متكلّمي مدرسة الحلّة ـ وحتّىٰ أولئك الرهط منهم الذين كانوا أشدّ نزعة فلسفية مثل نصير الدين الطوسي ـ لم يحتسبوا الفلسفة قطّ جزءاً من المعرفة الدينية، كما لم يعتبروا مباني التعاليم الفلسفية وقواعدها مطابقة لتعاليم الشريعة ومنسجمة معها بنحو كامل، بل كانوا يتطرّقون في مواقف عديدة لنقد التعاليم الفلسفية وردّها صراحة حين يشعرون أنّها لا تنسجم مع التعاليم الدينية كقِدم العالم، كما أنّهم لم يبذلوا أيّ جهد لتوجيه عدم الانسجام هذا أو تأويله، خلافاً لللاهيجي وأتباعه.
    يتبيّن من نشأة تيّار متكلّمي المشّائية في مدرسة قم ـ الذين كانوا يسعون إلىٰ تبيين أصول اعتقادات الإمامية بالاستفادة من منهج ابن سينا الفلسفي المشّائي ـ أنّ مسار تحوّل الكلام الإمامي إلىٰ الفلسفي ـ الذي تلا المرحلة التي هيمن بها التيّار الكلامي للعلّامة الحلّي وأتباعه علىٰ ساحة الكلام الإمامي الذي كان ذا ارتباط قليل بالفلسفة ـ لم يكن ذا نسق واحد، بل مرّ بمنعطفات عديدة من الرقي والأفول. إنّ النهج الكلامي عند متكلّمي المشّائية ـ مثل الفيّاض اللاهيجي ـ هو نهج ذو توجّه فلسفي محض متأثّر بتعاليم ابن سينا، في حين أنّ النهج الكلامي عند العلّامة الحلّي كان أقلّ تأثّراً بمدرسة ابن سينا، وكان يحتوي علىٰ مضامين فلسفية أقلّ، في حين نرىٰ في الجانب الآخر أنّ العلّامة الحلّي كان أكثر اطّلاعاً بكثير من اللاهيجي بالمدارس الكلامية للأشاعرة والمعتزلة، حيث يتبيّن ذلك بوضوح من خلال مدىٰ ومقدار استفادة كلّ واحد منهما من مؤلّفات الأشاعرة والمعتزلة وذكرهما آراء ونظريّات هاتين الفرقتين في آثارهما. فمن خلال تقييم كلّي يبدو في الكثير من المواقف أنّ الآراء الكلامية عند العلّامة الحلّي أقرب ميولاً إلىٰ الآراء الاعتزالية منها إلىٰ مدرسة ابن سينا. وفي إزائه نرىٰ أنّ آراء اللاهيجي كانت أكثر ميولاً إلىٰ فلسفة ابن سينا وأقلّ صبغة اعتزالية. وبالنتيجة فإنّ آراء العلّامة الحلّي ـ بنحو كلّي ـ كانت أكثر اعتزالية من الفيّاض، وآراء الفيّاض كانت أكثر فلسفية من العلّامة. وقد بيّنّا هذا الفرق أيضاً عندما قارنّا سابقاً بين آراء الخواجة نصير والعلّامة الحلّي.
    إنّ الاختلاف المذكور بين آراء العلّامة والفيّاض اللاهيجي كان ـ إلىٰ حدّ ما ـ نتيجة لتأثير الظروف التاريخية التي رافقت مراحل حياة كلّ منهما؛ فقد كان العلّامة يعيش في عصر قريب من فترة تواجد المعتزلة ونشاطهم العلمي وازدهار آرائهم، ولذلك حظي بالاطّلاع علىٰ مؤلّفاتهم وآرائهم عن قرب، فالكثير من أفكار المعتزلة أيّام العلّامة الحلّي كانت لها مكانتها في الساحة الفكرية الكلامية آنذاك، وطالما نوقشت من قبل علماء الإمامية والأشعرية. وعلىٰ العكس من هذا، حيث فَقَدَ الفكر الاعتزالي في العصر الصفوي وأيّام حياة اللاهيجي ما كان عليه سابقاً من أُبّهة وهيبة، وذلك إثر مضي فترة زمنية طويلة علىٰ ظهور وازدهار أفكار المعتزلة ومؤلّفاتهم، حيث احتلّت مكانه تيّارات فكرية قوية مثل فلسفة ابن سينا والحكمة الصدرائية.
    واستمرّت مدرسة الكلام الفلسفي اللاهيجي من بعده بجهود ابنه الميرزا حسن اللاهيجي (ت 1121ه‍) المعروف بـ: (الكاشفي)، أكبر أبناء الفيّاض، ووارث نهجه، ونائبه في تدريس العلوم العقلية 125
    رياض العلماء وحياض الفضلاء 1/107؛ رياض الجنّة 3/438؛ ريحانة الأدب 4/363.
    للاطّلاع علىٰ ترجمته وكتبه انظر: مقدّمه رسائل فارسي حسن بن عبد الرزّاق لاهيجي.
    . وبالرغم من أنّ الميرزا حسن لم يُبْدِ في مؤلّفاته الكلامية اهتماماً ملحوظاً للفيّاض وكتبه وكان سعيه قائماً علىٰ أن يطرح نفسه شخصية مستقلّة بآرائه ومؤلّفاته، إلّا أنّ اتّباعه لمسلك أبيه الكلامي كان واضحاً. وإنّ الميرزا حسن كأبيه الفيّاض ذا فكر مشّائي، وكان لفكره الفلسفي السينائي هذا أثر علىٰ تبيين المسائل الكلامية وشرحها 126
    وقد ذكر السيّد جلال الدين الآشتياني آراء الميرزا حسن اللاهيجي وقال فيها ما معرّبه: «إنّه يقول بأصالة ووحدة حقيقة الوجود، وتبنّىٰ بعضاً من مباني الملّا صدرا، ولكنّه اتّخذ طريقة المشّائيّين في أبحاثه، ويبدو أنّه كأبيه من أتباع الشيخ الرئيس وشارح أفكار ابن سينا، وهو كأبيه أيضاً في تضلّعه بعلم الكلام، ولكنّ والده الملّا عبد الرزّاق كان متميّزاً من بين الجميع في دقّة آرائه وثقله العلمي ومهارته وهيمنته علىٰ مختلف مذاهب الحكمة والعرفان، وليس له نظير بين أقرانه»، منتخباتي از آثار حكماي الهي ايران 3/290.
    . فمن أهمّ كتب الميرزا حسن اللاهيجي هو كتابه القيّم: (شمع يقين) أو (آئينه دين)، وهو باللغة الفارسية مثل كتاب أبيه: (گوهرمراد)، ويحتوي علىٰ دورة كاملة من عقائد الإمامية، وكتابه: (زواهر الحكم)؛ وهو تصنيف لاعتقادات الإمامية باللغة العربية جاء في عداد مؤلّفاته الكلامية أيضاً.
    وهناك العديد من الفلاسفة المتكلّمين مثل مير سيّد أحمد العلوي (ت حدود 1060 ه‍)، الميرزا رفيعا النائيني (ت 1082 ه‍)، الآقا جمال الخوانساري (ت 1122 ه‍) بهاء‌ الدين الإصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (ت 1131 ه‍)، الملّا إسماعيل الخواجويي (ت 1173 ه‍)، والمولىٰ محمّد مهدي النراقي (ت 1209 ه‍) ممّن يمكننا أن نعدّهم من حيث النزعة الكلامية في زمرة المتكلّمين من أمثال الفيّاض اللاهيجي؛ وذلك لتعاملهم مع علم الكلام بمنهجية فلسفية مشّائية. وأمّا الحكماء من أمثال مير داماد (ت 1040ه‍)، وتلميذه شمس الدين محمّد الجيلاني المعروف بـ: (ملّا شمسا)، ومير فندرسكي (ت 1040ه‍)، والملّا رجبعلي التبريزي (ت 1080ه‍)، والآقا حسين الخوانساري (ت 1098ه‍) هؤلاء بالرغم من أنّهم أساساً كانوا من أتباع الفلسفة المشّائية وحماتها مثل الفيّاض اللاهيجي، إلّا أنّ مؤلّفاتهم التي وصلت إلينا لا تدلّ علىٰ نشاطهم وتوجّههم الكلامي، فلا يمكن اعتبارهم من زمرة متكلّمي الإمامية المعروفين.
    وتزامناً مع نشوء المدرسة الكلامية ذات النهج الفلسفي البحت في قم إبّان العصر الصفوي، ظهر توجّهان آخران؛ أحدهما: الكلام (الفلسفي ـ العرفاني) المتأثّر بأفكار الملّا صدرا، والآخر: (الكلام النقلي)؛ حيث كانا متواجدَين أيضاً في الساحة الفكرية الكلامية للإمامية، وقد تمكّن كلّ من التيّارين ـ بشكل أو بآخر ـ من استقطاب المزيد من الأتباع والأنصار لمدرسة الكلام الفلسفي البحت، وقد اكتسحا بذلك الساحة الفكرية للكلام الإمامي. وبالنتيجة فقد أخذ المنهج الكلامي اللاهيجي المعروف بـ: (مدرسة قم) بالانحسار والأفول شيئاً فشيئاً حتّىٰ أصبح هامشيّاً في الكلام الإمامي، ولم يكن له أنصار سوىٰ بعض المتكلّمين. وقد دخل الكلام الإمامي من بعد مدرسة قم مرحلة جديدة متأثّراً بتيّار (الحكمة المتعالية) الذي اكتسح الساحة الفكرية آنذاك وحظىٰ بالعديد من الأنصار، حيث يمكننا أن نسمّي هذه المرحلة بمرحلة: (الكلام الفلسفي ـ العرفاني) للإمامية والتي سوف نتعرّف علىٰ المزيد من خصوصيّاتها.
    (4) مرحلة الکلام (الفلسفي ـ العرفاني): (مدرسة إصفهان: مدرسة الملّا صدرا والفيض الكاشاني وأتباعهما):
    لقد ظهر في تاريخ الحضارة الإسلامية ـ كما هو المعروف ـ ثلاثة مناهج فلسفية بارزة ومختلفة عن بعضها البعض، الأولىٰ: مدرسة (الفلسفة المشّائية) التي أسّست من قبل ابن سينا (ت 428ه‍) وأتباعه. والثانية: مدرسة (الفلسفة الإشراقية) التي أسّسها الشيخ شهاب الدين السهروردي الملقّب بشيخ الإشراق (ت 587ه‍). والثالثة: مدرسة (الحكمة المتعالية) التي تأسّست في العصر الصفوي بعد مضي بضع قرون من تأسيس المدرسة الإشراقية، متأثّرة بأفكار ومؤلّفات صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (ت 1050ه‍). إنّ النظام الفلسفي الجديد المعروف بـ: (الحكمة المتعالية) ـ الذي تمّ عرضه من قبل الملّا صدرا بواسطة العديد من مؤلّفاته وخاصّة كتاب الأسفار ـ لم يترك أثره علىٰ تطوّر الفلسفة الإسلامية فحسب، بل ترك أثره أيضاً حتّىٰ علىٰ حركة الكلام الإمامي، وتغلّب علىٰ الكلام الفلسفي المشّائي الذي كان قد اخضرّ عوده واستفحل في الكلام الإمامي منذ تأسيس مدرسة الحلّة المتأخّرة وبلغ ذروة ازدهاره تزامناً مع مؤلّفات الفيض اللاهيجي. وبالنتيجة فقد تطوّر الكلام الفلسفي الإمامي الذي كان متأثّراً بالفلسفة المشّائية لابن سينا وأخذ بالتحوّل إلىٰ الفلسفة الصدرائية و(الحكمة المتعالية).
    إنّ نظام الحكمة الصدرائي في طبيعته ذو ماهية كلامية؛ وذلك بسبب ارتباطه الوثيق بالأبحاث الدينية والمضامين الاعتقادية إلىٰ حدّ ما بحيث اعتبره البعض نوعاً من (الفلسفة الكلامية)، بل ذهبوا إلىٰ أكثر من ذلك حيث عرّفوه بـ: (الكلام الفلسفي). ولذلك نرىٰ من الطبيعي أنّ ظهور فلسفة كهذه ـ تناولت في قسم كبير من أبحاثها دراسة المسائل الكلامية من التوحيد وحتّىٰ المعاد بأسلوب فلسفي جديد ـ استطاعت أن تترك أثراً كبيراً علىٰ طريقة تناول المسائل الكلامية عند الكثير من متكلّمي الإمامية. لقد أدّىٰ تعلّق الملّا صدرا الشديد بالحكمة من جهة وبالشريعة من جهة أخرىٰ إلىٰ أن يبذل قصارىٰ جهده ويصبّ جلّ اهتمامه لإثبات وتبيين العقائد الدينية علىٰ أساس مباني وقواعد الحكمة المتعالية، وإثبات ما كان يراه بينهما من انسجام وتطابق كامل. إنّ ما عرضه صدر المتألّهين من قبيل الأصول والقواعد الفلسفية الجديدة في بنائه الفلسفي الشامخ كان يشتمل علىٰ توضيحات ونتائج جديدة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار في مختلف مسائل الإلهيّات وبعض الأبحاث الكلامية الشيعية 127
    كدراسة تمهيدية، انظر: نتايج كلامي حكمت صدرايي: 353.
    .
    إنّ نظام الحكمة الصدرائي مضافاً إلىٰ ما امتاز به في الجانب الفلسفي والكلامي كان يتميّز بالجانب العرفاني أيضاً، وقد ميّزته هذه الخصلة عن الفلسفة المشّائية. وكما جاء في بعض الدراسات فإنّ الفلسفة الصدرائية قد تأثّرت بمدرسة ابن العربي (ت 638ه‍) في مختلف الجوانب والأبحاث، وعلىٰ كافّة المستويات، هذا وإنّ قسماً من مباني ابن العربي ونظريّاته قد لعبت دوراً محوريّاً أساسيّاً في تأسيس الحكمة المتعالية 128
    لدراسة ما تركه عرفان ابن العربي من أثر علىٰ أفكار الملّا صدرا ، انظر: تأثيرات ابن عربي بر حكمت متعاليه: 309.
    . بناء علىٰ هذا، فقد حظيت فلسفة الملّا صدرا ـ في واقع الأمر ـ بصبغة وماهية عرفانية، ولذلك تعتبر (فلسفة كلامية ـ عرفانية).
    بعد تأسيس وتبلور الفلسفة العرفانية للملّا صدرا نرىٰ بعض علماء الإمامية قد تصدّىٰ إلىٰ نقدها، في حين نرىٰ البعض الآخر منهم قد تقبّلها بقبول حسن. وقد سعىٰ رهط من متكلّمي الإمامية ممّن كان يميل إلىٰ الحكمة المتعالية تبعاً للملّا صدرا أن يستعينوا بمبانيه وقواعده الفلسفية للدفاع عن الكلام الإمامي وتبيينه. وبالنتيجة فقد تركت الحكمة المتعالية بواسطة هذه الجهود أثراً كبيراً علىٰ الكلام الإمامي 129
    لدراسة إجمالية حول تأثير الحكمة المتعالية للملّا صدرا علىٰ الكلام الشيعي، انظر: حكمت صدرايي وكلام شيعه: 270.
    ، ممّا أدّىٰ إلىٰ ظهور مرحلة ومدرسة جديدة في الكلام الإمامي. ونظراً إلىٰ الخصال المذكورة للحكمة الصدرائية يمكننا تسمية هذه المرحلة الجديدة بـ: (مرحلة الكلام الفلسفي ـ العرفاني) عند الإمامية. وبما أنّ هذه المدرسة الكلامية الجديدة كان أساس تطوّرها وازدهارها في إصفهان في العهد الصفوي؛ لذلك يمكن تسميتها بـ: (مدرسة إصفهان الكلامية). وقد امتازت هذه المدرسة بخصوصيّتين مهمّتين وهما عبارة عن:
    1ـ الابتعاد عن الحوار الفلسفي المشّائي.
    2ـ الميل إلىٰ الحكمة الصدرائية.
    لقد تأسّست (مدرسة إصفهان الكلامية) منذ أن أسّس الملّا صدرا الحكمة المتعالية، واستمرّت حتّىٰ عصرنا هذا بنشاطها العلمي الدؤوب. وكان تلميذه وصهره الملّا محسن فيض الكاشاني (ت 1091ه‍) هو أحد المتكلّمين الذي حذا حذوه وسلك منهجه الفكري، واستعان في بعض المواضع بأفكاره الفلسفية والعرفانية في تبيين الأبحاث الكلامية وتدوينها. وهو محدّث ومتكلّم كبير، وذو ميول فكرية متعدّدة ومتنوّعة، بحيث انعكس في كتبه الكلامية ـ في آن واحد ـ كلّ من التوجّه النقلي والعقلي الذي كان يمتاز بهما. ولذلك لا يمكننا إنكار تأثّره بالنظام (الفلسفي ـ العرفاني) لأستاذه صدر المتألّهين 130
    لدراسة حياة الفيض الكاشاني ومؤلّفاته وآرائه الكلامية وما تأثّر به من آراء الملّا صدرا، انظر: الفلسفة والكلام في مدرسة الحكمة المتعالية (دراسة في آراء الفيض الكاشاني الفلسفية والكلامية)، انظر جميع الكتاب وخاصّة: ص324؛ وانظر: منتخباتي از آثار حكماي الهي ايران 2/147.
    . هذا وإنّ كتابه علم اليقين هو تحرير كامل لاعتقادات الإمامية مستعيناً فيه بالأصول الفلسفية للملّا صدرا؛ وبالقواعد العرفانية؛ وبالروايات الإسلامية.
    من بعد ملّا صدرا والفيض الكاشاني انتحىٰ أتباع الحكمة الصدرائية ومدرّسوها البارزون في كتبهم الفلسفية والكلامية نفس منحىٰ الفلسفة الصدرائية ومبانيها؛ فمن هؤلاء الحکيم ملّا علي النوري (ت 1246 ه‍)، الملّا هادي السبزواري (ت 1289 ه‍)، والآقا علي مدرّس الزُنّوزي (ت 1307 ه‍)، حيث تطرّقوا لتبيين وتدويين المسائل الكلامية وخلّفوا موروثاً عظيماً من (الكلام الفلسفي العرفاني الصدرائي). وقد رسم هذا الموروث ـ شيئاً فشيئاً ـ البنيان الفكري للكلام الإمامي الذي نعهده اليوم في عصرنا الحاضر، والمعروف اليوم بصفته الكلام الإمامي الشائع والغالب.
    وفي غضون العقود الأخيرة ظهر علماء صدرائيّون مثل العلّامة الشعراني والعلّامة الطباطبائي والأستاذ مرتضىٰ المطهّري وأساتذة أخرون من بعدهم مثل آية الله الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي وآية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي؛ حيث أضافوا في عصرنا الحاضر بكتبهم الكلامية الجمّة ذات المباني الفلسفية الصدرائية قوّة واعتباراً وسعة علىٰ هذه المدرسة الكلامية الفلسفية في الفكر الديني الإمامي. ورغم ذلك فقد ظهر في عصرنا الحاضر لهذه المدرسة مخالفون متشدّدون أيضاً، أبرزهم أنصار تيّار الكلام النقلي المعروف بـ: (مدرسة التفكيك). فإذا جرىٰ بين أنصار هاتين المدرستين حوار علمي حقيقي عارٍ عن التعصّب والجدل، فحينها يمكن أن تكون هناك نتائج مثمرة تصبّ في تقوية وتهذيب الفكر الكلامي الإمامي في المستقبل.
    (جدول لمراحل ومدارس الكلام العقلي الإمامي)
     زیرنویس:




    المصادر
    1ـ (ابن البطريق الحلّي ويك اعتقاد نامه امامي در مكتب ابوالحسين بصري): الأنصاري، حسن: http://ansari.kateban.com/post/2036.
    2ـ (آخرين دوره معتزله: أبوحسين بصري ومكتب وي): مادلونگ، ويلفرد، چاپ شده در: ملاصدرا، منطق، اخلاق وكلام، بنياد حكمت إسلامي صدرا، طهران، 1382ش.
    3ـ (ادبيات كلامي اماميه در نيمه دوم سده ششم قمري: نمونه عجالة المعرفة فرزند قطب راوندي): الأنصاري، حسن: http://ansari.kateban.com/post/ 2027.
    4ـ (تأمّلي در انتساب رساله نور الهداية به جلال الدين دواني): النجفي، حسين وناجي الإصفهاني، حامد، مقالة مطبوعة في مجلّة آينه ميراث، السنة 17، العدد 65، 1398ش.
    5ـ (حسن بن محمّد ديلمي وگرايش كلامي او): عطائي نظري، حميد: http://ataeinazari. kateban.com/post/2169
    6ـ (حمصي): پا كتچي، أحمد، دائرة المعارف بزرگ إسلامي، مركز دائرة المعارف بزرگ إسلامي، طهران، 1392ش.
    7ـ (الخلاصة في علم الكلام از كيست؟): الأنصاري، حسن:http://ansari. kateban.com/ post/2032.
    8ـ (دانش كلام در حلّه از سديد الدين حمصي تا ابن طاووس): الأنصاري، حسن: http://ansari.kateban.com/post/3468
    9ـ (دواني، جلال الدين محمّد): پورجوادي، رضا، والمطبوع في: دانشنامه جهان اسلام، ج 18، ص 264.
    10ـ (سديد الدين حمّصي): قاسمي، جواد، دانشنامه جهان إسلام، بنياد دائرة المعارف إسلامي، طهران، 1396ش.
    11ـ (شهيدين در كشاكش دو جريان كلامي مدرسه حلّة): السبحاني، محمّد تقي، مجلّة نقد ونظر، السنة 14، العدد الرابع، 1388ش.
    12ـ (علوي، مير سيّد احمد): ناجي، حامد، دانشنامه تخت فولاد إصفهان، مجموعه فرهنگي مذهبي تخت فولاد، إصفهان، 1389ش.
    13ـ (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه [1]): الجعفري، محمّد رضا، مجلّة تراثنا، السنة الثامنة، محرّم ـ جمادي الثانية 1413هـ، العدد المزدوج: 30ـ31.
    14ـ (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوره، وموقع الشيخ المفيد منه [2]): الجعفري، محمّد رضا، مجلّة تراثنا، السنة الثامنة، رجب ـ ذوالحجّة،1413هـ، العدد المزدوج: 32ـ33.
    15ـ (كلام إماميه: ريشه ها ورويشها): السبحاني، محمّد تقي، مجلّة نقد ونظر، السنة 17، العدد الأوّل، 1391ش، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم.
    16ـ (كهنترين واكنش به فخر الدين رازي؟ بررسي كوتاهي درباره كتاب مشكوة اليقين في اصول الدين): الأنصاري، حسن: http://ansari.kateban. com/post/3706.
    17ـ (مدرسة كلامي كوفه): أقوام كرباسي، أكبر، مجلّة نقد ونظر، السنة 17، العدد الأوّل، 1391ش، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم.
    18ـ (مدرسه كلامي قم): الطالقاني، سيّد حسن، مجلّة نقد ونظر، السنة 17، العدد الأوّل، 1391ش، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم.
    19ـ (ملاحظات حول ثقافة الشريف الرضي وآرائه الكلامية): الجعفري، محمّد رضا، مجلّة تراثنا، السنة الثالثة، محرّم ـ ربيع الأوّل 1408هـ، العدد: 10.
    20ـ (منزلت فلسفي قاضي سعيد قمّي): كديور، محسن، مجلّة آيينه پژوهش، السنة السادسة، 1374ش، العدد 32.
    21ـ (نصير الدين كاشاني ونگاشتههاي كلامي او): عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 164، 1396ش.
    22ـ (نگاهي به ادوار ومکاتب کلامي اماميه در قرون مياني): عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 29، العدد 171، 1397ش.
    23ـ (نگاهي به تأثيرپذيريهاي كلام اماميه از كلام اشعري وفلسفه سينوي وعرفان ابن عربي وحكمت صدرايي): عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 29، العدد 169، 1397ش.
    24ـ أجوبة المسائل المهنّائية: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: محيي الدين الممقاني، مطبعة الخيّام، قم، 1401هـ.
    25ـ آراي كلامي سيّد ابن طاووس: الجلالي، سيّد لطف الله، انتشارات مؤسّسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني، قم، 1387ش.
    26ـ الأسرار الخفية: الحلّي، الحسن بن يوسف، الطبعة الثانية، نشر بوستان كتاب، قم، 1387ش.
    27ـ اشعريان وتأسيس نخستين دولتشهر شيعه: سر لك، علي محمّد، الطبعة الأولى، نشر أديان، قم، 1392ش.
    28ـ اعتقادات شيخ بهائي: العاملي، بهاء الدين محمّد (الشيخ البهائي) باهتمام: جويا جهانبخش، طهران، انتشارات أساطير، 1387ش.
    29ـ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: الرازي، فخر الدين، بمراجعة وتحرير: علي سامي النشّار، مكتبة النهضة المصرّية، القاهرة، 1356هـ.
    30ـ الاعتقادات: الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي، الطبعة الأولىٰ، مؤسّسة الإمام الهادي × قم، 1389ش.
    31ـ أعلام الشيعة: المهاجر، شيخ جعفر، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1431هـ.
    32ـ أعيان العصر وأعوان النصر: الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، تحقيق: علي أبو زيد، بيروت ـ دمشق، دار الفكر المعاصر ـ دار الفكر، 1998م.
    33ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: ابن بابويه القمّي، علي بن الحسين، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، 1407هـ.
    34ـ أنديشه هاي كلامي علامة حلّي: اشميتكه، زابينه، ترجمة: أحمد نمايي، مشهد، انتشارات آستان قدس رضوي، 1378ش.
    35ـ انديشه هاى فلسفى وكلامى خواجه نصير الدين طوسى (الخواجة نصير الدين الطوسي، آراؤه الفلسفية والکلامية): فرحات، هاني نعمان، ترجمه إلىٰ الفارسية: غلامرضا جمشيد نژاد أول، مركز پژوهشي ميراث مكتوب، 1389ش.
    36ـ أنديشههاي كلامي شيخ مفيد: مك درموت، مارتين، ترجمة: أحمد آرام، مؤسّسة انتشارت دانشگاه طهران، طهران، الطبعة الثانية، 1384ش.
    37ـ أنوار الملكوت في شرح الياقوت: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: علي أكبر ضيائي، مؤسّسة الهدىٰ للنشر والتوزيع، طهران، 1386ش.
    38ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، باهتمام: مهدي المحقّق، مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه طهران، طهران، الطبعة الثانية، 1382ش.
    39ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: المجلسي، محمّد باقر، بيروت، دار إحياء التراث العربي ومؤسّسة التاريخ العربي، 1412هـ.
    40ـ برّرسي وداوري در مسائل اختلافي ميان دو فيلسوف إسلامي خواجه نصير طوسي وإمام فخر رازي: الحسني، سيّد حسن، انتشارات دانشگاه طهران، طهران، 1373ش.
    41ـ تأثيرات ابن عربي بر حكمت متعاليه: ندري أبيانه، فرشته، انتشارات بنياد حكمت إسلامي صدرا، طهران، 1386ش.
    42ـ تاريخ كلام إماميه (حوزهها وجريانهاي كلامي): الرضوي، رسول، مؤسّسه علمي ـ فرهنگي دار الحديث، قم، 1396ش.
    43ـ تتميم أمل الآمل: القزويني، الشيخ عبد النبي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 1407هـ.
    44ـ تذكرة رياض العارفين: لكهنوي، آفتابرآي، تصحيح: سيّد حسام الدين راشدي، انتشارات مركز تحقيقات فارسي إيران وپاكستان، لاهور، 1361ش.
    45ـ تذكرة مجمع النفائس: خان آرزو، سراج الدين علي، باهتمام: مهر نور محمّد خان، انتشارات مركز تحقيقات فارسي إيران وپاكستان، إسلام آباد، 1385ش.
    46ـ تذكرة نتائج الأفكار: گوپاموي، محمّد قدرت الله، تصحيح: يوسف بيگ باباپور، قم، مجمع ذخائر إسلامي، 1387ش.
    47ـ تذكره نصر آبادي: نصر آبادي، ميرزا محمّد طاهر، باهتمام: وحيد الدستجردي، انتشارات أرمغان، طهران، 1317ش.
    48ـ تصحيح الاعتقاد: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد، تحقيق: حسين درگاهي، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
    49ـ تطوّر علم الكلام إلىٰ الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي (دراسة تحليلية مقارنة لكتاب تجريد العقائد): سليمان، عبّاس، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1994م.
    50ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن: الموسوي، محمّد بن الحسين، حقّقه: محمّد عبد الغني حسن، الطبعة الثانية، دار الأضواء، بيروت، 1406هـ.
    51ـ تلخيص المحصّل (نقد المحصّل): الطوسي، نصير الدين، تحقيق: الشيخ عبد الله النوراني، الطبعة الثانية، بيروت، دار الأضواء، 1405هـ.
    52ـ التوحيد: الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي، تصحيح وتعليق: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.
    53ـ توفيق التطبيق في إثبات أنّ الشيخ الرئيس من الإمامية الاثني عشرية: الجيلاني، علي بن فضل الله، تصحيح: محمّد مصطفىٰ حلمي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1373هـ.
    54ـ جرعه اي از دريا: الشبيري الزنجاني، سيّد موسىٰ، مؤسّسة كتابشناسي شيعه، الطبعة الخامسة، 1392ش.
    55ـ جستارهايي در مدرسه كلامي قم: السبحاني، محمّد تقي وديگران، مؤسّسة علمي ـ فرهنگي دار الحديث، قم، 1395ش.
    56ـ جستارهايي در مدرسه كلامي كوفه: السبحاني، محمّد تقي وديگران، مؤسّسة علمي ـ فرهنگي دار الحديث، قم، 1396ش.
    57ـ جلال ‌الدين دواني (فيلسوف ذوق ‌التألّه): إبراهيمي ديناني، غلامحسين، انتشارات هرمس، طهران ـ إيران، 1395ش.
    58ـ الجوهر النضيد في شر ح منطق التجريد: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: محسن بيدارفر، الطبعة الثالثة، انتشارات بيدار، قم، 1384ش.
    59ـ الحقّ اليقين في معرفة أصول الدين: شبّر، السيّد عبد الله، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1418هـ.
    60ـ حقّ اليقين: مجلسي، محمّد باقر، تصحيح: حسين نادري، قم، انتشارات إمام عصر، 1386ش.
    61ـ حكمت صدرايي وكلام شيعه: أخوان نبوي، قاسم، پژوهشگاه فرهنگ وانديشة إسلامي، طهران، 1391ش.
    62ـ الحلّة وأثرها العلمي والأدبي: الحلّي، حازم، المكتبة التاريخية المختصّة، قم، 1432هـ.
    63ـ الحياة الفكرية في الحلّة خلال القرن التاسع الهجري: الشمّري، يوسف، دار التراث، النجف الأشرف، 1434هـ.
    64ـ خلاصة الأقوال: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي مؤسّسة النشر الفقاهة، قم، 1417هـ.
    65ـ خلاصة النظر: ناشناس، تحقيق ومقدّمة: زابينه اشميتكه، حسن الأنصاري، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفة إيران، طهران، 1385ش.
    66ـ الخلاصة في علم الكلام: السبزواري، قطب الدين، باهتمام: شيخ محمّد رضا الأنصاري، طبع في: عقيدة الشيعة.
    67ـ الخلاصة في علم الكلام: السبزواري، قطب الدين، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، مؤسّسة آل البيت ^ لإحياء التراث، 1432هـ.
    68ـ الخلاصة في علم الكلام: السبزواري، قطب الدين، تحقيق: رضا مختاري ويعقوبعلي برجي، طبع في: ميراث إسلامي إيران، دفتر أوّل.
    69ـ الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة: الطهراني، الشيخ آقا بزرك، دار الأضواء، بيروت، 1403هـ.
    70ـ رجال النجاشي: النجاشي، أحمد بن علي، تحقيق: سيّد موسىٰ الشبيري الزنجاني، الطبعة الثامنة، مؤسّسة نشر إسلامي، قم، 1427هـ.
    71ـ رسائل المحقق الحلّي: المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن، بوستان كتاب، قم، 1390ش.
    72ـ رسائل فارسي حسن بن عبد الرزاق لاهيجي: اللاهيجي، حسن بن عبد الرزاق، تحقيق: علي صدرائي خوئي، ميراث مكتوب، طهران، 1375ش.
    73ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات: الخوانساري، محمّد باقر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1431هـ.
    74ـ ري باستان، مجلّد دوم (بخش أول): كريمان، حسين، انتشارات دانشگاه شهيد بهشتي، طهران، الطبعة الثانية، 1371ش.
    75ـ رياض الجنّة: زنوزي، محمّد حسن، تحقيق: علي الرفيعي العلامرودشتي، إشراف: سيّد محمود المرعشي النجفي، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي ـ الخزانة العالية للمخطوطات الإسلامية، قم، 1384ش.
    76ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء: الأفندي الإصبهاني، عبد الله، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.
    77ـ الرياض المونقة في آراء أهل العلم: الرازي، فخر الدين، تحقيق: أسعد جمعة، مركز النشر الجامعي، تونس، 2004م.
    78ـ ريحانة الأدب: المدرّس التبريزي، محمّد علي، انتشارات خيّام، طهران، الطبعة الرابعة، 1374ش.
    79ـ زواهر الحكم: اللاهيجي، حسن بن عبد الرزاق، تحقيق وتصحيح وتعليق: الشيخ عمّار التميمي، مطبعة الثقلين، بغداد، 1436هـ.
    80ـ سفينه خوشگو (دفتر دوم): خوشگو، بندر ابن داس، تصحيح: دكتر سيّد كليم أصغر، انتشارات مكتبة مجلس الشورىٰ الإسلامي، طهران، 1389 ش.
    81ـ سيّد رضي: أسعدي، عليرضا، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم،1390هـ ش.
    82ـ سيّد رضي: جعفري، سيّد محمّد مهدي، انتشارات طرح نو، ويراست دوم، 1378هـ ش.
    83ـ سيّد مرتضىٰ: أسعدي، عليرضا، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1391هـ ش.
    84ـ سير تطور كلام شيعه (دفتر دوم: از عصر غيبت تا خواجه نصير طوسي): جبرئيلي، محمّد صفر، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ وأنديشة إسلامي، طهران، 1389ش.
    85ـ شرح الأصول الخمسة: (علىٰ الغلاف منسوب إلىٰ: القاضي عبد الجبّار المعتزلي، في حين أنّ الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار والشرح للإمام مانكديم): مانْکديم، أحمد بن الحسين، تحقيق: عبد الکريم عثمان، مکتبة وهبة، القاهرة ـ مصر، 1427 هـ.
    86ـ الشريف المرتضىٰ متكلّماً: الشمّري، رؤوف، مراجعة: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1434هـ.
    87ـ شمع اليقين وآيينه دين: اللاهيجي، ميرزا حسن، باهتمام: جعفر پژوم، نشر سايه، قم، 1387ش.
    88ـ شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام: اللاهيجي، عبد الرزّاق، تحقيق: أكبر أسد علي زاده، قم، الطبعة الأولى، مؤسّسة الإمام الصادق ×، 1430هـ.
    89ـ الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية: الشيرازي، صدر الدين محمّد بن إبراهيم، تصحيح وتعليق: سيّد جلال الدين الآشتياني، بوستان كتاب قم، 1382ش.
    90ـ الصحاح: الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، تحقيق: أحمد عبد الغفورالعطّار، دار العلم للملايين، بيروت، 1404هـ.
    91ـ الصلة بين علم الكلام والفلسفة في الفكر الإسلامي (محاولة لتقويم علم الكلام وتجديده): سليمان، عبّاس، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1998م.
    92ـ عبقرية الشريف الرضي: مبارك، زكي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، 1408هـ.
    93ـ الفائق في أصول الدين: الملاحمي الخوارزمي، ركن الدين محمود بن محمّد، تحقيق ومقدّمة: ويلفرد مادلونگ ومارتين مك درموت، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه مع مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه آزاد برلين، طهران، 1385ش.
    94ـ فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: ابن طاووس، السيّد رضي الدين علي بن موسىٰ، منشورات الرضي، قم، 1363ش.
    95ـ فرهنگ اصطلاحات منطقي: الخوانساري، محمّد، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، طهران، 1376ش.
    96ـ فرهنگ فارسي: معين، محمّد، انتشارات أمير كبير، طهران، الطبعة الثامنة، 1371ش.
    97ـ فصول العقائد: الجرجاني، ركن الدين محمّد بن علي، راجعه ونقّاه: شاكر العارف وحميد الخالصي، مطبعة المعارف، بغداد، الطبعة الثانية،1960م/ 1380هـ.
    98ـ فصول خواجه طوسي وترجمة تازي آن از ركن الدين محمّد بن علي گرگاني استرابادي: الطوسي، نصير الدين، باهتمام: محمّد تقي دانشپژوه، انتشارات دانشگاه طهران، 1335ش.
    99ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة (ثلاث رسائل؛ الأولىٰ: باب ذكر المعتزلة من كتاب (مقالات الإسلاميّين) لأبي القاسم عبد الله البلخي، تناول فيه نشأة الاعتزال؛ والثانية: طبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبّار الهمذاني؛ والثالثة: شرح عيون المسائل للجشمي): تحقيق: فؤاد السيّد، الدار التونسية للنشر، تونس 1974 م.
    100ـ الفلسفة والكلام في مدرسة الحكمة المتعالية (دراسة في آراء الفيض الكاشاني الفلسفية والكلامية): الكناني، علي، دار المعارف الحكمية، بيروت، 1437هـ.
    101ـ فهرست كتب الشيعة وأصولهم: الطوسي، محمّد بن الحسن، تحقيق: السيّد عبد العزيز الطباطبائي، مكتبة المحقّق الطباطبائي، قم، 1420هـ.
    102ـ الفهرست: الرازي، منتجب الدين، تحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، قم، مجمع الذخائر الإسلامية، 1404هـ.
    103ـ الفوائد الطريفة: الأفندي الإصبهاني، عبد الله، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1385ش.
    104ـ فيّاض لاهيجي وانديشههاي كلامي او: عطائي نظري، حميد، الطبعة الأولى، نشر معارف، قم، 1392ش.
    105ـ القاموس المحيط: الفيروزآبادي، مجد الدين، إعداد وتقديم: محمّد عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1424هـ.
    106ـ الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: العجالي، تقي الدين، دراسة وتحقيق: السيّد محمّد الشاهد، القاهرة، 1420هـ ـ 1999م.
    107ـ كتابشناسي تجريد الاعتقاد: صدرائي خوئي، علي، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1382ش.
    108ـ كتابيّات (مجموعه مقالات در زمينه كتابشناسي): المدرّسي الطباطبائي، حسين، مؤسّسة انتشاراتي زاگرس، نيوجرسي، 2009م.
    109ـ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: حسن مكّي العاملي، دار الصفوة، بيروت، 1413هـ.
    110ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة: ابن طاووس، السيّد رضي الدين علي بن موسىٰ، تحقيق: محمّد الحسّون، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1375 ش.
    111ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: الحلّي، الحسن بن يوسف، تصحيح: حسن حسن زاده آملي، الطبعة التاسعة، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1422هـ.
    112ـ كشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: الحمّصي الرازي، محمود بن علي، طبعة مصوّرة، مع مقدّمة وفهرسة زابينه اشميتكه، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفة ايران ومؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه آزاد برلين، طهران، 1386ش.
    113ـ الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة: ابن رشد، أبو الوليد محمّد بن أحمد، تحقيق: محمّد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، 2014م.
    114ـ كلام شيعي وگفتمان معتزلي (ملاحظاتي در باب مسأله تأثيرپذيري كلام اماميه از كلام معتزله): عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 167ـ 168، 1396ش.
    115ـ كلام فلسفي: سلطاني، إبراهيم وأحمد النراقي، مؤسّسة فرهنگي صراط، طهران، الطبعة الثانية، 1384ش.
    116ـ كلام فلسفي: قدردان قراملكي، محمّد حسن، انتشارات وثوق، قم، 1383ش.
    117ـ الكلمة الطيّبة: اللاهيجي، عبد الرزّاق، تصحيح: عطائي نظري، حميد، طهران، مؤسّسه پژوهشي حكمت وفلسفه إيران، 1391ش.
    118ـ گوهر مراد: اللاهيجي، عبد الرزّاق، تصحيح وتحقيق: مؤسّسة تحقيقاتي إمام صادق ×، انتشارات سايه، طهران، 1383ش.
    119ـ لسان العرب: ابن منظور، محمّد بن مكرم، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414هـ.
    120ـ لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، اعتنىٰ به: الشيخ العلّامة عبد الفتاح أبو غدّة، اعتنىٰ بإخراجه وطباعته: سلمان عبد الفتاح أبو غدّة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1423هـ.
    121ـ لطائف غيبيه: العلوي، مير سيّد أحمد، باهتمام: سيّد جمال الدين ميردامادي، 1396هـ.
    122ـ اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: المقداد السيوري، جمال الدين، تحقيق: قاضي طباطبائي، نشر بوستان كتاب، قم، الطبعة الثانية، 1380ش.
    123ـ ماجرا در ماجرا: ذكاوتي قرا گوزلو، عليرضا، انتشارات حقيقت، طهران، 1381ش.
    124ـ مجالس المؤمنين: الشوشتري، القاضي نور الله، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1392ش.
    125ـ المحصّل: الرازي، فخر الدين، تحقيق: حسين آتاي، منشورات الشريف الرضي، قم، 1378ش.
    126ـ مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلىٰ القمّة: وتوت الحسيني، السيّد حيدر السيّد موسىٰ، العتبة العبّاسية المقدّسة، كربلاء، 1438هـ.
    127ـ مسائل ابن زهرة: ابن زهرة، علي بن إبراهيم، تصحيح: محمّد الغريبي، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1392 ش.
    128ـ المسلك في أصول الدين: المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن، تحقيق: رضا أستادي، الطبعة الثانية، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1379ش.
    129ـ المشهد الفلسفي في القرن السابع الهجري (دراسة في فكر العلّامة ابن المطهّر الحلّي ورجال عصره): مهدي هاشم، صالح، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1426هـ.
    130ـ مصارع المصارع: الطوسي، نصير الدين، تصحيح: الشيخ حسن المعزّي، مكتبة آية الله النجفي المرعشي، قم، 1405هـ.
    131ـ مصارع المصارع: الطوسي، نصير الدين، حقّقه وقدّم له: ويلفرد مادلونغ، مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه طهران، طهران، 1383ش.
    132ـ معارج الفهم في شرح النظم: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: عبد الحليم عوض الحلّي، دليل ما، قم، 1386ش.
    133ـ معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة: ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، قم، نشر الفقاهة، 1425هـ.
    134ـ المعتمد في أصول الدين: الملاحمي الخوارزمي، ركن الدين محمود بن محمّد، تحقيق: ويلفرد مادلونگ، طهران ـ برلين، انتشارات ميراث مكتوب ـ مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه آزاد برلين، 1390ش.
    135ـ المعتمد من مذهب الشيعة الإمامية: (اشتباهاً منسوب للحمّصي الرازي، سديد الدين)، مطبوع في: ميراث إسلامي إيران، دفتر ششم، انتشارات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1376ش.
    136ـ مكتب حديثي قم: جبّاري، محمّد رضا، انتشارات زائر، قم، 1384ش.
    137ـ مكتب كلامي قم: عابدي، أحمد، الطبعة الأولىٰ، نشر زائر، قم، 1384ش.
    138ـ الملل والنحل: الشهرستاني، محمّد بن عبد الكريم، تحقيق: محمّد بن فتح الله بدران، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الثالثة، قم، 1364ش.
    139ـ من مشاهير أعلام الحلّة الفيحاء إلىٰ القرن العاشر الهجري: الخفاجي، ثامر كاظم، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1428هـ.
    140ـ مناهج اليقين في أصول الدين: الحلّي، الحسن بن يوسف، مشهد، الطبعة الثانية، آستان قدس رضوي، 1388ش.
    141ـ منتخباتي از آثار حكماي الهي ايران: آشتياني، سيّد جلال الدين، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1378هـ ش.
    142ـ المنطق عند الفارابي: الفارابي، أبو نصر، تحقيق وتقديم وتعليق: رفيق العجم، دار المشرق، بيروت، 1986م.
    143ـ المنقذ من التقليد: الحمّصي الرازي، سديد الدين، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1412هـ.
    144ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: القطب الراوندي، سعيد بن هبة الله، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الكوهكمري، منشورات مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1406هـ.
    145ـ نتايج كلامي حكمت صدرايي: صادقي أرزگاني، محمّد أمين، مؤسّسة بوستان كتاب، قم، 1388ش.
    146ـ نهاية المرام في علم الكلام: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: فاضل العرفان، قم، مؤسّسة الإمام الصادق، 1419هـ.
    147ـ الهداية: الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي، الطبعة الثانية، مؤسّسة الإمام الهادي × قم، 1384ش.
    148ـ الوافي بالوفيّات: الصفدي، صلاح الدين، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفىٰ، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420هـ.
    149ـ الوافي بكلام المثبت والنافي: الطوسي، نصير الدين، عبد الله بن حمزة، تحقيق وتقديم وتعليق: عمّار جمعة فلّاحية، قم، 1438هـ.
    150ـ Abdulsater, Hussein Ali, Shi’i Doctrine, Mu’tazili Theology:alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017.
    151ـ Ali, Aun Hasan, The Beginnings of the School of Ḥillah: ABioـBibliographical Study of Twelver. Shīʿism in the LateʿAbbāsid and Early Ilkhānid Periods, (A thesis submitted to McGill University in partial fulfillment of the requirements of the degree of of Doctor of Philosophy), Institute of Islamic Studies, McGill University, Montreal, Februrary 2016.
    152ـ Ansari, Hassan and Schmidtke, Sabine, “Philosophical Theology among Sixth/ Twelfth Century Twelver Shīʿites: From Naṣīr al ـDīn al ـṬūsī (d. after 599/1201ـ2 or 600/1202ـ3) to Naṣīr al ـDīn al ـṬūsī (d. 672/1274): A Critical Edition of Two Theological Tracts, Preserved in MS Landberg 510 (Beinecke Rare Book and Manuscript Library, Yale University)”, Shii Studies Review, 1, 2017, pp. 194ـ256.
    153ـ Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 196 ـ 214.
    154ـ Ansari, Hassan, and Schmidtke, Sabine, “AlـShaykh alـ Ṭūsī: His Writings on Theology and their Reception”, The Study of Shiʿi Islam: History, Theology and Law, ed. F. Daftary and G. Miskinzoda, London: I.B. Tauris, 2014, pp. 475 ـ 497.
    155ـ McDermott, Martin j., The Theology of alـShaikh al ـMufīd (d. 413/1022), Beirut, 1978.
    156ـ Oxford advanced learners’s dictionary, eighth edition, 2010.
    157ـ Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu lـ‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64(Bodleian Library, Oxford)”, Le shi’isme imamate, pp. 357ـ 382.
    158ـ Schmidtke, Sabine, “AlـAllama alـHilliـand Shiite Mutazilite Theology”, Spektrum Iran 7 iii (1994), pp. 10ـ35,126ـ127Repr. In: Shīʿism. Critical Concepts in Islamic Studies. Eds. Colin Turner & Paul Luft. Oxford 2007, vol. 2 (Beliefsand Practices), part 27”.
    159ـ Schmidtke, Sabine, The Theology of alـʿAllama alـḤillī (d.726/1325), Berlin, 1991.

    • تمّت ترجمة المقالة الىٰ اللغة العربية من قبل هيئة التحرير.
    • انظر: (كهنترين واكنش به فخر الدين رازي؟ بررسي كوتاهي درباره كتاب مشكوة اليقين في اصول الدين)، والمنشورفي:
      http://ansari.kateban.com/post/3706.
    • الخلاصة في علم الكلام: تحقيق: السيّد محمّد رضا الجلالي، مؤسّسة آل‌البيت ^ لإحياء التراث، 1432 ه‍. (تمّ تحقيق هذه الطبعة علىٰ أساس ستّة نسخ من الرسالة وهي من أفضل الطبعات، لذلك فالإحالات اللاحقة علىٰ هذه الرسالة التي ذكرتها هنا تأتي بناء علىٰ هذه الطبعة).
    • وكما ذكر بعض المحقّقين بعد التنقيب في مختلف المصادر أنّه من الصعب أن نبتّ في شأن مذهب الدواني. انظر حول هذه الشخصية ماكتبه رضا پور جوادي في دانشنامه جوان إسلام 18 / 264، تحت عنوان: (دواني، جلال الدين محمّد). إنّ نسبة تأليف رسالة (نور الهداية) إلىٰ الدواني ـ من قبل بعض ممّن يعتقدون بتشيّعه ويقولون أنّ تأليفها من قبله هو خير شاهد علىٰ تغيير مذهبه من مذهب السنّة الأشعرية إلىٰ المذهب الشيعي ـ هو أمر غير مسلّم به؛ حيث يواجه الكثير من الإشكالات والإيرادات عليه. انظر: تأمّلي در انتساب رساله نور الهداية به جلال الدين دواني، مقالة مطبوعة في: مجلّة آينه ميراث: 123ـ143. وكذلك فإنّ بعض المحقّقين الذين اعتبروا جلال الدين الدواني فيلسوفاً أشعريّاً قد شكّكوا في كونه متكلّماً أوفيلسوفاً، حيث قالوا ما معرّبه: «هناك سؤال يطرح نفسه ويبقىٰ من غير جواب؛ هو أنّ جلال الدين الدواني هل هو أشعري يسعىٰ لإثبات مذهبه الكلامي من خلال استفادته من الاستدلالات الفلسفية؟ أو علىٰ العكس من ذلك، أي: إنّه فيلسوف استطاع من خلال الاستفادة من الأفكار الفلسفية أن يتوصّل إلىٰ متانة منهج كلام الأشاعرة وإلىٰ أعماق أفكار الأشعري بالخصوص؟ ولكن بالرغم من وجود أجوبة علىٰ هذا السؤال إلّا أنّ اضطراب وتضادّ الأجوبة وتعدّدها جعل من الصعب الوصول إلىٰ نتيجة في هذا الخصوص». جلال الدين دواني فيلسوف ذوق‌ التألّه: 429.
    • علىٰ سبيل المثال: ذكر الشيخ المفيد في هذا الشأن قائلاً: «إن وجدنا حديثاً يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل بفساده». تصحيح الاعتقاد: 149.
    • انظر: مكتب حديثى قم: 444ـ450.
    • كان المرحوم العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري يعتقد أنّ موارد الاختلاف‌ بين الشيخ المفيد والشيخ الصدوق بالمقارنة مع موارد الاتّفاق‌ بينهما قليلة جدّاً، ولا يوجد بين هذين العلمين في الأصول الاعتقادية وجزئيّاتها اختلاف يعتنىٰ به، وإنّ أكثر اختلافاتهم حول نوعية وكيفية الاستدلال علىٰ الآراء الاعتقادية. (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه)، مقال في مجلّة تراثنا، العدد المزدوج: 30ـ31، ص158ـ159. وبالطبع فإنّ تقييم هذا الرأي يفتقر إلىٰ بحث مستقلّ في هذا الموضوع.
    • علىٰ سبيل المثال: ذكر الشيخ المفيد في موضع قائلاً: «عوّل أبو جعفر & في هذا الباب علىٰ أحاديث شواذّ لها وجوه يعرفها العلماء متىٰ صحّت وثبت إسنادها ولم يقل فيه قولاً محصّلاً وقد كان ينبغي له لمّا لم يكن يعرف للقضاء معنىٰ أن يهمل الكلام فيه»، تصحيح الاعتقاد: 54.
    • علىٰ سبيل المثال: فقد انتقد الشيخ المفيد في موضع طريقة الشيخ الصدوق ورأيه حيث قال: «الذي ذكره الشيخ أبو جعفر & في هذا الباب لا يتحصّل ومعانيه تختلف وتتناقض والسبب في ذلك أنّه عمل علىٰ ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممّن يرىٰ النظر فيميّز بين الحقّ منها والباطل ويعمل علىٰ ما يوجب الحجّة ومن عوّل في مذهبه علىٰ الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه‏». تصحيح الاعتقاد: 49.
    • وفي شأن مدرسة الكوفة ومختلف تيّاراتها الفكرية الكلامية راجع كتاب: جستارهايي در مدرسه كلامي كوفه.
    • للاطّلاع بصورة إجمالية علىٰ الآراء التي تمّت مناقشتها في مدرسة قم الكلامية انظر كتاب: جستارهايي در مدرسه كلامي قم، وكتاب: مكتب كلامي قم، وكتاب: مدرسه كلامي قم، ومجلّة: نقد ونظر 1391ش، ص66ـ89. وللتعرّف علىٰ مدرسة قم ومحدّثيها ومؤلّفاتهم الحديثية الكلامية، انظر كتاب: مكتب حديثي قم.
    • بالرغم من أنّ الشيخ الكليني كانت نشأته في الري ثمّ رحل بعدها إلىٰ بغداد إلّا أنّ شخصيّته العلمية ومؤلّفاته قد تأثّرت بمدرسة قم الحديثية، حيث يبدو ذلك واضحاً من خلال أسانيد أحاديث كتاب (الكافي) أنّه استفاد من رواة الشيعة ومن مشايخهم في قم؛ ولذلك لابدّ أن نعتبر نتاجاته العلمية وثمرة أفكاره إنّما تعود إلىٰ مدرسة قم. انظر: مدرسه كلامي قم: 73.
    • كلام إماميه (ريشه‌‌‌ها ورويش‌‌‌ها): 31.
    • نفس المصدر: 32.
    • علىٰ سبيل المثال: انظر الاستدلالات العقلية التي ذكرها الشيخ الصدوق في كتابه التوحيد: 298ـ303؛ بعدما نقل الروايات الدالّة علىٰ إثبات حدوث الاجسام.
    • Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 201.
    • McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, p. 323.
      وانظر أيضاً الترجمة الفارسية لهذا الكتاب: انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 427.
    • للتعرّف علىٰ نزعة الكلام النقلي لديه ودراسة آرائه الكلامية، انظر كتاب: آراي كلامي سيد بن طاووس: 33.
    • علىٰ سبيل المثال: انظر اصطلاحات العلّامة المجلسي واستدلالاته الفلسفية في إثبات وجود الباري ووحدانيّته وصفاته في كتابه حقّ اليقين: 11ـ25.
    • ذكر السيّد عبد الله شُبَّر في مقدّمة كتابه هذا الذي جمع فيه بين المعقول والمنقول قائلاً: «قد جمعت بين المعقول والمنقول». الحقّ اليقين في معرفة أصول الدين: 16.
    • ومن قبل العلّامة فقد نفىٰ الفخر الرازي أيضاً وجود الدليل السمعي المحض بنفس الدليل الذي نفاه العلّامة. انظر: المُحَصّل: 142.
    • مناهج اليقين في أصول الدين: 171.
    • تصحيح الاعتقاد: 149.
    • كشف المراد: 350.
    • گوهر مراد: 41.
    • (الجَدَل): هو الاستفادة من المقدّمات المسلّمة والمقبولة عند المخاطب لإثبات النتيجة المطلوبة. بناء علىٰ هذا فإنّ المقدّمات التي يستفاد منها في القياسات والاستدلالات الجدلية هي عبارة عن المسلّمات (أي: القضايا المقبولة عند المخاطب) والمشهورات. عادة ما تكون هذه الطريقة الاستدلالية مقرونة بالأسئلة والأجوبة في المناظرة، وذلك أن يستخدم أحد المتناظرين الأمور المقبولة والمسلّم بها عند الطرف الآخر، ثمّ ينهال عليه بالسؤال تلو الآخر ليوقعه بالتناقض أو قبول المحال، وبالنتيجة يقرّ ببطلان ادّعاءاته وينصرف عنها. انظر كتاب: فرهنگ اصطلاحات منطقي: 83. وقد تطرّق الفارابي في رسالة مستقلّة له يذكر فيها ماهية الجدل والأمور المرتبطة به بالتفصيل. فقال في تعريف الجدل: «صناعة الجدل هي الصناعة التي بها يحصل للإنسان القوّة علىٰ أن يعمل من مقدّمات مشهورة قياساً في إبطال وضع موضوعه كلّي يتسلمه بالسؤال عن مجيب يتضمّن حفظه أيّ جزء من جزئي النقيض اتّفق، وعلىٰ حفظ كلّ وضع موضوعه كلّي يعرضه لسائل يتضمّن إبطاله أيّ جزئين من جزئي النقيض اتّفق ذلك. وأرسطوطاليس يجعل هذه الصناعة عند تحديده لها أنّها طريق، ويقول إنّها طريق، يتهيّأ لنا بها أن نعمل من مقدّمات مشهورة قياساً في كلّ مسألة تُقصَد، وأن يكون إذا أجبنا جواباً لم نأتِ فيه بشيء مضادّ». كتاب الجدل المطبوع في ضمن كتاب: المنطق عند الفارابي 3/13.
    • علىٰ سبيل المثال: فقد وصف ابن رشد ـ الفيلسوف الأرسطي المسلم ـ علم الكلام وسمّاه بـ: (الحكمة الجدلية) قائلاً: «أغنىٰ مراتب صناعة الكلام أن يكون حكمة جدلية، لا برهانية». الكشف عن مناهج الأدلة: 136.
    • يعتبر تعريف الفيّاض اللاهيجي لعلم الكلام ـ حيث وصفه بالفنّ الجدلي ـ انعكاساً لهذه النظرية: «الكلام صناعة جدلية يقتدر بها علىٰ محافظة عقائد الإسلامِ عن إيرادات المعاندين بطريق الجدل». الكلمة الطيّبة: 121.
    • علىٰ سبيل المثال: ذكر أحمد بن الحسين مانكديم المعتزلي في الجواب علىٰ أحد الأسئلة قائلاً: «ولنا في الجواب عن ذلك طريقان: إحداهما: طريقة جدلية، وهي أن نقول: إنّ ما ذكرتموه من النفع غير ما استدللنا به وبمعزل عمّا أوردناه، فلا يلزمنا الجواب عن طريق الجدل. والثانية: طريقة علمية». انظر: شرح الأصول الخمسة: 307.
    • يرىٰ اللاهيجي أنّ طريقة الحكماء هي عبارة عن: «اكتساب المعارف الحقيقية وإثبات الأحكام اليقينية لذوات الموجودات عن طريق الأدلّة والبراهين العقلية المحضة المؤدّية للبديهيّات وعلىٰ النهج الموافق لنفس الأمر». گوهر مراد: 41.
    • نفس المصدر: 41 و43.
    • شوارق الإلهام 1/ 70.
    • الكلمة الطيّبة: 121.
    • گوهر مراد: 49.
    • «وبالتأكيد أنّ تقليد الفلاسفة، والاعتقاد بأنّ الكمال منحصر في نقل كلامهم، وأنّ الهداية في اتّباعهم، هو محض الضلال وعين الشقاء، بل أن يكون المؤمن متّبعاً في طريق اكتساب المعارف محض اتّباع البرهان والحصول علىٰ اليقين لا غير. وليس لزاماً عليه أن يكون متكلّماً ولا فيلسوفاً، بل عليه أن يكون مؤمناً موحّداً معتمداً في طلب الحقيقة علىٰ الرأي الصحيح وعلىٰ الشريعة الحقّة، وإذا لم يكن مؤهّلاً للكمال الحقيقي فليس له أن يخسر تقليد أهل الكمال الحقيقي». گوهر مراد: 44.
    • الكلمة الطيّبة: 122.
    • نفس المصدر: 124.
    • انظر: «كلام شيعي وگفتمان معتزلي (ملاحظاتي در باب مسأله تأثيرپذيري كلام إماميه از كلام معتزله)»، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 167ـ168، 1396، ص: 3ـ40.
    • انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 521.
    • نفس المصدر: 6 و522.
    • نفس المصدر: 522.
    • أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 51.
    • «واتّفقت الإماميّة علىٰ أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلىٰ السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمعٍ يُنبّه العاقل علىٰ كيفية الاستدلال، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث». نفس المصدر: 44.
    • «وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية علىٰ خلاف ذلك وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف». نفس المصدر.
    • McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, p. 395.
      (الترجمة الفارسية للكتاب تحت عنوان: «انديشه‌هاى كلامى شيخ مفيد»، ص: 521).
    • مقال: (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه [1])، مجلّة تُراثُنا، السنة الثامنة، 1413، العدد المزدوج: 30ـ31، ص: 244ـ256.
    • McDermott, Martin j., the theology of al-shaikh al-Mufīd, pp. 4-5.
      (الترجمة الفارسية للكتاب تحت عنوان: «انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد» ص: 5ـ6).
    • أوائل المقالات: 61.
    • نفس المصدر 100.
    • انديشه‌هاي كلامي شيخ مفيد: 252.
    • انظر عناوين المؤلّفات الانتقادية للشيخ المفيد في رجال النجاشي: 399ـ402.
    • Hassan Ansari and Sabine Schmidtke, “Al-Shaykh al-Ṭūsī: His Writings on Theology and their Reception”, in: Studies in Medieval Islamic Intellectual Traditions, p. 312.
    • لمزيد من الاطّلاع علىٰ شخصية الشريف المرتضىٰ وكتبه، انظر:
      Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: al-Sharif al-Murtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017.
      أسعدي، عليرضا، سيّد مرتضيٰ، پژوهشگاه علوم وفرهنگ اسلامى، قم، 1391ش؛ الشمَّري، رؤوف، الشريف المرتضىٰ متكلّماً، مراجعة: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1434هـ؛ الجعفري، محمّد رضا، (الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه [2])، مجلّة تُراثُنا، السنة الثامنة، 1413، العدد المزدوج: 32ـ33، ص77ـ114.
    • «ممّن تكلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضيٰ». مسائل ابن زهرة: 128.
    • الوافي بالوفيّات 21/7.
    • حقّ اليقين: 568.
    • لقد صرّح الشريف الرضي في بعض كتبه بتلمّذه علىٰ القاضي عبد الجبّار المعتزلي، فقد ذكر في كتاب: (تلخيص البيان في مجازات القرآن) أنّه قرأ كتاب: (تقريب الأصول) في الكلام عند القاضي. تلخيص البيان في مجازات القرآن: 212.
    • (شهيدين در كشاكش دو جريان كلامي مدرسه حلّه)، السبحاني، محمّد تقي، مجلّة نقد ونظر، السنة 14، العدد الرابع، 1388ش، ص: 190ـ191.
    • شرح عيون المسائل، المطبوع في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: 401ـ402؛ طبقات المعتزلة: 119.
    • اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: 45.
    • «وقد تكلّمنا في هذا الكتاب مع أبي ‌هاشم وأصحابه في ستّ عشرة مسألة: في بعضها وقع الخلاف في حكم المسألة. وفي بعضها وإن وقع الوفاق في حكم المسألة لكن وقع الخلاف في طريق إثبات ذلك الحكم؛ فنتكلّم فيها أوّلاً في تصحيح طريقتنا، وثانياً في تزييف طريقتهم». الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: 60.
    • الرياض المونقة في آراء أهل العلم: 287ـ295.
    • علىٰ سبيل المثال انظر: الرياض المونقة في آراء أهل العلم: 289؛ حيث أشار فخر الدين الرازي إلىٰ رأيين مختلفين لأبي الحسين في الكتابين المذكورين. كما تطرّق الرازي أيضاً في موضع من كتابه: (المطالب العالية) إلىٰ نقل فقرات من كتاب: (تصفّح الأدلّة)‌ لأبي الحسين. انظر: المطالب العالية 1/87.
    • انظر: المطالب العالية 1/87.
    • خلاصة النظر: 27.
    • رسائل المحقّق الحلّي: 384ـ385.
    • نفس المصدر: 377ـ379.
    • نفس المصدر: 377ـ379.
    • مسائل ابن زهرة: 115ـ116.
    • ذكر علاء‌ الدين علي بن إبراهيم ابن زُهرة ـ في استفتائه من العلّامة الحلّي ـ الحِمّصي في عداد من سلكوا طريقة السيّد المرتضىٰ الكلامية في أصول الدين بقوله: «ممّن تكلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضي» نفس المصدر: 127.
    • Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 204 - 205.
    • علىٰ سبيل المثال: ذكرالقطب الراوندي (ت 573 ه‍) في شأن من اتّبع مدرسة أبي الحسين البصري من علماء الإمامية ما يلي: «وأمّا من يختار من أصحابنا طريقة أبي الحسين البصري فإنّه يقول: معنىٰ قوله: (ليس لصفته حدّ) أي: ليس لوصفنا إيّاه بما نذكره من الحمد والمدح ونحوهما غاية». منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 1/37. وقال في موضع آخر: «وقال بعض أصحابنا ممّن يختار طريقة أبي الحسين البصري: إنّ لله ذات مخصوصة ليس له صفات، وإنّما يخالف غيره بذاته المتميّزة». نفس المصدر: 47.
    • Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 203; Hassan Ansari and Sabine Schmidtke, “Al-Shaykh al-Ṭūsī: His Writings on Theology and their Reception”, in: Studies in Medieval Islamic Intellectual Traditions, p. 321.
    • طبقات المعتزلة: 119.
    • تاريخ وفاة الحِمّصي الرازي ليس واضحاً بدقّة، ويوجد اختلاف في ذلك. ابن حَجَر في (لسان الميزان) نقل لنا وفاته بعد سنة (600 هـ): «ومات بعد الستمائة». لسان الميزان 5/317. وذكر آية الله السيّد موسيٰ الشبيري الزنجاني ـ بعد تحقيقه في باب تاريخ وفاة الحِمَّصي ـ نفس قول ابن حَجَر مقروناً بتصويبه. انظر: جرعه‌اي از دريا 1/ 52ـ58.
    • آخرين دوره معتزله: أبوحسين بصري ومكتب وي: 507؛ مقدّمة المعتمد في أصول الدين: xi.
      Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu l-‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford).”, p.375.
    • المُنقِذ من التقليد 1/ 17ـ18.
    • نفس المصدر 2/402.
    • المقدّمة الإنجليزية لكتاب خلاصة النظر: xv.
    • نفس المصدر: xvii.
    • للاطّلاع علىٰ شخصيّته وكتابه، انظر:
      Ansari, Hassan and Schmidtke, Sabine, “Philosophical Theology among Sixth/ Twelfth-Century Twelver Shīʿites: From Naṣīr al-Dīn al-Ṭūsī (d. after 599/1201-2 or 600/1202-3) to Naṣīr al-Dīn al-Ṭūsī (d. 672/1274): A Critical Edition of Two Theological Tracts, Preserved in MS Landberg 510 (Beinecke Rare Book and Manuscript Library, Yale University)”, Shii Studies Review, 1, 2017, pp. 194-256.
      تمّ التأكيد في الصفحات: 196 و208 من المقالة المذكورة أعلاه علىٰ توجّه نجم الدين الحلّي إلىٰ آراء أبي الحسين البصري ونقل آراء البصري إلىٰ الإمامية عن طريقه.
    • انظر: (الخلاصة في علم الكلام از كيست؟) لحسن الأنصاري والمنشور في:
      http://ansari.kateban.com/post/2032.
      حيث تمّ في هذا المقال مناقشة احتمال نسبة الكتاب إلىٰ قطب‌ الدين الكيذُري البيهقي تلميذ نصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي وصاحب حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة.
    • انظر: (ابن البطريق الحلّي ويك اعتقاد نامه امامي در مكتب ابوالحسين بصري) لحسن الأنصاري والمنشور في:
      http://ansari.kateban.com/post/2036
      حيث تمّ في هذا المقال مناقشة احتمال نسبة الكتاب إلىٰ ابن بِطريق الحِلّي.
    • (المنسوب بالخطأ إلىٰ) الحِمَّصي الرازي، سديد الدين، المعتمد من مذهب الشيعة الإمامية، المطبوع في: ميراث اسلامي ايران، دفتر ششم، قم: انتشارات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1376ش.
    • للاطّلاع علىٰ شخصيّته وتوجّهه الكلامي، انظر: (أدبيات كلامي اماميه در نيمه دوم سده ششم قمري: نمونه عجالة المعرفة فرزند قطب راوندي) لحسن الأنصاري والمنشور في:
      http://ansari.kateban.com/post/2027.
    • للحصول علىٰ بحث مختصر في شأن تاريخ تأثّر الكلام الإمامي بفلسفة ابن سينا، انظر: (نگاهي به تأثيرپذيري‌هاي‌ كلام اماميه از كلام اشعري وفلسفه سينوي وعرفان ابن عربي وحكمت صدرايي)، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 29، العدد 169، 1397ش: 3ـ20.
    • مجالس المؤمنين 4/504.
    • قدّم عبّاس سليمان دراسة عن بعض تأثيرات المعتزلة وفلسفة ابن سينا علىٰ الفكر الكلامي للخواجة نصير الدين الطوسي في مختلف المواضيع الكلامية. انظر: (الصلة بين علم الكلام والفلسفة في الفكر الإسلامي، محاولة لتقويم علم الكلام وتجديده)، الفصل الثاني: تطوّر علم الكلام وانتهاؤه إلىٰ الفلسفة في فكر الطوسي: 111ـ147.
    • للحصول علىٰ تحقيق مختصر في باب أفكار الخواجة نصير الدين الطوسي الفلسفية والكلامية انظر: انديشه‌هاي فلسفي وكلامي خواجه نصير الدين طوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي، آراؤه الفلسفية والكلامية)، تأليف: هاني نعمان فرحات، ترجمه إلىٰ الفارسية: غلامرضا جمشيدنژاد اوّل، مركز پژوهشي ميراث مكتوب، 1389ش، ص: 412.
    • للحصول علىٰ نماذج للمقارنة بين آراء الخواجة نصير الدين الطوسي وآراء الفخر الرازي، انظر: بررسي وداوري در مسائل اختلافي ميان دو فيلسوف اسلامي خواجه نصير طوسي وامام فخر رازي، تأليف: السيّد حسن الحسني، انتشارات دانشگاه تهران، تهران،1373ش، ص: 304.
    • تمّت دراسة دور كتاب: (تجريد الاعتقاد) في تكوين الكلام الفلسفي الإمامي والإسلامي والبحث في مختلف جوانبه الفلسفية في كتاب: تطوّر علم الكلام إلي الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي (دراسة تحليلية مقارنة لكتاب تجريد العقائد)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1994م، ص: 146.
    • Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology, p. 19.
    • قدّمت زابينه اشميتكه تحقيقاً مستقلّا ً في نماذج هذا التأثّر، انظر: كتاب: (الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي) بالإنجليزية:
      Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology.
    • أعيان العصر وأعوان النصر 2/292؛ كذلك انظر: الوافي بالوفيّات 9/130.
    • علىٰ سبيل المثال: يمكن الإشارة إلىٰ تردّد عقيدة العلّامة الحلّي في شأن حقيقة الإنسان وماهية النفس الإنسانية حيث نراه في بعض كتبه كان قد مال إلىٰ نظرية المعتزلة في باب حقيقة الإنسان، أي: نظرية (الأجزاء الأصلية)؛ ولكنّه في بعض كتبه الأخرىٰ قد مال إلىٰ نظرية الفلاسفة، حيث اعتبروا النفس الإنسانية مجرّدة وغير مادّية. انظر: الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي (بالإنجليزية): 246ـ247.
      Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology
    • أجوبة المسائل المُهَنّائية: 157.
    • نفس المصدر.
    • خلاصة الأقوال: 113.
    • أجوبة المسائل المهنّائية: 157؛ خلاصة الأقوال: 112.
    • كان تأثّر العلّامة بالفخر الرازي محلّ اهتمام بعض الدراسات، انظر: الأفكار الكلامية للعلّامة الحلّي (بالإنجليزية): 243.
      Schmidtke, Sabine, Al-Allama al-Hilli-and Shiite Mutazilite Theology
    • للحصول علىٰ نماذج للمقارنة بين آراء العلّامة الحلّي وآراء الفخر الرازي انظر علىٰ سبيل المثال: الأمور الموجودة في الصفحات: (168ـ222) من المجلّد الثاني من كتاب (نهاية المرام في علم الكلام)، وبين الأمور التي ذُكرت في الصفحات: (468ـ500) من المجلّد الأوّل من كتاب (المباحث المشرقية)، حيث جاءت أغلبها ـ تقريباً ـ اقتباساً من عبارات الفخر الرازي، وقد كُتبت أكثرها عارية عن اسم المؤلّف؛ وهو ما اعتاد عليه علماء السلف في نقولاتهم في تلك الفترة.
    • نهاية المرام في علم الكلام 2/204؛ وانظر أيضاً نفس المصدر: 209 ـ 210.
    • ىٰ ذكر انتقاداته علىٰ بعض القواعد الفلسفية بالإضافة إلىٰ ما نقله من انتقادات الفخر الرازي.
    • «الاشتغال ببيان طريق المعتزلة في هذا الموضع خروج عن الشرط الذي رسمه ملتمس الكلام علىٰ هذه الرسالة، فإنّ شرطه أن لا يكون الكلام علىٰ طريقة الجدليّين‏»، أجوبة المسائل النصيرية: 76.
    • «كتاب المقاومات، باحثنا فيه الحكماء السابقين، وهو يتمّ مع تمام عمرنا»، خلاصة الأقوال: 111.
    • نفس المصدر: 112.
    • أجوبة المسائل المهنّائية: 157.
    • نهاية المرام في علم الكلام 2/ 36ـ38.
    • نفس المصدر: 36.
    • انظر: «نصير الدين كاشاني ونگاشته‌هاي كلامي او»، عطائي نظري، حميد، مجلّة آينه پژوهش، السنة 28، العدد 164، 1396ش، ص: 119ـ128.
    • انظر ترجمته ومؤلّفاته وآراءه الكلامية في: (فيّاض لاهيجي وانديشه‌‌‌هاي كلامي او)، تأليف: عطائي نظري، حميد، الطبعة الأولىٰ، نشر معارف، قم، 1392ش، ص: 320.
    • أعلام الشيعة 2/818.
    • تذكرة نتائج الأفكار: 578.
    • تذكرة (نصرآبادي): 156.
    • ريحانة الأدب 4/361؛ تذكرة رياض العارفين 2/107؛ تذكرة مجمع النفائس 2/1235؛ سفينة خوشگو: 512.
    • شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام 5/342.
    • ماجرا در ماجرا: 471.
    • علىٰ سبيل المثال: وصف اللاهيجي ـ في أحد المواضع ـ الكلام المعتزلي والأشعري بعدم الكفاءة، وأنّه لا يؤدّي إلىٰ الصواب، وذلك لاعتمادهم علىٰ أمور غير يقينية، حيث قال ما معرّبه: «إنّ علم الكلام المشهور ـ سواء الأشعري أو المعتزلي ـ المبتني علىٰ غير اليقينيّات في تحصيل المعارف اليقينية لا يمكن الاعتماد عليه ولا يؤدّي إلىٰ الصواب» گوهر مراد: 49.
    • وصف المحقّق الحلّي المنهج المعتزلي المتأخّر من بين المناهج التحقيقية كونه أتمّ تحقيقاً وأوضح مسلكاً وطريقاً حيث قال: «فإنّه لمّا كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد، وأعزّ الفرائد، وجب علىٰ كلّ ذي فطنة أن يصرف رويّته إلىٰ استخراج حقائقها، وكشف غوامضها ودقائقها، ولمّا كانت الطُرُق إلىٰ ذلك مختلفة، والوسائل إليه منكّرة ومعرّفة، وجب أن نسلك أتمّها تحقيقاً، وأوضحها مسلكاً وطريقاً، وهو النهج الذي سَلَكَه متأخّرو المعتزلة»، المسلك في أصول الدين: 33.
    • أكّد العلّامة الحلّي في مختلف كتبه علىٰ اعتقاده بالحدوث الزماني للعالم؛ بمعنىٰ حدوث العالم بأكمله سوىٰ الذات الربوبية، وسعىٰ حثيثاً في ردّ آراء ابن سينا وأدلّته في شأن قدم العالم، انظر: مناهج اليقين في أصول الدين: 78 وما بعدها؛ الأسرار الخفية: 533 وما بعدها؛ أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 68 وما بعدها. حيث أفتىٰ بتكفير من اعتقد بقدم العالم: «من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف؛ لأنّ الفارق بين المسلم والكافر ذلك، وحكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار بالإجماع.». أجوبة المسائل المهنّائية: 88ـ89.
    • گوهر مراد: 229.
    • نفس المصدر: 48.
    • رساله آينه حكمت، المطبوعة في: رسائل فارسي حسن بن عبد الرزّاق لاهيجي: 78.
    • نفس المصدر: 85.
    • رياض العلماء وحياض الفضلاء 1/107؛ رياض الجنّة 3/438؛ ريحانة الأدب 4/363.
      للاطّلاع علىٰ ترجمته وكتبه انظر: مقدّمه رسائل فارسي حسن بن عبد الرزّاق لاهيجي.
    • وقد ذكر السيّد جلال الدين الآشتياني آراء الميرزا حسن اللاهيجي وقال فيها ما معرّبه: «إنّه يقول بأصالة ووحدة حقيقة الوجود، وتبنّىٰ بعضاً من مباني الملّا صدرا، ولكنّه اتّخذ طريقة المشّائيّين في أبحاثه، ويبدو أنّه كأبيه من أتباع الشيخ الرئيس وشارح أفكار ابن سينا، وهو كأبيه أيضاً في تضلّعه بعلم الكلام، ولكنّ والده الملّا عبد الرزّاق كان متميّزاً من بين الجميع في دقّة آرائه وثقله العلمي ومهارته وهيمنته علىٰ مختلف مذاهب الحكمة والعرفان، وليس له نظير بين أقرانه»، منتخباتي از آثار حكماي الهي ايران 3/290.
    • كدراسة تمهيدية، انظر: نتايج كلامي حكمت صدرايي: 353.
    • لدراسة ما تركه عرفان ابن العربي من أثر علىٰ أفكار الملّا صدرا ، انظر: تأثيرات ابن عربي بر حكمت متعاليه: 309.
    • لدراسة إجمالية حول تأثير الحكمة المتعالية للملّا صدرا علىٰ الكلام الشيعي، انظر: حكمت صدرايي وكلام شيعه: 270.
    • لدراسة حياة الفيض الكاشاني ومؤلّفاته وآرائه الكلامية وما تأثّر به من آراء الملّا صدرا، انظر: الفلسفة والكلام في مدرسة الحكمة المتعالية (دراسة في آراء الفيض الكاشاني الفلسفية والكلامية)، انظر جميع الكتاب وخاصّة: ص324؛ وانظر: منتخباتي از آثار حكماي الهي ايران 2/147.
    دوشنبه ۸ مرداد ۱۴۰۳ ساعت ۴:۱۴
    نظرات



    نمایش ایمیل به مخاطبین





    نمایش نظر در سایت