لینک های روزانه
    نشانی ایمیل نویسنده
    h.ataei.n@gmail.com
    المقدّمة:1تمّت الترجمة إلىٰ اللغة العربية هذه من قبل هيئة التحرير في مجلة (تراثنا) مع جزيل الشكر والامتنان لهم.
    أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل المعروف بـ: (الراغب الإصفهاني) هو: الأديب والمفسّر والحكيم البارز في العالم الإسلامي، الذي تحضىٰ شخصيّته العلمية والثقافية بأبعاد مختلفة ومتنوّعة، حتّىٰ أنّ بعض أبعاد شخصيّته بقيت غير واضحة المعالم إلىٰ يومنا هذا؛ فقد تناولت مجموعة من الدراسات بعض الأبعاد العلمية والتفسيرية والأدبية والأخلاقية التي تميّز بها هذا العالم الذي قلّ نظيره، كما ألّفت الكثير من الكتب والمقالات التي تناولت أهمّية مؤلّفاته التي ذاع صيتها مثل: مفردات ألفاظ القرآن ومحاظرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء والذريعة إلىٰ مكارم الشريعة وتفسير القرآن، إلّا أنّ شخصية الراغب من حيث نزعته الكلامية والاعتقادية لم تدرس إلىٰ الآن دراسة جادّة، وإنّ أبعاد فكره الكلامي لم يتمّ تناولها وتبيينها بالحدّ المطلوب؛ وقد أدّىٰ هذا الأمر إلىٰ وجود بعض الغموض في شأن مذهبه ومدرسته الاعتقادية ـ مثله مثل مذهبه الفقهي ـ ممّا أدّىٰ إلىٰ عدم وضوح الصورة بالنسبة إلىٰ ميوله وتوجّهاته الكلامية. كما أنّ مختلف الادّعاءات ـ في شأن انتسابه ـ التي نسبها إليه المؤرّخون، وأغلب الاشتباهات التي ارتكبها أصحاب التراجم والمتكلّمون في شأن مذهبه أيضاً قد زادت الطين بِلَّة؛ بحيث ازداد الأمر غموضاً في هذا المجال؛ فإنّ كلّ ما نسب إليه ـ من الاعتزال والتشيّع وميوله إلىٰ الأشاعرة والماتريدية أو كونه من أتباع أصحاب الحديث وأهل الأثر ـ لا يعدو عن كونه مجرّد احتمالات وفرضيّات فيما يخصّ مذهبه الاعتقادي ليس إلّا. وإنّ موضوع بحثنا هنا هو تحقيق يتناول هذه الفرضيّات ودراستها، وتحديد النزعة الكلامية للراغب الإصفهاني استناداً إلىٰ مؤلّفاته الكلامية.



    الراغب الإصفهاني وكتاب (الاعتقادات):
    إنّ أفضل مصدر للبحث عن اعتقادات الراغب الإصفهاني واكتشاف ميوله الكلامية هو كتابه الذي تطرّق فيه إلىٰ بيان المسائل الاعتقادية ووضّح آراءه في شأن مختلف المواضيع والمسائل الاعتقادية؛ فإنّ كتابه المعروف باسم: (الاعتقاد) أو (الاعتقادات) يبدو أنّه الكتاب الاعتقادي الوحيد الذي تطرّق فيه الراغب الإصفهاني إلىٰ بيان جزئيّات آرائه ومعتقداته بصفته أحد المتكلّمين، وبالرغم من أنّ الراغب لم يصرّح في أيّ موضع من كتابه هذا بنزعته ومذهبه الاعتقادي، ولكن يمكننا من خلال مواقفه التي اتّخذها في كتابه أن نفهم معتقداته الكلامية. وسوف أتطرّق في نهاية هذا البحث إلىٰ نقد تصحيح النسخة المطبوعة من كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني، ولكن قبل ذلك سوف أقدّم بحثاً يتناول مذهبه الكلامي بناء علىٰ المواضيع الموجودة في كتابه هذا.
    من خلال دراسة كتاب الاعتقادات2 الاعتقادات الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسین بن محمّد بن المفضّل، تحقیق: شمران العجلي، مؤسَّسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1988م / 1408هـ.، نصل إلىٰ نتيجة أنّ الراغب الإصفهاني كان يميل من حيث النزعة الكلامية إلىٰ عقيدة فرقة من السلفية باسم: (أهل الأثر)، وكلّ ما جاء من تخمين وحدس في شأن انتمائه المذهبي إلىٰ المعتزلة أو الشيعة أو الأشاعرة ما هو إلّا تخرّص وظنون باطلة بأسرها، وعلىٰ ما أعلم فإنّ السيّد (الكساندر كي) هو الشخص الوحيد من بين المحقّقين الذي صرّح بصورة دقيقة عن مذهب الراغب واتّباعه (أهل الأثر)؛ فقد تطرّق في أطروحته التي كتبها لنيل شهادة الدكتوراه ـ والتي لم تنشر بعد ـ في خصوص حياة الراغب الإصفهاني ومؤلّفاته وفي بعض الأبحاث اللغوية التي ذكرها في كتبه3 Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, Doctoral dissertation, Harvard University, 2012, 331 + ix pp.، في فصل كان قد خصّصه للبحث في مذهب الراغب واعتقاداته حيث أشار إلىٰ اتّباع الراغب مذهب (أهل الأثر)4 ibid, p. 73.. وبالرغم من أنّ السيّد علي مير لوحي كان قد أشار أيضاً قبل السيّد (الكساندر كي) في كتابه تحت عنوان: (الراغب الإصفهاني) إلىٰ نفس هذا الأمر، إلّا أنّه لم يفرّق بين (أهل الأثر) و(أهل السنّة) و(أهل الحديث)5 «نستنتج من خلال دراسة مؤلّفاته أنّه كان مؤيّداً لعقائد السلف؛ أو حسب تعبيره: (أهل الحقّ، أهل السنّة، أهل الحديث أو أهل الأثر)». قد تمّت ترجمة النصّ من الفارسية من كتاب (راغب إصفهاني: 118). ، في حين أنّ الراغب الإصفهاني نفسه قد ميّز بين عقيدتي (أهل الأثر) و(أهل السنّة) وفرّق بينهما، بل ودافع عن آراء (أهل الأثر). هذا وإنّ كلا المحقِّقَين المذكورَين لم يقوما بدراسة وتتبّع جميع الشواهد والقرائن الموجودة في كتاب الاعتقادات فيما يخصّ النزعة الكلامية للراغب الإصفهاني ومواقفه التي اتّخذها إزاء المعتزلة والأشاعرة والشيعة، ومن هنا يتبيّن أنّ الأرضية لا زالت ممهّدة للدراسة والتحقيق، ويبقىٰ الباب مفتوحاً في هذا المجال لعرض صورة أدقّ وأوضح عن توجّهاته الكلامية، وخاصّة بعدما جاء في بعض المؤلّفات الجديدة التي لا زالت تعرض آراء خاطئة في شأن المذهب الكلامي للراغب الإصفهاني، ويتبيّن من هذا الأمر أنّ التأكيد علىٰ معرفة المذهب الحقيقي للراغب الإصفهاني حاليّاً لا يخلو من فائدة أيضاً؛ علىٰ سبيل المثال فإنّ الكاتب في دانشنامه جهان إسلام (دائرة المعارف الإسلامية) عندما كتب تحت عنوان: (راغب إصفهاني) لم يميّز المذهب الكلامي للراغب الإصفهاني جيّداً، فنفىٰ عنه انتماءه لأهل الحديث والأشاعرة والمعتزلة، وحكم بتشيّعه أو اتّباعه لمقتضىٰ العقل والقرآن6 «يمكننا أن نستنتج ممّا قيل في مذهب الراغب حتّىٰ الآن، أوّلاً: إنّ الراغب لم يكن من علماء السنّة أهل الحديث؛ لأنّه لم يكن ملتزماً بأهمّ أصولهم، ومنها إثبات الصفات. ثانياً: لا يمكن أن يكون أشعريّاً؛ وذلك لمواقفه التي اتّخذها في المسائل الكلامية المهمّة مثل الجبر والاختيار والحسن والقبح العقليّين، وخصوصاً إذا التفتنا إلىٰ أنّ المذهب الأشعري في القرن الرابع لم يتبلور منطقه الكلامي بعد، ولم يكن هو المنطق الغالب في المحاورات الكلامية، بل كان لا يزال تحت ظلال مذهب المعتزلة. ثالثاً: بالرغم من أنّ المصادر التفسيرية التي اعتمدها الراغب غالباً ما كان لها صلة بمذهب المعتزلة؛ وذلك لخصوصية المرحلة التي أدركها، حيث كثرت فيها الآثار العلمية للمعتزلة ومؤلّفاتهم. إلّا أنّ موقفه الذي اتّخذه في ردّ (التفويض)، والانتقادات الكثيرة التي وجّهها لأعلام المعتزلة البارزين؛ فمن الصعب أن نعدّه منهم. رابعاً: بالرغم من أنّ الراغب أشار في مؤلّفاته إلىٰ مسائل ترفضها الشيعة ـ ويبدو أنّ أكثر هذه الاختلافات قد وردت تقريباً في الفروع وفي المجال الفقهي ـ إلّا أنّ ما أبداه الراغب من فرط محبّته لأهل البيت ^، وكذلك أيضاً موافقته للشيعة في جميع المباحث الكلامية المهمّة، كلّ ذلك أدّىٰ إلىٰ أن ينسب للمذهب الشيعي. بناء علىٰ هذا لابدّ لنا إمّا أن نعتبر الراغب متكلّماً وحكيماً لم يأخذ سوىٰ ما رآه معقولاً ومطابقاً للقرآن، وأنّ محبّته للإمام علي × ولأبنائه جاء منسجماً مع نزعته الصوفية ليس إلّا؛ أو نعتبره شيعيّاً بالمعنىٰ الأعمّ ـ أي: من دون أن ننسبه إلىٰ إحدىٰ المذاهب الشيعية ـ ولكنّه اتّخذ جانب التقيّة ولم يُظهر ذلك نتيجة للصراعات التي كانت تدور آنذاك بين الشيعة والسنّة في إصفهان خاصّة، حيث يحتمل أنّ الراغب كان يقطن فيها». دانشنامه جهان اسلام، مدخل (راغب إصفهانی) 19/230..
    وسوف نتطرّق لاحقاً في بحثنا هذا إلىٰ مختلف الشواهد والوثائق المؤيّدة لما أدّعيه وأذهب إليه من اتّباع الراغب الإصفهاني لـ: (أهل الحديث) أو (أصحاب الأثر)، والتي أعددتها من نفس كتاب الاعتقادات وقد بوّبتها في عدّة أبواب؛ فإنّ قسماً من تلك الشواهد والقرائن ما هي إلّا إشارات وتنبيهات، بل وتصريحات مباشرة أطلقها الراغب الإصفهاني في كتابه دفاعاً عن آراء العلماء السلفيّين وخاصّة عن فرقة (أهل الأثر)، والقسم الآخر هي عبارة عن إشارات تكشف عن منابذة ومخالفة آرائه إزاء معتقدات الفرق الكلامية الأخرىٰ، أي: الأشاعرة والمعتزلة والشيعة، والتي تشير ـ بشكل أو بآخر ـ إلىٰ عدم انتمائه لهذه المذاهب الكلامية. فمن بين تلك الشواهد هو الاختلاف الكلّي بين مباني كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني ومباني الكتب الكلامية المعروفة المعاصرة له من كتب المعتزلة والأشاعرة والشيعة؛ فإنّ مباني كتاب الراغب الإصفهاني وتبويبه يعتمد إلىٰ حدّ كبير علىٰ الحديث النبوي الذي ينقله عن النبي ’ عن جبرئيل، والذي تمّ فيه تعريف جميع الاعتقادات علىٰ ستّة أقسام؛ الإيمان بـ: 1ـ الله، 2ـ الملائكة، 3ـ القرآن، 4ـ الأنبياء، 5ـ يوم القيامة، 6ـ القدر والمشيئة الإلهية7 «إنّ جميع الاعتقادات النظرية هي ستّة أنواع قد نبّه النبي ـ صلّ الله عليه وسلّم ـ عليها في حديث جبرائیل علیه السلام لمّا أتاه في صورة أعرابي فسأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه». الاعتقادات: 24.. حيث يرىٰ الراغب الإصفهاني أنّ أصول الإيمان الدينية هي هذه الأصول الستّة التي أشارت إليها هذه الرواية8 «فالإیمان الشرعي الذي یطلق علىٰ سبیل المدح هو الاعتقاد الصادق الیقین بالأمور الأخرویّة وأصوله ستّة أشیاء قد نبّه علیه النبي ’ بقوله: الإیمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه». نفس المصدر: 293.، ولذلك فإنّ تبويب الكتاب وأطره أيضاً جاءت مبتنية علىٰ هذه الأصول الدينية الستّة تقريباً؛ حيث جاءت أبوابه علىٰ النحو التالي:
    أوّلاً: في أصول الأديان والاختلافات وما عليه كافّة أهل السنّة.
    ثانياً: في معرفة الله وتوحيده وصفاته ورؤيته وما يتعلّق به.
    ثالثاً: في النبوّة وذكر المعجزات وما يتعلّق بها.
    رابعاً: في الملائكة والجنّ وأحوالهم.
    خامساً: في ذكر كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ وتحقيق الكلام وأحواله.
    سادساً: في اليوم الآخر ومتعلّقاته.
    سابعاً: في القدر ومشيئة الله ـ عزّ وجلّ ـ وإرادته وما يتعلّق به.
    ثامناً: في الإيمان والإسلام والوعد والوعيد9 نفس المصدر: 21..
    بناء علىٰ هذا فإنّ مباني كتاب الاعتقادات للراغب ـ في حدّ ذاتها ـ تبيّن مدىٰ تباين أسلوبه مع أسلوب التأليف الكلامي المعتزلي والأشعري والشيعي، وعلىٰ العكس من ذلك هو انسجامها مع الأسلوب الكلامي للسلفية وأهل الحديث، مضافاً إلىٰ ذلك أنّ منهج الراغب في علم الكلام وتوجّهه إلىٰ المتكلّمين أيضاً يؤيّد دقيقاً هذا الرأي.
    أ) الشواهد علىٰ عدم تشيّع الراغب الإصفهاني:
    ذهب البعض إلىٰ أنّ الراغب الإصفهاني كان من أتباع المذهب الشيعي10 علىٰ سبيل المثال فإنّ عماد الدین الطبري (الطبرِسي) ذكر الراغب الإصفهاني قائلاً: «الراغب من الشیعة الإمامیة». أسرار الإمامة: 514. وأشار أيضاً الملّا عبد الله الأفندي الإصفهاني إلىٰ اختلاف وجهات النظر في شأن انتمائه المذهبي، وهل أنّ الراغب معتزلي أم شيعي؟ ويبدو أنّه في نهاية المطاف اعتمد كلام عماد الدین الطبري واتّخذه أساساً له واعتبره شيعيّاً. انظر: ریاض العلماء وحیاض الفضلاء 2/172. وأمّا الخوانساري فبالرغم من أنّه أكّد علىٰ تشيّع الراغب وذلك تعويلاً علىٰ كثرة رواياته عن أهل البيت ^ وإطلاقه لقب أمير المؤمنين علىٰ الإمام علي × وامتناعه النقل عن الخلفاء، إلّا أنّه أشار أيضاً إلىٰ كونه: (أشعري الأصول) استناداً إلىٰ کتاب: (الإیمان والکفر) للراغب الذي يحتمل أن يكون هو نفس كتاب: (الاعتقادات). انظر: روضات الجنّات 3/197ـ198.؛ وذلك استناداً منهم بشكل رئيسي علىٰ نقل الراغب في خصوص روايات أئمّة الشيعة ^ في كتبه، واهتمامه ببيان الروايات التي جاءت في مدحهم ^، وخاصّة ذكره الحثيث للإمام علي × بلقب: (أميرالمؤمنين) في العديد من المناسبات11 علىٰ سبيل المثال: فإنّ الراغب ذكر الإمام عليّاً × في مواضع عديدة من (رسالة الاعتقادات) بلقب أمير المؤمنين. انظر: الاعتقادات: 14، 33، 77، 80، 92، 94، 96، 105، 187، 193، 212.، فبالرغم من أنّ هذه الشواهد تبيّن إخلاص الراغب لأهل البيت ^ ومحبّته لهم وخاصّة للإمام علي ×، ولكن لا يمكن أن تكون بمفردها دليلاً معتمداً وسنداً معتبراً علىٰ تشيّعه؛ مضافاً إلىٰ ذلك فإنّ نظرة الراغب السلبية للتشيّع كمذهب تدلّ بما لايقبل الشكّ علىٰ عدم ارتباطه بهذا المذهب. وفيما يلي نشير إلىٰ بعض مواقف الراغب التي اتّخذها إزاء الشيعة وأصولهم المعروفة:
    1ـ عدم اعتقاد الراغب الإصفهاني بإمامة أئمّة الشيعة:
    إنّ وجهة نظر الراغب الإصفهاني في مسألة الإمامة يتبيّن منها بوضوح إعراضه ونأيه عن المذهب الشيعي بشكل كامل؛ فإنّه فسّرالإمامة بخلافة الخلفاء ممّن تولّوا أمور المسلمين بعد رسول الله ’، تعويلاً منه علىٰ رواية نسبت إلىٰ النبي ’ اعتبر خلافة الخلفاء الذين نالوا الخلافة بعد رحيل رسول الله ’ إلىٰ مدىٰ ثلاثين عاماً هي الصحيحة12 «أن يعتقد في الإمامة؛ أنّ الله عزّ وجلّ وعد المؤمنين أن يجعل فيهم خلفاء مخصوصين بقوله تعالىٰ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾، وذلك خلافة خاصّة، وعد الله عزّ وجلّ بها بعد خروج رسول الله (صلّىٰ الله عليه وسلم) من الدنيا، وظاهر ذلك يقتضي أن كلّ من تولّىٰ أمر المسلمين بعده كان خليفة، لولا ما ورد عن النبي (صلّىٰ الله عليه وسلّم) أنّه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكاً»، فيجب أن يقطع بصحّة خلافة من تولّاها في هذه المدّة بعد النبي (صلّىٰ الله عليه وسلّم) ثمّ يتوقّف عمّن كان بعدها فيفوّض أمورهم إلىٰ الله عزّ وجلّ». نفس المصدر: 30. فقط، فمن المعلوم أنّ مثل هذا الاعتقاد لا يمكن له أن يتلاءم وينسجم مع المعتقد الشيعي الذي يؤكّد علىٰ إمامة الأئمّة الاثني عشر ^.
    2ـ ذمّه للشيعة واعتقاده بانحرافهم:
    ذكر الراغب الإصفهاني في مقدّمة كتابه: (الاعتقادات) الفِرق المنحرفة وذكر من ضمنها فرقة قال فيها أنّها تظهر حبّها وولاءها للإمام علي ×، وتتّخذ مدحه وإظهار محبّته ذريعة لذمّ الصحابة ونساء النبي ’، وترىٰ أنّ أتباع أهل السنّة لا فائدة لأعمالهم الصالحة، ولا يجوز الاقتداء بهم في الصلاة13 «فرقة تدبّ في ضرّاء وتسرّ حسواً في ارتغاء، تظهر موالاة أمیر المؤمنین، وبها إضلال المؤمنین، یتوصّلون بمدحه وإظهار محبّته إلىٰ ذمّ الصحابة وأزواج النبي (صلّىٰ الله علیه وسلّم) الذین رضي الله عنهم، وشهد التنزیل بذلك لهم...». نفس المصدر: 14وما بعدها..
    فيظهر من الصفات التي ذكرها الراغب أنّه يقصد أتباع المذهب الشيعي، حيث يكشف ذلك عن براءته وإعراضه عن المواقف الشيعية، ويفنّد احتمال تشيّعه.
    3ـ عدّه الشيعة من أهل البدع:
    ذكر الراغب الإصفهاني (المتشيّعة) في عداد فرق أهل البدع التي كانت مصدراً لظهور اثنتين وسبعين فرقة، ثمّ قال فيهم أنّهم ضلّوا في الإمامة14 «والفرق المبتدعة الذین هم کالأصول للفرق الاثنتین والسبعین: سبعة: المشبّهة، ونفاة الصفات، والقدریة، والمرجئة، والخوارج، والمخلوقیة، والمتشیّعة؛ فالمشبّهة ضلّت في ذات الله، ونفاة الصفات ضلّت في صفات الله عز ّوجلّ، والقدرية في أفعاله، والخوارج في الوعيد، والمرجئة في الإيمان، والمخلوقية في القرآن، والمتشيّعة في الإمامة». نفس المصدر: 26.. فمن الواضح أنّ مراد الراغب من عبارة: (المتشيّعة) هم الشيعة ذاتهم، واعتباره أنّ الشيعة من أهل البدع لا يتلاءم بأيّ وجه من الوجوه مع اعتقاده بالتشيّع أبداً.
    4ـ ثناؤه علىٰ بعض الصحابة والخلفاء:
    تطرّق الراغب الإصفهاني في مواضع من كتابه الاعتقادات للثناء علىٰ بعض الصحابة والإطراء عليهم، وخاصّة خلفاء أهل السنّة، ولا يجدر بهذا الأمر أن يجتمع مع القول بتشيّعه، ولا يمكن توجيه ذلك بأيّ وجه من الوجوه؛ علىٰ سبيل المثال: فإنّه بعد أن ذكر الصحابة ونساء النبي ’ في مقدّمة كتابه أشار إلىٰ رضا الله تبارك وتعالىٰ عنهم، وإلىٰ شهادة القرآن بذلك الرضا: «الصحابة وأزواج النبي ’ الذين رضي الله عنهم، وشهد التنزيل بذلك لهم»15 نفس المصدر: 14.؛ كما وقد ذكر عمرَ وأبا بكر في عدّة مواضع بلقب: (الصدّيق) وبدعاء (رضي الله عنه)16 نفس المصدر: 76،91،129،267. ، وهي الطريقة المتعارف عليها عند أهل السنّة لا عند مؤلّفي الشيعة؛ وقد تطرّق الراغب في موضع آخر من كتابه إلىٰ نقل رواية نسبت للنبي ’ في مدح أبي بكر، وقد جاء الثناء فيها عليه من حيث إنّه الشخص الوحيد الذي آمن بنبوّة النبي ’ من فوره وبدون تعلّل، وقد اتّخذ الراغب هذه الرواية شاهداً علىٰ أنّ أبا بكر عندما رأىٰ في النبي ’ كلّ خصال النبوّة، أخذ ينتظر النبي ’ ليعلن نبوّته، لذلك آمن به وصدّقه بمجرّد أن أعلن النبي ’ نبوّته17 «ومن عرف المعجزات المعقولة لم یرکن إلىٰ المحسوسات، بل إذا رأىٰ صاحبها یدّعي النبوّة صدّقَه کما فعل أبو بکر الصدیق، فإنّه لمّا شاهد الخصال النبویة [مجتمعة في محمّد (علیه السلام) أخذ ینتظر منه الدعویٰ، فلمّا ادّعیٰ] صدّقه ولهذا قال (علیه السلام): ما عرضت الإسلام علىٰ أحد إلّا کانت له کبوة غیر أبي بکر فإنّه لم يتلعثم‏». نفس المصدر: 129.. فإنّ مثل هذه الرواية وتبريرها لم تحضَ من قبل متكلّمي الشيعة بالقبول أبداً، وذلك ما نراه علىٰ سبيل المثال عند ابن ميثم حيث ردّ هذه الرواية وانتقد مضمونها بدليل تأخير إسلام الإمام علي × عن إسلام أبي بكر؛ في حين أنّ سبق إسلام الإمام علي × هو من المسلّمات18 انظر: النجاة في القیامة في تحقیق أمر الإمامة: 117..
    5ـ استعماله العبارات غير الشيعية في التحية علىٰ رسول الله ’:
    ومن القرائن الموجودة في كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني التي تكشف عن كونه سنّياً وفي منأىٰ عن التشيّع هو اتّخاذه بعض عبارات الدعاء بالطريقة المتعارفة عند مؤلّفي أهل السنّة؛ وذلك مثل الصلاة علىٰ النبي ’ من غير ذكر (الآل): «النبي صلّىٰ الله عليه وسلّم»19 الاعتقادات: 14،293،131،138،142،143،160،187.؛ «عن رسول الله صلّىٰ الله عليه وسلّم»20 نفس المصدر: 85.. فإذا كانت تلك العبارات الدعائية الموجودة في كتابه جاءت من رشحات قلم الراغب الإصفهاني نفسه من غير أن يتدخّل بها فيما بعد تصرّف الكتّاب من إضافات وتغييرات؛ فإنّ طريقة أهل السنّة في الاستفادة من هذه العبارات تعدّ قرينة احتمالية علىٰ تسنّنه.
    خلاصة الكلام: نظراً إلىٰ الشواهد والقرائن المذكورة آنفاً فإنّ احتمال البعض تشيّع الراغب يبدو باطلاً ولا أساس له من الصحّة، وأنّ نقل الراغب الإصفهاني الروايات عن الإمام علي ×، وما يبديه من مودّته ومحبّته له ×، لابدّ أن نفسّرها في إطار محبّة الكثير من أهل السنّة والسلفيّين للإمام علي ×، وبطبيعة الحال فإنّه لا يستبعد من أعلام مثل الراغب الإصفهاني أن يبدي محبّته لأمير المؤمنين علي ×.
    ب) الشواهد علىٰ عدم اعتزال الراغب الإصفهاني:
    إنّ بعض المؤلّفين من أهل الملل والنحل والمتكلّمين وأصحاب التراجم عرّفوا الراغب الإصفهاني كونه عالماً معتزليّاً؛ فقد ذكره السيّد مرتضىٰ بن داعي الرازي في تبصرة العلوم (تأليف سنة 630هـ) مرّتين، وعدّه في موضع من رؤساء الشافعيّة21 «الفرقة الرابعة من أصحاب الشافعي، هم المعتزلة، وكان رئیسهم الماوردي والراغب الإصفهاني وابن‌ رسته‌ الإصفهاني». تبصرة العوامّ في معرفة مقالات الأنام: 265.، وفي موضع آخر من أصحاب الشافعي22 نفس المصدر: 273.؛ واعتبره الفاضل المقداد السيوري (ت 826هـ) أيضاً من متكلّمي المعتزلة23 «أن لا يكون جسماً ولا جسمانيّاً، بل جوهر مجرّد غير متحيّز ولا حال في المتحيّز، متعلّق بهذا البدن ليس تعلّق الحلول فيه، بل تعلّق التدبير له، كتعلّق العاشق بمعشوقه والملك بمدينته. وهو مذهب جمهور الفلاسفة، ومن المتكلّمين أبو القاسم الراغب‏ ومعمر بن عبّاد السلمي من المعتزلة، والغزالي من الأشاعرة، وأبو سهل بن نوبخت والمفيد محمّد بن محمّد بن النعمان من الإمامية، والمحقّق الطوسي (رحمهم الله)». إرشاد الطالبین إلىٰ نهج المسترشدین: 389.؛ وقد ذكر جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) ترجمة الراغب الإصفهاني قائلاً: «وقد كان في ظنّي أنّ الراغب معتزلي؛ حتّىٰ رأيت بخطّ الشيخ بدر الدين الزركشي علىٰ ظهر نسخة من القواعد الصغرىٰ لابن عبد السلام ما نصّه: (ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب من أئمّة السنّة)، وقرنه بالغزالي، قال: (وهي فائدة حسنة، فإنّ كثيراً من الناس يظنّون أنّه معتزلي)»24 «وقد كان في ظنّي أنّ الراغب معتزلي، حتّىٰ رأيت بخطّ الشيخ بدر الدين الزركشي علىٰ ظهر نسخة من القواعد الصغرىٰ لابن عبد السلام ما نصّه: «ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب من أئمّة السنّة»، وقرنه بالغزالي، قال: وهي فائدة حسنة، فإن كثيراً من الناس يظنّون أنّه معتزلي». بُغيَةُ الوُعاة في طبقات اللغويّين والنحاة 2/297. ؛ وقد نقل الملّا عبد الله الإصفهاني أيضاً قول العامّة وبعض الخاصّة مبنيّاً علىٰ كون الراغب معتزليّاً25 ریاض العلماء وحیاض الفضلاء 2/172.؛ وقد ذكر المدرّس التبريزي أيضاً في ترجمة الراغب الإصفهاني قائلاً: «شافعي أو معتزلي من أكابر علماء العامّة»26 ریحانة الأدب 2/292. ؛ واعتبر بعض المحقّقين أيضاً أنّ اطلاق تسمية: (المعتزلي الشيعي) هو أفضل تعبير يطلق في شأن الراغب الإصفهاني27 «يبدو أنّ أفضل تعبير أطلق عليه هو اصطلاح (المعتزلي الشیعي)». مناسبات فرهنگى معتزله وشیعه: 66..
    خلاصة الكلام: لابدّ أن نقول في تقييم هذا الرأي ما يلي: بالرغم من أنّ مناقشة آراء المعتزلة التي تمّت من قبل الراغب الإصفهاني تحكي عن معرفته بهذه المدرسة الفكرية28 علىٰ سبيل المثال: فإنّ الراغب ذكر في موضع (أبا القاسم الكعبي البلخي) ونقل عنه كلاماً. انظر: الاعتقادات: 257.، إلّا أنّ دراسة كتاب الاعتقادات تكشف لنا عن عدم موافقة الراغب الإصفهاني للمعتزلة وصراعه الصريح مع منهجهم الفكري وأرائهم العقائدية، فقد تطرّق الراغب الإصفهاني في موارد عديدة لنقد آراء المعتزلة؛ نذكر بعضها بالنحو التالي:
    1ـ نقد رأي المعتزلة في شأن اعتبارهم معرفة الباري اكتسابية29 «إنّه لیس معرفة ذلك باکتساب کما زعم جلّ المعتزلة». نفس المصدر: 35..
    2ـ تقبيح رأي المعتزلة المبتني علىٰ عدم إمكان إثبات وجود الباري عزّ وجلّ إلّا بعد العلم بكونه مُحدِثاً للعالم وقادراً وعالماً وحيّاً30 «فأمّا ما ذكره المعتزلة بأنّ الله لا يعلم کونه موجوداً إلّا بعد العلم بأنّه محدث للعالم وأنّه قادر وعالم وحي، وأنّه ما لم يعلم كلّ ذلك لا يمكن أن يعلم كونه موجوداً، فذلك شنيع جدّاً، وكيف يصحّ تصوّر موجد قادر عالم حيّ ليس بموجود حتّىٰ يدلّ أنّه موجود بعد العلم بكلّ هذا». نفس المصدر: 39..
    3ـ نقد رأي المعتزلة في شأن عدم إمكان رؤية الباري في الآخرة31 نفس المصدر: 98..
    والجدير بالذكر هنا أن نلفت النظر إلىٰ أنّ الراغب في هذه المسألة عرّف إمكان رؤية الباري يوم القيامة بأنّه اعتقاد الحكماء وأصحاب الحديث32 نفس المصدر: 97..
    4ـ نفي رأي المعتزلة في تأويلهم العرش الإلهي بالعلم الإلهي33 نفس المصدر: 105..
    5ـ نقد موقف المعتزلة في إنكارهم كرامات الأولياء34 نفس المصدر: 130..
    6ـ القدح بالمعتزلة لإنكارهم إرادة الباري التكوينية في الوجود: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ35 نفس المصدر: 166..
    7ـ نقد رأي المعتزلة في باب وصف الكلام للباري عزّ وجلّ36 نفس المصدر: 168..
    8ـ نفي عقيدة المعتزلة في باب شيئيّة المعدوم وكون وجود الشيء طارئاً علىٰ ذاته زائداً37 نفس المصدر: 197. يعتقد الراغب بعینیّة وجود الشيء مع ذاته: «وجود کلّ شيء ذاته، ولیس الذات شیئاً ووجوده شیئاً آخر». وفي موضع آخر حكم أيضاً بعینیّة الشيء وموجودیّته: «الشيء عبارة عن الموجود». نفس المصدر: 270..
    9ـ نقد المعتزلة والحكم عليهم بقصور فهمهم بسبب تأويلهم آية الذرّ38 نفس المصدر: 199..
    10ـ ردّ نظرية بعض المعتزلة في شأن جسمانية النفس39 نفس المصدر: 203..
    حيث اعتبر الراغب الإصفهاني الإنسان موجوداً مركّباً من الروح والجسم، وإنّ الروح تخرج من الجسم بعد الموت وتفارقه، وتبقىٰ حيّة وتتلقّىٰ الثواب والعقاب إلىٰ يوم القيامة، حيث تعود إليه مرّة أخرىٰ40 نفس المصدر: 203،220..
    11ـ اعتباره رأي المعتزلة في شأن فناء الجواهر بسبب حلول عرض الفناء فيها خرافة41 نفس المصدر: 216..
    12ـ اعتباره نظرية الفناء علىٰ النحو الذي ذكرته المعتزلة أمراً وهميّاً ولا أساس له من الصحّة، وردّه ادّعاءهم الإجماع عليه42 «إنّ الفناء الذي أبدعته المعتزلة هو شيء توهّموه فاخترعوه من غیر أنّ له في الشریعة أصلاً یعتمد علیه أو یفزع إلیه، والعجب أنّهم ادّعوا في ذلك الإجماع». نفس المصدر: 243..
    13ـ إنكاره نظرية المعتزلة في باب الشرور الموجودة في العالم.
    وقد نقل هنا الراغب الإصفهاني نظريّتهم مستخفّاً ومستهزأ بها؛ حيث اعتقدوا أنّه لا يدخل الجنّة سوىٰ المعتزلة من أتباع أبي هاشم الجبّائي الذين لم يرتكبوا الكبائر دون سواهم43 «لا یدخل الجنّة الّا المعتزلة، ولا من المعتزلة الّا من هو علىٰ مذهب أبي هاشم، ولا ممّن هو علىٰ مذهبه إلّا من لم یقدر [کذا: یقدّم] علىٰ کبیرة ولا خیانة عشرة دراهم». نفس المصدر: 252..
    نظراً لهذا النقد من قبل الراغب الإصفهاني للمعتزلة ومخاصمته لهم ولمدرستهم؛ فإنّ احتمال انتمائه لهذه المدرسة أمر غير محتمل وغير معقول.
    ج) الشواهد علىٰ عدم اتّباع الراغب الإصفهاني للأشاعرة:
    وقد ذكرت بعض المصادر الكلامية الراغب الإصفهاني بصفته متكلّماً أشعريّاً؛ علىٰ سبيل المثال: ذكر المتكلّم الأشعري المعروف الفخر الرازي (ت 606هـ) اسم الراغب الإصفهاني إلىٰ جانب الغزّالي قائلاً: «من أصحابنا»44 «مثل أبي القاسم الراغب وأبي حامد الغزالي من أصحابنا». تأسیس التقدیس: 47.، حيث يدلّ علىٰ أنّ الفخر الرازي اعتبر الراغب الإصفهاني أشعريّاً؛ وكذلك ذكره العلّامة الحلّي بصفته متكلّماً أشعريّاً45 «اختلف الناس في ماهية النفس، وأنّها هل هي جوهر أم لا؟ والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي مجرّد أم لا؟ والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسماني». کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد: 278. انظر: نفس المصدر: 549.؛ كما أنّ بعض التحقيقات المعاصرة أيضاً اعتبرت الراغب الإصفهاني متكلّماً أشعريّاً، علىٰ سبيل المثال: فقد اعتبر رواسُن (Rowson) آراء الراغب الإصفهاني الكلامية أقرب للأشعرية، وأكّد علىٰ اتّباعه للمذهب الفقهي الشافعي46 “Al-Rāghib's actual theological stance seems in fact to have been close to that of the Ashʿarīs”. E. Rowson, ‘‘al-Rāghib al-Isfahānī’’, Encyclopaedia of Islam (New Edition), VIII, 390.؛ كما ذكر رابرت ويسنوفسکي أيضاً الراغب الإصفهاني كونه متكلّماً أشعريّاً معاصراً لابن سينا47 Wisnovsky, Robert, “One Aspect of the Avicennian Turn in Sunni Theology”, in: Arabic Sciences and Philosophy, vol. 14 (2004), p. 88..
    ولكنّ فرضية انتمائه للأشاعرة غير صحيحة؛ لأنّ مواقفه في كتاب الاعتقادات لا تؤيّد ذلك، بالرغم من شهرة انتمائه للأشاعرة في المحافل الكلامية منذ القديم؛ فقد أشار الراغب الإصفهاني في مواضع من كتابه الاعتقادات إلىٰ الأشاعرة وذكرهم بنحو ليس فيه أمارة عن تأثّره فكريّاً بهذا المذهب، ولم يُبدِ موافقته صريحاً لآرائهم في أيّ مورد من الموارد التي ذكرهم فيها، وبطبيعة الحال لو كانت له بالأشاعرة علقة فكرية لتعاطف مع آرائهم من خلال لحن كلامه وإطرائه، وعلىٰ أقلّ تقدير لصرّح في بعض الموارد بموافقته لهم ولمذهبهم.
    ويبدو أنّ الموضع الوحيد في كتاب الاعتقادات الذي قام فيه الراغب الإصفهاني بالدفاع عن تعاليم الأشاعرة إنّما يقتصر علىٰ تبريره وتوضيحه فيما يخصّ مقولة (الكسب)؛ ففي موضوع الجبر والتفويض وكيفية فعل الإنسان يعتقد الراغب الإصفهاني أنّ دور الإنسان في تحقّق أفعاله إنّما يقتصر علىٰ تصرّفه بالموجودات، ويشير إلىٰ أنّ هذا التصرّف قد ذكر بأسماء مختلفة مثل: (الكسب) و(العمل)، وعلىٰ حدّ تعبيره: لو تمّ الالتفات إلىٰ الأمر المذكور آنفاً لم تتبقَّ هناك أيّ شبهة مبنيّة علىٰ عدم قبول (الكسب)48 «إنّما الذي یحصل بفعله هو تصرّف في الموجودات، ولأجله ینسب إلیه الفعل، وهو المشار إلیه بالکسب والعمل والصنع، وإذا تصوّر ذلك تزول الشبهة فیما یدّعیٰ أنّ الکسب معنىٰ غیر مقبول». الاعتقادات: 284ـ285. ؛ ويبدو أنّ الراغب بما أبداه من توضيحات هنا قد سعىٰ ضمنيّاً أن يبيّن أنّ رأي الأشاعرة فيما ادّعوه بشأن (الكسب) هو رأي مقبول ومعقول، مع ذلك لابدّ أن نرىٰ أنّ التعريف الذي عرضه الراغب الإصفهاني من الكسب هنا ـ حيث جاء بمعنىٰ: (التصرّف في الموجودات) ـ إلىٰ أيّ مدىٰ ينسجم ويتوافق مع تعاريف متكلّمي الأشاعرة لمصطلح: (الكسب).
    ولو غضضنا الطرف عن دفاع الراغب الإصفهاني عن معنىٰ: (الكسب)، لا نرىٰ في كتابه الاعتقادات موضعاً آخر يذكر في تأييده لآراء مدرسة الأشاعرة. وفضلاً عن ذلك فإنّ بعض أفكاره ومواقفه تنفي كونه أشعريّاً، وسنشير إلىٰ أهمّها فيما يلي:
    1ـ اجتنابه عن التعمّق في المواضيع الكلامية والدخول بتفصيلاتها بشكل عامّ:
    يتبيّن بوضوح من خلال دراسة كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني عدم رغبته بالتدخّل في المواضيع الكلامية، والدخول في تفصيلاتها، ومناقشة ونقد مختلف الآراء الكلامية، وكما نعلم فإنّ علماء ومتكلّمي السلفية وأصحاب الحديث لا يجوّزون الدخول والغور في المواضيع الكلامية والاعتقادية، وكانوا كثيراً ما يذمّون هذا الأمر ولا يرغبون فيه، وكانوا يؤكّدون فقط علىٰ اتّباع المأثور والمنقول من أئمّة السلف دون غيره من الأمور، وعلىٰ العكس منهم نرىٰ متكلّمي الأشاعرة ومتكلّمي المعتزلة يجوّزون الغور في الأمور الاعتقادية، وكانوا يرونه أمراً ممدوحاً، بل واجباً. إنّ العدد الكبير من الرسائل الضخمة التي ألّفها علماء السلفية في ذمّ علم الكلام والتعاطي معه مثل كتاب: (ذمّ الكلام وأهله) للخواجة عبد الله الأنصاري (ت 481هـ)، تكشف بشكل دقيق عن مواقفهم العدوانية تّجاه علم الكلام، واعتبار هذا العلم والتعاطي معه بدعة. وفي قبال السلفية نرىٰ الأشاعرة في الجانب الآخر علىٰ العكس منهم؛ فإنّ تأليف رسالة: (استحسان الخوض في علم الكلام) من قبل مؤسّس المذهب الأشعري ـ أي: أبو الحسن الأشعري (ت 324هـ) ـ وتعامل أتباعه مع علم الكلام يكشف عن مدحهم للتعاطي مع علم الكلام بكلّ جزئيّاته والغور في كلّ تفصيلاته، فإنّ هذا الفرق في طريقة التعامل والتعاطي مع علم الكلام بين كلا المذهبين ـ في الواقع ـ يعتبر الفارق الأساسي بين السلفية والأشاعرة؛ بحيث يمكن من خلال ذلك التمييز ـ إلىٰ حدّ ما ـ بين العالم السلفي والعالم الأشعري وتشخيص كلّ واحد منهما، عندها إذا أخذنا هذا المِلاك والمعيار بعين الاعتبار، فإنّ دراسة كتاب الاعتقادات للراغب يرشدنا إلىٰ نتيجة حاصلها: أنّ الراغب الإصفهاني يدخل في زمرة علماء السلفية الذين لا يجوّزون الدخول في المواضيع الاعتقادية المختلفة والغور في فروع تلك المواضيع، ويجتنبون التعامل والتعاطي معها. إنّ تقييم فصول وأبواب ومواضيع كتاب الاعتقادات للراغب ومقارنته مع الكتب الكلامية المعروفة لمتكلّمي الأشعرية ـ المعاصرة له أو حتّىٰ المتقدّمة عليه ـ مثل كتب الأشعري والباقلّاني وابن فورك وعبد القاهر البغدادي خير معيار للتمييز المذكور آنفاً، ومؤيّد للمدّعىٰ الذي سبق وأن بيّنّاه.
    إنّ تجنّب الراغب من الغور في المواضيع الكلامية واضح من طريقة تعامله معها في كتابه الاعتقادات، وكذلك من تصريحاته بهذا الأمر؛ علىٰ سبيل المثال فإنّه قد أشار في موضوع صفات الباري عزّ وجلّ إلىٰ أنّ كلّ مسلم عليه أن يعتقد أنّ الله حيّ وعالم وقادر وسميع وبصير، ولكنّها ليست حواسّ مادّية عن طريق جوارح جسمية. ويعتقد الراغب أنّه لابدّ من تجنّب البحث في باب معاني صفات الباري ـ سوىٰ ما وصلنا عن السلف ـ كما يعتقد أيضاً أنّه لابدّ من تجنّب الحديث في مسائل مثل: هل أنّ صفات الباري قديمة أو محدثة؟ وهل أنّ صفات الباري عزّ وجلّ عين ذاته أو زائدة عليه؟ وذلك لأنّ هذه المسائل والمواضيع بأسرها بدعة، والدخول فيها بمنزلة الغور في أبحاث كان الصحابة والتابعون يتجنّبون التطرّق إليها49 «أن يعتقد في صفاته أنّه حي عالم قادر سميع بصير، إلىٰ غير ذلك من الصفات التي ورد به الشرع وأجمعت عليه الأمّة، وأنّ له علماً وقدرة وبصراً لا علىٰ الوجه المحسوس، ويترك البحث عن معنىٰ صفاته سوىٰ ما ورد عن السلف، ويترك الكلام في وصفها أنّها قديمة أو محدثة، وهل هي هو أو غيره أو لا هي ولا غيره، فإنّ ذلك كلّه بدعة وخوض فيما أمسك عنه الصحابة والتابعون». نفس المصدر: 28..
    وعلىٰ هذا المنوال نرىٰ الراغب الإصفهاني في البحث عن حقيقة الإرادة الإلهية ـ بعد أن اعتبر استعمال لفظ: (الإرادة) في خصوص الباري عزّ وجلّ بمعنىٰ: (القصد) خلافاً لمتكلّمي الأشاعرة والمعتزلة ـ قد أشار إلىٰ أنّ البحث بأنّ الله هل هو مريد لنفسه؟ أو أنّه مريد بالإرادة القديمة أو المحدثة؟ وإذا كان مريداً بالإرادة الحادثة؛ هل هو حادث في المحلّ أو في غير المحلّ؟ هو بحث في أمور أغنانا الله تبارك وتعالىٰ من الخوض والغور فيها، فلا داعي للبحث عنها50 «والكلام في أنّ الله تعالىٰ، هو مريد لنفسه أو بإرادة قديمة أو محدثة؟ وأنّه وإن كان مريداً بإرادة محدثة فهل هي في محلّ أو لا في محلّ؟ فما [کذا: فممّا] كفانا الله أمرها». نفس المصدر: 270..
    فإنّ مثل هذه المواقف التي اتّخذها الراغب في الاجتناب عن الدخول في مباحث معاني صفات الباري عزّ وجلّ، وأبحاث معرفة الوجود المرتبطة بصفاته تبارك وتعالىٰ؛ من قبيل كونها قديمة أو محدثة، ونسبتها إلىٰ الذات الإلهية ـ وهي من المواضيع التي كثيراً ما اهتمّ بها متكلّمو الأشعرية ـ يتبيّن لنا بوضوح مدىٰ ابتعاد الراغب عن طريقة تعامل متكلّمي الأشعرية مع علم الكلام، وبذلك فإنّ فرضية ارتباطه واتّباعه مدرسة الأشاعرة فرضية بعيدة.
    وكذلك أيضاً في بحث كون القرآن مخلوقاً أم غير مخلوق فقد اعتبره الراغب بحثاً مضلّا ً ومدعاة للفتنة التي تؤدّي إلىٰ تكفير جماعات صالحة من المسلمين واعتبارهم من أهل البدع؛ إذن من الأفضل أن يجتنب المؤمنون الدخول في مثل هذه المباحث51 نفس المصدر: 174.. ثمّ ذكر قضية فتنة خلق القرآن بالتفصيل من أوّل بدايتها في الكوفة بواسطة بنان (بيان) بن سَمعان إلىٰ أن هدأت في فترة من الزمن ثمّ أثيرت بقوّة من جديد من قبل هشام بن الحکم وعبد الله بن کُلّاب؛ حيث أكّد الراغب أنّ تبعات هذه المسألة وتفرّعاتها لا زالت مدعاة للفتنة بين المسلمين، وقد تطرّق لذكر هذه القضية؛ لأنّ هذا الموضوع قد أدّىٰ في عصره أيضاً إلىٰ إثارة الفتن. ثمّ ذكر الراغب رأيه في هذا الموضوع موضّحاً بأنّه ليس لدينا دليل شرعي علىٰ صحّة إطلاق لفظ: (مخلوق) علىٰ كلام الباري، فيجب أن نتحرّز إذن من نعت كلام الباري عزّ وجلّ بهذه الصفة، وإنّ إطلاق مثل هذه الصفة علىٰ كلام الباري عزّ وجلّ ما هو إلّا بدعة مرفوضة؛ لأنّ النبي ’ والسلف الصالح لم يذكروا مثل هذا الوصف للقرآن52 «أنّا لا نصف الله تعالىٰ ولا نصف الأمور الإلهیّة إلّا بما ورد به السمع، ولمّا لم یرد السمع بشيء من ذلك لم نصف به». نفس المصدر: 173..
    وإلىٰ جانب اجتناب الراغب مناقشة الكثير من تفرّعات المسائل الكلامية، واجتنابه عن الانشغال بضجيج وعجيج المناقشات والجدالات المرتبطة بها والتي تداولتها الكتب الكلامية الأشعرية، نظرته الانتقادية للمتكلّمين وآرائهم ـ من أوّل كتابه الاعتقادات إلىٰ آخره ـ هو مثال آخر علىٰ قلّة اهتمام الراغب وعدم رغبته بعلم الكلام المتعارف، ففي الواقع ـ وكما أشار أيضاً بعض المحقّقين53 Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, p. 81.ـ فإنّ الراغب دائماً ما ذكر المتكلّمين في كتابه الاعتقادات مصحوباً بالنقد والردّ لآرائهم54 أنموذجاً انظر: الاعتقادات: 157ـ158، 263، 271، 285، 300، 301.، ومن الواضح جدّاً أنّ الأمر لا يقتصر علىٰ أنّ الراغب لم يعدّ نفسه في زمرة المتكلّمين، بل كان مخالفاً لهم ولآرائهم أيضاً. ولكن من خلال الدور الذي لعبه في تناوله للمسائل الكلامية والاعتقادية فلا شكّ بأنّ الراغب ـ هو في حدّ ذاته ـ أيضاً قد لعب دوراً في علم الكلام بصفته أحد المتكلّمين.
    2ـ عدم اعتقاده ببعض المعتقدات الأساسية للأشاعرة:
    من أهمّ الأمارات علىٰ عدم ارتباط الراغب الإصفهاني بالمدرسة الأشعرية هو عدم اعتقاده بقسم من الأصول الاعتقادية المسلّمة لهذا المذهب؛ وهذه نماذج من عدم اعتقاده بأصول المدرسة الأشعرية نذكرها كالتالي:
    أوّلاً: عدم اعتقاده بقديم صفات الباري، وعدم اعتقاده بكونها زائدة علىٰ الذات الإلهية:
    فقد رجّح الراغب في بحث صفات الباري عزّ وجلّ أن لا يلج في مناقشتها ومناقشة الاعتقاد بقدمها، ومناقشة كونها زائدة علىٰ الذات الإلهية التي هي من معتقدات الأشاعرة في هذا الباب55 «أصحابنا مجمعون علىٰ أنّ الله تعالىٰ حي بحياة، وقادر بقدرة، وعالم بعلم، ومريد بإرادة، وسامع بسمع لا بأذن، وباصر ببصر هو رؤية لا عين، ومتكلّم بكلام لا من جنس الأصوات والحروف، وأجمعوا علىٰ أنّ هذه الصفات السبع أزلية، وسمّوها قديمة». أصول الدین :90. «مذهب أهل الحقّ من الأشاعرة: أنّ الواجب بذاته قادر بقدرة، مريد بإرادة، عالم بعلم، متكلّم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر، حيّ بحياة، وهذه كلّها صفات وجودية، أزلية، زائدة علىٰ ذات واجب الوجود». أبکار الأفکار في أصول الدین 1/265.؛ ولذلك نراه ـ علىٰ خلاف الأشاعرة ـ لم يتطرّق أبداً لإثبات قدم صفات الباري، وإثبات القدماء الثمانية56 لأنّ صفات الباري سبعة، والذات الألهية واحدة، فيصبحن ثمانية؛ هذه نظرية الأشاعرة، وهي: إنّ صفات الباري عزّ وجلّ زائدة علىٰ الذات، ولكن قديمة بقدم الذات، فيصير القدماء ثمانية، أي: الذات الإلهية وصفات الباري السبعة.، وكون صفاته عزّ وجلّ زائدة علىٰ الذات الإلهية57 «ويترك البحث عن معنىٰ صفاته سوىٰ ما ورد عن السلف، ويترك الكلام في وصفها أنّها قديمة أو محدثة، وهل هي هو أو غيره؟ أو لا هي ولا غيره؟ فإنّ ذلك كلّه بدعة وخوض فيما أمسك عنه الصحابة والتابعون». الاعتقادات: 28..
    وفي موضع آخر من كتابه الاعتقادات الذي أشار فيه الراغب إلىٰ مذهب الأشاعرة في باب صفات الباري عزّ وجلّ المبني علىٰ قدم الصفات وزيادتها علىٰ الذات، كذلك أيضاً ذكر النقد الوارد علىٰ رأيهم مباشرة58 «مذهب من يقول أنّ الله تعالىٰ حي قادر عالم بعلم وقدرة وحياة قديمة، وأنّ هذه المعاني قائمة بذاته موجودة له وبها صار حيّاً عالماً وقادراً، وقد اعترض علىٰ ذلك بأنّ من جعل هذه المعاني قائمة بذاته فقوله يوجب كونه سبحانه مرکّباً من أشياء كسائر المركّبات ـ تعالىٰ الله عن ذلك ـ فإنّ ذلك يبطل التوحيد، بل يبطل الإلهية». نفس المصدر: 86.، ثمّ أخذ يقوّي رأي (أهل الأثر) في هذا الباب، فإنّ مواجهته لهم هو خير دليل علىٰ عدم تصديق وتأييد الراغب للأشاعرة وعدم ميله لهم.
    ثانياً: اعتقاد الراغب فقط بالاشتراك اللفظي بين صفات الباري وصفات الإنسان:
    في الوقت الذي يقول فيه متكلّمو الأشعرية بالاشتراك المعنوي لصفات الباري وسائر المخلوقات، ويعتبرون معاني الصفات ـ مثل العلم والقدرة ـ في الباري والمخلوقات علىٰ حدّ سواء59 «علم الباري تعالىٰ لا یخالف العلوم في خاصیّة کونه علماً ولا في معناه ولا في حدّه، وأنّه معرفة المعلوم علىٰ ما هو به». البیان عن أصول الإیمان: 119. ، فإنّ الراغب يعتقد أنّ صفات الله إنّما تشترك مع الصفات المشابهة لها في الإنسان والحيوان وسائر المخلوقات من حيث الاسم واللفظ فقط، وإنّ معاني هذه الصفات في الباري هي غير معانيها في المخلوقات، وقد صرّح بموقفه هذا وأكّد عليه في عدّة مواضع من كتاب الاعتقادات، كالتالي:
    1ـ «إنّ الله عزّ وجلّ واحد لا يشبه شيأً من الموجودات ولا يشاركه بوجه إلّا في بعض أسمائه لفظاً لا معنی، نحو عالم وقادر كما قال تعالىٰ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾»60 الاعتقادات: 28..
    2ـ «إنّ کلامه کسائر صفاته في أنّه لا تشبه واحدة منها صفات المخلوقين ولا تشارکها إلّا في الاسم»61 نفس المصدر: 30..
    ثالثاً: تعاريفه المختلفة لاصطلاحات مثل: (الاستطاعة، والجوهر، والعرض):
    إنّ مسألة: (استطاعة) الإنسان وقدرته علىٰ القيام بالأفعال هي أحد المسائل الكلامية القديمة التي كانت محلّا ً للاختلاف في الكلام الإسلامي. فإنّ التعريف الذي ذكره الراغب الإصفهاني لاصطلاح: (الاستطاعة) في كتاب الاعتقادات وموقفه الذي اتّخذه في هذا الباب لا يتلاءم مع تعريف الأشاعرة ورأيهم في هذا المجال. ويرىٰ الراغب: (الاستطاعة) اصطلاحاً غير: (القدرة)، واعتبره اسماً يطلق علىٰ مجموع ما يحتاجه الإنسان للقيام بالفعل؛ أعمّ من القدرة والمادّة والآليّات62 نفس المصدر: 279ـ281.، في حين أنّ في مدرسة الأشاعرة غالباً ما يطلق مصطلح: (الاستطاعة) ويراد به القدرة علىٰ الفعل، ويعتبرون الاستطاعة مرادفة للقدرة والقوّة. كما أنّ متكلّمي الأشاعرة كانوا دائماً ما يصرّون في بحث: (الاستطاعة) علىٰ أنّ الاستطاعة تكون مقارنة للفعل وليست قبل الفعل أو بعده63 علىٰ سبيل المثال: فقد صرّح أبو جعفر السمناني المتكلّم الأشعري المعاصر للراغب الإصفهاني، بهذا الأمر قائلاً: «باب ذکر الدلالة علىٰ أنّ الاستطاعة مع الفعل. قد بیّنا أنّ الذي نذهب إلیه: أنّ قدرة العبد مع الفعل لا قبله ولا بعده، والقدرة والقوّة والاستطاعة معنىٰ واحد». البیان عن أصول الإیمان: 321. وانظر: التمهید: 286ـ289.. ولكنّ الراغب أساساً لم يفتح باباً لمناقشة هذا الموضوع ولم يشِر إليه أبداً.
    الأنموذج الآخر من استفادة الراغب واستخدامه الاصطلاحات في غير معانيها المتعارف عليها في مدرسة الأشاعرة هو استخدامه اصطلاحات مثل: (الجوهر) و(العرض) في مفهومها الفلسفي: «فالعرض لا قوام له بذاته... فالجوهر هو القائم بنفسه»64 الاعتقادات: 72.؛ إذن تعريف (الجوهر): هو الشيء القائم بذاته، وتعريف (العرض): هو الشيء المتقوّم بغيره، ووجوده مفتقر إلىٰ أمر وموضوع آخر65 «جعل تعالىٰ بإزاء الشيء القائم بذاته وهو الجوهر، الشيء الذي قوامه بغیره وهو العرض». نفس المصدر: 145.، حيث يبدو جليّاً أنّه تعريف فلسفي. فإنّ هذه التعاريف لا تتلاءم مع تعاريف متكلّمي الأشاعرة والمعتزلة لـ: (الجوهر) الذي هو عندهم بمعنىٰ جوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزّأ، وبمعنىٰ الشيء الذي يشغل حيّزاً ومكاناً في العالم الخارجي. و(العرض) عندهم بمعنىٰ الشيء الذي لا يشغل حيّزاً ومكاناً في العالم الخارجي، وهذه التعاريف شاهد آخر علىٰ عدم اتّباع الراغب للمدرسة الكلامية للأشاعرة والمعتزلة.
    يتّضح ممّا مرّ آنفاً أنّ توجّه الراغب لعلم الكلام ومواضيعه وطريقة تعامله معه تختلف مع توجّه متكلّمي الأشاعرة، كما أنّ اعتقاداته أيضاً لا تتلاءم مع بعض أهمّ أصولهم الفكرية. فنستنتج إذن أنّ فرضية كون الراغب أشعريّاً هو رأي غير مدعوم بالشواهد والأدلّة، فلا يمكن قبوله أبداً رغم شهرته في المحافل الكلامية وتناقلته بأفواه بعض المتكلّمين.
    د) الشواهد علىٰ ميول الراغب إلىٰ السلفية وأهل الأثر:
    بعد استعراضنا مجموعة من الشواهد والأدلّة التي استفدناها من كتاب الاعتقادات والتي تُبيّن مباني آرائه التي تمّ مناقتشها في كتابه، نرىٰ أنّ فرض تشيّع الراغب الإصفهاني أو اعتزاله أو ميوله نحو الأشاعرة غير صحيح، وأنّ آراءه لا تتلاءم مع الأصول الأساسية لهذه المدارس. وسنشير في هذا القسم إلىٰ شواهد من كتاب الاعتقادات التي تثبت أنّ الراغب كان متّبعاً لآراء (السلفية) ولفرقة خاصّة منها باسم (أهل الأثر). والمراد من (السلفية) هنا: هي النزعة العامّية عند أهل السنّة في اتّباع ظواهر الآيات والروايات (الكتاب والسنّة)، والتي تؤكّد علىٰ اعتبار وأصالة آراء الصحابة والتابعين وعلماء السلف في مضمار الاعتقادات والأعمال، وتشمل طائفة واسعة من السلفيّين أعمّ من أصحاب الحديث وأهل الظاهر وأهل الأثر. تُثبت دراسة كتاب الاعتقادات للراغب أنّه عالم سلفي بالمعنىٰ الذي ذكرناه آنفاً، ولديه علاقة فكرية بفرقة (أهل الأثر) دون سائر الفرق السلفية الأخرىٰ، وفيما يلي سنذكر الشواهد علىٰ ذلك:
    1ـ عندما يبيّن الراغب في مقدّمة كتابه الاعتقادات هدفه من تأليف هذا الكتاب، يشير إلىٰ ما يتمنّاه من تأليف رسالة شاملة لمختلف الاعتقادات التي يحكم علىٰ أساسها بإيمان الإنسان وكفره وهدايته وضلاله، ويتمّ بها تبيين الاعتقادات الأصيلة لـ: (كبار السلف والصحابة والتابعين) التي كانوا يعتقدون بها قبل ظهور البدع66 «ورغبت رغبة صادقة أن أعمل رسالة أبیّن فیها أنواع الاعتقادات التي یحکم بها علىٰ الإنسان بالإیمان والکفر، والهدایة والضلال، وأذکر الحقّ الذي کان علیه أعیان السلف من الصحابة والتابعین، قبل أن حدثت البدع من قوم یخذلون الدین ویزعمون أنّهم أنصاره». نفس المصدر: 14.. إنّ إشارة الراغب إلىٰ اتّباع الاعتقادات الحقّة للصحابة والتابعين (السلف) يمكن لها أن تكون شاهداً علىٰ علاقتة بالسلفية أو علىٰ أقلّ تقدير تكون شاهداً علىٰ ابتعاده من فرق مثل المعتزلة والشيعة.
    2ـ وعلىٰ رأي الراغب الذي صرّح به في كتابه فإنّ: «الفرقة الناجية هم أهل السنّة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة»67 نفس المصدر: 26.؛ وبناء علىٰ ما قاله الراغب فإنّ رضا الله عن الصحابة دليل علىٰ صحّة موقفهم وصدق حديثهم وصلاح أعمالهم؛ ونتيجة قوله بصحّة اعتقاداتهم وطريقتهم هي حجّيّة اتّباعهم. فإنّ الحديث المنسوب للنبي ’ الذي قال فيه: «أصحابي کالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» يحكي عن أنّ اتّباع الصحابة في واقع الأمر هو اتّباع النبي ’. فعلىٰ عقيدة الراغب أنّه من واجب المؤمن أن يعمل بما كان محلّ إجماع الصحابة وأن لا يتجاوزها68 نفس المصدر: 27..
    هنا أيضاً يمكن أن يكون تأكيد الراغب ـ علىٰ الاقتداء بالصحابة واعتباره أنّ الفرقة الناجية إنّما تنحصر في أهل السنّة فقط ـ شاهد علىٰ انتمائه السلفي أو علىٰ أقلّ تقدير يكون شاهداً علىٰ ابتعاده من فرق مثل ا لمعتزلة والشيعة، والسبب علىٰ أنّنا لا نستطيع أن نعدّ اتّباع الصحابة لوحده دليلاً قاطعاً علىٰ كون الراغب سلفيّاً هو أنّ الأشاعرة أيضاً هم الآخرون قد عرّفوا أنفسهم من أتباع الصحابة والفرقة الناجية69 من باب المثال نذكر فقط مقولة سیف الدین الآمِدي الأشعري الذي اعتبر فیها الأشاعرة والسلفية هم الفرقة الناجية ممّن اتّبع الصحابة السلف: «وأمّا الفرقة الناجية: وهي الثالثة والسبعون، فهي ما كانت علىٰ ما كان النبي (صلىٰ اللّه عليه وسلم) وسلف الصحابة علىٰ ما سبق من قوله (عليه السلام) حين قيل له من الفرقة الناجية قال: (هم الذين علىٰ ما أنا عليه وأصحابي) وهذه الفرقة هي: الأشاعرة، والسلفية من المحدّثين وأهل السنّة والجماعة؛ وذلك لأنّهم لم يخلطوا أصولهم بشي‏ء من بدع القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجّارية، والجبرية، والمشبّهة، ممّا سبق تحقيقه من بدعهم وأقوالهم‏». أبکار الأفکار 5/96.، وبناء علىٰ هذا فإنّ مجرّد التصريح باتّباع الصحابة (السلف) لا يمكن أن نعدّه دليلاً قطعيّاً علىٰ السلفية بالمعنىٰ الذي ذكرناه. ولكن نظراً إلىٰ الشواهد التي عرضناها التي تنفي علاقة الراغب بالفكر الأشعري فلا شكّ إذن في ارتباطه الفكري بالسلفية.
    3ـ صرّح الراغب الإصفهاني في الفصل الأوّل من كتابه الاعتقادات بأمرٍ وهو أنّ كلّ مسلم عليه أن يعتقد بالأصول الاعتقادية السبعة التالية:
    أ: أنّ الله واحد وليس له شبه بأيّ من الموجودات، وإنّما يشترك معهم فقط في بعض الصفات اشتراكاً لفظيّاً.
    ب: هو الله الحيّ والعالم والقادر والسميع والبصير والمتّصف بسائر الصفات التي ذكرتها له الشريعة وأجمعت عليها الأمّة الإسلامية؛ ولكنّ صفاته هذه غير محسوسة ولا جسمانية؛ وإنّما معاني هذه الصفات هي التي بلغتنا من السلف وليس لنا أن نتجاوزها في بابها بحثاً ونقاشاً.
    ج: إنّ الله عزّ وجلّ هو الخالق لجميع الأفعال وإن نسبت للعباد.
    د: إنّ سائر الناس لله عزّ وجلّ أن يرحمهم ويغفر لهم أو يعذّبهم، سوىٰ من أجمعت الأمّة علىٰ كفرهم.
    هـ: الإيمان هو ما انعقد عليه الجنان وأقرّ به اللسان والعمل بمقتضاهما، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
    و: القرآن كلام الله عزّ وجلّ، ولا يصحّ القول بوصفه مخلوقاً، وكلام الله لا يشترك مع كلام سائر المخلوقات إلّا من حيث اللفظ والاسم فقط.
    ز: يقول بقبول خلافة خلفاء النبي ’ إلىٰ ثلاثين سنة من بعد وفاته |، ولابدّ من التوقّف بعد ذلك في خلافة الولاة.
    ثمّ أكّد الراغب الإصفهاني بعد ذلك أنّ من اعتقد بهذه الأصول الاعتقادية يرجىٰ أن يكون في سلامة من دينه. وعلىٰ حدّ تعبيره: أنّ هذه الأصول هي التعاليم التي بلغتنا عن أئمّة الإسلام مثل: مالك بن أنس وليث بن سعد والأوزاعي وسُفيان الثوري وابن عُیَینه والشافعي وأحمد بن حنبل70 الاعتقادات: 28ـ31..
    ويمكننا من خلال بعض المعتقدات التي ذكرها الراغب، وكذلك من خلال إسنادها إلىٰ أئمّة السلف وأصحاب الحديث سوف تتوضّح لنا نزعته السلفية وعلاقته بهم. والملفت للنظر أنّ الراغب لم يذكر أبا حنيفة من بين الأئمّة الأربعة من أهل السنّة، ولم يذكره في ضمنهم؛ وهذا الأمر يكفي في أنّ فرضيّة كون الراغب ماتريدي المذهب لا أساس لها من الصحة. وكذلك فإنّ عدم ذكره أبا الحسن الأشعري في ضمن أئمّة المسلمين أمارة علىٰ عدم اعتنائه بالأشعري ومدرسته.
    وبالرغم من أنّ أغلب الأشاعرة أيضاً سعوا للاجتناب عن أن يتّهموا بتهمة البدعة ـ كما اتُّهم بها المعتزلة ـ فعرّفوا مذهبهم علىٰ أنّه هو نفس مذهب السلف، وأنّه يستند إلىٰ التعاليم التي وصلت منهم، ولكنّهم صرّحوا في مواطن عديدة وأكّدوا أنّ أصولهم الفكرية إنّما هي مستقاة من آراء أبي الحسن الأشعري، وأنّ الرأي الحقّ في باب الاعتقادات هي آراء أبي الحسن الأشعري لا غير؛ علىٰ سبيل المثال: فإنّ أبا إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) ـ المتكلّم الأشعري المعروف ـ صرّح في عدّة مواضع من كتابه: (الإشارة إلىٰ مذهب أهل الحقّ) أنّ الطريق الحقّ ومذهب أهل الحقّ هو طريقة أبي الحسن الأشعري ومذهبه، حيث قال: «فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحقّ المنتمين إلىٰ الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه فهو كافر»‏71 الإشارة إلىٰ مذهب أهل الحقّ: 275..
    وذكر أيضاً في نهاية الكتاب قائلاً: «فمن كان في الفروع علىٰ مذهب الشافعي، وفي الأصول علىٰ اعتقاد الأشعري، فهو معلّم الطريق وهو علىٰ الحقّ المبين»72 نفس المصدر: 283..
    في حين أنّ خير شاهد علىٰ قلّة اهتمام الراغب بالمذهب الأشعري هو عدم ذكره أبا الحسن الأشعري في كتابه الاعتقادات لا في زمرة أئمّة الإسلام ولا في عبارات هذا الكتاب أشارة إلىٰ اسمه ورأيه في المسائل الكلامية حتّىٰ ولا لمرّة واحدة، فلو كان من أتباع المذهب الأشعري لذكره وذكر آراءه ودافع عنها في موضع من كتابه ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ مثله مثل سائر متكلّمي الأشاعرة؛ مضافاً إلىٰ ذلك فإنّ الراغب لم يذكر أيّ واحد من متكلّمي الأشاعرة سواء أكانوا من معاصريه أم ممّن سبقوه مثل: أبو الحسن الباهلي وأبو عبد الله بن مجاهد وأبو بکر الباقِلّاني وأبو بكر محمّد بن الحسين بن فورك وأبو إسحاق إبراهيم بن محمّد المهراني وأبو الحسن علي بن مهدي الطبري‏ وأبو العبّاس القلانسي، وذلك خلافاً للطريقة المعهودة عند متكلّمي الأشاعرة الذين اعتادوا ذكر أسماء أسلافهم من المتكلّمين حين تناولهم مختلف المسائل الكلامية ونقل آرائهم، ويمكن أن يكون هذا الأمر قرينة أخرىٰ علىٰ عدم انتماء الراغب لمدرسة الأشاعرة.
    4ـ لقد أشار الراغب في بحث صفات الباري عزّ وجلّ ـ هل هي توقيفية أم عقلية؟ ـ إلىٰ رأي (أهل الأثر) الذين يعتقدون أنّ صفات الباري عزّ وجلّ توقيفية، ولا يمكن إطلاق أيّ من الصفات عليه إلّا التي جاءت فيها رواية أو أجمعت عليها الأمّة. ثمّ أكّد علىٰ صحّة هذا الرأي وأيّده بآيات من القرآن73 «ذكر أهل الأثر أنّ الله عزّ وجلّ لا يصحّ أن يوصف إلّا بما ورد السمع به من حيث يقطع علىٰ صحّته أو ما أجمعت الأمّة عليه، وما عدا ذلك فمردود، وهذا هو الصحيح وإليه أشار بقوله عزّ وجلّ: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾». الاعتقادات: 79..
    5ـ وفي موضوع تفسير الصفات الذاتية للباري عزّ وجلّ، وتبيين نسبة هذه الصفات للذّات الإلهية، نجد أنّ الراغب بعد أن ناقش آراء المعتزلة والأشاعرة في هذا الباب أشار إلىٰ رأي (أهل الأثر) ومذهبهم في هذا الشأن؛ وبناء علىٰ ما ذكره فإنّ أهل الأثر يعتقدون أنّ الله حيّ وعالم وقادر، ولكنّ معاني هذه الصفات في الله لا تساوي معانيها في الإنسان ولا تكافؤها، فكون الإنسان عالماً، أي: بمعنىٰ وجود هيئة فيه تؤدّي إلىٰ تصوّر معلوم فيه، وكون الإنسان قادراً، أي: بمعنىٰ وجود هيئة فيه تصدر منها أفعاله، فالعلم والقدرة عند الإنسان ـ في واقع الأمر ـ هي أسامي تلك الهيئات، وبناء علىٰ هذا فإنّ وجود هذه الهيئات في الإنسان تؤدّي إلىٰ تركيب الذات الإنسانية. وأمّا كون الباري عزّ وجلّ عالماً، أي: بمعنىٰ أنّه لا يخفىٰ عليه شيء، وإطلاق: (العلم) للباري سبحانه وتعالىٰ، أي: بمعنىٰ: (عدم الجهل)، وعلىٰ هذا المنوال فكون الباري قادراً، أي: بمعنىٰ عدم العجز، وكونه حيّاً، أي: بمعنىٰ أنّه لا فناء له. وبناء علىٰ ذلك فإنّ تفسير صفاته عزّ وجلّ بهذا النحو لا يؤدّي إلىٰ باطل التركيب والكثرة فيه. هذا وإنّ الفرق المذكور في معنىٰ هذه الصفات إنّما هو في إطلاقها مرّة علىٰ الإنسان ومرّة علىٰ الباري عزّ وجلّ، وبناء علىٰ ذلك يمكن أن نفهم أيضاً أنّ هذه الصفات حين إطلاقها علىٰ الإنسان تكون قابلة للاستثناء، وكذلك أيضاً يمكن أن يصدق عليها النقيض من وجه آخر؛ مثال ذلك عندما يقال الإنسان عالم بـ: (الألف) وجاهل بـ: (الباء)؛ أو يقال الإنسان عالم سوىٰ بالأمر الفلاني، ولكن لا يمكن لهذه الصفات أن تكون مقرونة بالاستثناء حينما تطلق علىٰ الباري جلّ وعلا، كما لا يصدق عليه نقيضها74 «مذهب أهل الأثر، هو أنّ الله تعالىٰ حي عالم قادر، وأنّ له قدرة وحياة وعلماً، وأن ليس معنىٰ شيء من ذلك إذا استعمل في الله عزّ وجلّ معناه إذا استعمل فينا، وذلك أنّ العالم إذا استعمل في غير الله فمعناه أنّه اختصّ بهيئة اقتضت تلك الهيئة أن يتصوّر بمعلوم ما، والقادر اذا استعمل فينا يراد أنّ له هيئة يصدر عنها فعله، والعلم والقدرة اسم الهيئتين اللتين يصحّ بهما منه ذلك الفعل، وهذا يقتضي ترکيباً فينا؛ فأمّا إذا استعمل في الله عزّ وجلّ فمعنىٰ العالم فيه أنّه لا يخفىٰ عليه شيء، ومعنىٰ القادر فيه تعالىٰ أنّه لا يعجزه شيء، ومعنىٰ الحي فيه أنّه لا يجوز عليه الفناء، فمعنىٰ العلم والقدرة والحياة إذاً في الله تعالىٰ إشارة إلىٰ ارتفاع الجهل والعجز والفناء». نفس المصدر: 87ـ88.، فمن وجهة نظر الراغب الإصفهاني أنّ صفات الباري عزّ وجلّ لا تشبه صفات المخلوقات بأيّ وجه من الوجوه، والوجه المشترك بينهما إنّما في الشبه الموجود في اللفظ والاسم فقط75 نفس المصدر: 30. ، ويرىٰ الراغب أنّ الاعتقاد بالاشتراك المعنوي في الصفات بأن تكون معاني الصفات مثل: (العالم والقادر) مشتركة بين الإنسان والباري عزّ شأنه ومتساوية مردود؛ لأنّه يلزم التشبيه76 «فقد أثبت التشبیه من حیث جعل معاني هذه الألفاظ فینا وفیه واحداً مشترکاً». نفس المصدر: 49.. وهنا أيضاً رجّح الراغب الإصفهاني رأي (أهل الأثر) فيما يخصّ تفسير صفات الباري تبارك وتعالىٰ وتبيين نسبتها للذات الإلهية، ولكنّه خلافاً لرأي بعض (أهل الأثر) فإنّه يعتقد بعدم وصف بعض صفات الباري مثل علمه وقدرته بـ: (القِدَم) بنحو قطعي؛ وذلك لأنّ صفة الإحسان هي الوحيدة التي وصفت في الشريعة بالقدم: (يا قديم الإحسان)، ولم يُذكر في مكان ما أنّ علم الله قديم، كما أنّه لم يرد الإجماع من جانب أئمّة السلف علىٰ أنّ صفات الباري تتّصف بالقدم؛ وبناء علىٰ عدم وجود دليل شرعي علىٰ ذلك ولا إجماع عليه إذن علينا أن نلتزم السكوت في باب اتّصاف صفات الباري جلّ شأنه بـ: (القِدَم)، ولا شكّ إذا ثَبُت لدينا إجماع السلف علىٰ اتّصاف صفات الباري عزّ وجلّ بـ: (القِدَم) فحينها علينا أن نتّبع ذلك77 «فإن قيل: فهل نَصِفُ قدرة الله وعلمه بالقِدَم كما ذكره بعض أهل الأثر؟ قيل: لا نَصِفه بذلك، وذلك أنّه تقدّم القول أنّا لو تركنا وعقولنا لأحجمنا عن وصفه تعالىٰ بكلّ لفظ يقتضي موضوعه کيفية أو زماناً أو مكاناً أو انفعالاً، وإنّما جوّزنا ذلك اتّباعاً للشرع، ولم يرد الشرع بوصف علمه وقدرته بالقِدَم، وإنّما ورد عنه: (یا قدیم الإحسان) فجوّزنا ذلك وتوقّفنا عمّا لم يرد به الشرع، ولم يرد السمع بأنّ علمه قدیم فسكتنا عن ذلك. فإن قيل: فقد أجمع الذين قالوا له علم وقدرة أنّه يوصف بالقِدَم. قيل: هذا دعوىٰ إجماع ما أرىٰ ثبته وتصحيحه عن الأئمّة من الأسلاف، فإن ثبت ذلك عنهم حينئذٍ تبعناهم في الاستعمال، ونزّلناه علىٰ حسب ما يقتضي». نفس المصدر: 89.. وقد تكرّر منه أيضاً نفس هذا الموقف في كتابه: (مفردات ألفاظ القرآن)، حيث صرّح هناك أنّ وصف: (القديم) لم يطلق علىٰ الله تبارك وتعالىٰ لا في القرآن ولا في أيّ خبر صحيح، بالرغم من أنّ المتكلّمين استعملوا هذا اللفظ ووصفوا به الباري جلّ شأنه78 مفردات ألفاظ القرآن: 661.. وفي مكان آخر في كتابه: (الاعتقادات) ـ فيما يخصّ وصف الباري بـ: (الإرادة) بأنّه: (قديم) أو (محدث)؟ ـ فقد أدلىٰ الراغب بنفس هذا الرأي؛ وعلّل ذلك بأنّ العقل يحكم بتنزيه الباري عزّ وجلّ عن وصفه بألفاظ يكون لها وجه مشترك بينه وبين مخلوقاته، ولابدّ أن نصفه بأوصاف يقوم عليها دليل شرعي فحسب79 «أنّا لو تُركنا ومجرّد العقل لنزّهناه تعالىٰ عن الوصف بلفظ مشترك، وأنّ الذي أطلقنا عليه من ذلك هو ما ورد به السمع». الاعتقادات: 270..
    إنّ اعتقاد الراغب بالاشتراك اللفظي للصفات بين الباري تعالىٰ والمخلوقات، وفي نفس الوقت اتّخاذه موقفاً سلبيّاً وتنزيهيّاً في باب تفسير المعاني ومفهومها، وكذلك احترازه عن اتّصاف هذه الصفات بوصف: (القِدَم) هو منهج خاصّ في تفسير معاني الصفات الإلهية لا يتلاءم لا مع آراء الأشاعرة ولا حتّىٰ مع الكثير من السلفية أيضاً.
    إنّ المنهج التنزيهي للراغب في باب صفات الباري تعالىٰ لا يقتصر علىٰ تفسير الصفات الذاتية له سبحانه، فقد اتّخذ الراغب نفس الأسلوب حتّىٰ في باب مفاهيم مثل: (العرش) و(الكرسي) أيضاً، وحذّر المؤمنين عن اتّخاذ أيّ معنىٰ محسوس لها80 «وإیّاك أن تتصوّر بهذه الألفاظ شیئاً من المحسوسات». نفس المصدر: 105.، فإنّه يرىٰ أنّ الناس لا يستطيعون فهم حقيقة: (العرش والكرسي) ولا يستطيعون تصوّرها، وإنّما يدركون منها ألفاظها فقط، ولا ينبغي حمل هذه الألفاظ علىٰ معانيها المحسوسة81 «عرش الله وكرسيّه ممّا لا يعلم البشر منها إلّا مقدار ما اطّلع الله عليه، وهما من الأشياء التي ليس عند البشر في الحقيقة منهما إلّا اسمه، ولا يصحّ له تصوّره، وذلك أنّه لا يصحّ أن يتصوّر الإنسان إلّا ما أحسّه أو أحسّ له مثلاً، ومعلوم أنّ المحسوس لنا من العرش أنّه هو الغرفة أو السرير الذي يقعد عليه الملك، أو عرش الكرم أو عربته، ولیس عرش الله بشيء من ذلك». نفس المصدر: 103. وقد أكّد الراغب أيضاً علىٰ هذا الرأي في كتابه مفردات ألفاظ القرآن: «وعرش الله ما لا یعلمه البشرُ علىٰ الحقیقة إلّا بالإسم، ولیس کما تذهب إلیه أوهام العامّة؛ فإنّه لو کان کذلك لکان حاملاً له تعالىٰ عن ذلك لا محمولاً». مفردات ألفاظ القرآن: 558.. ويرىٰ الراغب أنّ وصف الباري تعالىٰ بكونه موجوداً في السماء أو نزوله منها أو باستوائه علىٰ العرش ليس بمعنىٰ كونه موجوداً في مكان، فإنّ الله عزّ وجلّ لا مكان له82 الاعتقادات: 106..
    6ـ إنّ الراغب عندما تناول موضوع التعاليم الدينية هل هي عقلية محضة؟ أم نبويّة (شرعيّة) محضة؟ أم أنّها خليط من الأمرين؟ أشار إلىٰ ثلاث نظريّات أصلية؛ رأي (البراهمة) المنكرين للنبوّة، ثمّ بعد ذلك بيّن مذهب (أهل الحديث) المعتقدين بأنّ الواجبات الدينية كلّها نبويّة (شرعيّة)، ثمّ ذكر رأي أغلب (أهل الأثر) الذين يعتبرون بعض الواجبات الدينية عقلية وبعضها الآخر شرعية، ثمّ تطرّق بعد ذلك إلىٰ نقد رأي (البراهمة) و(أهل الحديث)، ولكنّه سكت في باب رأي (أهل الأثر)، حيث يتبيّن من ذلك رضاه برأيهم وموافقته لهم83 نفس المصدر: 115ـ117. ، بناء علىٰ هذا فإنّ الراغب قد وافق (أهل الأثر) في عقيدتهم في المسألة المذكورة آنفاً، ولم يقبل رأي مذهب (أهل الحديث). وقد أشار الراغب في نقد (أهل الحديث) بأنّ هؤلاء لم تكن لهم دقّة وإمعان نظر، فإنّ بعض الأحكام الدينية مثل: معرفة الباري تعالىٰ، وجوب شكر النعم، القبح والظلم والخيانة والكذب، هي من مرتكزات عقل الإنسان، حيث يدرك حسنها وقبحها فطريّاً، وإنّما يفتقر للعمل بها إلىٰ التنبيه، والبعض الآخر من الأحكام هي لابدّ أن تبيّن له من الخارج فحسب، وقد أشار الراغب ـ تأييداً لكلامه ـ إلىٰ أنّ الأطفال يستقبحون القبائح ويستحسنون المحاسن من دون أيّ معرفة لهم بالشريعة84 «ولم يمعنوا النظر حتّىٰ يعرفوا بین ما هو مركوز في العقل يحتاج إلىٰ تنبيه الإنسان له وبين ما يستفاد من خارج، وإذا اعتبر حال الصبيان المتعرّين من العادات القبيحة، عَلِم ذلك أنّهم يستقبحون مقابح ويستحسنون محاسن من غير معرفتهم بالشرع وإلىٰ هذه المعارف التي هي معرفة الله علىٰ طريق الإجمال ووجوب شكر النعم وقبح الظلم والغدر والخيانة والكذب والمتعرّية من النفع ودفع المضرّة؛ أشار تعالىٰ بقوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾». نفس المصدر: 117.. بناء علىٰ هذا فمن وجهة نظر الراغب أنّ الأمر ليس كذلك؛ أي: أن تكون جميع الأحكام دينية نبوية (شرعية)، فإنّ ذكر هذا الأمر من قبل الراغب يبيّن اعتقاده بالحسن والقبح العقلي في بعض المسائل، بحيث لا يتلائم مع آراء أغلب الأشاعرة.
    ومن خلال الفرق الذي وضعه الراغب هنا بين مذهبي (أهل الحديث) و(أهل الأثر) يتبيّن أنّ عنوانَي: (أهل الحديث) و(أهل الأثر) في عصره كانا عبارة عن مذهبين مستقلّين ومتمايزين بعضهما عن البعض الآخر، ويحتمل أن يكون لكلّ واحد منهما هويّته المستقلّة وكونه فرقة علىٰ حدة، بناء علىٰ هذا لا ينبغي أن نعتبر (أهل الحديث) أو (أصحاب الحديث) مع (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) بأنّهم كانوا علىٰ حدّ سواء ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ في عصر الراغب الإصفهاني.
    7ـ وفي مسألة نشأة الموجودات وصيرورتها؛ فبعد أن نقل الراغب آراء أصحاب التناسخ والثنوية والمجوسية وقدماء الفلاسفة والمعتزلة تطرّق إلىٰ توضيح أراء (أهل الحقّ) و(أصحاب الأثر) و(حكماء المسلمين) في هذا الباب، حيث يعتبرون ظهور جميع الموجودات وبقاءها هي من فعل الباري تعالىٰ ومرتبطة به، ثمّ يدعم رأيهم بآية من القرآن الكريم، حيث يبدو من خلال ذلك ـ ظاهراً ـ قبول الراغب للرأي المذكور آنفاً85 «وأمّا أهل الحقّ وأصحاب الأثر وحكماء المسلكين [کذا: المسلمین] فقالوا: إنّ الذوات وجواهرها وأعراضها لم تصِر ذواتاً وأعراضاً إلّا بالله تعالىٰ، وإنّ ما حدث إنّما حدث لأنّ الله تعالىٰ فعل حدوثه، وما بقي إنّما بقي لأنّ الله تعالىٰ فعل بقاءه ولم يبقَ ما لم يبقَ لأنّ الله تعالىٰ لم يفعل له البقاء، وكلّ شيء عري من حفظ الله تعالىٰ لم يبقَ ولا طرفة عين؛ كما قال تعالىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ ». نفس المصدر: 197..
    8ـ نقل الراغب رأي (أهل الأثر) فيما يخصّ خلق الأرواح قبل الأبدان، واعتبر أنّ الآيات القرآنية والروايات تؤيّد ذلك، وقد أكّد ـ بعد أن استند بآية الذرّ تأييداً لهذا الرأي ـ علىٰ أنّ من لم يستفِد من مثل هذه الآيات استفادة عقلية، ويأخذها ويفسّرها تفسيراً حسّياً فإنّه سوف يعتبر هذا النوع من الآيات خرافة86 «وعند أهل الأثر إنّ الله تعالىٰ خلق الأرواح قبل الأجساد علىٰ ما ورد به الخبر: (ولم یکن شیئاً ثمّ خلق الأبدان فنفخ فيها الروح)، كما قال تعالیٰ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ﴾، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، وإنّه تعالىٰ لمّا خلق آدم عليه السلام أخرج نسمة منه فنثرها بين يديه كالذرّ ثمّ كلّمهم فقال تعالی: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾، ومن لم يعتبر بما ورد به القرآن ودلّ عليه الآثار اعتباراً روحانیّاً عقليّاً، بل اعتباراً حسّياً عدّ ذلك خرافة وسخفاً». نفس المصدر: 197.. وهنا كذلك نرىٰ الراغب يميل إلىٰ رأي (أهل الأثر) فيما يخصّ هذا الموضوع ويؤيّدهم في ذلك.
    9ـ وقد تطرّق الراغب في مسألة شرور العالم إلىٰ بيان آراء المذاهب السبعة في هذا الموضوع؛ وذكر المذهب السادس من بين هذه المذاهب ـ مذهب الأشاعرة ـ حيث كانوا يعتقدون أنّ كلّ فعل يفعله الباري في شأن العباد هو فعل حسن؛ لأنّه خالقهم ومالكهم، ولا يلزم أن تكون في تلك الأفعال حكمة حتّىٰ تصدر منه علىٰ أساسها تلك الأفعال. ولم يعترض الراغب علىٰ هذه النظرية ولكنّه أشار بعد ذلك إلىٰ مذهب (أهل الأثر) والمحقّقين من الصوفية والحكماء القائلين بوجود الحكمة في أفعال الباري عزّ وجلّ وإن خفيت عن العباد87 «والسادس: مذهب الأشعرية: أنّ الله تعالىٰ يفعل بعباده ما يشاء لا لحكمة تقتضي ذلك سوىٰ أنّه حسن منه كلّ ما يفعله؛ لأنّه خالقهم ومالكهم وللخالق المالك أن يفعل بخلقه وملکه ما يشاء، ولا اعتراض عليه. السابع: مذهب أهل الأثر ومحصّلي الصوفية والحكماء: أنّ لله تعالىٰ في فعله حكمة، ولكن بعضها يخفىٰ علىٰ جلّ الناس أو كلّهم لقصور أفهامهم، وليس جهل الجاهل بحكمته قدحاً فيها، وما عجزوا عنه فحكمهم الاستسلام، وذلك يذكر من بعد فإنّ هذا من القدر الذي أمرنا أن لا نبحث عنه ولا يظهره من اطّلع عليه، حيث قال عليه السلام: (القدر سرّ من أسرار الله فلا تفشوا سرّه)». نفس المصدر: 252ـ253..
    وبما أنّ الراغب نقل هذه النظرية بصفتها الرأي الأخير واعتبرها الرأي المختار لمحصّلي الصوفية والحكماء أيضاً؛ وليس فقط أنّه لم يعترض عليها فحسب، بل تطرّق لنقل رواية تؤيّدها ضمنيّاً أيضاً، يفهم من كلّ ذلك ميل الراغب إلىٰ هذه النظرية وتأثّره بها وهي النظرية التي ذهب إليها (أهل الأثر) أيضاً.
    10ـ وقد أشار الراغب ـ في مسألة كيفية خلق الأفعال ـ إلىٰ آراء فرقتين فقط: الأولىٰ: قول المعتزلة القائلين بأنّ أفعال الإنسان مخلوقة، وهي من خلقهم وليست من خلق الله عزّ وجلّ؛ والنظرية الأخرىٰ: هي نظرية (أهل الأثر) القائلين بأنّ الباري هو الخالق لأفعال الإنسان، وذلك بناء علىٰ ظواهر الآيات والروايات88 «اختلف الناس في أفعال البشر، فقالت المعتزلة: هو خلقهم دون خلق الله، وذهب أهل الأثر إلىٰ أنّ الله تعالىٰ خالقها اعتماداً علىٰ الظواهر». نفس المصدر: 277.. ويخلص الراغب في خصوص هذا البحث إلىٰ اختيار نفس رأي (أهل الأثر)، ويوضّح أنّ الأشياء الموجودة في العالم ـ والتي وجد كلّ واحد منها بنحو خاصّ ليصدر منه فعلاً خاصّاً ـ كلّها مخلوقة من قبل الباري عزّ وجلّ إمّا من الناحية التكوينية أو من حيث الإبداع أو من حيث التقدير. فإنّ أفعال الإنسان أيضاً مخلوقة من قبل الباري جلّ شأنه، وقد نسبت إليه؛ لأنّه هو خالقها بالرغم من أنّها تنسب للإنسان بألفاظ مثل: (الفعل) و(العمل) و(الكسب)89 «أنّه یصحّ نسبة أفعال الإنسان إلىٰ الله تعالىٰ علىٰ سبیل الخلق، وإن کان منسوباً إلىٰ متعاطیه بلفظ الفعل والعمل والکسب». نفس المصدر: 279..
    إنّ ترجيح مذهب (أهل الأثر) من قبل الراغب واختياره لهم يمكن أن نفهمه من خلال وصفه لهم بـ: (أهل الحقّ) في كتابه الاعتقادات؛ حيث نراه ـ أحياناً ـ يذكر إلىٰ جانب اسم: (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) عنوان: (أهل الحقّ)، وهو العنوان الذي يشير إلىٰ أصحاب الرأي الحقّ والصحيح90 كنموذج انظر: نفس المصدر: 63، 197، 198.، ويعتبر هذا الأمر بحدّ ذاته تأييداً لرأي (أهل الأثر).
    لكن ما هو المذهب المقصود من (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) الذين ذكرهم الراغب وأخذ بآرائهم؟ وإلىٰ أيّ اتّجاه وأشخاص تشير هذه العناوين؟ هذه مسألة جديرة بالتأمّل وتحتاج إلىٰ البحث الدقيق بالتأكيد؛ فإنّ مفهوم اصطلاح (الأثر) في القرون الأولىٰ كان أعمّ من (الحديث)، وفضلاً عن الأحاديث المروية عن النبي | فكذلك أيضاً يشمل الروايات والأخبار التي تحكي أقوال وأفعال الصحابة والتابعين91 دائرة المعارف بزرگ إسلامي 9/114 (مدخل: أصحاب حدیث).. وقد عرّف بعض المحقّقين عنوان: (أصحاب الآثار) بصفته العنوان القديم لـ: (أصحاب الحديث) الذي كان سائداً في القرن الثاني الهجري، ففي واقع الأمر أنّهم لا يعتبرون هناك فرقاً بين هذين المذهبين92 «ثلّة من علماء السنّة في القرن الثاني الهجري أتخذوا موقفاً في مواجهة أصحاب الرأي، وقد ذكرتهم المصادر المتأخّرة بصفة عامّة تحت عنوان: (أصحاب الحدیث)، حيث أُطلق عليهم في عصرهم اسم: (أصحاب الأثر) أو (أصحاب الآثار) وبه كانوا يدعون». تمّ ترجمة النصّ من دائرة المعارف بزرگ إسلامي 9/114 (مدخل: أصحاب حدیث).، في حين أنّ الراغب في القرن الرابع الهجري قد ميّز بين مذهبي (أصحاب الحديث) و(أصحاب الأثر) ـ كما رأينا آنفاً ـ وقد أطلق هذين العنوانين علىٰ جهتين ومذهبين متمايزين ومختلفين كانا موجودين في زمان حياته وكان لهما نشاطهما. ويتبيّن ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ من خلال الأوصاف والبحوث التي نقلها الراغب عن (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) وما عرضه من آرائهم أنّهم من حيث الاتّجاه الفكري من أتباع علماء السلف الذين كانوا يؤكّدون علىٰ اتّباع ظواهر الآيات والروايات. كما وقد عرّف الراغب (أهل الأثر) في كتابه الاعتقادات أنّهم أشخاص مطّلعون علىٰ قصص القرآن ومختصّون بمعرفة قصصه93 «فالبلیغ یختصّ بمعرفة بلاغته وفصاحته، والفقیه یختصّ بمعرفة أحکامه، وأهل الأثر یختصّون بمعرفة قصصه». الاعتقادات: 177.. وقد أشار بعض المحقّقين أيضاً بأنّ عنوان: (أهل الأثر) في واقع الأمر هو إشارة إلىٰ فرقة من الجانب الفكري لها ميول قريبة من الحنابلة، ولكن في نفس الوقت أنّ (أهل الأثر) يختلفون عن الحنابلة في بعض الجهات المهمّة الأخرىٰ94 Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, p. 85.؛ لكنّ قبول هذه النظرية ـ وهي: أنّ (أهل الأثر) تعتبر فرقة قريبة من المذهب الحنبلي ـ يواجه شيئاً من التعارض مع الرأي الذي صرّحت به بعض المصادر والقائلة باتّباع الراغب للمذهب الشافعي95 «المعتزلة هم الفرقة الرابعة من أصحاب الشافعي وكان رئيسهم الماوردي والراغب الإصفهاني وابن رسته الإصفهاني». تبصرة العوامّ في معرفة مقالات الأنام: 265. وانظر: نفس المصدر: 273. وقد ذكر الخوانساري في كتاب مُحاضَرَات الأدباء أيضاً الراغب الإصفهاني كونه من الشافعية، وذلك بناء علىٰ آرائه الفقهية: «وکان من الشافعیة کما استفید لنا من فقه محاضراته». روضات الجنّات 3/197..
    وبالرغم من استنتاجنا أنّ الراغب الإصفهاني كانت نزعته ـ من الجانب العقائدي ـ لفرقة من السلفية باسم: (أهل الأثر)، وأنّه بشكل عامّ كان أقرب إليهم في الجانب الفكري من غيرهم من الفرق، لكن علينا أن نسلّم بأنّ بعض ما يمتاز به الراغب من أفكار وآراء تختلف مع ما نعرفه من آراء وأفكار أكثر السلفية، ولا يمكن تصوّرها في إطار الفكر السلفي. ويمكن أن نشير هنا إلىٰ بعض الخصائص الفكرية للراغب الإصفهاني التي يبدو منها أنّها نوعاً ما لا تتلاءم مع الفكر السلفي وهي عبارة عن:
    أوّلاً: الميول الفلسفية للراغب:
    إنّ الجانب الفلسفي هو أحد الوجوه البارزة لشخصية الراغب العلمية، حيث كانت النزعة الفلسفية للراغب الإصفهاني بارزة إلىٰ حدّ بحيث أورد اسمه ابن فندق البيهقي (ت 565هـ) في كتابه: (صوان الحكمة أو تاريخ حكماء الإسلام) في زمرة حكماء الإسلام وأضاف قائلاً: «وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه»96 «الحكيم أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل الراغب (الإصفهاني) كان من حكماء الإسلام، وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه، وله تصانيف كثيرة منها: غرّة التنزيل ودرّة التأويل، وكتاب الذريعة، وكتاب كلمات الصحابة. وكان حظّه من المعقولات أكثر». تاریخ حکماء الإسلام: 112.. فالرغبة التي أبداها الراغب الإصفهاني لمناقشة بعض البحوث الفلسفية ونقل أقوال (الحكماء) في كتبه ـ ومن بينها الذريعة إلىٰ مکارم الشريعة وتفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين والاعتقادات ـ يتبيّن منها ميوله لعلم الفلسفة، علماً بأنّ هذا التوجّه نادر بين متقدّمي السلفية، حيث إنّ أغلبهم لا ينسجمون مع العلوم العقلية ولا يميلون إليها، في حين نرىٰ تعاطف الراغب في جميع الموارد التي بيّن فيها أقوال الحكماء وآراءهم في كتابه: (الاعتقادات) ونظر إلىٰ تلك الآراء نظرة موافقة ولم ينتقِدها، وهناك نماذج عديدة في كتاب الاعتقادات نرىٰ اهتمام الراغب بأقوال الحكماء وآرائهم والتعويل عليها97 علىٰ سبيل المثال انظر: الاعتقادات: 91، 94،97،122، 133، 141، 148، 157، 165، 229، 231، 242، 252، 253، 254، 255، 258، 263، 267، 283، 284، 289.، ويجدر الالتفات إلىٰ أنّ الراغب ـ في جميع هذه الموارد ـ إنّما ينقل آراء وأقوال الحكماء ويعوّل عليها من باب موافقته لهم؛ فعلىٰ سبيل المثال: أشار الراغب في إحد الموارد إلىٰ كلام بعض الحكماء في استدلاله بالأجرام السماوية لإثبات وجود الباري، وبعد أن ناقش (برهان الحركة) وإثباته وجود محرّك غير متحرّك في العالم، أشاد بكونه أقوىٰ استدلال علىٰ وجود الباري عزّ اسمه98 «وقال بعض الحکماء: الموجودات کلّها وإن صحّ الاستدلال بها علىٰ وحدانیة الله تعالىٰ فلا شيء أدلّ علیه وأبعد من الظنّ والشبهة من الأجرام العلویة وإن کان الاستدلال بها أصعب وأغمض... ذلك أنّ الموجودات ثلاثة: متحرّك وغير متحرّك کالجمادات؛ ومتحرّك ومحرّك كالإنسان؛ ومحرّك وغير متحرّك وهو الباري جلّ جلاله. وكلّ متحرّك يحتاج إلىٰ محرّك، فلمّا رأىٰ هذه الأجرام متحرّكة نبّأهم [کذا: نبّههم] علىٰ كونها محدثة، ولمّا لم يكن فوق حركتها حركة وكانت سببها [کذا: سبباً] في تحريك الأشياء التي دونها علم أنّ محرّكها لا يصحّ إلّا أن يكون محرّكاً غير متحرّك، لأنّه لو كان متحرّكاً لاحتاج إلىٰ محرّك أقوىٰ منه، ولا يوجد متحرّك أقوىٰ من الفلك الأعلىٰ، فإذاً يجب أن يكون محرّکه الذي فوقه غير متحرّك، [و] هذا أقوىٰ دلالة علىٰ وجود الباري عزّ اسمه». نفس المصدر: 53ـ54.. هذا وإنّ تقسيمه للمخلوقات إلىٰ جسماني وغير جسماني أو إلىٰ مجرّد، يمكن أن يكون ناشئاً من تأثّر الراغب بالتعاليم الفلسفية؛ لأنّنا كما نعلم أنّ أغلب متكلّمي عصر الراغب لا يعتقدون بموجود غير جسماني آخر سوىٰ الباري عزّ وجلّ. وقد قسّم الراغب في موضع من كتابه موجودات العالم إلىٰ ثلاث مجموعات:
    أ) جسماني محض.
    ب) جسماني وروحاني كالإنسان.
    ج) روحاني محض كالملائكة والجنّ99 «جُلّ العقلاء علىٰ أنّ الأعیان الموجودة ثلاثة: جسماني مجرّد، وجسماني روحاني کالإنسان، وروحاني مجرّد وهم الملائکة والجنّ». نفس المصدر: 145..
    وأكّد في موضع آخر أيضاً علىٰ أنّ الله عزّ وجلّ خلق موجودات العالم علىٰ قسمين: جسماني محسوس يشمل: (الجمادات، النباتات، الحيوانات، والإنسان)، وغير جسماني غير محسوس100 «إنّ الله تعالىٰ جعل الموجودات قسمین: جسماني وغیر جسماني وجعل الجسماني أربعة أنواع: الجمادات والنبات والبهائم، والإنسان». نفس المصدر: 120؛ «جعل بإزاء الخلق الذین یحسّون وهم الأجسام الکثیفة خلقاً، ولا یحسّون وهم الروحانیّات اللطیفة». نفس المصدر: 146. ، حيث يبدو من الراغب أنّ ما يقصده من الموجودات الروحانية وغير الجسمانية وغير المحسوسة هو نفس الموجودات المجرّدة كالملائكة؛ وذلك لأنّه وضع الأشياء المحسوسة إزاء الأشياء المعقولة البسيطة101 «جعل بإزاء المحسوسة المرکّبة الأشیاء المعقولة البسیطة». نفس المصدر: 146.، وهو تعبير آخر عن المجرّدات.
    وكذلك نرىٰ في كتاب الاعتقادات جوانب أخرىٰ من التوجّه العلمي الفلسفي للراغب وميوله للفلسفة وتعاليمها؛ فإنّ الاصطلاحات الفلسفية التي استفاد منها الراغب مثل: (ممكن الوجود) و(واجب الوجود) و(إثبات واجب الوجود بالذات) أي: إثبات وجود الباري، كلّ هذه هي من الجوانب البارزة لتوجّهه الفلسفي. علماً بأنّ الراغب الإصفهاني يعتبر من متكلّمي الرعيل الأوّل من بين متكلّمي المسلمين الذي صرّح بتقسيم الذوات إلىٰ ثلاثة أقسام (واجب الوجود) و(ممكن الوجود) و(ممتنع الوجود)؛ وكذلك صرّح بانقسام (واجب الوجود) إلىٰ (واجب الوجود لذاته) و(واجب الوجود لغيره)، وقد أكّد علىٰ وصف (واجب الوجود) هو لله عزّ وجلّ، وأنّه لا يفتقر لوجوده إلىٰ موجود آخر102 «والدلالة علىٰ أنّه تعالىٰ موجود واجب الوجود: أنّه كلّما فرضته أو توهّمته موجوداً إلّا [کذا: لا] يخلو من ثلاثة أوجه: أمّا واجب الوجود، أو ممتنع الوجود، أو ممکن الوجود. فالواجب الوجود: هو الذي إذا فرض غير موجود لزم منه محال؛ كحصول أربعة من وجود اثنين واثنين. والممتنع الموجود [کذا: الوجود]: هو الذي إذا فرض موجوداً لزم منه محال؛ کحصول أربعة من وجود اثنين وثلاثة. والممكن الوجود: هو الذي إذا فرض موجوداً أو غير موجود لم يلزم منه محال؛ کمجيء المطر في الشتاء. والواجب الوجود ضربان: واجب الوجود لا لذاته بل لأمر آخر؛ کوجود أربعة الذي يجب عن حصول اثنين واثنين. وواجب الوجود لذاته لا لشيء آخر: وهو الباري تعالیٰ، والواجب الوجود: هو الذي إذا فرض غير موجود حصل منه محال، ولا محتاج في وجوده إلىٰ شيء يوجده، ويكون أزليّاً، وذلك هو الله تعالیٰ». نفس المصدر: 56ـ57.. وتتّضح لنا أهمّية هذا الأمر حينما نعلم أنّ استعمال هذه الألفاظ من قبل الراغب كانت في الفترة التي لم تنتشر فيها مؤلّفات ابن سينا الفلسفية ولم تُعرف بعد مدرسته الفلسفية في العالم الإسلامي.
    والأمرالآخر الذي يجدر بنا أن نلتفت إليه هو تأويلات الراغب الفلسفية لآيات القرآن التي لا تتلاءم مع التزام السلفية المعروف بظواهر الآيات والروايات، وقد بيّن الراغب بعض هذه التأويلات في كتاب الاعتقادات بشكل واضح؛ منها ما أكّد عليه الراغب من تفسير قوله تبارك وتعالىٰ في الآية: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾، أنّ المراد من: (زوجين) هنا: (الجوهر) و(الصورة)103 «وعنىٰ بالزوجین هاهنا الجوهر والصورة... وذلك أنّه لا یصحّ وجود الجوهر من دون الصورة ولا تقوم الصورة من دون الجوهر... فالجسم جوهر طویل عریض عمیق، ولولا الجوهر لم یوجد طوله وعرضه وعمقه». نفس المصدر: 49.. ويمكن أن نفهم من توضيحاته في مكان آخر أنّ مراده من: (الجوهر) هو نفس (المادّة) بمعناها الفلسفي، أي: (الهيولىٰ) في قبال (الصورة)104 «وممّا يدلّ علىٰ حدوث العالم ما نبّه الله تعالىٰ عليه بقوله: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وبيان ذلك: أنّ الشيئين إذا تعلّق قوام كلّ واحد منهما بقوام صاحبه، فإذا اختلّ أحدهما اختلّ الآخر، كالكوزين المتعلّقين من وتد بخيط واحد متىٰ سقط أحدهما سقط الآخر، وقد أوجد الله تعالىٰ كلّ ما في العالم مزدوجاً مركّباً من مادّة وصورة، لا یصحّ وجود المادّة من دون الصورة، ولا تقوم الصورة من دون المادّة». نفس المصدر: 67ـ68.. وعلىٰ هذا المنوال ذكر الراغب في تفسير قوله عزّ وجلّ: ﴿وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّىٰ﴾ أنّ هذ الآية تشير إلىٰ مختلف التراكيب والأعراض المجتمعة فيما بين الجوهر والصورة، مثل اللون والرائحة والطعم في الذات الواحدة105 نفس المصدر: 50..
    وبالرغم من النزعات الفلسفية للراغب فإنّه بسط باعه في بعض الموارد أيضاً لنقد الآراء الفلسفية؛ فعلىٰ سبيل المثال: أشار في موضع إلىٰ رأي بعض الفلاسفة المبتني علىٰ اتّصاف الباري عزّ وجلّ بالصفات السلبية واجتنابه عن إثبات الصفات الإيجابية له سبحانه واعتبره موقفاً مخالفاً للشريعة106 نفس المصدر: 79.. كما اعتبر معاد الإنسان معاداً جسمانيّاً وروحانيّاً تعويلاً علىٰ آيات القرآن، واعتبر رأي الفلاسفة والإسماعيلية نادراً وغير صحيح؛ حيث اعتقدوا بالمعاد الروحاني فقط107 «الإنسان مبعوث وینشر بروحه وبدنه جمیعاً علىٰ الاطلاق، خلاف ما قالت الفلاسفة والباطنیة جمیعاً بأنّه ینشر بروحه دون بدنه». نفس المصدر: 224..
    ويجدر بنا ـ إلىٰ جانب نزعات الراغب الإصفهاني الفلسفية ـ الالتفات إلىٰ ميوله للصوفية والتصوّف؛ فمن دراسة مؤلّفات الراغب الإصفهاني ـ وبالأخصّ الذريعة إلىٰ مکارم الشريعة وكذلك رسالة الاعتقادات ـ يتبيّن بشكل جلي علاقة الراغب وميوله لتعاليم الصوفية، فمن خلال الأقوال التي نقلها عن الصوفية وأيّد أغلبها بعبارات مثل: «وما أحسن ما قال بعض الصوفية»108 نفس المصدر: 185، 255.، و«قال بعض حکماء الصوفية»109 نفس المصدر: 77.، و«قال بعض العلماء من الصوفية»110 نفس المصدر.، و«قال بعض الصوفية»111 نفس المصدر: 85، 95.، و«أشار إليه بعض الصوفية»112 نفس المصدر: 91. ؛ يتبيّن جليّاً معرفته بآرائهم وتعاطفه في بعض المواضيع مع الصوفية وآرائهم، وكذلك أيضاً ـ وكما أكّد بعض المحقّقين113 انظر: مقدّمة صفوان عدنان داوودي علىٰ مفردات ألفاظ القرآن: 12. وانظر: ـ فإنّ الراغب قد أشار في تفسيره إلىٰ تأليف كتاب تحت عنوان: (كتاب شرف التصوّف)114 تطرّق الراغب فيما يلي تفسير الآية: 37 من سورة البقرة في كتابه: (شرف التصوّف) إلىٰ ذکر مقامات العلماء والحکماء والکبراء قائلاً: «هذه مسألة کثیرة قد أحکمتها في کتاب شرف التصوّف». انظر: تفسیر الراغب، النسخة رقم: 84 في مكتبة جار الله، الورقة: 42آ. ، حيث يتبيّن بوضوح من عنوان هذا الكتاب أيضاً تجليله وتقديره للتصوّف.
    ثانياً: نفي الراغب للتوجّه الجبري:
    بناء علىٰ دراسة بعض المصادر؛ فإنّ التوجّه الجبري كان أحد التعاليم الأصلية والاعتقادية المشتركة في أوساط أكثر السلفية وأصحاب الحديث115 دائرة المعارف بزرگ اسلامي 9/121 (مدخل: أصحاب حدیث).. وقد ردّ الراغب الإصفهاني عقيدة الجبر ـ في قسم من كتاب الاعتقادات الذي اختار له عنوان: (بيان أن لا جبر ولا تفويض)، وذلك بعد أن درس آراء المجبّرة والقدرية والمفوّضة ـ مستنداً في ردّها بأنّها تنفي فائدة خلق العقل في الإنسان ويعتبرها مضادّة له.
    ثمّ تطرّق الراغب بعد ذلك إلىٰ نفي فكرة: (التفويض) وسعىٰ أن يبيّن بما عرضه من التوضيحات صحّة ووجه انتساب أفعال الإنسان لفاعلين اثنين؛ أي: الباري والإنسان، ويثبت علىٰ إثره صحّة نظرية: (لا جبر ولا تفويض)116 انظر: الاعتقادات: 281ـ291. ، فإنّ البحث الذي عرضه الراغب في نظرية: (لا جبر ولا تفويض) من كيفية انتساب أفعال الإنسان للباري ودور الباري والإنسان في تحقّق أفعال الإنسان هي دراسة جديرة بالاهتمام، ولكن لا يسعنا في هذا البحث الإشارة إليها.
    والأمر الذي نرمي الإشارة إليه هنا هو إنكار معتقدات الجبرية من قبل الراغب، وهو أمر لا يتوافق ولا يتلاءم مع معتقد الكثير من السلفية وأصحاب الحديث في توجّههم الجبري، حيث يعرض الراغب في مقولته هذه رأياً نادراً بين السلفية.
    ثالثاً: التوجّه التأويلي عند الراغب:
    من المميّزات الأخرىٰ للسلفية وأصحاب الحديث ومن أصولهم الفكرية هو توجّههم إلىٰ ظاهر النصوص وتأكيدهم علىٰ اتّباع ظاهر الآيات والروايات واجتناب تأويلها. في حين يتبيّن من خلال دراسة كتاب الاعتقادات للراغب أنّه عدل في العديد من الموارد عن هذا الأصل الأساسي للسلفية وحكم بجواز أو بوجوب تأويل الآيات والأخبار، وتطرّق الراغب في فصل من فصول الكتاب إلىٰ بيان مفهوم: (التأويل) والنسبة بينه وبين: (التفسير)؛ وعلىٰ ما ذكره فإنّ (التأويل): هو ما يعود إليه حقيقة الكلام والعمل به، وهو ليس مؤدّاهما الظاهري، ففي الواقع أنّ الاستفادة من: (التأويل) هو تعيين المعنىٰ المراد من الكلام من بين المعاني المحتملة117 «التأويل: مايؤوّل إليه حقيقة الكلام والفعل ولا يقتضيه ظاهرهما، وهو تفعيل من آل يؤول إذا رجع، وذلك ردّ الكلام من بين المحتملات الىٰ المراد» نفس المصدر: 178.. ويرىٰ الراغب أنّ النسبة بين: (التفسير) و(التأويل) هي النسبة بين العامّ والخاصّ المطلق؛ أي: إنّ كلّ تأويل تفسير، وليس كلّ تفسير تأويلاً؛ لأنّ تبيين كلّ لفظ صعب بالاستفادة من ألفاظ أبسط منه يسمّىٰ: (تفسيراً) ولكنّه ليس بتأويل، والتأويل أيضاً إنّما يمكن في شأن العبارات المركّبة لا الألفاظ المفردة، في حين أنّ التفسير جارٍ في كلا الموردين الألفاظ المفردة والمركّبة118 نفس المصدر: 179.. إذن فإنّ حاصل: (التفسير) أعمّ من (التأويل). وعلىٰ ما ذكره الراغب فإنّ تأويل بعض الآيات واضح لدينا، ولكن هناك بعض الموارد لا يعلم تأويلها إلّا الله، وأمّا العلماء لا يعلمونها119 نفس المصدر: 188ـ190..
    ويمكن مشاهدة نماذج من تأويلات الراغب فيما يخصّ النصوص الدينية في البحث عن معاني الآيات الدالّة علىٰ نطق أعضاء الإنسان وجوارحه وشهادتها عليه يوم القيامة؛ فقد أشار في هذا المضمار إلىٰ قولين؛ الأوّل: هو أنّ نطق الجوارح يوم القيامة من نوع الكلام المسموع والمحسوس في الخارج. والثاني: هو أنّ المراد من النطق هو كونه اعتباريّاً عقلانيّاً، أي: صدور الحالات والأفعال من الجوارح كما في هذه الدنيا، أي: أنّ المراد من النطق والشهادة هو مجرّد الإفهام والتفهيم والحصول علىٰ العلم من خلال حركات وانفعالات تلك الجوارح، ويرىٰ الراغب أنّ كلا الاحتمالين جائز ومقبول. وعلىٰ هذا المنوال ففي شأن معاني الآيات الدالّة علىٰ بياض وجه المؤمن وسواد وجه الكافر يوم القيامة، فإنّ الراغب اختار كلا التفسيرين: (الظاهري المحسوس) أو تأويلهما للدلالة علىٰ: (السرور والحزن) وأجازهما. وبناء علىٰ هذا فإنّ الراغب خلافاً لتلك الفرقة من السلفيّين القائلين في تفسير الآيات بالأخذ بظاهرها المحسوس فقط فإنّه قد أجاز تأويلها أيضاً.
    وكذلك في تفسير آية: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَة﴾ فقد اعتبر الراغب حقيقة الميزان عبارة عن الاختبار والابتلاء والامتحان، واعتبر تقييم الأعمال ـ الذي هو مقتضىٰ المعنىٰ الظاهري للآيات ـ أمراً غير معقول120 نفس المصدر: 236.؛ فبناء علىٰ ما ذكره فإنّ معنىٰ الحساب يوم القيامة ليس إلّا إخبار الناس بأعمالهم الحسنة منها والسيّئة121 نفس المصدر: 237..
    فإنّ التأويلات المذكورة فيها تعارض صريح مع توجّه السلفية لظاهر الآيات، وهي تبيّن التوجّه العقلي للراغب الإصفهاني في تفسير الآيات والروايات.
    وبناء علىٰ ما قلنا يتبيّن: أنّ الراغب بالرغم من تأييده الواضح لآراء المدرسة السلفية المسمّاة: (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) واتّباعه لها، وما كان له من ميول كلامية إلىٰ هذه المدرسة القليلة الشهرة، لكنّ اتّباعه هذا وميوله وتأثّره بمدرستهم لم يكن بنحو كامل، أي: إنّه لم يتأثّر بجميع الجوانب الفكرية للسلفية.
    وفي الواقع إذا أردنا أن نصف بإيجاز شخصية الراغب الإصفهاني العلمية في عبارة مختصرة فلابدّ أن نقول: إنّه كان (متكلّماً سلفيّاً وفيلسوفاً صوفيّاً). وأنّه خير أنموذج من الشخصيّات النادرة ممّن له توجّهات متعدّدة ـ تبدو في الظاهر غير منسجمة ومتضادّة ـ مجتمعة إلىٰ بعضها البعض ومنصهرة في مثل هذه الشخصية، ولهذا السبب لا يمكن تعريف مثل هذه الشخصيّات ضمن إطار التعاريف المعروفة من قبل، ولا يمكن تصنيفها ضمن الفرق المعهودة.
    وخلاصة القول من خلال ما تقدّم يمكننا أن نستنتج النتائج التالية:
    1ـ نظراً إلىٰ الأدلّة والقرائن التي ذكرناها في مقالنا هذا في نفي احتمال تشيّع الراغب والتي نختصرها هنا كالتالي:
    (أ) عدم اعتقاد الراغب الإصفهاني بإمامة أئمّة الشيعة.
    (ب) اعتقاده بانحراف الشيعة ومذمّتهم.
    (ج) اعتباره الشيعة من أهل البدع.
    (د) مدحه لبعض الصحابة والخلفاء.
    (هـ) استفادته من عبارات الأدعية السنّية في التحيّات علىٰ النبي والأئمّة.
    كلّ ذلك ينفي أساساً احتمال تشيّع الراغب. وأمّا رغبته بنقل الروايات عن أمير المؤمنين ×، وإظهار محبّته ومودّته له ×، لابدّ لنا من تفسير ذلك بأنّه مثله مثل غيره من الكثير من أهل السنّة والسلفية ممّن يكنّ مودّة خاصّة للإمام علي ×.
    2ـ نظراً للانتقادات الكثيرة التي أبداها الراغب الإصفهاني لمدرسة المعتزلة وتعاليمهم وأصولهم الاعتقادية، فإنّه لم يكن معتزليّاً قطّ وليس له أيّ ارتباط بمدرستهم.
    3ـ إنّ عدم ذكر الراغب لأبي الحسن الأشعري في قائمة أئمّة الإسلام، وعدم إشارته لمتكلّمي الأشاعرة في كتابه الاعتقادات، واجتنابه من التعمّق في المسائل الكلامية ومن التطرّق التفصيلي لها، ونظرته الانتقادية للمتكلّمين وآرائهم، والفرق الأساسي لمنهجية ومباني كتاب الاعتقادات للراغب مع منهجية ومباني الكتب الكلامية المتعارفة للأشاعرة، وعدم اعتقاده بقسم من الأصول الاعتقادية لمدرسة الأشاعرة مثل: «عدم اعتقاده بالقديم والزائد علىٰ ما ثبت كونه من الصفات الذاتية للباري عزّ وجلّ، اعتقاده بالاشتراك اللفظي لصفات الباري عزّ اسمه مع صفات موجوداته، وعرضه مختلف التعاريف لاصطلاحات مثل: (الاستطاعة) و(الجوهر) و(العرض)»، كلّ هذه الأمور تنفي فرضية كون الراغب الإصفهاني أشعريّاً بالرغم من اشتهارها في المجامع الكلامية وجريانها علىٰ أفواه بعض المتكلّمين، ويتبيّن من هذا الأمر أنّ بعض الادّعاءات المشهورة في الكتب الكلامية في هذا الخصوص يمكن أن تكون غير صحيحة ولا أساس لها.
    4ـ نظراً إلىٰ ما ذكره الراغب في شأن متقدّمي أعلام السلف وعدّهم في زمرة أئمّة الإسلام، واعتباره بأنّ الفرقة الناجية منحصرة في أهل السنّة والجماعة، وطريقة تناوله لعلم الكلام، وتعويله مكرّراً علىٰ آراء الصحابة وعلماء السلف، وتصريحه بضرورة اتّباع ظواهر الآيات والروايات وآراء السلف في المسائل الاعتقادية، يتبيّن من كلّ ذلك أنّ الراغب بالتأكيد كان من أتباع الصحابة وعلماء السلف وكان يعدّ في زمرتهم.
    5ـ نظراً إلىٰ التمايز والافتراق الذي يقول به الراغب بين فرقتين من السلفية من جانب ـ أي: بين (أصحاب الحديث أو أهل الحديث) وبين (أهل الأثر أو أصحاب الأثر) ـ ومن جانب آخر المواقف المنسجمة والمؤيّدة التي غالباً ما أبداها لأهل الأثر، فإنّ الراغب الإصفهاني كان يميل ـ فكريّاً ـ إلىٰ فرقة: (أهل الأثر) أو (أصحاب الأثر) ومتّبعاً لمذهبهم.
    6ـ يتبيّن من خلال التمايز الذي جعله الراغب بين مذهبي: (أهل الحديث) و(أهل الأثر) أنّ كلا العنوانين كانا في زمانه عبارة عن مذهبين مستقلّين ومتمايز أحدهما عن الآخر، ويحتمل أنّهما كانا يحملان هويّتين مستقلّتين.
    7ـ بالرغم من النزعة السلفية للراغب فإنّ بعض خصوصيّاته وتوجّهاته الفكرية مثل: (جنوحه للتعاليم الفلسفية وتوجّهه للتأويل ونفيه عقيدة الجبر) تختلف مع الخصوصيّات التي نعهدها من أغلب علماء السلف، وتبيّن تمايزه الفكري في هذا المجال مع المذهب الغالب للسلفية.
    8ـ من خلال نطاق معرفته الواسعة بتعاليم الصوفية، وتجليله للتصوّف، فقد كان له ميول قوية لتعاليم الصوفية.
    9ـ بما أنّ شخصية الراغب كانت ذات ميول مختلفة: (سلفية وفلسفية وصوفية) لا يمكن تأطيرها بشكل كامل ودقيق في إطار مذهب خاصّ، وفي نهاية المطاف لابدّ من تقييم شخصيّته واعتبارها أعلىٰ أفقاً وأبعد مدىٰ من حدود التعريف المتعارف للفرق.
    تصحيح وتحقيق كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني:
    إنّ كتاب الراغب الإصفهاني: (الاعتقادات) أو (الاعتقاد) قد تمّ تصحيحه وتحقيقه مرّتين تحت هذين العنوانين، وقد اُختير هذان العنوانان من قبل المصحّحَيْن نظراً لموضوع الكتاب122 انظر: مقدّمة شمران العجلي علىٰ كتاب الاعتقادات: 10، ومقدّمة أختر جمال محمّد لقمان علىٰ کتاب الاعتقاد: 37.؛ في حين لم يحتوِ الكتاب نفسه علىٰ عنوان له، وقد اقتصرت كتب التراجم عند ذكرها مؤلّفات الراغب علىٰ عنوانين له: (كتاب في الاعتقاد) أو (كتاب في الإيمان والكفر) حيث يحتمل أن يكون هذان العنوانان إشارة إلىٰ هذا الكتاب الذي نقصده في بحثنا هذا. ومن خلال الاستقصاء والبحث لم نعثر في كتب المتكلّمين بعد الراغب علىٰ ذكر لهذا الكتاب، كما لم نعثر لهم حتّىٰ علىٰ إشارات تشير إليه، بل ولم تعكس لنا تلك الكتب بعض الآراء الموجودة فيه. بناء علىٰ هذا ـ وكما ذكرنا سابقاً ـ يمكننا أن نقول أنّ كتاب الاعتقادات للراغب لم يكن ـ نوعاً ما ـ معروفاً لمن تأخّر عنه من العلماء، ولم يحظَ بذكر بين المتكلّمين، وغاية ما ذكرته الكتب الكلامية عن الراغب غالباً ما كان مقتصراً علىٰ آرائه في باب تجرّد النفس123 كأنموذج: العلّامة الحلّي قد عدّ الراغب في زمرة متکلّمي الأشعرية ممّن يقول بـ: (تجرّد النفس)، حيث قال: «اختلف الناس في ماهية النفس، وأنّها هل هي جوهر أم لا؟ والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي مجرّد أم لا؟ والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسماني». کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 278. ، واعتقاده بالمعاد الجسماني والروحاني124 انظر أنموذجاً: شرح المقاصد 5/88.، ولم تهتمّ بسائر آرائه الكلامية الأخرىٰ.
    وفيما يخصّ نسبة كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني وإسناده إليه فبالإضافة إلىٰ أنّ بعض النسخ من كتابه هذا قد جاء في بدايتها تصريح بنسبة الكتاب إليه؛ هناك أيضاً إشارة من قِبَل المؤلّف في موضع من كتابه هذا إلىٰ كتاب آخر من كتبه أي: الذريعة إلىٰ مكارم الشريعة125 «وأمّا کيفية تزکية النفس فقد بيّنتها في کتاب الذريعة الىٰ مکارم الشريعة». الاعتقادات: 62. ـ وهو من الكتب المعروفة للراغب ـ وهو خير دليل وشاهد قوي علىٰ وثاقة نسبة كتاب الاعتقادات إلىٰ الراغب الإصفهاني. ويتبيّن من خلال هذه الإشارة أنّ الراغب ألّف كتاب الاعتقادات بعد كتاب الذريعة.
    إنّ كتاب الاعتقادات للراغب هو من المصنّفات المفيدة جدّاً والغزيرة بالمعلومات، وهذا الكتاب الوجيز والقيّم يشتمل علىٰ الكثير من الأمور البديعة التي قلّ نظيرها في سائر الكتب، وفي واقع الأمر فإنّ كتاب الراغب من ناحية المباني والمحتويات كتاب فيه إبداع، وهو من نوادر الكتب؛ فإنّ إحاطة الراغب وتبحّره في الاستفادة من آيات القرآن الكريم في مختلف الأبحاث الكلامية وتعويله علىٰ الآيات والروايات في تبيين المسائل الاعتقادية جعل من كتاب الاعتقادات كتاباً متميّزاً وذا أهمّية فائقة، فإنّ معرفته بجذور مفردات اللغة العربية وبمصطلحاتها وألفاظها مهّد له في كتاب الاعتقادات مناقشة أبحاث ذات فوائد كثيرة في مجال جذور الاصطلاحات الكلامية ومعانيها، علىٰ سبيل المثال: فإنّ بعض الأمور التي بيّنها الراغب في باب معاني الاصطلاحات الكلامية من هذا الكتاب هي الأمور التي طرحها فيما يخصّ معنىٰ اصطلاحَي: (الإرادة) و(المشيئة) والنسبة بينهما، وأنّ (المشيئة) أخصّ من (الإرادة)، في حين لم يذكرها في سائر كتبه مثل كتاب مفردات ألفاظ القرآن الكريم126 قارن بين المباحث في: الاعتقادات: 269ـ272، مع المباحث المذکورة في مفردات ألفاظ القرآن: 471ـ472..
    إنّ تبيين سائر مواضيع كتاب الاعتقادات القيّمة، وتعريف مختلف وجوهه المهمّة، يقتضي بياناً آخر آمل أن أتطرّق إليه وأتداركه في بحث مستقلّ علىٰ حدة.
    النسخ الخطّية من كتاب الاعتقادات:
    تمّ التعرّف حتّىٰ الآن علىٰ أربع نسخ من كتاب الاعتقادات للراغب:
    1ـ النسخة رقم: (56) في مكتبة آستان قدس رضوي في مشهد والمؤرّخة: (679هـ)، وهي أقدم نسخة خطّية عرفت حتّىٰ الآن من رسالة الاعتقادات، وهي من موقوفات ابن خاتون127 وأتقدّم بالشكر الجزيل إلىٰ صديقي العزيز السيّد أُميد حسيني نژاد الذي ساعدني في تهيئة هذه النسخة.. وقد ذكر المفهرس هذه النسخة وعرّفها خطأً تحت عنوان: (تحقيق البيان)، وقد شقّ هذا الخطأ طريقه إلىٰ مصادر أخرىٰ ومنها فهرست (فنخا)128 انظر: فهرستگان نسخه‌هاي خطّي إيران (فنخا) 7 /678.، ومن خلال مقارنة هذه النسخة مع سائر النسخ المتبقّية من رسالة الاعتقادات يتبيّن أنّ هذه النسخة ـ التي نحن بصددها ـ هي نسخة خطّية من رسالة الاعتقادات ولا علاقة لها بكتاب الراغب المفقود: (تحقيق البيان). وبناء علىٰ ما قاله الراغب يتبيّن أنّه قد ألّف كتاب تحقيق البيان في تأويل القرآن قبل كتاب الاعتقادات؛ لأنّه صرّح في مقدّمة كتاب الذريعة إلىٰ مكارم الشريعة بتأليف كتاب تحقيق البيان سابقاً129 «کنت قد أشرت فيما أمليته من کتاب تحقيق البيان في تأويل القرآن إلىٰ الفَرق بين أحکام الشريعة ومکارمها». الذريعة إلىٰ مکارم الشريعة: 1.، وكتاب الذريعة قد أشار إليه الراغب في كتابه الاعتقادات ـ كما جاء في النسخ الخطّية الموجودة من كتاب الاعتقادات بما فيها نسخة مكتبة آستان قدس رضوي ـ بناء علىٰ هذا؛ فإنّه لا يمكن للنسخة رقم: (56) من مكتبة آستان قدس رضوي أن تكون كما يظنّ المفهرس بأنّها نسخة خطّية من تحقيق البيان، وقد أشار بعض المؤلّفين إلىٰ عدم إمكان ذلك أيضاً130 انظر: مقدّمة شمران العجلي علىٰ كتاب الاعتقادات: ص8؛ وكتاب السيّد علي ميرلوحي تحت عنوان: راغب إصفهاني: 237؛ ومقدّمة صفوان عدنان الداوودي علىٰ كتاب مفردات ألفاظ القرآن: ص 12..
    بناء علىٰ ما ذكره الكاتب في الترقيمة آخر النسخة فإنّ استنساخها قد تمّ في (ذي الحجّة سنة 779هـ) (انظر الصورة رقم: 1). وللأسف الشديد فقد تعرّضت هذه النسخة لسقط ملفت للنظر، حيث فُقِدَ علىٰ إثره نصف الكتاب تقريباً، ولذلك لا نعلم هل أنّ صفحة العنوان من النسخة كانت تحتوي علىٰ عنوان الكتاب أم لا؟ وبالإضافة إلىٰ ذلك نرىٰ في موضع من الفصل السابع من الكتاب أنّ كلام الراغب ينقطع فجأة؛ وبناء علىٰ ما ذكره كاتب النسخة ـ التي نحن في صددها ـ أنّ نسخة الأصل التي كان يستنسخ منها الكاتب كانت في هذا الموضع علىٰ حدّ تعبيره: «بياض في نسخة الأصل»، وبطبيعة الحال يستبعد أن تكون الكلمات التي لم تكتب في هذا المكان أكثرمن بضع كلمات.
    وبالرغم من أنّ هذه النسخة هي نسخة نفيسة ومن النسخ القديمة، ولكنّها وللأسف تشتمل علىٰ ضبط سقيم للكلمات، وفيها بعض السقوط التي قد تبلغ في بعض الأحيان إلىٰ بضع سطور.
    2ـ النسخة رقم: (382) من مجموعة الشهيد علي باشا في المكتبة السليمانية في اسطنبول، وهي ضمن مجموعة خطّية تحتوي علىٰ:
    أ: رسالة من صدر الدين أبي عبد الله محمّد السلمي الشافعي المناوي (ت 803هـ) تحت عنوان: (هداية الإنسان لفضل طاعة الإمام والعدل والإحسان) في تخريج وشرح وتكميل رسالة: (أربعون حديثاً في اصطناع المعروف)، تأليف: زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656هـ).
    ب: رسالة كلامية لعلاء الدين البخاري الحنفي تحت عنوان: (رسالة في الاعتقاد)، تاريخ الفراغ من كتابتها: (14صفر سنة 961هـ).
    ج: نصّ كتاب الاعتقادات للراغب الإصفهاني تحت عنوان: (رسالة في الاعتقادات) تمّت كتابتها وفقاً لما جاء في ترقيمة الكاتب في: (15ربيع الأوّل سنة 961هـ) (انظر: الصورة رقم: 2). وقد سقط من هذه النسخة قسم من نهاية الفصل السابع وكذلك سقط الفصل الثامن بأسره.
    احتوت هذه النسخة علىٰ الكثير من الأخطاء الملفتة للنظر، ويفتقر نصّ النسخة إلىٰ الإتقان.
    3ـ النسخة رقم: (2141) من مكتبة فيض الله الأفندي في مكتبة السليمانية في اسطنبول والتي تمّ استنساخها (سنة 1091هـ). هذه النسخة هي جزء من المجموعة الخطّية المشتملة علىٰ أربعة كتب للراغب الإصفهاني؛ وهي تشتمل ـ بالترتيب ـ علىٰ الكتب التالية: تفسير سورة الفاتحة، تفصيل النشأتين، رسالة الاعتقادات، ومفردات ألفاظ القرآن. ولم يُذكَر في بداية رسالة الاعتقادات عنوان لها، وإنّما ذكرت هذه الرسالة علىٰ صفحة العنوان من النسخة بخطّ دقيق وفاتح تحت عنوان كلّي: (في الكلام). وكذلك جاءت في صفحة العنوان ملاحظة كتب فيها تاريخ وفاة الراغب في بداية القرن الخامس الهجري (سنة 500هـ) (انظر: الصورة رقم: 3). هذا وأنّ الضبط الموجود في هذه المخطوطة يعتبر بالمقارنة مع النسخة رقم: (382) من مجموعة الشهيد علي باشا أكثر إتقاناً، وأنّ النصّ فيها أكثر صحّة من نصّ نسخة علي باشا بالرغم من أنّه يحتوي أيضاً علىٰ أخطاء. ولم يُستفَد حتّىٰ الآن من هذه النسخة في تصحيح نصّ كتاب الاعتقادات.
    4ـ النسخة رقم: (5277) في مكتبة تشستربيتي في دبلن في إيرلندا، علماً بأنّ تاريخ كتابتها غير معلوم131 Arthur J. Arberry, The Chester Beatty library; a handlist of the Arabic manuscripts, vol. 7, Dublin, HODGES, FIGGIS & CO., LTD. 1964, P. 88.. وبناء علىٰ ما ذكره الكساندر كي132 Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, Doctoral dissertation, p. 261. أنّ اسم الكتاب قد ذُكر علىٰ صفحة عنوانها كما يلي: «كتاب الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل الراغب في العقائد». هذا وإنّ أختر جمال محمّد لقمان ـ الذي صحّح كتاب الاعتقادات بناء علىٰ نسخة تشستربيتي ـ ظنّ بأنّها كتبت في القرن الثاني عشر؛ وذلك بناء علىٰ كتابة تشير إلىٰ تملّكها كُتبت في ظهر النسخة تُخبر عن شرائها في سنة (1109هـ)133 انظر: مقدّمة أختر جمال محمّد لقمان علىٰ كتاب الاعتقاد: 39. ، ولكن آرتور آربري الذي رأىٰ هذه النسخة عن قرب يرىٰ أنّ تاريخ كتابتها يعود إلىٰ القرن السابع الهجري134 Arthur J. Arberry, The Chester Beatty library; a handlist of the Arabic manuscripts, vol. 7, Dublin, HODGES, FIGGIS & CO., LTD. 1964, P. 88.، ونظراً إلىٰ الخطّ وطريقة كتابة النسخة يبدو أنّ ما يراه آربري أقرب للواقع، وما قاله أختر جمال محمّد لقمان ظنٌّ لا أساس له، علماً بأنّ تاريخ شراء النسخة لا يمكن أن تكون له دلالة علىٰ تاريخ كتابتها.
    النسخ المصحّحة من كتاب الاعتقادات:
    لقد عُرض حتّىٰ الآن من رسالة الراغب الإصفهاني تصحيحان:
    التصحيح الأوّل: تصحيح وتحقيق أختر جمال محمّد لقمان في سنة (1401هـ)، حيث قام بتصحيح هذا الكتاب بناء علىٰ نسخة تشستربيتي علىٰ شكل أطروحة جامعية في (497 صفحة)، صحّحه وحقّقه تحت عنوان: (كتاب الاعتقاد)، ودافع عنه في جامعة أمّ القرىٰ في مكّة المكرّمة (انظر: الصورة رقم: 4)، علماً أنّ هذا الكتاب لم ينشر بعد.
    التصحيح الثاني: تصحيح شمران العجلي في سنة (1408هـ)، حيث صحّح رسالة الاعتقادات بناء علىٰ ثلاث نسخ، أي: النسخة رقم: (56) في مكتبة آستان قدس رضوي في مشهد؛ والنسخة رقم: (382) من مجموعة الشهيد علي باشا في مكتبة السليمانية في اسطنبول؛ والنسخة رقم: (5277) في مكتبة تشستربيتي في دبلن في إيرنلدا؛ كما استفاد في تصحيحه من تصحيح أختر جمال محمّد لقمان، وقد نشر العجلي تحقيقه للكتاب تحت عنوان: (الاعتقادات) في بيروت في (386 صفحة) في قطع رقعي135 الاعتقادات: للراغب الإصفهاني، أبي القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، تحقيق: شمران العجلي، مؤسّسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1988م/1408هـ.، (انظر: الصورة رقم: 5).
    نظرة نقدية في تحقيق وتصحيح كتاب الاعتقادات:
    سوف نتطرّق هنا إلىٰ تقييم تحقيق وتصحيح العجلي من كتاب الاعتقادات، ومدىٰ قوّة عمله في تصحيح هذا النصّ القيّم. إنّ دراسة تصحيح العجلي لكتاب الاعتقادات ومقابلة نصّه مع النسخ الخطّية يميط الستار عن وجود عثرات ونواقص كثيرة فيه؛ الضبط الخاطئ أو الاستفادة من الضبط المرجوح دون الراجح، السقوطات الجزئية والسقوطات الكبيرة، درج الكلمات والعبارات الزائدة، النقص في ذكر الملاحظات حول نسخ البدل، التقطيع الخاطئ للفقرات، الاستخدام غير الصحيح للعلائم ووضعها في غير محلّها، ما هي إلّا نماذج من بعض الإخفاقات الموجودة في هذا التصحيح. وسوف نستعرض هنا بعض النماذج القليلة من العثرات الكثيرة الموجودة في عدّة فصول في تصحيح العجلي، ليتبيّن جليّاً إخفاق هذا التصحيح والحاجة الملحّة لعرض تصحيح جديد مُتقن من كتاب الاعتقادات.
    أ: الضبط الخاطئ، أو الاستفادة من الضبط المرجوح دون الراجح:
    إنّ أحد المشكلات الأساسية في تصحيح العجلي هي الأخطاء المتكرّرة في ضبط الكلمات والعبارات، ممّا أدّىٰ إلىٰ الغموض في فهم العبارات في الكثير من الموارد، أو إلىٰ ركاكة المعنىٰ وصعوبة التوصّل إلىٰ ما يرمي إليه الراغب من معنىٰ. وقد أدرجنا في القائمة أدناه عدداً من الأخطاء في الضبط، أو الاستفادة من الضبط المرجوح دون الراجح من قبل المصحّح؛ حيث ذكرنا أوّلاً الضبط الموجود في طبعة العجلي، وقد جعلنا خطّاً تحت الضبط الخاطئ لكي نميّزه، ثمّ بيّنّا الوجه الصحيح له.
    ص 32، س 8: فأربعة أوجه ← فأربعة أضرب.
    ص 33، س 2: وايجاد ← وايجاده.
    ص 35، س 12: فرع عن الاقرار ← فرع علىٰ الاقرار.
    ص 36، س 5: نبه قوله ← نبّه بقوله.
    ص 36، س 9: تغيير ما قال ← تغييره وقال.
    ص 38، س 13: ثم قال ← كما قال.
    ص 39، س 1: فهذا معرفة وجود ← فهذا معرفة وجوده.
    ص 42، س 15: الموجود بموجوده ← الموجَد بموجِده.
    ص 43، س 16: يعتربه الفساد ← يعتريه الفساد.
    ص 45، س 3: وأفعال الله ← فأفعال الله.
    نفس الصفحة، س 7: في مادة ← من مادة.
    ص 47، س 2: جهة العبادة ← جهة العباد.
    نفس الصفحة، س 6: معرفة موجود ← معرفة موجِد.
    ص 47، س 7: غير موجود ← غير موجَد.
    ص 47، س 14: وجود النقط ← وجود النقطة.
    ص 47، س 16: في الأول ← والأول.
    ص 48، س 2: يصبح وصفه ← يصح وصفه.
    ص 49، س 4: لا ينفعك من جوهر ← لا ينفك من جوهر.
    ص 49، س 13: علىٰ هذا المعنىٰ ذكر بقوله ← علىٰ هذا المعنىٰ دل بقوله.
    ص 52، س 3: التغيرات والتغيرات ← التغييرات والتغيرات.
    ص 52، س 7: كالنقطة ← كالنطفة.
    ص 53، س 7: بالتنقل ← في التنقل.
    ص 53، س 15: متعدية من الكون ← متعرية عن الكون.
    ص 53، س 17: ممن تأكلها وعرف كونها مسخرة ← فمن تأملها وعرف كونها مسخرة.
    ص 54، س 7: فما قيل ← فيما قيل.
    ص 54، س 11: متحرّك وغير متحرّك ← متحرّك غير محرِّك.
    ص 54، س 15: نبأهم علىٰ كونها محدثة ← نبّههم علىٰ كونها محدثة.
    ص 54، س 16: سببها في تحريك الأشياء ← سبباً في تحريك الأشياء.
    ص 55، س 11: مقالا محسوسا ← مثالاً محسوساً.
    ص 57، س 14: لكانت المفردات التي منها مركب متقدمة عليه ← لكانت المفردات التي منها تركب متقدمة عليه.
    ص 58، س 8: جعله من وجه واحد ← جعله من وجه واحداً.
    ص 58، س 13: المراد بالدلالة هو الموجد الذي لا يتقدمه موجود ← المراد بالإله هو الموجد الذي لا يتقدمه موجود.
    ص 58، س 16: لوجود الاختلاف في السموات والارض ← لوجد الاختلاف في السموات والارض.
    ص 59، س 11: يجيء من ذلك أحد الاخرين ← يجيء من ذلك أحد الأمرين.
    ص 60، س 12: التركيب المختلف ← للتركيب المختلف.
    ص 61، س 3: كان هذا القول صدقاً منه من كل وجه ← كان هذا القول صدقاً فيه من كل وجه.
    ص 61، س 9: ما يجب ان تجري في تحصيلها ← ما يجب أن يتحرّىٰ في تحصيلها.
    ص 61، س 14: وكذلك قال ← ولذلك قال.
    ص 65، س 1: المصنوع لا يكون الا هي صانع ← المصنوع لا يكون الا من صانع.
    ص 72، س 4: ان كان عرضه فالعرض لا قوام له بذاته ← ان كان عرضاً فالعرض لا قوام له بذاته.
    ص 73، س 12: لا يعلم الا ما اعلم ولا يعرف الا ما اعرف ← لا يعلم الا بما اعلم ولا يعرف الا ما عُرّف.
    ص 78، س 14: عقلي أم توفيقي ← عقلي أم توقيفي.
    ص 79، س 9: الانية المحصنة ← الإنّية المحضة.
    نفس الصفحة والسطر: الهوية بالحق ← الهوية الحق.
    ص 81، س 12: ذلك أوعىٰ لهم ← ذلك أدعىٰ لهم.
    ص 110، س 2: فالأول ترك جميعها ← فالأولىٰ ترك جميعها.
    ص 113، س 3: والله يتعالىٰ علىٰ ذلك ← والله يتعالىٰ عن ذلك.
    ص 136، س 3: كون الاسلام مؤيداً ← كون الاسلام مؤبّداً.
    ص 137، س 5: اما معالجة إفراط أو كمعالجة تفريط ← اما لمعالجة إفراط أو لمعالجة تفريط.
    ص 138، س 5: وجب تنقية هذا الدين ← وجب تبقية هذا الدين.
    ص 151، س آخر: يجعل بينه وبين الارواح العلية والسكينات ملاقاة ← يحصل بينه وبين الارواح العلية والسكينات ملاقاة.
    ص 153، س 2: فيقوم الامثل بالامثل ← فيقدّم الامثل بالامثل.
    ص 184، س 3: ويتشارك في معرفة كل من اختص ← ويتشارك في معرفته كل من اختص.
    ص 192، س 9: طريقة السمع ← طريقه السمع.
    ص 197، س 10: جميع الجوار ← جميع الجواهر.
    ص 197، س 11: حكماء المسلكين ← حكماء المسلمين.
    ص 199، س 11: لفقدها بالموت ← تفقدها الموت.
    ص 200، س 5: في التغيير ← في التغير.
    نفس الصفحة ونفس السطر: في ترحال ← في كل حال.
    ص 207، س 16: المحتضر ثلاث أحوال ← للمحتضر ثلاث أحوال.
    ص 243، س 8: يغنىٰ الله ← يفنىٰ الله.
    ص 261، س 11: طرفه عين ← طرفة عين.
    ص 267، س 14: امر من ← أفرّ من.
    ص 268، س 12: بسرأ النسمة ← برأ النسمة.
    ص 269، س 11: مضىٰ التردد ← معنىٰ التردد.
    ص 269، س 12: طلبت معرفة عنه ← طلبت صرفه عنه.
    ص 296، س 5: لم دخل ← لمن دخل.
    ب: السقوطات:
    السقوطات الجزئية أو الكثيرة الموجودة في النصّ الذي صحّحه العجلي هي أحد الإشكالات الأساسية الموجودة فيه؛ ويشتمل الجدول التالي علىٰ عدد من هذه السقوطات التي عثرنا عليها من خلال مقابلة النصّ المصحّح مع النسخ الخطّية للكتاب.
    التسلسل
    الصفحة والسطر
    ضبط النصّ في تصحيح العجلي
    الضبط الصحيح
    الكلمة أو العبارة الساقطة

    1
    ص 32 س 11
    الثاني
    و الثاني
    و

    2
    ص 33 س ما قبل الأخير
    قال
    حيث قال
    حيث

    3
    ص 34 س 3
    و هي المشار إليها
    و هي المعرفة المشار إليها
    المعرفة

    4
    ص 34 ش 12
    ان كان في الدنيا
    ان كان هي في الدنيا
    هي

    5
    ص 37 س 7
    و هذا للمؤمنين والكافرين
    وهذا خطاب للمؤمنين والكافرين
    خطاب

    6
    ص 37 س 12
    ان نور الله تعالىٰ يبهر بظهوره بصائرنا بالاضافة اليه جارية مجرىٰ عين الخفافيش بالاضافة إلىٰ ضوء الشمس
    ان نور الله تعالىٰ لمّا بهر بظهوره بصائرنا صارت بصائرنا بالاضافة اليه جارية مجرىٰ عين الخفافيش بالاضافة إلىٰ ضوء الشمس
    لمّا / صارت بصائرنا

    7
    ص 39 س 5
    يدل أنه
    يدل علىٰ أنه
    علىٰ

    8
    ص 41 س آخر
    معرفة الشبيه
    معرفة الشبيه بالشبيه
    بالشبيه

    9
    ص 42 س 15
    فيعرف المفعول بفاعله
    فيعرف بفاعله معرفة المفعول بفاعله
    بفاعله معرفة

    10
    ص 42 س 19
    للانسان احساسه
    للانسان سبيل إلىٰ احساسه
    سبيل إلىٰ

    11
    ص 46 س 6
    استخلف في افلال
    استخلف في توليها افلاك
    توليها

    12
    ص 47 س 7
    و فاعل
    و موجِد وفاعل
    و موجِد

    13
    ص 47 س 12
    وجود العناصر قبل وجود الغزل
    وجود العناصر قبل وجود النبات ووجود النبات قبل وجود القطن ووجود القطن قبل وجود الغزل
    النبات ووجود النبات قبل وجود القطن ووجود القطن قبل وجود

    14
    نفس الصفحة، س 13
    والثوب قبل القميص
    و وجود الثوب قبل وجود القميص
    وجود / وجود

    15
    ص 48 س 1
    ولو توهم مستغن عنها
    ولو توهم ارتفاعه ارتفع الأعداد ولو توهم ارتفاع الأعداد لم يرتفع الواحد وكل عدد مفتقر إلىٰ الواحد والواحد مستغن عنها
    ارتفاعه ارتفع الأعداد ولو توهم ارتفاع الأعداد لم يرتفع الواحد وكل عدد مفتقر إلىٰ الواحد والواحد

    16
    ص 48 س 18
    واجب الوجود لذاته
    واجب الوجود لذاته لا بموجب أوجده
    لا بموجب أوجده

    17
    ص 52 س 3
    الموجودات في العالم من انواع التغيرات
    الموجودات في العالم لا ينفك من انواع التغيرات
    لا ينفك

    18
    ص 54 س 8
    عدل إليها
    عدل إليها فقال هذا ربّي هذا أكبر
    فقال هذا ربّي هذا أكبر

    19
    ص 55 س 19
    الفاعل الذي لا يتقدمه فاعل
    الفاعل الأول الذي لا يتقدمه فاعل
    الأول

    20
    ص 60 س 3
    من ثلاثة أوجه
    من أحد ثلاثة أوجه
    أحد

    21
    ص 62 س 10
    الطريق المتوصل إلىٰ معرفة الله
    الطريق المتوصل بها إلىٰ معرفة الله
    بها

    22
    ص 64 س 7
    لم يكن في بداية العقول
    لم يكن معرفته في بداية العقول
    معرفته

    23
    ص 79 س 2
    ذهب صنف من الفلاسفة ان الله تعالىٰ
    ذهب صنف من الفلاسفة إلىٰ ان الله تعالىٰ
    إلىٰ

    24
    ص 81 س 13
    ثم كان من نحو يحيي ويميت ففيه تنبيه
    ثم ما كان من نحو هو يحيي ويميت ففيه تنبيه
    ما / هو

    25
    ص 269 س 9
    الارادة والمشيئة
    تحقيق الارادة والمشيئة
    تحقيق



    ج: إدراج بعض الكلمات والعبارات الزائدة في المتن:
    ومن العثرات والنواقص الأخرىٰ في تصحيح شِمران العَجَلي هي إدراج الكلمات والعبارات الزائدة في النصّ، ومن المعلوم أنّ إدراج الكلمات الزائدة في النصّ يزيد من صعوبة قراءته وفهمه، كما يكشف إدراجها أيضاً عن عدم مبالاة المصحّح وتهاونه وإهماله في المقابلة الصحيحة والدقيقة لنسخ الكتاب مع بعضها البعض، وتهاونه في معالجة النصّ وقراءته وتصحيحه. وفيما يلي نذكر عدداً من هذه العبارات الزائدة في القائمة أدناه، كما وضعنا خطّاً تحت العبارات الزائدة منها:
    1) ص 34، س 5 ـ 6: فأشار تعالىٰ بعلم الىقىن لترون الجحىم إلىٰ ما ىحصل للانسان في الدنىا.
    2) ص 47، س 7: وفاعل كلّ مفعول، فىعلم أنّه موجود وفاعل غىر موجود [كذا: موجَد] ولا مفعول.
    3) ص 48، س 11: لكنّ العدد الواحد في العدد.
    4) ص 55، س 10: مفعول و غير فاعل.
    5) ص 57، س 15: المركّب لابدّ أن ينتهي إلىٰ مركّب و غير مركّب.
    6) ص 64، س 8 ـ10: كعقل الإنسان فإنّه يظهر العلم بوجوده لنا بما يصدر عنه من أفعاله والباري تعالىٰ لمّا لم تكن معرفة ذاته كعقل الانسان فإنّه يظهر العلم بوجوده لنا بما يصدر عنه من أفعاله من بديهة العقل ولا مدركاً بمصادمة الحسّ لم يكن السبيل إليها إلّا بظهور آثاره.
    7) ص 94، س 11 وص101، س 13 وص 193، س 6: لو كشف الغطاء ما ازددت إلّا يقينا.
    8) ص 117، س 13: الكذب و المتعرية.
    د: الأغلاط المطبعية في هذا التصحيح:
    بالإضافة إلىٰ سائر الاشتباهات التي ارتكبها المصحّح في هذا التصحيح، نرىٰ فيه أيضاً العديد من الأغلاط المطبعية، والتي قد زادت في الطين بلّة، حيث جعلت في قراءة النصّ نوعاً من التشويش. ونتناول في القائمة أدناه بعضاً من هذه الأغلاط:
    ص 45، س 11: االمذكورين ← المذكورين.
    ص 46، س 6: افلال ← افلاك.
    ص 50، س ما قبل الأخير: كالمطوق به ← كالمنطوق به.
    ص 61، س 4: ان يتسثني ← ان يستثني.
    ص 81، س 13: يحي ← يحيي.
    ص 100، س 1: لا يبثرون ← لا يبصرون.
    ص 105، س 4: قدر ← قدير.
    ص 117، س 2: اخد ← أخذ.
    ص 118، س 5: أخباراً ← إخباراً.
    ص 119، س 7: اصلة ← أصله.
    ص 120، س 13: للمشهابة ← للمشابهة.
    ص 122، س 2: كا نبي ← كل نبي.
    ص 140، س آخر: لتزيل ← لتنزيل.
    ص 141، س 1: بأذن الله ← بإذن الله.
    ص 192، س آخر: دارلا القرار ← دار القرار.
    ص 194، س آخر: يوافقوةنهم ← يوافقونهم.
    ص 197، س ما قبل الأخير: هل الأثر ← أهل الأثر.
    ص 204، س 12: عيه وسلم ← عليه وسلم.
    ص 205، س 5: فرعوةن ← فرعون.
    ص 206، س 3: الصير ← الصبر.
    ص 208، س 16: وجوهم ← وجوههم.
    ص 240، س 15: الحجيم ← الجحيم.
    ص 276، 12: بد ← بعد.
    وفضلاً عن العثرات التي إنّما ذكرناها كأنموذج فقط، فإنّ هناك أيضاً أنواعاً أخرىٰ من الأخطاء قد تسلّلت إلىٰ تصحيح شمران العجلي؛ ومن بين هذه الأخطاء نرىٰ في بعض المواضع أنّ المصحّح العجلي عندما يصعب عليه تمييز العبارة الكاملة لبعض عناوين الفصول ـ لأنّ العناوين في النسخة الخطّية مكتوبة في ضمن النصّ ـ يقوم بإدراج قسم من العنوان في داخل النصّ أو بالعكس من ذلك، وفي النتيجة يصبح أمام ناظر القارئ عبارات مبهمة وغامضة! علىٰ سبيل المثال: فقد جاء عنوان: (شرف معرفة الله المكتسبة) في وسط الصفحة: (61) من تصحيح العجلي، ثمّ بدأ النصّ بالعبارة التالية: «من بين المعارف وما يجب أن تجري في تحصيلها العلوم، وإن كانت كلّها شريفة فأشرفها ما كان أشرف معلوماً»، فالمصحّح لم يتمكّن من تمييز العنوان الكامل والصحيح، لذلك عوضاً من أن يدرج قسماً من النصّ وهي عبارة: «من بين المعارف وما يجب أن تجري في تحصيلها» في عنوان الفصل، قام بإدخالها في النصّ، وعلىٰ إثره تعثّر أيضاً فهم العبارات الأولىٰ التي جاءت في بداية النصّ؛ وفي الواقع فإنّ العبارة الكاملة والصحيحة للعنوان يجب أن تكون علىٰ النحو التالي: «شرف معرفة الله المكتسبة من بين المعارف وما يجب أن يتحرّىٰ في تحصيلها»، وكذلك فإنّ الوجه الصحيح للعبارة الأولىٰ في بداية النصّ هي عبارة عن: «العلوم وإن كانت كلّها شريفة، فأشرفها ما كان أشرف معلوماً».
    والأنموذج الآخر: هو ما ورد في الصفحة: (284) وهو عنوان بالعبارة التالية: (بيان قلّة تأثير الإنسان فيما يظهر من فعله ما يظهر من فعل البشر) ثمّ تحت هذا العنوان افتتح النصّ بالجملة التالية: «هو ضربان: ضروري وهو غير منسوب إليه حقيقة... وإرادي وذلك يكون باختياره»، وقد جاءت عبارة: «ما يظهر من فعل البشر» داخل العنوان بالخطأ، حيث جعلت العنوان والنصّ مشوّشاً يصعب فهمه، في حين كان لابدّ لهذه العبارة أن تكون في أوّل النصّ وقبل جملة: «هو ضربان: ضروري وهو...».
    ومع غضّ النظر عن هذه العثرات فإنّ الفهارس التي تمّ تنظيمها للكتاب أيضاً فيها العديد من الأخطاء وغير مطابقة للصفحات التي يتمّ الإرجاع لها، علىٰ سبيل المثال: في فهرست الأعلام تمّ تسجيل أرقام الصفحتين: (100و102) أمام اسم: (برزوية)، في حين أنّ هذا الاسم لم يذكر في تلك الصفحات، بل جاء في صفحتي: (110و112). وكذلك الكثير من الفهارس لم تكن كاملة ودقيقة، وكأنموذج: فإنّ اسم مذهب: (أهل الحديث) و(أهل الأثر) قد جاء في عدّة مواضع من الكتاب منها في الصفحة: (115) ولم تذكر في فهرسة الفرق والمذاهب والأديان قطّ.
    وكلّ ما ذكرناه في مقالتنا هذه إنّما هو عبارة عن نماذج قليلة من العثرات والأخطاء الموجودة في تصحيح وتحقيق شمران العجلي لكتاب الاعتقادات، وبالنظر إلىٰ الأخطاء التي ذكرناها فمن الواضح ومن المسلّم به أنّ هذه الطبعة لا يمكن الاعتماد عليها وغير متقنة، ولا حاجة أيضاً إلىٰ عرض سائر الأخطاء والعثرات الأخرىٰ الموجودة في هذا التصحيح. فإنّ كثرة الأخطاء والعثرات الموجودة في تصحيح كتاب الاعتقادات يكشف عن قلّة علمية المصحّح وعدم قدرته علىٰ إنجاز هذا العمل وبضاعته المزجاة هذا من جانب، ومن جانب آخر يبيّن إهماله وقصوره في مقابلة النسخ وضبط النصّ ومراجعته؛ فإنّ وجود بعض العبارات الغامضة والمبهمة مثل: «المراد بالدلالة هو الموجِد الذي لا يتقدّمه موجود» (ص58، س13) حيث جاءت فيها كلمة: (الدلالة) عوضاً عن: (الإله) إنّما يعكس غاية إهمال المصحّح، بحيث إنّه لم يراجع تصحيحه بنحو دقيق ولا حتّىٰ مرّة واحدة.
    ويمكننا أن نلاحظ أنموذجاً آخر من هذا الإهمال في الثلاثة أسطر من آخر صفحة: (98)، وهي عبارات زائدة ولا صلة لها بما قبلها وبعدها، ولا يجب أدراجها في النصّ أبداً؛ فإنّ عدم التفات المصحّح إلىٰ معنىٰ العبارات أدّىٰ به أن يأتي بهذه الأسطر الثلاثة في النصّ بناء علىٰ ما جاء في إحدىٰ النسخ:
    قوله لموسىٰ: «لن تراني»، وذلك نفي [يتناول الدنيا والآخرة وليس ذلك كما قالوا، فإنّ (لن) إنّما هو لنفي المستقبل من الزمان، وكلامنا إنّما هو [بجرم] الفلك الذي عن حركته يكون الزمان] [علىٰ أنّ هؤلاء اضطرّوا إلىٰ استكمال أسماء مقرونة بصفات فقالوا هو الانية المحصّنة والهوية الحقّة، وهذا إثبات انية وهويّة].
    ونظراً إلىٰ الأخطاء الكثيرة في هذا التصحيح فهناك سؤال يطرح نفسه: تُرىٰ هل يمكننا علىٰ أساس هذه الطبعة أن نقوم بتحليل أفكار الراغب بدقّة وننقل آراءه الاعتقادية؟ تُرىٰ هل في الواقع يمكن أن تكون مثل هذه الطبعات معوّلاً للمحقّقين ومعتمداً للباحثين في التحقيقات الكلامية؟! فمن المعلوم أنّ وجود الكمّ الهائل من الأخطاء الملفتة للنظر في هذا النصّ تؤثّر أثراً سلبيّاً علىٰ فهم القارئ وتؤدّي به إلىٰ أن ينتزع منها مفاهيم غير صحيحة وخاطئة في استنتاجاته، فإنّ مجرّد وجود أخطاء وتصحيفات بسيطة في التحقيق قد تؤدّي إلىٰ تشويش ذهن القارئ.
    ونأمل أن نرىٰ في المستقبل القريب إعادة لتحقيق وتصحيح كتاب الاعتقادات القيّم للراغب الإصفهاني، ونتمنّىٰ أن يكون هذه المرّة بمنهج علمي متقن، وبالاستفادة من النسخة رقم: (2141) الموجودة في مكتبة فيض الله أفندي والتي لم يُستفَد منها حتّىٰ الآن في تصحيح هذا الكتاب، وأن يكون تصحيحاًَ انتقاديّاً ونصّاً محكماً وقويماً له. وبالله التوفيق.


    الصورة رقم: 1
    الصورة رقم: 1



    الصورة رقم: 2
    الصورة رقم: 2



    الصورة رقم: 3
    الصورة رقم: 3



    الصورة رقم: 4
    الصورة رقم: 4


    الصورة رقم: 5
    الصورة رقم: 5





    المصادر

    أبکار الأفکار في أصول الدين: الآمدي، سيف‌ الدين، تحقيق: أحمد محمّد المهدي، الطبعة الثالثة، مطبعة دار الکتب والوثائق القومية، القاهرة، 1428 هـ.
    إرشاد الطالبين إلىٰ نهج المسترشدين: السيوري الحلّي، مقداد بن عبد الله، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم،1405 هـ.
    أسرار الإمامة: الطبرسي، عماد الدين، دار المرتضىٰ، بيروت، 1426 هـ.
    الإشارة إلىٰ مذهب أهل الحقّ: الشيرازي، أبو إسحاق، دراسة وتحقيق: محمّد الزبيدي، دار الکتاب العربي، بيروت، 1419 هـ.
    أصول‌الدين: البغدادي، عبد القاهر، مطبعة الدولة، اسطنبول، 1346 هـ.
    الاعتقادات: الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، تحقيق: شمران العجلي، مؤسّسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1988م/1408هـ.
    بُغيَةُ الوُعاة في طبقات اللغويين والنُّحاة: السيوطي، جلال الدين، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسىٰ البابي الحلبي وشرکاه، 1384هـ.
    البيان عن أصول الإيمان: السمناني، محمّد بن أحمد، تحقيق: عبد العزيز بن رشيد الأيّوب، الکويت، دار الضياء. 1435 هـ.
    تاريخ حکماء الإسلام: البيهقي، ظهير الدين، عنىٰ بنشره وتحقيقه: محمّد کرد علي، مطبعة الترقّي، دِمشق، 1365هـ.
    10ـ تأسيس التقديس: الرازي، فخر الدين، تحقيق: أنس محمّد عدنان الشرفاوي، أحمد محمّد خير الخطيب، دار النور الصباح، دمشق، 2011 م.
    11ـ تفسير الراغب: الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، النسخة رقم: (84) مكتبة جار الله.
    12ـ التمهيد: الباقلّاني، أبو بکر، عنىٰ بتصحيحه ونشره: الأب رتشرد يوسف مکارثي اليسوعي، المکتبة الشرقية، بيروت، 1957م.
    13ـ دائرة المعارف بزرگ إسلامي: ج9، مدخل: (اصحاب حديث): پاکتچي، أحمد، مرکز دائرة المعارف بزرگ اسلامي، الطبعة الثانية، طهران، 1385ش.
    14ـ دانشنامه جهان اسلام: ج19، مدخل: (راغب إصفهاني): أحمد نژاد، أمير، بنياد دائرة المعارف اسلامي، طهران، 1393ش.
    15ـ راغب إصفهاني: ميرلوحي، سیّد علي، سازمان فرهنگي تفريحي شهرداري إصفهان، إصفهان، 1386ش.
    16ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات: الخوانساري، ميرزا محمّد باقر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1431ه‍.
    17ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء: الأفندي الإصفهاني، ملّا عبد الله، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، منشورات مکتبة آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1403 ھ.
    18ـ ريحانة الأدب: المدرّس التبريزي، محمّد علي، انتشارات خیّام، الطبعة الرابعة، طهران، 1374ش.
    19ـ کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: الحسن بن يوسف، الحلّي، تحقيق: آية الله حسن زاده آملي، الطبعة التاسعة، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1422 هـ.
    20ـ مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، الطبعة الثانية، ذوي القربىٰ، 1423ھ.
    21ـ مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: جعفريّان، رسول، مرکز نشر سازمان تبليغات اسلامي، 1372ش.
    22ـ النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة: البحراني، ميثم بن علي، مؤسّسة البعثة، قم، 1429هـ.
    23- Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, Doctoral dissertation, Harvard University, 2012.
    24- Rowson, E. ‘‘al-Rāghib al-Isfahānī’’, Encyclopaedia of Islam (New Edition), VIII, 390.
    25- Wisnovsky, Robert, “One Aspect of the Avicennian Turn in Sunni Theology”, in: Arabic Sciences and Philosophy, Cambridge University Press, vol. 14 (2004).

    1. تمّت الترجمة إلىٰ اللغة العربية هذه من قبل هيئة التحرير في مجلة (تراثنا) مع جزيل الشكر والامتنان لهم.
    2. الاعتقادات الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسین بن محمّد بن المفضّل، تحقیق: شمران العجلي، مؤسَّسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1988م / 1408هـ.
    3. Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, Doctoral dissertation, Harvard University, 2012, 331 + ix pp.
    4. ibid, p. 73.
    5. «نستنتج من خلال دراسة مؤلّفاته أنّه كان مؤيّداً لعقائد السلف؛ أو حسب تعبيره: (أهل الحقّ، أهل السنّة، أهل الحديث أو أهل الأثر)». قد تمّت ترجمة النصّ من الفارسية من كتاب (راغب إصفهاني: 118).
    6. «يمكننا أن نستنتج ممّا قيل في مذهب الراغب حتّىٰ الآن، أوّلاً: إنّ الراغب لم يكن من علماء السنّة أهل الحديث؛ لأنّه لم يكن ملتزماً بأهمّ أصولهم، ومنها إثبات الصفات. ثانياً: لا يمكن أن يكون أشعريّاً؛ وذلك لمواقفه التي اتّخذها في المسائل الكلامية المهمّة مثل الجبر والاختيار والحسن والقبح العقليّين، وخصوصاً إذا التفتنا إلىٰ أنّ المذهب الأشعري في القرن الرابع لم يتبلور منطقه الكلامي بعد، ولم يكن هو المنطق الغالب في المحاورات الكلامية، بل كان لا يزال تحت ظلال مذهب المعتزلة. ثالثاً: بالرغم من أنّ المصادر التفسيرية التي اعتمدها الراغب غالباً ما كان لها صلة بمذهب المعتزلة؛ وذلك لخصوصية المرحلة التي أدركها، حيث كثرت فيها الآثار العلمية للمعتزلة ومؤلّفاتهم. إلّا أنّ موقفه الذي اتّخذه في ردّ (التفويض)، والانتقادات الكثيرة التي وجّهها لأعلام المعتزلة البارزين؛ فمن الصعب أن نعدّه منهم. رابعاً: بالرغم من أنّ الراغب أشار في مؤلّفاته إلىٰ مسائل ترفضها الشيعة ـ ويبدو أنّ أكثر هذه الاختلافات قد وردت تقريباً في الفروع وفي المجال الفقهي ـ إلّا أنّ ما أبداه الراغب من فرط محبّته لأهل البيت ^، وكذلك أيضاً موافقته للشيعة في جميع المباحث الكلامية المهمّة، كلّ ذلك أدّىٰ إلىٰ أن ينسب للمذهب الشيعي. بناء علىٰ هذا لابدّ لنا إمّا أن نعتبر الراغب متكلّماً وحكيماً لم يأخذ سوىٰ ما رآه معقولاً ومطابقاً للقرآن، وأنّ محبّته للإمام علي × ولأبنائه جاء منسجماً مع نزعته الصوفية ليس إلّا؛ أو نعتبره شيعيّاً بالمعنىٰ الأعمّ ـ أي: من دون أن ننسبه إلىٰ إحدىٰ المذاهب الشيعية ـ ولكنّه اتّخذ جانب التقيّة ولم يُظهر ذلك نتيجة للصراعات التي كانت تدور آنذاك بين الشيعة والسنّة في إصفهان خاصّة، حيث يحتمل أنّ الراغب كان يقطن فيها». دانشنامه جهان اسلام، مدخل (راغب إصفهانی) 19/230.
    7. «إنّ جميع الاعتقادات النظرية هي ستّة أنواع قد نبّه النبي ـ صلّ الله عليه وسلّم ـ عليها في حديث جبرائیل علیه السلام لمّا أتاه في صورة أعرابي فسأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه». الاعتقادات: 24.
    8. «فالإیمان الشرعي الذي یطلق علىٰ سبیل المدح هو الاعتقاد الصادق الیقین بالأمور الأخرویّة وأصوله ستّة أشیاء قد نبّه علیه النبي ’ بقوله: الإیمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه». نفس المصدر: 293.
    9. نفس المصدر: 21.
    10. علىٰ سبيل المثال فإنّ عماد الدین الطبري (الطبرِسي) ذكر الراغب الإصفهاني قائلاً: «الراغب من الشیعة الإمامیة». أسرار الإمامة: 514. وأشار أيضاً الملّا عبد الله الأفندي الإصفهاني إلىٰ اختلاف وجهات النظر في شأن انتمائه المذهبي، وهل أنّ الراغب معتزلي أم شيعي؟ ويبدو أنّه في نهاية المطاف اعتمد كلام عماد الدین الطبري واتّخذه أساساً له واعتبره شيعيّاً. انظر: ریاض العلماء وحیاض الفضلاء 2/172. وأمّا الخوانساري فبالرغم من أنّه أكّد علىٰ تشيّع الراغب وذلك تعويلاً علىٰ كثرة رواياته عن أهل البيت ^ وإطلاقه لقب أمير المؤمنين علىٰ الإمام علي × وامتناعه النقل عن الخلفاء، إلّا أنّه أشار أيضاً إلىٰ كونه: (أشعري الأصول) استناداً إلىٰ کتاب: (الإیمان والکفر) للراغب الذي يحتمل أن يكون هو نفس كتاب: (الاعتقادات). انظر: روضات الجنّات 3/197ـ198.
    11. علىٰ سبيل المثال: فإنّ الراغب ذكر الإمام عليّاً × في مواضع عديدة من (رسالة الاعتقادات) بلقب أمير المؤمنين. انظر: الاعتقادات: 14، 33، 77، 80، 92، 94، 96، 105، 187، 193، 212.
    12. «أن يعتقد في الإمامة؛ أنّ الله عزّ وجلّ وعد المؤمنين أن يجعل فيهم خلفاء مخصوصين بقوله تعالىٰ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾، وذلك خلافة خاصّة، وعد الله عزّ وجلّ بها بعد خروج رسول الله (صلّىٰ الله عليه وسلم) من الدنيا، وظاهر ذلك يقتضي أن كلّ من تولّىٰ أمر المسلمين بعده كان خليفة، لولا ما ورد عن النبي (صلّىٰ الله عليه وسلّم) أنّه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكاً»، فيجب أن يقطع بصحّة خلافة من تولّاها في هذه المدّة بعد النبي (صلّىٰ الله عليه وسلّم) ثمّ يتوقّف عمّن كان بعدها فيفوّض أمورهم إلىٰ الله عزّ وجلّ». نفس المصدر: 30.
    13. «فرقة تدبّ في ضرّاء وتسرّ حسواً في ارتغاء، تظهر موالاة أمیر المؤمنین، وبها إضلال المؤمنین، یتوصّلون بمدحه وإظهار محبّته إلىٰ ذمّ الصحابة وأزواج النبي (صلّىٰ الله علیه وسلّم) الذین رضي الله عنهم، وشهد التنزیل بذلك لهم...». نفس المصدر: 14وما بعدها.
    14. «والفرق المبتدعة الذین هم کالأصول للفرق الاثنتین والسبعین: سبعة: المشبّهة، ونفاة الصفات، والقدریة، والمرجئة، والخوارج، والمخلوقیة، والمتشیّعة؛ فالمشبّهة ضلّت في ذات الله، ونفاة الصفات ضلّت في صفات الله عز ّوجلّ، والقدرية في أفعاله، والخوارج في الوعيد، والمرجئة في الإيمان، والمخلوقية في القرآن، والمتشيّعة في الإمامة». نفس المصدر: 26.
    15. نفس المصدر: 14.
    16. نفس المصدر: 76،91،129،267.
    17. «ومن عرف المعجزات المعقولة لم یرکن إلىٰ المحسوسات، بل إذا رأىٰ صاحبها یدّعي النبوّة صدّقَه کما فعل أبو بکر الصدیق، فإنّه لمّا شاهد الخصال النبویة [مجتمعة في محمّد (علیه السلام) أخذ ینتظر منه الدعویٰ، فلمّا ادّعیٰ] صدّقه ولهذا قال (علیه السلام): ما عرضت الإسلام علىٰ أحد إلّا کانت له کبوة غیر أبي بکر فإنّه لم يتلعثم‏». نفس المصدر: 129.
    18. انظر: النجاة في القیامة في تحقیق أمر الإمامة: 117.
    19. الاعتقادات: 14،293،131،138،142،143،160،187.
    20. نفس المصدر: 85.
    21. «الفرقة الرابعة من أصحاب الشافعي، هم المعتزلة، وكان رئیسهم الماوردي والراغب الإصفهاني وابن‌ رسته‌ الإصفهاني». تبصرة العوامّ في معرفة مقالات الأنام: 265.
    22. نفس المصدر: 273.
    23. «أن لا يكون جسماً ولا جسمانيّاً، بل جوهر مجرّد غير متحيّز ولا حال في المتحيّز، متعلّق بهذا البدن ليس تعلّق الحلول فيه، بل تعلّق التدبير له، كتعلّق العاشق بمعشوقه والملك بمدينته. وهو مذهب جمهور الفلاسفة، ومن المتكلّمين أبو القاسم الراغب‏ ومعمر بن عبّاد السلمي من المعتزلة، والغزالي من الأشاعرة، وأبو سهل بن نوبخت والمفيد محمّد بن محمّد بن النعمان من الإمامية، والمحقّق الطوسي (رحمهم الله)». إرشاد الطالبین إلىٰ نهج المسترشدین: 389.
    24. «وقد كان في ظنّي أنّ الراغب معتزلي، حتّىٰ رأيت بخطّ الشيخ بدر الدين الزركشي علىٰ ظهر نسخة من القواعد الصغرىٰ لابن عبد السلام ما نصّه: «ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب من أئمّة السنّة»، وقرنه بالغزالي، قال: وهي فائدة حسنة، فإن كثيراً من الناس يظنّون أنّه معتزلي». بُغيَةُ الوُعاة في طبقات اللغويّين والنحاة 2/297.
    25. ریاض العلماء وحیاض الفضلاء 2/172.
    26. ریحانة الأدب 2/292.
    27. «يبدو أنّ أفضل تعبير أطلق عليه هو اصطلاح (المعتزلي الشیعي)». مناسبات فرهنگى معتزله وشیعه: 66.
    28. علىٰ سبيل المثال: فإنّ الراغب ذكر في موضع (أبا القاسم الكعبي البلخي) ونقل عنه كلاماً. انظر: الاعتقادات: 257.
    29. «إنّه لیس معرفة ذلك باکتساب کما زعم جلّ المعتزلة». نفس المصدر: 35.
    30. «فأمّا ما ذكره المعتزلة بأنّ الله لا يعلم کونه موجوداً إلّا بعد العلم بأنّه محدث للعالم وأنّه قادر وعالم وحي، وأنّه ما لم يعلم كلّ ذلك لا يمكن أن يعلم كونه موجوداً، فذلك شنيع جدّاً، وكيف يصحّ تصوّر موجد قادر عالم حيّ ليس بموجود حتّىٰ يدلّ أنّه موجود بعد العلم بكلّ هذا». نفس المصدر: 39.
    31. نفس المصدر: 98.
    32. نفس المصدر: 97.
    33. نفس المصدر: 105.
    34. نفس المصدر: 130.
    35. نفس المصدر: 166.
    36. نفس المصدر: 168.
    37. نفس المصدر: 197. يعتقد الراغب بعینیّة وجود الشيء مع ذاته: «وجود کلّ شيء ذاته، ولیس الذات شیئاً ووجوده شیئاً آخر». وفي موضع آخر حكم أيضاً بعینیّة الشيء وموجودیّته: «الشيء عبارة عن الموجود». نفس المصدر: 270.
    38. نفس المصدر: 199.
    39. نفس المصدر: 203.
    40. نفس المصدر: 203،220.
    41. نفس المصدر: 216.
    42. «إنّ الفناء الذي أبدعته المعتزلة هو شيء توهّموه فاخترعوه من غیر أنّ له في الشریعة أصلاً یعتمد علیه أو یفزع إلیه، والعجب أنّهم ادّعوا في ذلك الإجماع». نفس المصدر: 243.
    43. «لا یدخل الجنّة الّا المعتزلة، ولا من المعتزلة الّا من هو علىٰ مذهب أبي هاشم، ولا ممّن هو علىٰ مذهبه إلّا من لم یقدر [کذا: یقدّم] علىٰ کبیرة ولا خیانة عشرة دراهم». نفس المصدر: 252.
    44. «مثل أبي القاسم الراغب وأبي حامد الغزالي من أصحابنا». تأسیس التقدیس: 47.
    45. «اختلف الناس في ماهية النفس، وأنّها هل هي جوهر أم لا؟ والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي مجرّد أم لا؟ والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسماني». کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد: 278. انظر: نفس المصدر: 549.
    46. “Al-Rāghib's actual theological stance seems in fact to have been close to that of the Ashʿarīs”. E. Rowson, ‘‘al-Rāghib al-Isfahānī’’, Encyclopaedia of Islam (New Edition), VIII, 390.
    47. Wisnovsky, Robert, “One Aspect of the Avicennian Turn in Sunni Theology”, in: Arabic Sciences and Philosophy, vol. 14 (2004), p. 88.
    48. «إنّما الذي یحصل بفعله هو تصرّف في الموجودات، ولأجله ینسب إلیه الفعل، وهو المشار إلیه بالکسب والعمل والصنع، وإذا تصوّر ذلك تزول الشبهة فیما یدّعیٰ أنّ الکسب معنىٰ غیر مقبول». الاعتقادات: 284ـ285.
    49. «أن يعتقد في صفاته أنّه حي عالم قادر سميع بصير، إلىٰ غير ذلك من الصفات التي ورد به الشرع وأجمعت عليه الأمّة، وأنّ له علماً وقدرة وبصراً لا علىٰ الوجه المحسوس، ويترك البحث عن معنىٰ صفاته سوىٰ ما ورد عن السلف، ويترك الكلام في وصفها أنّها قديمة أو محدثة، وهل هي هو أو غيره أو لا هي ولا غيره، فإنّ ذلك كلّه بدعة وخوض فيما أمسك عنه الصحابة والتابعون». نفس المصدر: 28.
    50. «والكلام في أنّ الله تعالىٰ، هو مريد لنفسه أو بإرادة قديمة أو محدثة؟ وأنّه وإن كان مريداً بإرادة محدثة فهل هي في محلّ أو لا في محلّ؟ فما [کذا: فممّا] كفانا الله أمرها». نفس المصدر: 270.
    51. نفس المصدر: 174.
    52. «أنّا لا نصف الله تعالىٰ ولا نصف الأمور الإلهیّة إلّا بما ورد به السمع، ولمّا لم یرد السمع بشيء من ذلك لم نصف به». نفس المصدر: 173.
    53. Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, p. 81.
    54. أنموذجاً انظر: الاعتقادات: 157ـ158، 263، 271، 285، 300، 301.
    55. «أصحابنا مجمعون علىٰ أنّ الله تعالىٰ حي بحياة، وقادر بقدرة، وعالم بعلم، ومريد بإرادة، وسامع بسمع لا بأذن، وباصر ببصر هو رؤية لا عين، ومتكلّم بكلام لا من جنس الأصوات والحروف، وأجمعوا علىٰ أنّ هذه الصفات السبع أزلية، وسمّوها قديمة». أصول الدین :90. «مذهب أهل الحقّ من الأشاعرة: أنّ الواجب بذاته قادر بقدرة، مريد بإرادة، عالم بعلم، متكلّم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر، حيّ بحياة، وهذه كلّها صفات وجودية، أزلية، زائدة علىٰ ذات واجب الوجود». أبکار الأفکار في أصول الدین 1/265.
    56. لأنّ صفات الباري سبعة، والذات الألهية واحدة، فيصبحن ثمانية؛ هذه نظرية الأشاعرة، وهي: إنّ صفات الباري عزّ وجلّ زائدة علىٰ الذات، ولكن قديمة بقدم الذات، فيصير القدماء ثمانية، أي: الذات الإلهية وصفات الباري السبعة.
    57. «ويترك البحث عن معنىٰ صفاته سوىٰ ما ورد عن السلف، ويترك الكلام في وصفها أنّها قديمة أو محدثة، وهل هي هو أو غيره؟ أو لا هي ولا غيره؟ فإنّ ذلك كلّه بدعة وخوض فيما أمسك عنه الصحابة والتابعون». الاعتقادات: 28.
    58. «مذهب من يقول أنّ الله تعالىٰ حي قادر عالم بعلم وقدرة وحياة قديمة، وأنّ هذه المعاني قائمة بذاته موجودة له وبها صار حيّاً عالماً وقادراً، وقد اعترض علىٰ ذلك بأنّ من جعل هذه المعاني قائمة بذاته فقوله يوجب كونه سبحانه مرکّباً من أشياء كسائر المركّبات ـ تعالىٰ الله عن ذلك ـ فإنّ ذلك يبطل التوحيد، بل يبطل الإلهية». نفس المصدر: 86.
    59. «علم الباري تعالىٰ لا یخالف العلوم في خاصیّة کونه علماً ولا في معناه ولا في حدّه، وأنّه معرفة المعلوم علىٰ ما هو به». البیان عن أصول الإیمان: 119.
    60. الاعتقادات: 28.
    61. نفس المصدر: 30.
    62. نفس المصدر: 279ـ281.
    63. علىٰ سبيل المثال: فقد صرّح أبو جعفر السمناني المتكلّم الأشعري المعاصر للراغب الإصفهاني، بهذا الأمر قائلاً: «باب ذکر الدلالة علىٰ أنّ الاستطاعة مع الفعل. قد بیّنا أنّ الذي نذهب إلیه: أنّ قدرة العبد مع الفعل لا قبله ولا بعده، والقدرة والقوّة والاستطاعة معنىٰ واحد». البیان عن أصول الإیمان: 321. وانظر: التمهید: 286ـ289.
    64. الاعتقادات: 72.
    65. «جعل تعالىٰ بإزاء الشيء القائم بذاته وهو الجوهر، الشيء الذي قوامه بغیره وهو العرض». نفس المصدر: 145.
    66. «ورغبت رغبة صادقة أن أعمل رسالة أبیّن فیها أنواع الاعتقادات التي یحکم بها علىٰ الإنسان بالإیمان والکفر، والهدایة والضلال، وأذکر الحقّ الذي کان علیه أعیان السلف من الصحابة والتابعین، قبل أن حدثت البدع من قوم یخذلون الدین ویزعمون أنّهم أنصاره». نفس المصدر: 14.
    67. نفس المصدر: 26.
    68. نفس المصدر: 27.
    69. من باب المثال نذكر فقط مقولة سیف الدین الآمِدي الأشعري الذي اعتبر فیها الأشاعرة والسلفية هم الفرقة الناجية ممّن اتّبع الصحابة السلف: «وأمّا الفرقة الناجية: وهي الثالثة والسبعون، فهي ما كانت علىٰ ما كان النبي (صلىٰ اللّه عليه وسلم) وسلف الصحابة علىٰ ما سبق من قوله (عليه السلام) حين قيل له من الفرقة الناجية قال: (هم الذين علىٰ ما أنا عليه وأصحابي) وهذه الفرقة هي: الأشاعرة، والسلفية من المحدّثين وأهل السنّة والجماعة؛ وذلك لأنّهم لم يخلطوا أصولهم بشي‏ء من بدع القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجّارية، والجبرية، والمشبّهة، ممّا سبق تحقيقه من بدعهم وأقوالهم‏». أبکار الأفکار 5/96.
    70. الاعتقادات: 28ـ31.
    71. الإشارة إلىٰ مذهب أهل الحقّ: 275.
    72. نفس المصدر: 283.
    73. «ذكر أهل الأثر أنّ الله عزّ وجلّ لا يصحّ أن يوصف إلّا بما ورد السمع به من حيث يقطع علىٰ صحّته أو ما أجمعت الأمّة عليه، وما عدا ذلك فمردود، وهذا هو الصحيح وإليه أشار بقوله عزّ وجلّ: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾». الاعتقادات: 79.
    74. «مذهب أهل الأثر، هو أنّ الله تعالىٰ حي عالم قادر، وأنّ له قدرة وحياة وعلماً، وأن ليس معنىٰ شيء من ذلك إذا استعمل في الله عزّ وجلّ معناه إذا استعمل فينا، وذلك أنّ العالم إذا استعمل في غير الله فمعناه أنّه اختصّ بهيئة اقتضت تلك الهيئة أن يتصوّر بمعلوم ما، والقادر اذا استعمل فينا يراد أنّ له هيئة يصدر عنها فعله، والعلم والقدرة اسم الهيئتين اللتين يصحّ بهما منه ذلك الفعل، وهذا يقتضي ترکيباً فينا؛ فأمّا إذا استعمل في الله عزّ وجلّ فمعنىٰ العالم فيه أنّه لا يخفىٰ عليه شيء، ومعنىٰ القادر فيه تعالىٰ أنّه لا يعجزه شيء، ومعنىٰ الحي فيه أنّه لا يجوز عليه الفناء، فمعنىٰ العلم والقدرة والحياة إذاً في الله تعالىٰ إشارة إلىٰ ارتفاع الجهل والعجز والفناء». نفس المصدر: 87ـ88.
    75. نفس المصدر: 30.
    76. «فقد أثبت التشبیه من حیث جعل معاني هذه الألفاظ فینا وفیه واحداً مشترکاً». نفس المصدر: 49.
    77. «فإن قيل: فهل نَصِفُ قدرة الله وعلمه بالقِدَم كما ذكره بعض أهل الأثر؟ قيل: لا نَصِفه بذلك، وذلك أنّه تقدّم القول أنّا لو تركنا وعقولنا لأحجمنا عن وصفه تعالىٰ بكلّ لفظ يقتضي موضوعه کيفية أو زماناً أو مكاناً أو انفعالاً، وإنّما جوّزنا ذلك اتّباعاً للشرع، ولم يرد الشرع بوصف علمه وقدرته بالقِدَم، وإنّما ورد عنه: (یا قدیم الإحسان) فجوّزنا ذلك وتوقّفنا عمّا لم يرد به الشرع، ولم يرد السمع بأنّ علمه قدیم فسكتنا عن ذلك. فإن قيل: فقد أجمع الذين قالوا له علم وقدرة أنّه يوصف بالقِدَم. قيل: هذا دعوىٰ إجماع ما أرىٰ ثبته وتصحيحه عن الأئمّة من الأسلاف، فإن ثبت ذلك عنهم حينئذٍ تبعناهم في الاستعمال، ونزّلناه علىٰ حسب ما يقتضي». نفس المصدر: 89.
    78. مفردات ألفاظ القرآن: 661.
    79. «أنّا لو تُركنا ومجرّد العقل لنزّهناه تعالىٰ عن الوصف بلفظ مشترك، وأنّ الذي أطلقنا عليه من ذلك هو ما ورد به السمع». الاعتقادات: 270.
    80. «وإیّاك أن تتصوّر بهذه الألفاظ شیئاً من المحسوسات». نفس المصدر: 105.
    81. «عرش الله وكرسيّه ممّا لا يعلم البشر منها إلّا مقدار ما اطّلع الله عليه، وهما من الأشياء التي ليس عند البشر في الحقيقة منهما إلّا اسمه، ولا يصحّ له تصوّره، وذلك أنّه لا يصحّ أن يتصوّر الإنسان إلّا ما أحسّه أو أحسّ له مثلاً، ومعلوم أنّ المحسوس لنا من العرش أنّه هو الغرفة أو السرير الذي يقعد عليه الملك، أو عرش الكرم أو عربته، ولیس عرش الله بشيء من ذلك». نفس المصدر: 103. وقد أكّد الراغب أيضاً علىٰ هذا الرأي في كتابه مفردات ألفاظ القرآن: «وعرش الله ما لا یعلمه البشرُ علىٰ الحقیقة إلّا بالإسم، ولیس کما تذهب إلیه أوهام العامّة؛ فإنّه لو کان کذلك لکان حاملاً له تعالىٰ عن ذلك لا محمولاً». مفردات ألفاظ القرآن: 558.
    82. الاعتقادات: 106.
    83. نفس المصدر: 115ـ117.
    84. «ولم يمعنوا النظر حتّىٰ يعرفوا بین ما هو مركوز في العقل يحتاج إلىٰ تنبيه الإنسان له وبين ما يستفاد من خارج، وإذا اعتبر حال الصبيان المتعرّين من العادات القبيحة، عَلِم ذلك أنّهم يستقبحون مقابح ويستحسنون محاسن من غير معرفتهم بالشرع وإلىٰ هذه المعارف التي هي معرفة الله علىٰ طريق الإجمال ووجوب شكر النعم وقبح الظلم والغدر والخيانة والكذب والمتعرّية من النفع ودفع المضرّة؛ أشار تعالىٰ بقوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾». نفس المصدر: 117.
    85. «وأمّا أهل الحقّ وأصحاب الأثر وحكماء المسلكين [کذا: المسلمین] فقالوا: إنّ الذوات وجواهرها وأعراضها لم تصِر ذواتاً وأعراضاً إلّا بالله تعالىٰ، وإنّ ما حدث إنّما حدث لأنّ الله تعالىٰ فعل حدوثه، وما بقي إنّما بقي لأنّ الله تعالىٰ فعل بقاءه ولم يبقَ ما لم يبقَ لأنّ الله تعالىٰ لم يفعل له البقاء، وكلّ شيء عري من حفظ الله تعالىٰ لم يبقَ ولا طرفة عين؛ كما قال تعالىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ ». نفس المصدر: 197.
    86. «وعند أهل الأثر إنّ الله تعالىٰ خلق الأرواح قبل الأجساد علىٰ ما ورد به الخبر: (ولم یکن شیئاً ثمّ خلق الأبدان فنفخ فيها الروح)، كما قال تعالیٰ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ﴾، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، وإنّه تعالىٰ لمّا خلق آدم عليه السلام أخرج نسمة منه فنثرها بين يديه كالذرّ ثمّ كلّمهم فقال تعالی: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾، ومن لم يعتبر بما ورد به القرآن ودلّ عليه الآثار اعتباراً روحانیّاً عقليّاً، بل اعتباراً حسّياً عدّ ذلك خرافة وسخفاً». نفس المصدر: 197.
    87. «والسادس: مذهب الأشعرية: أنّ الله تعالىٰ يفعل بعباده ما يشاء لا لحكمة تقتضي ذلك سوىٰ أنّه حسن منه كلّ ما يفعله؛ لأنّه خالقهم ومالكهم وللخالق المالك أن يفعل بخلقه وملکه ما يشاء، ولا اعتراض عليه. السابع: مذهب أهل الأثر ومحصّلي الصوفية والحكماء: أنّ لله تعالىٰ في فعله حكمة، ولكن بعضها يخفىٰ علىٰ جلّ الناس أو كلّهم لقصور أفهامهم، وليس جهل الجاهل بحكمته قدحاً فيها، وما عجزوا عنه فحكمهم الاستسلام، وذلك يذكر من بعد فإنّ هذا من القدر الذي أمرنا أن لا نبحث عنه ولا يظهره من اطّلع عليه، حيث قال عليه السلام: (القدر سرّ من أسرار الله فلا تفشوا سرّه)». نفس المصدر: 252ـ253.
    88. «اختلف الناس في أفعال البشر، فقالت المعتزلة: هو خلقهم دون خلق الله، وذهب أهل الأثر إلىٰ أنّ الله تعالىٰ خالقها اعتماداً علىٰ الظواهر». نفس المصدر: 277.
    89. «أنّه یصحّ نسبة أفعال الإنسان إلىٰ الله تعالىٰ علىٰ سبیل الخلق، وإن کان منسوباً إلىٰ متعاطیه بلفظ الفعل والعمل والکسب». نفس المصدر: 279.
    90. كنموذج انظر: نفس المصدر: 63، 197، 198.
    91. دائرة المعارف بزرگ إسلامي 9/114 (مدخل: أصحاب حدیث).
    92. «ثلّة من علماء السنّة في القرن الثاني الهجري أتخذوا موقفاً في مواجهة أصحاب الرأي، وقد ذكرتهم المصادر المتأخّرة بصفة عامّة تحت عنوان: (أصحاب الحدیث)، حيث أُطلق عليهم في عصرهم اسم: (أصحاب الأثر) أو (أصحاب الآثار) وبه كانوا يدعون». تمّ ترجمة النصّ من دائرة المعارف بزرگ إسلامي 9/114 (مدخل: أصحاب حدیث).
    93. «فالبلیغ یختصّ بمعرفة بلاغته وفصاحته، والفقیه یختصّ بمعرفة أحکامه، وأهل الأثر یختصّون بمعرفة قصصه». الاعتقادات: 177.
    94. Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, p. 85.
    95. «المعتزلة هم الفرقة الرابعة من أصحاب الشافعي وكان رئيسهم الماوردي والراغب الإصفهاني وابن رسته الإصفهاني». تبصرة العوامّ في معرفة مقالات الأنام: 265. وانظر: نفس المصدر: 273. وقد ذكر الخوانساري في كتاب مُحاضَرَات الأدباء أيضاً الراغب الإصفهاني كونه من الشافعية، وذلك بناء علىٰ آرائه الفقهية: «وکان من الشافعیة کما استفید لنا من فقه محاضراته». روضات الجنّات 3/197.
    96. «الحكيم أبو القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل الراغب (الإصفهاني) كان من حكماء الإسلام، وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه، وله تصانيف كثيرة منها: غرّة التنزيل ودرّة التأويل، وكتاب الذريعة، وكتاب كلمات الصحابة. وكان حظّه من المعقولات أكثر». تاریخ حکماء الإسلام: 112.
    97. علىٰ سبيل المثال انظر: الاعتقادات: 91، 94،97،122، 133، 141، 148، 157، 165، 229، 231، 242، 252، 253، 254، 255، 258، 263، 267، 283، 284، 289.
    98. «وقال بعض الحکماء: الموجودات کلّها وإن صحّ الاستدلال بها علىٰ وحدانیة الله تعالىٰ فلا شيء أدلّ علیه وأبعد من الظنّ والشبهة من الأجرام العلویة وإن کان الاستدلال بها أصعب وأغمض... ذلك أنّ الموجودات ثلاثة: متحرّك وغير متحرّك کالجمادات؛ ومتحرّك ومحرّك كالإنسان؛ ومحرّك وغير متحرّك وهو الباري جلّ جلاله. وكلّ متحرّك يحتاج إلىٰ محرّك، فلمّا رأىٰ هذه الأجرام متحرّكة نبّأهم [کذا: نبّههم] علىٰ كونها محدثة، ولمّا لم يكن فوق حركتها حركة وكانت سببها [کذا: سبباً] في تحريك الأشياء التي دونها علم أنّ محرّكها لا يصحّ إلّا أن يكون محرّكاً غير متحرّك، لأنّه لو كان متحرّكاً لاحتاج إلىٰ محرّك أقوىٰ منه، ولا يوجد متحرّك أقوىٰ من الفلك الأعلىٰ، فإذاً يجب أن يكون محرّکه الذي فوقه غير متحرّك، [و] هذا أقوىٰ دلالة علىٰ وجود الباري عزّ اسمه». نفس المصدر: 53ـ54.
    99. «جُلّ العقلاء علىٰ أنّ الأعیان الموجودة ثلاثة: جسماني مجرّد، وجسماني روحاني کالإنسان، وروحاني مجرّد وهم الملائکة والجنّ». نفس المصدر: 145.
    100. «إنّ الله تعالىٰ جعل الموجودات قسمین: جسماني وغیر جسماني وجعل الجسماني أربعة أنواع: الجمادات والنبات والبهائم، والإنسان». نفس المصدر: 120؛ «جعل بإزاء الخلق الذین یحسّون وهم الأجسام الکثیفة خلقاً، ولا یحسّون وهم الروحانیّات اللطیفة». نفس المصدر: 146.
    101. «جعل بإزاء المحسوسة المرکّبة الأشیاء المعقولة البسیطة». نفس المصدر: 146.
    102. «والدلالة علىٰ أنّه تعالىٰ موجود واجب الوجود: أنّه كلّما فرضته أو توهّمته موجوداً إلّا [کذا: لا] يخلو من ثلاثة أوجه: أمّا واجب الوجود، أو ممتنع الوجود، أو ممکن الوجود. فالواجب الوجود: هو الذي إذا فرض غير موجود لزم منه محال؛ كحصول أربعة من وجود اثنين واثنين. والممتنع الموجود [کذا: الوجود]: هو الذي إذا فرض موجوداً لزم منه محال؛ کحصول أربعة من وجود اثنين وثلاثة. والممكن الوجود: هو الذي إذا فرض موجوداً أو غير موجود لم يلزم منه محال؛ کمجيء المطر في الشتاء. والواجب الوجود ضربان: واجب الوجود لا لذاته بل لأمر آخر؛ کوجود أربعة الذي يجب عن حصول اثنين واثنين. وواجب الوجود لذاته لا لشيء آخر: وهو الباري تعالیٰ، والواجب الوجود: هو الذي إذا فرض غير موجود حصل منه محال، ولا محتاج في وجوده إلىٰ شيء يوجده، ويكون أزليّاً، وذلك هو الله تعالیٰ». نفس المصدر: 56ـ57.
    103. «وعنىٰ بالزوجین هاهنا الجوهر والصورة... وذلك أنّه لا یصحّ وجود الجوهر من دون الصورة ولا تقوم الصورة من دون الجوهر... فالجسم جوهر طویل عریض عمیق، ولولا الجوهر لم یوجد طوله وعرضه وعمقه». نفس المصدر: 49.
    104. «وممّا يدلّ علىٰ حدوث العالم ما نبّه الله تعالىٰ عليه بقوله: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وبيان ذلك: أنّ الشيئين إذا تعلّق قوام كلّ واحد منهما بقوام صاحبه، فإذا اختلّ أحدهما اختلّ الآخر، كالكوزين المتعلّقين من وتد بخيط واحد متىٰ سقط أحدهما سقط الآخر، وقد أوجد الله تعالىٰ كلّ ما في العالم مزدوجاً مركّباً من مادّة وصورة، لا یصحّ وجود المادّة من دون الصورة، ولا تقوم الصورة من دون المادّة». نفس المصدر: 67ـ68.
    105. نفس المصدر: 50.
    106. نفس المصدر: 79.
    107. «الإنسان مبعوث وینشر بروحه وبدنه جمیعاً علىٰ الاطلاق، خلاف ما قالت الفلاسفة والباطنیة جمیعاً بأنّه ینشر بروحه دون بدنه». نفس المصدر: 224.
    108. نفس المصدر: 185، 255.
    109. نفس المصدر: 77.
    110. نفس المصدر.
    111. نفس المصدر: 85، 95.
    112. نفس المصدر: 91.
    113. انظر: مقدّمة صفوان عدنان داوودي علىٰ مفردات ألفاظ القرآن: 12. وانظر:
    114. تطرّق الراغب فيما يلي تفسير الآية: 37 من سورة البقرة في كتابه: (شرف التصوّف) إلىٰ ذکر مقامات العلماء والحکماء والکبراء قائلاً: «هذه مسألة کثیرة قد أحکمتها في کتاب شرف التصوّف». انظر: تفسیر الراغب، النسخة رقم: 84 في مكتبة جار الله، الورقة: 42آ.
    115. دائرة المعارف بزرگ اسلامي 9/121 (مدخل: أصحاب حدیث).
    116. انظر: الاعتقادات: 281ـ291.
    117. «التأويل: مايؤوّل إليه حقيقة الكلام والفعل ولا يقتضيه ظاهرهما، وهو تفعيل من آل يؤول إذا رجع، وذلك ردّ الكلام من بين المحتملات الىٰ المراد» نفس المصدر: 178.
    118. نفس المصدر: 179.
    119. نفس المصدر: 188ـ190.
    120. نفس المصدر: 236.
    121. نفس المصدر: 237.
    122. انظر: مقدّمة شمران العجلي علىٰ كتاب الاعتقادات: 10، ومقدّمة أختر جمال محمّد لقمان علىٰ کتاب الاعتقاد: 37.
    123. كأنموذج: العلّامة الحلّي قد عدّ الراغب في زمرة متکلّمي الأشعرية ممّن يقول بـ: (تجرّد النفس)، حيث قال: «اختلف الناس في ماهية النفس، وأنّها هل هي جوهر أم لا؟ والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي مجرّد أم لا؟ والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسماني». کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 278.
    124. انظر أنموذجاً: شرح المقاصد 5/88.
    125. «وأمّا کيفية تزکية النفس فقد بيّنتها في کتاب الذريعة الىٰ مکارم الشريعة». الاعتقادات: 62.
    126. قارن بين المباحث في: الاعتقادات: 269ـ272، مع المباحث المذکورة في مفردات ألفاظ القرآن: 471ـ472.
    127. وأتقدّم بالشكر الجزيل إلىٰ صديقي العزيز السيّد أُميد حسيني نژاد الذي ساعدني في تهيئة هذه النسخة.
    128. انظر: فهرستگان نسخه‌هاي خطّي إيران (فنخا) 7 /678.
    129. «کنت قد أشرت فيما أمليته من کتاب تحقيق البيان في تأويل القرآن إلىٰ الفَرق بين أحکام الشريعة ومکارمها». الذريعة إلىٰ مکارم الشريعة: 1.
    130. انظر: مقدّمة شمران العجلي علىٰ كتاب الاعتقادات: ص8؛ وكتاب السيّد علي ميرلوحي تحت عنوان: راغب إصفهاني: 237؛ ومقدّمة صفوان عدنان الداوودي علىٰ كتاب مفردات ألفاظ القرآن: ص 12.
    131. Arthur J. Arberry, The Chester Beatty library; a handlist of the Arabic manuscripts, vol. 7, Dublin, HODGES, FIGGIS & CO., LTD. 1964, P. 88.
    132. Key, Alexander, A Linguistic Frame of Mind: ar-Rāġib al-Iṣfahānī and What It Meant to be Ambiguous, Doctoral dissertation, p. 261.
    133. انظر: مقدّمة أختر جمال محمّد لقمان علىٰ كتاب الاعتقاد: 39.
    134. Arthur J. Arberry, The Chester Beatty library; a handlist of the Arabic manuscripts, vol. ۷, Dublin, HODGES, FIGGIS & CO., LTD. ۱۹۶۴, P. ۸۸.
    ۱۳۵. الاعتقادات: للراغب الإصفهاني، أبي القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، تحقيق: شمران العجلي، مؤسّسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ۱۹۸۸م/۱۴۰۸هـ.
    تراثنا؛ 157
    جمعه ۱۱ اسفند ۱۴۰۲ ساعت ۵:۴۶
    نظرات



    نمایش ایمیل به مخاطبین





    نمایش نظر در سایت