الكلام الشيعي و حِوَارِيّات الكلام المعتزلي (ملاحظات في مسألة تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي)
المدخل: 12
يعتبر موضوع ارتباط الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي ونسبته اليه واحداً من أهمّ المواضيع إثارة للجدل في تاريخ الكلام الشيعي، وبالخصوص موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي؛ فقد تناولت كلّ من المصنّفات الكلامية وكتب الملل والنحل وكتب التراجم القديمة مختلف الآراء في خصوص علل وأسباب هذا الأمر، هذا وإنّ بعض الدراسات قد تناولت هذا الموضوع بالخصوص، حيث تطرّقت إلىٰ العديد من الأقوال والآراء القديمة في هذا الشأن3فلا حاجة لنا إلىٰ تناولها مرّة أخرىٰ في بحثنا هذا، ولكن أودّ أن أشير هنا باختصار إلىٰ ما توصّلت اليه بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع في العقود الأخيرة، ثمّ أشير إلىٰ رأيي من خلال مجموع ما استنتجته في هذا الخصوص.
1ـ إطلالة علىٰ النظريّات المطروحة في هذا الشأن:
من أجل الوصول إلىٰ تبيين مختلف النظريّات المطروحة في هذا الشأن بصورة دقيقة، نحاول دراسة مختلف الآراء التي تناولت هذا الموضوع من خلال الترتيب أدناه لوجهات النظر والفرضيّات المطروحة في هذا الخصوص.
أ: التأثير الواسع للمعتزلة علىٰ الفكر الشيعي:
يعتقد مؤيّدوا هذه الفرضية أنّ تعاليم متكلّمي المعتزلة أخذت بالتأثير علىٰ المعتقدات الشيعية تأثيراً أساسيّاً وواسع النطاق منذ القرن الثاني الهجري، حيث أدّىٰ ذلك إلىٰ حدوث تطوّرات في مختلف مراحل الكلام الشيعي. علماً بأنّ هذا الرأي غالباً ما طُرح من قبل المستشرقين ومحقّقي العرب من غير الشيعة وبعض محقّقي الشيعة، وسوف نشير إلىٰ أهمّ تلك الآراء فيما يلي:
فقد أشار عبّاس إقبال الآشتياني ـ في كتابه خاندان نوبختي (آل النوبختي) ـ إلىٰ مسألة تأثير الكلام المعتزلي علىٰ الكلام الشيعي؛ وعلىٰ حدّ تعبيره: إنّ علم الكلام لم يكن متداولاً بين الإمامية إلىٰ زمن الإمام الصادق «علیه السلام»، وكان علماء الإمامية يتّبعون الأئمّة «علیهم السلام» في الأصول الاعتقادية، ولكن علىٰ مرّ الزمن انفصلت طبقة المتكلّمين عن الأخباريّين؛ وذلك لاختلافهم في نقل الحديث حيث مال المتكلّمون إلىٰ أصول المعتزلة. وقد أعرض جماعة من المتكلّمين ـ ممّن كان في بادئ الأمر من المشبّهة ـ عن عقيدتهم وذلك إثر ما ورد عن الأئمّة «علیهم السلام» من نهي وإرشاد في هذا الخصوص، وكذلك نتيجة لارتباطهم بالمعتزلة. وبعد أن أخذ الكلام الإمامي بالتبلور شيئاً فشيئاً نتيجة لإرشادات الأئمّة وظهور المتكلّمين البارزين من الشيعة، ظهر الاختلاف العقائدي بعد ذلك بين الكلام الشيعي والكلام المعتزلي في الكثير من المواضيع، بعدما كان في بادئ الأمر قد اقتبس مبانيه من المعتزلة، وحتّىٰ احتدمت بينهم سجالات قوية في مناظراتهم، وقد ألّفوا العديد من الردود علىٰ بعضهم الآخر، ولكن بالرغم من ذلك فإنّه لا يوجد هناك اختلاف كبير بين المعتزلة والشيعة في مجال الأصول الاعتقادية4.
ومن الواضح أنّ الأستاذ إقبال يعتقد أنّ أصول الكلام الشيعي كانت مأخوذة ومقتبسة في بادئ الأمر من المعتزلة، ولكن شيئاً فشيئاً أخذت تنأىٰ عن نظام الكلام المعتزلي. كما أشار إقبال كذلك إلىٰ تبعية أبي سهل النوبختي (ت 311هـ) للأصول الكلامية للمعتزلة في تقريره للمسائل الكلامية؛ حيث إنّ أقبال يرىٰ أنّ التقارب بين المذهبين في زمنه أصبح أكثر ممّا كان عليه سابقاً 5. ويرىٰ أيضاً أنّ أبا محمّد النوبختي ـ الذي هو ابن أخت أبي سهل ـ كان يميل في علم الكلام إلىٰ معتزلة بغداد؛ ولذلك كان النزاع قائماً بين الشيعة والمعتزلة علىٰ ما يراه كلّ منهما من انتساب أبي محمّد النوبختي إلىٰ فرقته دون الآخر6.
وكذلك تعتبر مقالة ويلفرد مادلونغ المعروفة والتي جاءت تحت عنوان: (الإمامية والكلام المعتزلي)7 واحدة من أوائل التحقيقات في الدراسات الغربية في مجال ارتباط الفكر الكلامي الإمامي وصلته بالمعتزلة؛ فقد ذكر آل النوبختي في مقاله هذا وعرّفهم بأنّهم مؤسّسوا مدرسة الاعتقاد الإمامي، حيث مزجوا الكلام المعتزلي بالاعتقاد الإمامي، وقبلوا بالمباني الاعتقادية للمعتزلة في شأن الصفات والعدل الإلهي8. وكان يعتقد أنّ الشيخ المفيد (ت 413هـ) ـ من متكلّمي الإمامية ـ قد أخذ في المسائل الموافقة للمعتزلة جانب معتزلة بغداد وخاصّة أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ) وابن إخشيد9؛ في حين أنّ تلميذه السيّد المرتضىٰ (ت 436هـ) علىٰ خلافه، كان يذهب إلىٰ آراء معتزلة البصرة وغالباً ما كان يتبعهم10. وأضاف أنّ أبا الحسين البصري (ت436هـ) في المرحلة التالية من كلام الإمامية أثّر تأثيراً واضحاً في العديد من المسائل علىٰ الخواجة نصير الدين الطوسي والعلّامة الحلّي11.
وقد أكّد مادلونغ مرّة أخرىٰ في إحدىٰ مقالاته الأخيرة علىٰ النظريّات الآنفة الذكر؛ فإنّه بعدما أشار إلىٰ الصراعات الأولىٰ والتعارض الشديد بين الإمامية والمعتزلة في القرن الثاني الهجري، صرّح بالتقارب بين متكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية مع المعتزلة في بعض الأصول الاعتقادية مثل التوحيد والعدل. وعلىٰ حدّ تعبيره فإنّ الشيخ المفيد كان قد تبنّىٰ آراء مدرسة معتزلة بغداد إلّا أنّ الشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي من تلامذته كانا من أنصار المدرسة العقائدية للمعتزلة البهشمية، ولكن بعد ذلك في المرحلة التالية في الكلام الإمامي كان سديد الدين محمود الحمّصي الرازي مؤيّداً لآراء أبي الحسين البصري الكلامية تأييداً كاملاً12.
هذا وإنّ السيّد مادلونغ في مقالته التي ألّفها حديثاً: (عقائد الإمامية الأولىٰ من خلال روايات أصول الكافي للشيخ الكليني) أرجع امتداد تاريخ تأثّر الاعتقدات الإمامية بالمعتزلة إلىٰ زمن أئمّة الشيعة؛ فهو ـ أثناء إشارته إلىٰ أنّ الدراسات الغربية كانت مبتنية علىٰ دراسة تطوّر الكلام الإمامي وتبلوره في القرون الأولىٰ اعتماداً علىٰ مصادر تدوين الفرق والعقائد التي لم تذكر فيها قطّ نظريّات وآراء أئمّة الشيعة بشكل صريح ـ أكّد علىٰ أنّ تطوّر تعاليم أئمّة الشيعة وتحوّلها لابدّ أن تكون دراسة قائمة علىٰ أساس أمّهات المصادر الإمامية وخاصّة كتاب أصول الكافي 13، ووفقاً لما ذكره السيّد مادلونغ فإنّه نظراً لما في تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» الاعتقادية من توجّه عقلي راسخ، فلا يمكننا أن نعتبر انتخاب وقبول المعتقد الاعتزالي بتوجّهه العقلي من قبل جهابذة علماء الإمامية مثل الشيخ المفيد والشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي في العهد البويهي أمراً مستبعداً وغريباً عن المنهج الكلامي الإمامي في زمن الأئمّة «علیهم السلام».
فإنّ نظريّته الأصلية يمكن خلاصتها بما قاله في هذا المقال: «إنّ أئمّة الشيعة قد أخذوا شيئاً فشيئاً في أجوبتهم علىٰ الأسئلة الكلامية [بالأخصّ في باب التوحيد وصفات الباري] إلىٰ تأييد وتصديق آراء المعتزلة ومواقفهم ومفاهيمهم»14؛ فقد اعتمد في هذا المجال علىٰ روايات من أصول الكافي وردت فيها مواضيع ومحتويات أشبه ما تكون بمعتقدات متكلّمي المعتزلة في باب معرفة الباري في كلام الأئمّة «علیهم السلام». فإنّ السيّد مادلونغ نظراً إلىٰ وجود التشابه بين تعاليم الإمام جعفر الصادق «علیه السلام» وعقائد المتقدّمين من متكلّمي المعتزلة في بعض المسائل الكلامية مثل تفسير صفات الباري وارتباط الذات الإلهية بصفاته، أو تقسيم صفاته إلىٰ صفات الذات وصفات الفعل، والاعتقاد بقدم العلم الإلهي، استنتج أنّ الأمام «علیه السلام» قد قَبِلَ آراء المعتزلة في خصوص المواضيع المذكورة وكان يقول بها15.
هذا وإنّ السيّد مادلونغ ـ بعد أن أشار إلىٰ حديث عن الإمام الصادق «علیه السلام» ميّز فيه الإمام بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية للباري عزّ وجلّ ـ قال: إنّ الصفات التي عرّفها الإمام «علیه السلام» مثل العلم والبصر والسمع والقدرة كونها صفات للباري قديمة، هي ـ في كلّيّاتها ـ نفس تلك الصفات التي اعتبرها المعتزلة صفات ذاتية للباري عزّ وجلّ. بناء علىٰ ما قاله مادلونغ فإنّ الإمام الصادق «علیه السلام» (ت 148هـ) قد اعتبر تلك الصفات ثابتة للباري عزّ وجلّ ووصفها بأنّها عين الذات الإلهية، وهو مطابق لما يقول به أبو الهذيل العلّاف المعتزلي (ت حوالي 227أو 235هـ)16.
هذا وقد تصدّىٰ من بعد مادلونغ تلميذه مارتين مك درموت في كتابه إلهيّات الشيخ المفيد إلىٰ إثبات ما تأثّر به الشيخ المفيد (ت 413هـ) من أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ). حيث تطرّق في القسم الأوّل من كتابه إلىٰ المقارنة بين آراء الشيخ المفيد وآراء القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت 415هـ)، واستنتج أنّ نظريّات الشيخ في أصلَي التوحيد والعدل أقرب إلىٰ معتزلة بغداد، وخاصّة إلىٰ آراء أبي القاسم البلخي، إلّا أنّه في المسائل التي لها صلة بالإمامة والمنزلة بين المنزلتين والوعيد فهو كسائر الإمامية بعيد عن المعتقد الاعتزالي. واستنتج في القسم الثاني من كتابه ـ في خلال مقارنة آراء الشيخ المفيد مع آراء الشيخ الصدوق (ت 381هـ) ـ أنّ طريقة الشيخ المفيد في الحديث أقرب للمعتزلة من طريقة أهل السنّة. ويبيّن في القسم الثالث من كتابه ـ في خلال مقارنة إجمالية بين نظريّات الشيخ المفيد ونظريّات تلميذه الشريف المرتضىٰ (ت 436هـ) ـ أنّ الشريف المرتضىٰ خطا خطوة كبيرة نحو مدرسة الاعتزال، وخلافاً لأستاذه الشيخ المفيد الذي كان يتبع مدرسة معتزلة بغداد، فإنّه ـ سوىٰ المواضيع المرتبطة بالإمامة والمنزلة بين المنزلتين والوعيد ـ كان يميل إلىٰ آراء معتزلة البصرة17.
ويرىٰ مك درموت أنّ النوبختيّين كانوا أكثر قرباً إلىٰ مدرسة الاعتزال من الشيخ المفيد ومَن تلاه من الإمامية من عدّة نواحٍ؛ وبالرغم من أنّ بعض أساتذة الشيخ المفيد كانوا من النوبختيّين ولكن يبدو أنّ تأثّر الشيخ بالمعتزلة كان نتيجة لقراءته كتب أبي القاسم البلخي المعتزلي مؤسّس مدرسة معتزلة بغداد ولم يكن نتيجة لتأثّره بالنوبختيّين. ويرىٰ مك درموت أنّ الشيخ المفيد في منهجه الكلامي قد اتّخذ موقفاً وسطاً بين محدّثي الإمامية والموقف الاعتزالي البحت للشريف المرتضىٰ؛ فإنّ الشيخ كان يميل إلىٰ معتزلة بغداد القائلين بقلّة دور العقل نسبة إلىٰ معتزلة البصرة، وكان أقرب من الشريف المرتضىٰ لمحدّثي الإماميّة. والحاصل: إنّ كلام الإمامية في عهد الشيخ المفيد كان متأثّراً بمدرسة معتزلة بغداد تأثّراً كبيراً18.
وتطرّقت السيّدة زابينه شميتكه ـ وهي الأخرىٰ أيضاً تلميذة السيّد مادلونغ ـ في رسالتها (الدكتوراه) تحت عنوان: (إلهيّات العلّامة الحلّي) إلىٰ الموارد التي تأثّر بها العلّامة الحلّي بأبي الحسين البصري (ت 436هـ) في مختلف الأبحاث الكلامية؛ فإنّها ترىٰ أنّ مدرسة أبي الحسين البصري كان لها أثر بنّاء ومصيري علىٰ طريقة العلّامة الحلّي الكلامية وتفكّره في جميع الموارد التي كانت محلّا ً للاختلاف بين البهشمية وأبي الحسين البصري، سواء كان في مجال العدل والصفات الإلهية أو في مجال الطبيعيّات، فإنّ العلّامة كان يأخذ في جميع هذه المجالات بآراء أبي الحسين البصري19. كما أشارت أيضاً إلىٰ التأثير الكبير والأساسي لأفكار أبي الحسين البصري علىٰ الفخر الرازي الأشعري (ت 606هـ)، ومن ثمّ أشارت إلىٰ ما تركه الفخر الرازي من تأثيرات مهمّة علىٰ المنهج الكلامي للعلّامة الحلّي20. وكانت نتيجة دراساتها في هذا المجال هي: إنّ العلّامة ـ بنحو كلّي ـ كانت آراؤه مبتنية في الدرجة الأولىٰ علىٰ الأصول الفكرية لمدرسة أبي الحسن البصري في جميع المسائل سوىٰ رأيه في مسألة: (الوعد والوعيد) التي كان يرفضها كسائر علماء الإمامية مخالفاً في ذلك المعتزلة، وفي الدرجة الثانية كانت متأثّرة بكلام الفخر الرازي وبيانه إلّا في الموارد المخالفة لآرائه الأساسية21، ومن ثمّ تطرّقت شميتكه إلىٰ تأثّر الخواجة نصير الدين في مؤلّفاته بآراء أبي الحسين البصري والفخر الرازي22.
وبعد بضع سنين ذكرت الدكتورة شميتكه في مقالة من تقريراتها تحت عنوان: (العلّامة الحلّي والكلام المعتزلي الشيعي)23 ، آراء مادلونغ ونظريّاتها هي التي مرّت آنفاً أيضاً بنحو مختصر كالتالي: إنّ متكلّمي النوبختيّين وعلىٰ رأسهم أبو إسماعيل ابن علي بن أبي سهل بن نوبخت (ت 311هـ) وأبو محمّد الحسن بن موسىٰ النوبختي (ت حدود 300ـ310هـ) كانوا من أوائل متكلّمي الشيعة ممّن لهم أراء مشابهة لآراء المعتزلة في المواضيع المرتبطة بالتوحيد والعدل مع ما كان لهم من استقلال فكري، ولكنّ الشيخ المفيد يعتبر أوّل من خطا الخطوة الأصلية في مسار قبول الكلام المعتزلي بين الإمامية؛ فإنّه عادة ما كان يتبنّىٰ في آرائه الكلامية آراء معتزلة بغداد التي تعتبر من وجهة نظره أقلّ ركوناً إلىٰ هيمنة العقل في الأمور الاعتقادية نسبة إلىٰ معتزلة البصرة. وكان تلميذه الشريف المرتضىٰ ـ خلافاً له ـ يرىٰ أنّ العقل هو المصدر الوحيد المعتبر للوصول إلىٰ الحقيقة في المسائل الاعتقادية، وكان يعتقد أنّه لابدّ من إقصاء المعارف الوحيانية التي تعارض العقل وعلىٰ الخصوص الروايات المتعارضة معه. وخلافاً لأستاذه كان يميل في المسائل الكلامية لآراء معتزلة البصرة وعلىٰ التحديد البهشمية، وهم أتباع أبي هاشم الجُبّائي (ت 321هـ)، وقد بلغ انسجام الكلام الإمامي والمعتزلي ذروته مع الشريف المرتضىٰ من خلال ما طرحه من آراء وتأليفات في هذا المجال، علماً بأنّه كان كسائر متكلّمي الإمامية لا يوافق المعتزلة في بعض الأصول الاعتقادية مثل الإمامة24.
المتكلّم المعتزلي أبو الحسين البصري المعاصر للشريف المرتضىٰ والذي تلمّذ علىٰ القاضي عبد الجبّار وكان له باع في الفلسفة، كان قد طرح آراء كلامية متمايزة ومستقلّة بعد تغيّر موقفه من المدرسة البهشمية. وبالنتيجة أسّس مدرسة جديدة بين المعتزلة حظيت بالقبول من قبل الكثير من المعتزلة الزيدية والإمامية، وقد فاقت المدرسة البهشمية شيئاً فشيئاً. وبالرغم من فقدان كتب أبي الحسين البصري الكلامية إلّا أنّه يمكن إعادة صياغة آرائه ومعرفتها من خلال كتب ركن الدين محمود الملاحمي الخوارزمي (ت 536هـ) وكذلك أيضاً من خلال كتاب الكامل في الاستقصاء تأليف تقي الدين العجالي الذي ذكر فيه الفروقات بين البهشمية ومدرسة أبي الحسين البصري. وقد حظيت أغلب آراء أبي الحسين البصري الكلامية بالقبول من قبل الفخر الرازي أيضاً من بين الأشاعرة، وقد بادر إلىٰ تفسيرها بما يؤيّد آراء الأشاعرة دون المعتزلة.
لقد تركت هذه التطوّرات تأثيراً أساسيّاً في الكلام الإمامي. وقد أسّس الخواجة نصير الدين الطوسي آخر مدرسة اعتزالية أُسّست في الفكر الشيعي، ووسّع نطاقها تلميذه العلّامة الحلّي، حيث حظيت ـ تقريباً ـ كلّ أراء مدرسة أبي الحسين البصري في المسائل الكلامية عندهما بالقبول. وفضلاً عن ذلك فقد اتّخذا الاصطلاحات الفلسفية في مؤلّفاتهم بالنحو الذي اتّخذه الفخر الرازي بدلاً من اصطلاحات المعتزلة القديمة، وبذلك نأَيا بعد قبولهما الآراء الفلسفية عمّا كان عليه متقدّمو المعتزلة. إنّ الخواجة نصير وابن ميثم والعلّامة الحلّي هؤلاء الثلاثة كانوا شديدي التأثّر بأفكار أبي الحسين البصري25. وقد ذكرت شميتكه في بقية مقالتها فهرسة لنماذج ممّا تأثّر به العلّامة الحلّي من مدرسة أبي الحسين البصري وفلسفة ابن سينا في مجال المسائل الكلامية والطبيعية26.
وكذلك تطرّقت شميتكه في بحث آخر إلىٰ دراسة موضوع تأثير أفكار أبي الحسين البصري علىٰ متكلّمي الشيعة الإمامية، وذكرت في مقالها هذا أبا جعفر ابن قِبة الرازي (ت قبل 319هـ) والنوبختيّين باعتبارهما أوّل من قَبِلَ آراء المعتزلة في الشيعة الإمامية27، وبناء علىٰ ما ذكرَته فإنّ تأثير مدرسة أبي الحسين البصري علىٰ الأفكار الكلامية لمتكلّمي الإمامية كانت بدايتها في أواخر القرن السادس الهجري28. هذا وإنّ البصري كان قد أخذ الفلسفة ـ وخاصّة طبيعيّات أرسطو ـ عند عالم مسيحي باسم أبي علي بن سَمح (ت 418هـ) تلميذ يحيىٰ بن عَدي (ت 363هـ)، ثمّ ذهب إلىٰ الري ليتعلّم الكلام وأصول الفقه عند القاضي عبد الجبّار المعتزلي، ثمّ أخذ بنقد آراء أستاذه القاضي عبد الجبّار وصار مؤسّساً لآخر مدرسة أُسّست في الفكر المعتزلي. هذا وإنّ سديد الدين الحمّصي الرازي (ت بعد 600هـ) يعتبر أوّل متكلّم إمامي معروف ممّن صار من أتباع هذه المدرسة29؛ ففي كتابه المنقذ من التقليد كان دائماً ما يتّبع آراء أبي الحسين البصري في مواضع الاختلاف بين البصري والبهشمية. ومن الواضح أنّ مؤلّفات البصري الكلامية كانت في متناول يده؛ لأنّه كراراً ما أحال إلىٰ كتاب الغرر وتصفّح الأدلّة من كتب البصري. هذا وإنّ تعاليم البصري كان لها التأثير علىٰ الفكر الكلامي الإمامي في غضون القرون التالية أيضاً، فكانت تتبعها شخصيّات مثل صاحب خلاصة النظر30. والأنموذج الآخر هم العشيرة الشيعية المعروفة باسم بني العود، وهم: (شرف الدين العودي وإبناؤه)، وهم من سكنة مدينة الحلّة في النصف الأوّل من القرن الثامن الهجري، وكانوا يمتنعون كلّ الامتناع عن الاستفادة من المصطلحات والمفاهيم الفلسفية حتّىٰ وإن كانت منسجمة مع آرائهم الاعتقادية، وكانوا يدافعون ـ بشكل عامّ ـ عن آراء أبي الحسين البصري والملاحمي الاعتقادية إلّا في بعض المسائل31. وقد تناولت شميتكه في بقية مقالتها نماذجاً من اتّباع آل العودي لآراء البصري فكريّاً.
واستمراراً لهذه التحقيقات تناول كلّ من الدكتورة شميتكة والدكتور الأنصاري ـ في بحث جديد لهما ـ العديد من الزوايا في خصوص الموضوع الذي نحن في صدده؛ وكان من بين أهمّ ما أشاروا إليه في هذا المجال هو عبارة عن:
1ـ كثيراً ما تقبّل واقتبس متكلّمو الإمامية ـ في بحث وجود الباري وصفاته ـ مفاهيم المعتزلة واصطلاحاتهم. منهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي (ت311هـ) وابن أخته أبو محمّد الحسن بن موسىٰ (ت بين 300و310هـ)، إذ تقبّلا الكثير من آراء المعتزلة مع رفضهما نظريّاتهم في الإمامة والوعيد والمنزلة بين المنزلتين المخالفة لآراء الشيعة32.
2ـ تعتبر السنين الأولىٰ من عهد الغيبة الكبرىٰ هي مرحلة الذروة في صياغة الكلام الإمامي بصياغة معتزلية؛ حيث كانت البداية مع تأليفات الشيخ المفيد، ومن ثمّ بلغت ذروتها بمؤلّفات الشريف المرتضىٰ33. ففي هذه الفترة وقبل الشيخ المفيد كانت أمارات النزعة الاعتزالية عند محدّثي الإمامية واضحة كذلك، فعلىٰ سبيل المثال نرىٰ أنّ الشيخ الصدوق (ت381 هـ) في كتاب التوحيد انبرىٰ للدفاع عن الإمامية إزاء الاتّهامات الموجّهة إليهم ـ مثل قبولهم التشبيه والجبر ـ من خلال قوله بموافقة العقائد الشيعية لمباني المعتزلة فيما يخصّ التنزيه والعدل. وبالرغم من أنّه التزم بروايات الأئمّة بشكل أساسي في كتابه هذا بدلاً عن الأدلّة العقلية، إلّا أنّه تناول قسماً من المواضيع التي عادة ماكان يتناولها المعتزلة، وفضلاً عن ذلك فإنّ هيكلية كتابه وترتيبه أشبه ما يكون بترتيب الكتب الكلامية المعروفة آنذاك.
3ـ بعد نأي الشيخ المفيد عن المنهج الحديثي للشيخ الصدوق استفاد من المنهج الاعتقادي لمدرسة معتزلة بغداد وأبي القاسم البلخي، ليرسم في الإمامية خارطة جديدة في الفكر الكلامي، وبالرغم من ذلك فإنّه كان ينأىٰ عن الانتساب إلىٰ المعتزلة، وكان يؤكّد في مؤلّفاته مثل كتاب أوائل المقالات ورسالة الحكايات في مخالفة المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية علىٰ الفوارق بين الكلام الإمامي والكلام المعتزلي وتمايزه عنه؛ فقد استهدفت انتقادات الشيخ المفيد في هذه الكتب بشكل أساسي نظريّات أبي الهاشم الجبّائي (ت 321هـ) وأتباعه، وخاصّة نظرية: (الأحوال) ونظرية: (شيئية المعدوم). واعتبر الشيخ المفيد أنّ آراء معتزلة بغداد والبلخي موافقة مع آراء الأئمّة «علیهم السلام» في الكثير من المسائل. فهو يرىٰ أنّ أكثر الاختلافات المهمّة الموجودة بين الإمامية والمعتزلة ـ أعمّ من البصرية والبغدادية ـ إنّما هي في موضوع الإمامة وفي المسائل المرتبطة بها، مثل تعريف: (الإيمان) الذي ينتهي في آخر المطاف إلىٰ إنكار الوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين. وكذلك أيضاً الشريف المرتضىٰ فبالرغم من خلافه مع الشيخ المفيد وإقباله علىٰ البهشمية، إلّا أنّه كأستاذه الشيخ المفيد في المسائل المذكورة كان يذهب إلىٰ ما يذهب إليه الإمامية رافضاً آراء المعتزلة في هذه المواضيع34.
4ـ وقد بقي ـ من بين تلامذة الشيخ المفيد ـ كلّ من أبي الفتح الكراجكي وأبي يعلىٰ الجعفري واحتمالاً أبي الحسن البُصرَوي كذلك علىٰ وفائهم لمدرسة الشيخ المفيد، وعادة ما اتّبعوا آراء معتزلة بغداد؛ ولكنّ الشريف المرتضىٰ وسائر متكلّمي الإمامية آنذاك رجّحوا آراء البهشمية. ويبدو في هذا البين وفق الشواهد الموجودة أنّ الشيخ الطوسي في كتبه المفقودة التي ألّفها في أواخر سنيّ عمره كان قد ابتعد عن المدرسة البهشمية ونأىٰ عنها واقترب من مدرسة أبي الحسين البصري35. وقد ازدادت قوّة هذه النزعة بين الإمامية في النصف الثاني من القرن السادس، حيث نظر متكلّموهم إلىٰ عقائد البهشمية المثيرة للجدل نظرة شكّ وترديد، وأخذوا يرجعون شيئاً فشيئاً إلىٰ التعاليم الأوّلية للأئمّة «علیهم السلام»، ويعتبر سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمّصي الرازي من أبرز شخصيّات هذا الحدث الجديد في كلام الإمامية، ففي كتابه المنقذ من التقليد نراه قد ابتعد عن الآراء الكلامية للشريف المرتضىٰ وأتباعه تزامناً مع قبوله تعاليم مدرسة أبي الحسين البصري؛ لأنّه كان يرىٰ أنّها أقرب إلىٰ تعاليم الأئمّة بالمقارنة مع آراء البهشمية. ويعتقد الحمّصي أنّ آراء أبي الحسين البصري وأتباعه في الأساس كانت موافقة لآراء مدرسة بغداد، ويمكن اعتبار هذا الحدث إحياء للمنهج الكلامي للشيخ المفيد. كما أنّ متكلّمي الإمامية فيما بعد كذلك قد اعتبروا عقائد الشيخ المفيد أكثر انسجاماً مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» بالمقارنة مع أفكار الشريف المرتضىٰ الذي كان قد ابتعد عن تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» بقبوله مفاهيم البهشمية وآرائهم36. ومن بعد الحمّصي هناك جماعة أخرىٰ من أعلام متكلّمي الإمامية مثل المحقّق الحلّي (ت 676هـ) والعلّامة الحلّي (ت672هـ) مالوا إلىٰ آراء أبي الحسين وأتباعه37. وكذلك تأثّر كلّ من الخواجة نصير الدين الطوسي وابن ميثم البحراني ومؤلّف كتاب الياقوت بمدرسة أبي الحسين البصري38. ولابدّ لنا أن نذكر في هذا الشأن الكتاب الكلامي المهمّ خلاصة النظر39 كذلك؛ وذلك لتأثّر مؤلّفه من حيث الهيكلية والمحتوىٰ إلىٰ حدّ ما بكتاب المنقذ من التقليد للحمّصي الرازي، مع ملاحظة النزعة الواضحة فيه إلىٰ آراء أبي الحسين البصري كذلك40.
ووفقاً لما قاله الدكتور الأنصاري فإنّ مدرسة الحمّصي كانت مبتنية علىٰ تعاليم أبي الحسين البصري، فهي من حيث المجموع كانت أكثر انسجاماً ـ مع آراء الشيخ المفيد ـ من مدرسة الشريف المرتضىٰ؛ والسبب في ذلك يرجع إلىٰ أنّ مدرسة أبي الحسين البصري كانت أقرب إلىٰ مدرسة معتزلة بغداد التي كان يميل لها الشيخ المفيد، ولذلك نرىٰ أنّ الحمّصي يدافع عن آراء الشيخ المفيد في المسائل الخلافية بين الشريف المرتضىٰ والشيخ المفيد. ولذلك فإنّ أتباع مدرسة الحمّصي من متكلّمي الحلّة كانوا قد التزموا ـ نوعاً ما ـ بكلام الشيعة القديم الذي رسم الشيخ المفيد خطوطه، واستطاعت مدرسة الشيخ المفيد أن تستعيد أهمّيتها في الكلام الإمامي؛ وذلك إثر إقبال متكلّمي الحلّة وسائر الإمامية علىٰ مدرسة سديد الدين الحمّصي منذ القرن السابع الهجري وما بعده41.
وكذلك يعتقد الدكتور الأنصاري أنّ معتقدات الإمامية لم تكن بادئ بدء منسجمة مع المعتزلة، فهي تختلف اختلافاً أساسيّاً مع آراء المعتزلة في الكثير من المعتقدات في باب التوحيد وما يرتبط به من أبحاث، ولكن في أواخر القرن الثالث الهجري مال عدد من الإمامية إلىٰ المعتزلة وتأثّروا بهم شيئاً فشيئاً، وكان هذا التأثّر بشكل أساسي في جهتين؛ أولاهما: في الأبحاث الأصلية في مواضيع التوحيد والعدل. والآخرىٰ: في قبول الكلام المعتزلي بصفته أسلوباً تنظيريّاً، والاستفادة من الهيكلية التنظيرية المتّبعة في أبحاثهم42 .
وقد أكّد الأنصاري ـ في مقالتين له بالفارسية تحت عنوان: (الشريف المرتضىٰ بمثابة متكلّم معتزلي) و(الشريف المرتضیٰ والمعتزلة) ـ علىٰ النزعة البهشمية للشريف المرتضىٰ وعلىٰ علقته الفكرية بهذه المدرسة. ويرىٰ الأنصاري: «أنّ الشيخ المفيد أستاذ الشريف المرتضىٰ كان قد مال ـ نوعاً ما ـ إلىٰ كلام معتزلة بغداد في بعض المسائل الفلسفية وبعض المسائل الأساسية في علم الكلام، ولا يخفىٰ أنّه كان متأثّراً في نفس الوقت بالنزعات الكلامية للكلام المعتزلي القديم، وبالنزعات التي تميل للاعتزال مثل النزعة الكلامية لبني نوبخت من جانب ومن جانب آخر تأثّره بنزعة قدماء علماء الكلام الإمامي في عهد الأئمّة «علیهم السلام» مثل هشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان»؛ ومع ذلك فإنّه كان مخالفاً للمعتزلة في أبحاث ذات صلة بالإيمان، وأحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة، وكذلك في موضوع إمامة الأمّة. هذا وإنّ الشريف المرتضىٰ كان متأثّراً بأستاذه الشيخ المفيد في مخالفته المعتزلة وانتقادهم في المسائل المذكورة والمسائل المرتبطة بها مثل القرآن وتفريعات النبوّة والمعاد، ومع ذلك فإنّه خلافاً لأستاذه كان يميل لمدرسة الاعتزال البهشمي لا إلىٰ مدرسة بغداد، وفي الأساس كان أكثر بكثير من الشيخ المفيد في ميله إلىٰ مدرسة الاعتزال، كما يبدو جليّاً من المؤلّفات الكلامية للشريف المرتضىٰ بأنّه لم يكن فقط من أنصار المدرسة البهشمية فحسب، بل كان شديد الدفاع عنهم إزاء نقد مخالفيهم، وقد غيّرت ميوله إلىٰ المدرسة البهشمية مسار الكلام الإمامي إلىٰ قرون متمادية. وقد طرح نفسه في كتبه الكلامية بصفته معتزليّاً بهشميّاً بشكل كامل، وكان يصرّح علناً بكونه معتزليّاً43. وكان الشريف المرتضىٰ يتناول الأبحاث الكلامية في قالب وأسلوب الكلام البهشمي، كما تقبّل الآراء البهشمية في مواضيع كلامية أصلية مثل التوحيد، وكذلك الأبحاث التي لها صلة بموضوع: (لطيف الكلام)، بالرغم من أنّه كان يوجّه لهم بعض الانتقادات أيضاً وبعض الإصلاحات. هذا وإنّ الكثير من الأمور التي يذكرها الشريف المرتضىٰ في كتبه الكلامية هي في الحقيقة كان أغلبها قد تناولتها مؤلّفات القاضي عبد الجبّار وأبي عبد الله البصري وأبي هشام الجُبّائي. وغير الشريف المرتضىٰ كان هناك علماء آخرون من الشيعة قد أخذوا بالمباني الاعتزالية في أبحاثهم الكلامية، وكانوا يدلون بدلوهم في تلك الأبحاث كسائر متكلّمي مدرسة الاعتزال، وقد تزامنت هذه المساهمة مع قبول الشيعة للمدرسة الكلامية الاعتزالية بصفتها أسلوباً للتفكير الكلامي44.
وفي ضمن هذا الإطار ـ تأثّر الإمامية بالكلام المعتزلي ـ أكّد الدكتور المدرّسي الطباطبائي في كتابه الذي جاء تحت عنوان: (مكتب در فرايند تكامل) علىٰ أنّ الآراء والنطريّات الكلامية الاعتزالية أخذت تتسلّل إلىٰ المذهب الشيعي شيئاً فشيئاً عن طريق جيل جديد من علماء الشيعة وذلك منذ أواسط القرن الثالث الهجري فما بعد، وقد ظهرت ـ نتيجة لذلك ـ مدرسة جديدة في الإمامية. وبناء علىٰ ما قاله: فقد أخذ الرعيل الأوّل من هذه المدرسة بالمعتقد الفلسفي الاعتزالي فيما يخصّ: (العدل وصفات الباري وتخيير الإنسان) وقد تلقّوا ذلك بالقبول، ولكنّهم في نفس الوقت كانوا يتمسّكون بمباني مدرسة التشيّع في باب الإمامة ويدعمون رأيهم في هذا الشأن بكلّ قوّة. ولم تتأسّس هذه المدرسة من قبل معتزلة الشيعة، بل تأسّست هذه المدرسة من قبل عدد من متكلّمي الشيعة مثل أبي الأحوص داود بن أسد البصري وعبد الرحمن بن أحمد جبرويه العسكري، حيث كان لهما إلمام بأصول المعتزلة ومعتقداتهم عن طريق المطالعات والمناظرات، ومن ثمّ قويت بعد ذلك تزامناً مع انضمام متكلّمي النزعة الفلسفية من أمثال أبي سهل وأبي محمّد النوبختي، ومع مساهمة معتزلة الشيعة مثل أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن مملك الأصفهاني وأبي جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قِبة الرازي صارت علىٰ شكل مدرسة ذات أسس رزينة وبنية حصينة45.
وقد جاء الحديث أيضاً في دراسة أخرىٰ مستقلّة في شأن أبي جعفر ابن قِبة الرازي (ت قبل 319هـ) عن نسبة أفكاره الكلامية إلىٰ آراء المعتزلة، ونظراً إلىٰ ماضيه الاعتزالي واقتصار ما تبقّىٰ من متون مؤلّفاته وأقواله علىٰ موضوع الإمامة؛ يحتمل أنّه في سائر أصوله الاعتقادية غير أصل الإمامة قد بقي علىٰ ما كان عليه من عقائد المعتزلة46. وفي المقابل يعتقد البعض أنّ التغيير في معتقد الإمامة يلزم التغيير الفكري في جميع الأمور الاعتقادية أيضاً؛ وبالنتيجة لا يمكن أن يقال أنّ ابن قِبة بعد انتمائه للإمامية كان لا يزال محتفظاً بمعتقده الاعتزالي الماضي في سائر المواضيع ماعدا الإمامة47.
ومن بين محقّقي العرب فقد تطرّقت عائشة يوسف المناعي في رسالة لها تحت عنوان: (أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية) إلىٰ مسألة الارتباط الفكري بين الإمامية والمعتزلة في المواضيع الكلامية، وقد كانت من نتائج ذلك التحقيق: قبول قسم من آراء المعتزلة الكلامية من قبل متكلّمي النوبختيّين وخاصّة من قبل أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي وابن أخته أبي محمّد الحسن بن موسىٰ النوبختي؛ وتأثّر الشيخ المفيد بمدرسة معتزلة بغداد وخاصّة بآراء الكعبي البلخي؛ وتأثّر الشريف المرتضىٰ بمعتزلة البصرة وخاصّة بالقاضي عبد الجبّار المعتزلي؛ وأكّدت كذلك أنّه بسبب فقدان المستندات والشواهد الكافية من نصوص الكلام الإمامي والمعتزلي في القرون الإسلامية الأولىٰ لا يمكن الحكم بنحو قاطع فيما يخصّ كيفية التأثير والتأثّر بين هاتين الفرقتين في المرحلة الأولىٰ من تكوين المدارس الكلامية، ولا الحكم بتأثّر واحدة من هاتين الفرقتين بالأخرىٰ48.
وأيضاً السيّدة رشا العُمَري في كتابها ـ النافع ـ الذي تناولت فيه شخصية أبي القاسم الكعبي البلخي قد تحدّثت عن قبول الشيخ المفيد في مؤلّفاته مختلف المباني الكلامية للكعبي وسائر معتزلة بغداد وحتّىٰ غير البغداديّين منهم مثل النظّام49.
هذا وقد تناول الأستاذ حسين علي عبد الساتر بشكل مبسوط في كتاب قيّم له حديث النشر ـ ألّفه في الشريف المرتضىٰ باللغة الإنجليزية معرّب عنوانه: (عقائد الشيعة والكلام المعتزلي: الشريف المرتضىٰ وحِواريّات الإمامية) ـ موضوع الارتباط بين الفكر الكلامي الشيعي الإمامي ومدرسة الاعتزال؛ فقد أشار بادئ الأمر إلىٰ النظريَّتين الأصليّين في هذا المجال، أي: نظرية أخذ واقتباس نظريّات المعتزلة من قبل متكلّمي الإمامية، وفي إزائها أشار إلىٰ نظرية استقلال عقائد الإمامية عن الكلام المعتزلي رغم التشابه الاعتقادي الأساسي الموجود بينهما. ووفقاً لما قاله: فإنّ أنصار نظرية استقلال الكلام الشيعي عن المعتزلي، إمّا أنّهم أخذوا بنظر الاعتبار أحاديث الأئمّة «علیهم السلام» بصفتها الأسس النظرية لآراء الشيعة في باب الأصول الاعتقادية، والاستغناء بها عن الحاجة إلىٰ الأخذ بغيرها من المصادر الخارجية مثل الكلام المعتزلي، أو أنّهم اعتمدوا علىٰ الاستقلال الفكري للرعيل الأوّل من متكلّمي الإمامية ممّن افتُتِح بهم مجرىٰ الكلام الإمامي في بادئ الأمر50.
ويرىٰ عبد الساتر: من الصعب أساساً نعت (الارتباط) وتوصيفه بـ: (التأثير) بالحدّ الذي تصل فيه أواصر العلاقة بين الأفكار إلىٰ حدّ افتقارها إلىٰ بعضها البعض؛ فإنّ مثل هذه المشكلات تحصل نتيجة للاعتبارات في المنهجية؛ أي: بمعنىٰ أنّه لا يمكن الأخذ بعين الاعتبار أيّ قاعدة ثابتة دقيقة لتعيين حقيقة مفهوم: (التأثير) بنحوقطعي، وإنّما يرجع تعيين ذلك إلىٰ منهجية كلّ شخص في اعتبار المفهوم، وفضلاً عن ذلك فإنّ إثبات: (التأثّر) و(التأثير) عادة ما يحتاج بالضرورة إلىٰ وجود الشواهد والقرائن الداخلية والخارجية؛ وذلك بمعنىٰ أنّه لابدّ من دراسة مدخلية التطوّرات الزمانية والتقارنات المحلّية ليتمّ تأييد إمكان التعامل بين السنن ومختلف المؤلّفين لإثبات التأثير والتأثّر، هذا من جهة، ومن جهة أخرىٰ لابدّ من مطالعة تشابه المفاهيم والنصوص لدرء احتمال التشابه الذي يأتي بمحض الصدفة فقط لا بالتأثير والتأثّر51.
وقد تطرّق عبد الساتر إلىٰ المقارنة بين آراء الشريف المرتضىٰ مع الشيخ المفيد والشيخ الطوسي من جهة، والمقارنة بين آرائه وآراء القاضي عبدا لجبّار المعتزلي من جهة أخرىٰ، وعدّ نقاط الاشتراك والاختلاف بين عقائدهم وعدّدها ضمن أربعة أقسام:
1ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بينهم جميعاً.
2ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بين المفيد والمرتضىٰ والطوسي التي لا يعتقد بها عبد الجبّار.
3ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بين المرتضىٰ والقاضي عبد الجبّار والتي رفضها الشيخ المفيد.
4ـ العقائد التي تقبّلها الشريف المرتضىٰ فقط ـ مثل نظرية الصرفة ـ ورفضها كلّ من المفيد والطوسي والقاضي ولم يعتقدوا بها. ثمّ استنتج بعد ذلك أنّ الشريف المرتضىٰ احتفظ إلىٰ حدّ كبير في مجال المعتقد الإمامي بمصطلحات وأفكار من سبقه من متكلّمي الإمامية ذات النزعة العقلية، ولكن استفاد منها بنحو يختلف عمّا استفاده متكلّمو السلف. ويرىٰ عبد الساتر أنّ مؤلّفات السيّد المرتضىٰ في خصوص الكلام المعتزلي تعكس لنا نوعاً آخر من التأثّر. ولم يأخذ الشريف المرتضىٰ باستدلالات معتزلة البصرة عندما كان يرىٰ أنّها تؤدّي إلىٰ نتائج غير صحيحة. كما أنّه تارة كان يرىٰ أن لا محيص من إجراء إصلاحات وتغييرات ما في بعض آراء المعتزلة ليجعلها منسجمة وموافقة مع الاعتقادات الثابتة عند الإمامية52. ويبدو في نهاية المطاف من وجهة نظر عبد الساتر أنّ الشريف المرتضىٰ كان قد قَبِلَ هيئة الكلام المعتزلي، ولكن لم يكن موافقاً إلىٰ حدّ ما مع محتواه، أو أنّه تقبّل المحتوىٰ لكن بعد إجراء بعض التعديلات علىٰ الفكر المعتزلي.
ب: التأثير المعتزلي المحدود النطاق علىٰ الشيعة:
الفرضيةالثانية حول العلاقات الفكرية بين الإمامية والمعتزلة تؤكّد علىٰ أنّ التأثير المعتزلي علىٰ الإمامية هو تأثير نسبي ومحدود. ويعتقد أنصار هذه النظرية أنّه بالرغم من التأثير الذي تركته منظومة الكلام المعتزلي علىٰ الإمامية أمر لا يمكن إنكاره، إلّا أنّ مجال هذه التأثير محدود جدّاً، ولايشمل سوىٰ بعض الجهات. علىٰ سبيل المثال فإنّ مؤلّف كتاب: (كلام شيعة كلام معتزلة) بعد أن قام بدراسة شملت آراء متكلّمي الإمامية وآراء متكلّمي المعتزلة في مختلف المواضيع الكلامية في القرنين الرابع والخامس الهجريّين توصّل إلىٰ النتيجة التالية: «بالرغم من أنّ منظومة الكلام الشيعي كانت متأثّرة إلىٰ حدّ ما بالمعتزلة، ولكن لو أخذنا بنظر الاعتبار مجموع القرائن ـ وخاصّة في مجال المصادر والمبادئ والأجوبة ـ في هذه المنظومة فإنّ استقلال النظام الكلامي الإمامي سوف يبدو واضحاً»53. ويعتقد مؤلّف الكتاب أنّ القول بتأثّر كلّ من النوبختيّين والشيخ المفيد والسيّد المرتضىٰ بالمعتزلة لا صحّة له ولا يمكن قبوله54.
وفي العديد من الدراسات الأخرىٰ التي ألّفت بشكل خاصّ حول بعض متكلّمي الإمامية، جاء الكلام فيها أيضاً عن مسألة تأثّرهم بأفكار المعتزلة؛ فقد تناول الشيخ حيدر البيّاتي في كتاب له تحت عنوان: (الشريف المرتضىٰ والمعتزلة) علاقة السيّد المرتضىٰ بالمعتزلة في بحث مفصّل، وبعد قبوله بتأثّر الشريف المرتضىٰ بالمعتزلة في المواضيع المرتبطة بالتوحيد والعدل، اعتبر آراءه في شأن الكثير من المسائل التي جاء الحديث عنها في هامش الأصول الاعتقادية للإمامة والنبوّة والمعاد مخالفة لآراء المعتزلة في هذا الباب، واعتبر هذا الأمر دليلاً قويّاً علىٰ البون الواضح بين الشريف المرتضىٰ وبين المعتزلة، وعدم اتّباعه لهم55.
وقد انتحىٰ السيّد حسيني زاده خضرآباد في دراسته حول آل نوبخت ـ وخاصّة حول أبي سهل وأبي محمّد النوبختيّيَن ـ نفس هذا المنحىٰ، حيث سعىٰ إلىٰ جمع ونقل آراء مَن صرّحوا بنزعة النوبختيّين الاعتزالية؛ فإنّه يرىٰ أنّ موافقة النوبختيّين للمعتزلة إنّما كانت في أصل التوحيد فقط، وأمّا في سائر الأصول الاعتقادية الأخرىٰ مثل العدل والمنزلة بين المنزلتين فإنّهم يخالفون المعتزلة في ذلك، ولذلك فإنّ القول بميل النوبختيّين إلىٰ المعتزلة واتّباعهم لهذه الفرقة أمر غير مقبول56. بل أنّ السيّد حسيني زاده يعتقد بأنّ متكلّمي بغداد من الإمامية ـ مثل الشيخ المفيد وبالخصوص الشريف المرتضىٰ ـ مقارنة مع متكلّمي زمن الحضور هم أكثر انسجاماً وموافقة للمعتزلة من أولئك. وقد حاول حسيني زاده في تبريره التقارب بين الإمامية والمعتزلة أن يجد تبريراً منطقيّاً لذلك، حيث قال بأنّ متكلّمي الإمامية لم يكن لهم محيص سوىٰ أن يطرحوا منهجهم الكلامي في قالب علم الكلام المعتزلي الذي استطاع أن يثبّت أركانه في المجتمعات العلمية آنذاك57؛ لأنّ الجوّ العلمي آنذاك: «كان حاكماً فيه الحِوَارِيّات العقلية للمعتزلة، وأيّ نوع من أنواع التبيين أو الدفاع عن الأصول الاعتقادية كان لابدّ له أن ينحىٰ هذا المنحىٰ وينخرط في هذا الجوّ لكي يتمّ عرضه من خلاله، وبذلك لابدّ له أن يكون علىٰ شاكلة تلك الحِوَارِيّات»58. كما أشار إلىٰ التيّار الجديد من متكلّمي الإمامية ذوي الميول المعتزلية في الكلام الإمامي ممّن كانت نشاطاتهم في أواخر القرن الثالث الهجري: «وقد عرضوا أفكارهم ـ التي كانت علناً ذات نزعة اعتزالية في الغالب، ومختلفة مع أفكار الرعيل الأوّل من متكلّمي الإمامية ـ وكانوا علىٰ فريقين، وهما عبارة عن: المعتزلة الذين اعتنقوا التشيّع، والإمامية الذين يميلون إلىٰ الفكر المعتزلي»59.
ج: التأثير والتأثّر المتقابل بين الشيعة والمعتزلة:
الفرضية الثالثة في مجال نسبة الفكر الشيعي إلىٰ الفكر الاعتزالي والارتباط بينهما، هو وجود التأثير والتأثّر المتقابلين بين هاتين المدرستين. حيث يؤكّد أصحاب هذه الفرضية عادة علىٰ تأثير الفكر الشيعي علىٰ خصوص معتزلة بغداد؛ علىٰ سبيل المثال فقد أكّد أحمد محمود صبحي في دراسته حول ارتباط الفكر الشيعي مع الفكر المعتزلي علىٰ وجود فوارق متمايزة بين معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد في هذا الخصوص، حيث يعتقد أنّ معتزلة البصرة لم يكن لهم مع الشيعة الإمامية أيّ توافق وانسجام حتّىٰ القرن الثالث الهجري، بل تارة ما كانت تحصل بينهما خصومة شديدة، ولم يكن بينهما وئام في الأصول الاعتقادية60. ولكنّ مدرسة معتزلة بغداد التي أسّسها بِشر بن المعتمر (ت 210هـ) كانت متأثّرة بالمحيط الشيعي في الكوفة ـ مسقط رأس بِشر ـ وقد أدّىٰ هذا الأمر إلىٰ النفوذ الشيعي في الاعتزال البغدادي، حتّىٰ أُطلق علىٰ هؤلاء اسم: (متشيّعة المعتزلة)61. هذا وكان يميل متشيّعة المعتزلة البغداديّون إلىٰ الشيعة في بعض المسائل؛ مثل تفضيل الإمام علي «علیه السلام» علىٰ أبي بكر، والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص62. وقد أدّىٰ هذا الأمر ـ أي: تشيّع معتزلة بغداد ـ إلىٰ تقبُّل الشيعة الزيدية والإمامية للاعتزال63.
والدراسة الأخرىٰ في هذا المجال التي اختارت التأثير والتأثّر المتقابل بين كلا الفريقين هي عبارة عن دراسة الدكتور الشيخ رسول جعفريّان بالفارسية في كتابه الذي صدر تحت عنوان ما معرّبه: (الروابط الفكرية بين المعتزلة والشيعة حتّىٰ بدايات زمان انصهار المعتزلة بالشيعة)؛ فإنّه ومن خلال تأكيده علىٰ أنّ تأسيس التشيّع تاريخيّاً كان متقدّماً علىٰ الاعتزال، أشار إلىٰ أنّ العلاقات الشيعية (الاجتماعية، السياسية، الفكرية) مع المعتزلة مرّت بثلاث مراحل مختلفة:
1ـ اغتراب المدرستين عن بعضهما الآخر في زمان مواجهة الشيعة للخوارج.
2ـ بداية تقارب المعتزلة مع عموم الشيعة ـ الزيدية منهم والإمامية ـ والذي بلغ ذروته في عهد آل بويه.
3ـ عهد الانصهار الكامل للاعتزال في الشيعة الإمامية والزيدية في القرن السابع الهجري وما بعده64.
وبناء علىٰ ما قاله مؤلّف الكتاب فإنّ شدّة أواصر العلاقة بين المعتزلة والشيعة ترك أثراً كبيراً علىٰ متكلّمي كلا المدرستين، ممّا أدّىٰ إلىٰ تأثّر بعض علماء الشيعة بالمعتزلة، كما أدّىٰ في نفس الوقت إلىٰ نفوذ التشيّع ـ خاصّة التشيّع الزيدي ـ في عدد كبير من المعتزلة. علماً بأنّ هذه العلاقات بين الفريقين أدّت كذلك إلىٰ تدوين محاججات وردّيّات بينهما، وإن كان هذا لا يعني وجود عداوات واسعة النطاق بينهما، بل يمكن حمله علىٰ شدّة الأواصر بينهما65. وقد أكّد رسول جعفريّان مستنداً إلىٰ كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد أنّ اختلاف وجهات نظر الشيعة مع المعتزلة في مجال أبحاث العدل والتوحيد وسائر المسائل الكلامية والطبيعية لا تتجاوز كونها اختلافات جزئية، والنزاع الأصلي القائم بين الشيعة والمعتزلة إنّما هو في موضوعي الإمامة والمنزلة بين المنزلتين66. ومع ذلك فإنّ المؤلّف أكّد علىٰ نفوذ الفكر الشيعي في معتزلة البصرة وبغداد وبدايات الانصهار المعتزلي في الشيعة الإمامية والزيدية تدريجيّاً في المرحلة التي تلت القاضي عبد الجبّار المعتزلي67. وأضاف قائلاً: إنّ التشابه الفكري الشيعي والمعتزلي أدّىٰ أيضاً إلىٰ تقوية الاتّهام القائل بأنّ الشيعة قد أخذوا أفكارهم الكلامية من المعتزلة، وبلغ هذا الاتّهام حدّاً حتى قيل بكون السيّد المرتضىٰ متكلّماً معتزليّاً، في حين هو لا يمتُّ بوجه من الوجوه بصلة للاعتزال المحض [أي: بغير الاعتزال الزيدي]68.
كذلك محمّد حامد بن منور الجدعاني هو الآخر أيضاً من المعتقدين بفرضية التأثير الذي تركه كلّ واحد من الجانبين الشيعي والمعتزلي علىٰ الآخر. فقد تطرّق في أطروحته التي قدّمها تحت عنوان: (الصّلة بين التشيّع والاعتزال) إلىٰ مواضع تأثّر الإمامية والزيدية بالمعتزلة وكذلك إلىٰ بعض تأثّرات المعتزلة بالشيعة69.
د: نفي التأثير المعتزلي علىٰ الشيعة:
النظرية الأخرىٰ في الارتباط الفكري الشيعي بالمعتزلة، هو أنّ متكلّمي الامامية لم يتأثّروا بمدرسة الاعتزال، وأنّ الشيعة لم يكونوا مَدِينين للمعتزلة بمعتقداتهم. فقد أبدىٰ الشيخ جعفر السبحاني في هذا المجال رأيه استناداً علىٰ عدد من المناظرات التي دارت بين متكلّمي الإمامية والمعتزلة وعلىٰ الكثير من ردود الإمامية عليهم، حيث أكّد قائلاً: بالرغم من وجود بعض المشتركات بين الشيعة والمعتزلة في الأصول العقائدية مثل التوحيد والعدل، إلّا أنّه وقعت هناك بينهم اختلافات في الكثير من المسائل والمعتقدات الأخرىٰ؛ فلذلك لا يمكن أن يكون الشيعة مَدِينين للمعتزلة في معتقداتهم70 .
وقد تناولت بعض المقالات الأخرىٰ دراسة في خصوص موضوع تأثّر الشريف المرتضىٰ بالمعتزلة، جاء التأكيد فيها علىٰ نفي أيّ نوع تأثّر له بالمعتزلة؛ فقد سعىٰ الأستاذ حسينعلي يوسف زاده في مقالته أن يثبت ذلك عن طريق المقارنة بين آراء السيّد المرتضىٰ والقاضي عبد الجبّار في خصوص بعض المسائل الكلامية المهمّة، حيث قال ما معرّبه: «إنّ السيّد المرتضىٰ لم يكن متأثّراً بالمعتزلة وخاصّة بالقاضي عبد الجبّار فحسب، بل كانت آراؤه متأثّرة بالنهج الشيعي الإمامي الأصيل وكان يدافع عنه»71.
أيضاً الأستاذ رؤوف الشمّري قد تطرّق في مقالته: (اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة)72 ، وفي كتابه المعنون: (الشريف المرتضىٰ متكلّماً) إلىٰ نقد آراء القائلين باعتزال الشريف المرتضىٰ، أو مَن نسبوا إليه النزعة الاعتزالية ـ بعدما ذكر كلامهم ـ ونفىٰ عن الشريف المرتضىٰ أيّ نوع من الارتباط بالمعتزلة كلّيّاً73.
وعلىٰ نفس هذا المنوال فقد اعتبر مؤلّف كتاب: (السيّد المرتضىٰ) أنّ الأدلّة والشواهد علىٰ انتساب الشريف المرتضىٰ للاعتزال مردودة؛ نظراً إلىٰ مخالفات الشريف المرتضىٰ مع قسم من أصول المعتزلة مثل المنزلة بين المنزلتين، وكذلك اختلافاته الجديرة بالالتفات مع المعتزلة في بعض المواضيع المهمّة مثل الإمامة74.
هـ: تأثير الشيعة علىٰ المعتزلة:
لقد خالف بعض محقّقي الإمامية مخالفة شديدة النظرية القائلة بأنّ الشيعة قد تأثّروا في المسائل الكلامية بأفكار المعتزلة علىٰ نطاق واسع ولم تكن لهم استقلالية في هذا المجال، وبذلوا جهودهم ليثبتوا خلاف ذلك؛ أي: إثبات أنّ المعتزلة ـ في واقع الأمر ـ هم الذين كانوا متأثّرين بأفكار الشيعة الكلامية. وهذا ما يعتقد به العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري حيث قال: «فالقول بأنّ الإمامية أخذت عن المعتزلة وتأثّرت بهم فيما اتّفقت معهم في العقيدة لا أقول فيه سوىٰ أنّه باطل لا أساس له من الصحّة جملة وتفصيلاً، ولا سند له من دراسة عقائد الإمامية والأسس التي قامت عليها تلك العقائد»75، وكان العلّامة يعتقد علىٰ العكس من ذلك فإنّ معتزلة بغداد هم الذين كانوا متأثّرين بعقائد الإمامية، ولذلك كانت لهم آراء أقرب للإمامية خلافاً لمعتزلة البصرة. ووفقاً لما ذكره العلّامة الجعفري فإنّ سبب الافتراق بين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة وابتعادهم عنهم فكريّاً هو في الواقع يرجع إلىٰ تواجد متكلّمي الإمامية في بغداد، حيث أدّىٰ ذلك إلىٰ ارتباط متكلّمي معتزلة بغداد بالإمامية وكان نتيجة ذلك تأثّرهم بهم، خلافاً لمتكلّمي البصرة، إذ لم يتواصلوا مع متكلّمي الإمامية، ولذلك لم يتأثّروا بالإمامية كما هو عليه الحال مع متكلمي معتزلة بغداد76. بناء علىٰ هذا فإنّ التشابه الفكري بين متكلّمي الإمامية والمعتزلة ليس دليلاً علىٰ تأثّرهم بهم، فلم يتأثّر الشيخ المفيد بالمعتزلة ولا أيّ واحد من قبله ولا من بعده من متكلّمي الإمامية77. هذا وإنّ مخالفة الشيخ المفيد مع مدرسة معتزلة البصرة أيضاً لم تكن ناتجة من تأثّره بمعتزلة بغداد ومن مخالفة أستاذه الرمّاني مع تلك المدرسة، بل كانت ناشئة من أصالة ماهيّة الكلام الإمامي الذي لا ينسجم مع تعاليم مدرسة البصرة78. ويمكن أن نذهب إلىٰ أبعد من ذلك حيث يمكننا أن نقول بالضرس القاطع أنّ آراء الشيخ المفيد في الحقيقة هي التي كانت مؤثّرة علىٰ أستاذه الرمّاني وصارت سبباً لميوله إلىٰ التشيّع واعتقاده بأفضليّة الإمام علي «علیه السلام»79.
وفي نفس هذا الإطار ذكر الدكتور قاسم جوادي في هذا الباب أيضاً رأياً مشابهاً للعلّامة الجعفري؛ بناء علىٰ قوله: فإنّ اختلاف الشيعة مع المعتزلة في موضوع الإمامة هو اختلاف مبدئي يبيّن لنا واحداً من أهمّ وجوه استقلال الكلام الشيعي عن المعتزلي80. كما يبيّن كذلك التعاليم الكلامية الموجودة في روايات الأئمّة «علیهم السلام» وخاصّة خطب نهج البلاغة وأدعية الصحيفة السجّادية المشتملة علىٰ تعاليم مثل التوحيد، وتنزيه الباري، ونفي التشبيه عنه، التي تشكّل أساس وجذور العقائد التوحيدية التنزيهية الشيعية قبل ظهور مدرسة الاعتزال؛ ولذلك لا يمكننا أن نعتبر الإمامية مدينين للمعتزلة في هذا المجال. وتوجد أيضاً من بين روايات الإمام الصادق «علیه السلام» والإمام الرضا «علیه السلام» أحاديث عديدة في مجال المسائل الكلامية الأصلية مثل التوحيد والعدل ومسائل ذات صلة مثل الجبر والاختيار81. ويعتقد الدكتور قاسم جوادي أنّ تهمة تأثّر الشيعة بالمعتزلة إنّما تمّ طرحها أساساً من قبل المعتزلة في بادئ الأمر، ثمّ شقّت طريقها من خلالهم إلىٰ سائر النصوص82. ومن خلال نقله قائمة من الاختلافات الكلامية بين المعتزلة والشيعة التي تناولها الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات، وكذلك استناداً إلىٰ المناظرت الاعتقادية بين متكلّمي الإمامية والمعتزلة، والكتب التي ألّفها كلّ من الفريقين في الردّ علىٰ آراء علماء الفريق الآخر، استنتج الدكتور جوادي: إنّ الكلام الشيعي لا يمكن له أن يكون مأخوذاً من المعتزلة83. وفضلاً عن ذلك فإنّه يعتقد أنّ اعتراف المعتزلة بأخذهم التوحيد والعدل من أمير المؤمنين «علیه السلام»، وما انتحاه معتزلة بغداد من الاعتقاد بأفضلية أمير المؤمنين «علیه السلام»، وكذلك ظهور تيّار المعتزلة المتشيّعة مثل ابن قِبَة، كلّ هذه أدلّة علىٰ تأثّر المعتزلة بالشيعة84.
و: نفي وجود التأثير والتأثّر بين الشيعة والمعتزلة:
وفي إزاء جميع النظريّات المتقدّمة توجد نظرية أخرىٰ متمايزة جدّاً مبتنية علىٰ أنّه أساساً لا يوجد هناك أيّ تأثير وتأثّر بين الشيعة والمعتزلة ولا يوجد بينهما أيّ ارتباط فكري. ويذهب بعض محقّقي الشيعة إلىٰ أنّه لا يوجد هناك أيّ تشابه ملحوظ بين الإمامية والمعتزلة في آرائهم الكلامية، بل إنّ آراءهم الكلامية تفترق عن بعضها الآخر، وبينهما بون كبير، ولا يمكن الكلام أساساً عن التأثير والتأثّر بينهما. علىٰ سبيل المثال: فقد أكّد هاشم معروف الحسني في كتابه الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة أنّ: «الإمامية مستقلّون في تفكيرهم وآرائهم استقلالاً كاملاً في جميع الأدوار والمراحل التي مرّوا بها»85، حيث يرىٰ أنّ ما ألّفه متكلّموا الإمامية من ردود علىٰ آراء المعتزلة تدلّ علىٰ أنّ: «الإمامية أبعد الفِرَق عن الاعتزال»86. كما نفىٰ عن الشريف المرتضىٰ ارتباطه بالمعتزلة نفياً قاطعاً87.
2ـ ملاحظات حول الارتباطات الاعتقادية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة:
وكما لاحظنا فقد مرّت علينا طوائف متنوّعة ومتضادّة من الآراء في خصوص العلاقة الكلامية بين الإمامية والمعتزلة، وكذلك في موضوع التأثير والتأثّر بين الكلام الشيعي والكلام المعتزلي، بحيث يبدو من الصعب العثور علىٰ وجه مشترك جامع بين كلّ تلك الآراء. وقبل أن أبدي رأياً في هذا الموضوع، لابدّ وأن أتطرّق إلىٰ تقييم بعض الآراء القديمة في باب الارتباطات الاعتقادية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة. وسوف أتناول هنا نكات تكون في حكم المقدّمة للدّخول في أصل البحث.
أ: خلافاً لما يعتقده العالم الإمامي الكبير هاشم معروف الحسني (ت1403هـ) من تباين الكلام الإمامي مع أفكار المعتزلة، وكون الإمامية هي أبعد الفرق الإسلامية عن المعتزلة88؛ فإنّ التشابه الواضح في الاعتقادات بين الإمامية والمعتزلة واشتراكهما في أغلب الأصول الكلامية أمر مسلّم به ولا يمكن إنكاره. والظاهر أنّ دليل هذ الحكم الخاطئ الذي صدر عن السيّد هاشم معروف الحسني هو نتيجة لعدم توفّر أيّ من النصوص الأصلية والمهمّة للمعتزلة في حوزته ليعود إليها في دراسته ومقارنتها مع مؤلّفات متكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية، ويتوصّل إلىٰ حالات الشَّبه الجديرة بالالتفات الموجودة بينهما؛ ففي زمان كتابته لكتابه الآنف الذكر آنذاك لم تنشر بعد الكثير من نصوص متكلّمي المعتزلة ومتكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية، فالمؤلّفات المتوفّرة اليوم لدينا من المعتزلة ومن متكلّمي إمامية بغداد لو كانت متوفّرة لديه آنذاك وقام بدراستها دراسة دقيقة فمن المحتمل جدّاً أنّه لم يكن لينفي بقوّة وبشكل مطلق ذاك التعاطي والترابط الفكري العميق بين متكلّمي الإمامية والمعتزلة، ولم يكن ليعتبر الإمامية هي أبعد الفرق الإسلامية عن المعتزلة. والملفت للنظر هو أنّ الأستاذ عبّاس إقبال & كان قد ألّف كتابه القيّم في خصوص النوبختيّين قبل أن يؤلّف هاشم معروف الحسني كتابه، وقد أشار فيه إلىٰ وجود الكثير من وجوه الشبه بين الأصول الاعتقادية للمعتزلة والشيعة، حيث قال: «لم تختلف فرقتا المعتزلة والشيعة مع بعضهما البعض في باب الأصول اختلافاً كبيراً، وخاصّة أنّ بعض طبقات الشيعة أصبحت أكثر قرباً للمعتزلة من الناحية الاعتقادية، وكذلك الحال بالنسبة إلىٰ كبار المعتزلة، وقد أدّىٰ هذا الأمر عند بعض المؤرّخين إلىٰ صعوبة تمييز عقائد بعضهم عن بعض، حيث ذكروا ذلك البعض تارة في عداد المعتزلة وأخرىٰ في عداد الشيعة، وغالباً ما خلط أصحاب الرجال السنّة بين الشيعة والمعتزلة، ولم يفرّقوا بينهما بل عدّوهما واحداً»89.
ومع غضّ النظر عن وجود الشبه الملفت للنظر بين الإمامية والمعتزلة في الآراء والمؤلّفات، والذي يمكن أن نتوصّل إليه من خلال مقارنة مختصرة في المؤلّفات الكلامية بين كلتا المدرستين، فإنّ التصريحات الصادرة من بعض كبار متكلّمي الإمامية علىٰ وجود التوافق والتقارب بين المدرستين في الأصول الاعتقادية هو الآخر يمكن أن يكون شاهداً قويّاً علىٰ هذا الادّعاء؛ وعلىٰ سبيل المثال فإنّ الخواجة نصير الدين عندما تطرّق في رسالة: (قواعد العقائد) إلىٰ تعريف مذهب الإمامية أكّد قائلاً: «وهم في أكثر أصول مذهبهم يوافقون المعتزلة»90.
وبيّن العلّامة الحلّي ـ في شرحه لكلام الخواجة ـ أنّ العقيدة في العدل ونفي رؤية الباري عزّ وجلّ بالعين من مصاديق الاشتراك بين الشيعة والمعتزلة قائلاً:
«وهم في أكثر الأصول يوافقون المعتزلة: من القول بالعدل، وانتفاء الرؤية، وغير ذلك»91.
وكذلك تاج الدين الرازي (كان حيّاً في سنة 750 هـ) في شرحه عبارة الخواجة الآنفة الذكر ـ مضافاً إلىٰ الأمور التي ذكرها العلّامة ـ أشار إلىٰ توافق الإمامية مع المعتزلة في قبول الحسن والقبح العقليّين92؛ وهذا يعني أنّ الإمامية يوافقون المعتزلة ويؤيّدونهم في أكثر أصولهم الاعتقادية مثل العدل ونفي رؤية الباري عزّ وجلّ وغيرها.
وفضلاً عن ذلك كلّه فإنّ كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد إنّما قام بتأليفه من أجل تبيين الاختلافات العقائدية بين الشيعة والمعتزلة93؛ وذلك يُفصح بصورة أو بأخرىٰ عن وجود المشتركات والتقاربات الكثيرة بين الآراء الكلامية للشيعة والمعتزلة. وبطبيعة الحال لو لم تكن تلك المشتركات والتشابهات في الآراء الاعتقادية بين الشيعة والمعتزلة ملفتة للنظر في زمن الشيخ المفيد لما كان هناك داعٍ لتبيين الاختلافات الكلامية بين كلا المدرستين وخصوصيّات كلّ واحدة منهما. وكما صرّح عبد الساتر فإنّ بحوث كتاب أوائل المقالات المطوّلة للشيخ المفيد وتفصيلها إنّما يُعرب عن الحاجة المبرمة للإمامية آنذاك للتأكيد علىٰ أصالتهم واستقلاليّتهم عن المعتزلة إزاء التهمة الموجّهة إليهم بعدم استقلالهم عنهم94.
ب: لقد ظهرت فرضيّات مختلفة فيما يخصّ أسباب التشابه والتوافق بين الشيعة والمعتزلة في أكثر الأصول الاعتقادية، وأحد هذه الفرضيّات تقول: بأنّ سبب ذلك يعود إلىٰ اقتباس إحدىٰ هاتين المدرستين من الأخرىٰ، وتتفرّع من هذه الفرضية فرضيّتان أحدهما قبال الآخر، أي: اقتباس الإمامية من المعتزلة والعكس من ذلك، وكما أشرنا فيما مرّ سابقاً95، فإنّ لكلّ واحدة من هاتين الفرضيّتين المتفرّعتين أنصارها.
والفرضية الأخرىٰ: هي أنّ كلا النظامين الكلاميّين للشيعة والمعتزلة ينهل من منهل واحد، وكلاهما يأخذ من نفس المصدر؛ ويجدر الإشارة هنا إلىٰ أنّ هذه الفرضية يمكن أن تطرح بهذا الوجه: وهو أنّ كلّا ً من المعتزلة والإمامية قد أخذوا أصولهم الاعتقادية من مصدرين مختلفين، ولكنّ هذين المصدرين ـ في خصوص هذه الأبحاث ـ كانا منسجمين مع بعضهما البعض في نهاية المطاف؛ فعلىٰ سبيل المثال فإنّ المتكلّم الإمامي الكبير الحكيم فيّاض اللاهيجي (ت1072) يعتقد أنّ تشابه وتوافق أكثر الأصول الاعتقادية للإمامية مع المعتزلة لم يكن بسبب اتّباع الإمامية للمعتزلة أو الاقتباس من أصولهم الكلامية، بل أنّ هذا الأمر معلول للتوجّه الفلسفي لدىٰ المعتزلة واستفادتهم منه، هذا من جانب، ومن جانب آخر انسجام الأصول الكلامية الإمامية المأخوذة من الأئمّة «علیهم السلام» مع المباني الفلسفية، حيث قال: «وينبغي أن یُعلمَ أنّ موافقة الإمامیّة مع المعتزلة في أكثر الأصول الكلامیّة، إنّما هو لاستمداد المعتزلة من الفلسفة؛ لا لأنّ أصول الإمامیّة مأخوذة من علوم المعتزلة؛ بل أصولهم إنّما أخذت مِن أئمّتهم «علیهم السلام»»96.
أمّا الفرضية المشهورة والمعروفة في شأن سبب التقارب والتوافق بين الإمامية والمعتزلة في أكثر الأصول الاعتقادية هو اقتباس إحدىٰ هاتين المدرستين وأخذها من الأخرىٰ، ففي واقع الأمر أنّ جذور هذه المسألة تعود إلىٰ التأثير والتأثّر الفكري في القرون الإسلامية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة في مجال الأصول الاعتقادية الأساسية كالتوحيد والعدل، وهي المرحلة الابتدائية من تكوين المناهج الكلامية للإمامية والمعتزلة، حيث اعتبر فريق بأنّ الإمامية هم الذين تأثّروا بالمعتزلة، واعتبر فريق آخر أنّ المعتزلة هم الذين تأثّروا بتعاليم أئمّة الشيعة.
وكما لاحظنا فإنّ الأستاذ مادلونغ هو من بين أولائك الذين يعتقدون بأنّ الإمامية ومن بينهم أئمّة الشيعة هم الذين تأثّروا إلىٰ حدّ ما بتعاليم المعتزلة في خصوص بعض المسائل المرتبطة بالتوحيد والعدل، وكما ذكرنا في سابقاً: أنّ مادلونغ يعتقد بأنّ أئمّة الشيعة في أجوبتهم علىٰ التساؤلات الكلامية في باب التوحيد وصفات الباري أخذوا شيئاً فشيئاً بتأييد مواقف المعتزلة وتصديق آرائهم ومفاهيمهم؛ وقد استند لإثبات هذه الفرضية علىٰ روايات أخذها من كتاب أصول الكافي، جاء فيها عن الأئمّة «علیهم السلام» مفاهيم ومضامين نظير تلك التي يقول بها متكلّمو المعتزلة في باب معرفة الباري. فإنّ مادلونغ أخذ بنظر الاعتبار وجوه التشابه بين تعاليم الإمام جعفر الصادق «علیه السلام» وعقائد متكلّمي المعتزلة الإوَل مثل أبي الهذيل العلّاف في عدد من المسائل الكلامية ـ مثل تفسير الصفات الإلهية، وصلة الذات بالصفات الإلهية، أو تقسيم الصفات الإلهية إلىٰ الصفات الذاتية والصفات الفعلية، والاعتقاد بقِدَم علم الله ـ واستنتج أنّ آراء المعتزلة فيما يخصّ المواضيع المذكورة قد حظيت بالقبول عند الإمام الصادق «علیه السلام» وكان يقول بها.
وبطبيعة الحال يمكن نقد نظرية الأستاذ مادلونغ من عدّة جهات وسنشير هنا إلىٰ بعضها:
نحن نقبل أنّ وجهة نظره في شأن أئمّة الشيعة «علیهم السلام» تختلف كثيراً عن وجهة نظر الشيعة وإدراكهم لأئمّتهم «علیهم السلام» بصفتهم المنتجبين من عند الله وحملة العلم الإلهي، ولذلك ذكر الإمام الصادق «علیه السلام» بصفته من العلماء والمفكّرين الذين كانوا يتأثّرون بأفكار علماء زمانهم نتيجة للمحتدم الفكري ممّا يؤدّي إلىٰ تغيير معتقداتهم وتحوّلها؛ ولكن لا يمكننا قبول عدم التفاته وملاحظته للسير التاريخي للتعاليم التوحيدية في الكلام الشيعي، وأن يتطرّق إلىٰ تلك التعاليم علىٰ أنّها من آثار التأثّر بأفكار المعتزلة، عوضاً عن البحث في خلفية التعاليم التوحيدية عند أئمّة الشيعة في الموروث الروائي للرعيل الأوّل من أئمّة الشيعة. علماً بأنّه توجد في الروايات المتبقّية من الرعيل الأوّل لأئمّة الشيعة تعاليم توحيدية تنزيهية كثيرة في باب معرفة الله تبارك وتعالىٰ، وبطبيعة الحال فإنّ نفس هذه التعاليم الصادرة ممّن سبق من الأئمّة ـ إلىٰ جانب العلوم الإلهية الموهوبة إليهم «علیهم السلام» ـ كانت تعتبر واحدة من الطرق التي من خلالها حصل سائر الأئمّة من بعدهم علىٰ تلك العلوم والمعارف التوحيدية كالأمام الصادق «علیه السلام». هذا وقد تلمّذ أئمّة الشيعة عند آبائهم فقط لا غير، ولا يوجد أيّ خبر دالٌّ علىٰ تلمّذهم عند عالم من مدارس أخرىٰ. فلابدّ من دليل قوي وشاهد معتبر لإثبات تأثّر الإمام الصادق «علیه السلام» بمعتزلة عصره؛ لأنّ تشابه الآراء والنظريّات في حدّ ذاته لا يدلّ بالضرورة علىٰ أخذها واقتباسها وقبولها. وفضلاً عن ذلك فإنّ الإمام الصادق «علیه السلام» (ت 148هـ) كان قبل عقود من الزمن ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ وقبل المعتزلة من أمثال أبي الهُذيل العلّاف (ت حدود 227 أو 235هـ) قد تطرّق لمواضيع من قبيل عينيّة الذات الإلهية مع صفاته، وتقسيم صفات الله إلىٰ ذاتية وفعلية. بناء علىٰ هذا فإذا كان هناك نوع من التأثير قد حصل بين الأئمّة «علیهم السلام» وبين المعتزلة فمن المفروض أن يكون المعتزلة هم الذين تأثّروا بتعاليم الأئمّة «علیهم السلام» وليس العكس من ذلك.
إنّ البحث والتنقيب في الموروث الروائي المتبقّي من الرعيل الأوّل من أئمّة الشيعة «علیهم السلام» يبيّن لنا أنّ هذه الروايات تشتمل علىٰ تعاليم توحيدية جديرة بالالتفات في شأن الباري عزّ وجلّ. وقد جاءت الإشارة في بعضها إلىٰ (التوحيد الصفاتي) أي: عينية الذات الإلهية مع صفاته؛ كما في الروايات المنقولة عن الإمام علي «علیه السلام» حيث جاءت فيها العبارات التالية: «كمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة»97، أو قوله «علیه السلام»: «جلّ عن أن تحلّه الصفات، لشهادة العقول أنّ كلّ مَن حلّته الصّفات مصنوع»98، كما أنّ خطبه وكلماته «علیه السلام» المتألّقة في نهج البلاغة أيضاً مملوّة من المعارف التوحيدية والتنزيهية في باب معرفة الباري عزّ وجلّ. وقد صرّح القاضي عبد الجبّار المعتزلي فيما يخصّ أقوال الإمام «علیهم السلام» في بيان نفي التشبيه وفي إثبات العدل قائلاً: «فأمّا أمير المؤمنين «علیه السلام»، فخطبه في بيان نفي التشبيه وفي إثبات العدل أكثر من أن تحصىٰ»99.
وقد أبدىٰ الشيخ المفيد أيضاً كلاماً يفيد هذا المعنىٰ في جوابه علىٰ الشريف المرتضىٰ وعلىٰ تساؤلاته؛ حيث قال الشريف المرتضىٰ: «فإنّي لا أزال أسمع المعتزلة يدّعون علىٰ أسلافنا أنّهم كانوا كلّهم مشبّهة، وأسمع المشبّهة من العامّة يقولون مثل ذلك، وأرىٰ جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم علىٰ هذه الحكاية، ويقولون: إنّ نفي التشبيه إنّما أخذناه من المعتزلة، فاحبّ أن تروي لي حديثاً يبطل ذلك، فقال: هذه الدعوىٰ كالأوّلة، ولم يكن في سلفنا رحمهم الله من تديّن بالتشبيه من طريق المعنىٰ، وإنّما خالف هشام وأصحابه جماعة أصحاب أبي عبد الله «علیه السلام» بقوله في الجسم، وزعم أنّ الله تعالىٰ جسم لا كالأجسام، وقد روي أنّه رجع عن هذا القول بعد ذلك، وقد اختلفت الحكايات عنه، ولم يصحّ منها إلّا ما ذكرت، وأمّا الردّ علىٰ هشام والقول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يُحصىٰ من الرواية عن آل محمّد»100.
ومن ثمّ ذكر الشيخ المفيد رواية عن الإمام الصادق «علیه السلام» في ردّ الجمسانية عن الله تبارك وتعالىٰ قائلاً: «فهذا قول أبي عبد الله «علیه السلام» وحجّته علىٰ هشام فيما اعتلّ به من المقال، فكيف نكون قد أخذنا ذلك عن المعتزلة لولا قلّة الدين؟!»101.
وذكر في موضع آخر في الردّ علىٰ اتّهام الشيعة فيما يخصّ الاعتقاد بالجبر ورؤية الله، مصرّحاً مرّة أخرىٰ: «والرواية في العدل ونفي الرؤية عن آل محمّد «علیهم السلام» أكثر من أن يقع عليها الإحصاء»102.
وكذلك الشريف المرتضىٰ فقد أكّد في كلام له معروف وواضح قائلاً: «اعلم أنّ أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وخطبه، فإنّها تتضمّن من ذلك ما لا زيادة عليه، ولا غاية وراءه، ومَن تأمّل المأثور في ذلك من كلامه عَلِم أنّ جميع ما أسهب المتكلّمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنّما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول، ورُوىٰ عن الأئمّة مِن أبنائه «علیهم السلام» من ذلك ما يكاد لا يحاط به كثرة، ومَن أحبّ الوقوف عليه، وطلبه من مظانّه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة»103.
وفي نفس هذا الإطار ذكر ابن شهر آشوب أيضاً مقالاً مذكّراً بكلام الشريف المرتضىٰ، قائلاً: «وما أطنب المتكلّمون في الأصول إنّما هو زيادة لتلك الجمل وشرح لتلك الأصول».
ثمّ أضاف قائلاً: «فالإمامية يرجعون إلىٰ الصادق «علیه السلام» وهو إلىٰ آبائه، والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبّار بن أحمد عن أبي عبد الله الحسين البصري وأبي إسحاق عبّاس عن أبي هاشم الجبّائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحّام عن أبي الهذيل العلّاف عن أبي عثمان الطويل عن واصل بن عطاء عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن علي عن أبيه محمّد بن الحنفية عنه «علیه السلام»»104.
ومن بين المعتزلة، فقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656هـ) في عدّة مواضع من شرحه علىٰ نهج البلاغة بأنّ أهمّ الأصول الاعتقادية للمعتزلة إنّما أخذت من أقوال الإمام علي «علیه السلام» وفي شرح عبارة: «وسُئل عن التوحيد والعدل، فقال «علیه السلام»: التوحيد ألّا تتوهّمه، والعدل ألّا تتّهمه»105 المنسوبة للإمام «علیه السلام»، ذكر ما معناه إنّ أصلَي التوحيد والعدل المذكورين في هذه الرواية هما الركنان الأصليّان في علم الكلام وشعار أصحابنا المعتزلة، ثمّ أضاف قائلاً: «وجملة الأمر أنّ مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين وهذا الموضع من المواضع التي قد صرّح فيها بمذهب أصحابنا بعينه»106.
وذكر في بداية شرحه علىٰ نهج البلاغة، قائلاً: «إنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم ومعلومه أشرف الموجودات فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه «علیه السلام» اقتبس وعنه نقل وإليه انتهىٰ ومنه ابتدأ؛ فإنّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ـ ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ ـ تلامذته وأصحابه»107.
وصرّح في موضع آخر قائلاً: «أوّل مَن خاض فيه من العرب علي «علیه السلام»، ولهذا تجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل، مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه، ولا تجد في كلام أحد من الصحابة، والتابعين كلمة واحدة من ذلك، ولا يتصوّرونه، ولو فهموه لم يفهموه، وأنّىٰ للعرب ذلك! ولهذا انتسب المتكلّمون الذين لججوا في بحار المعقولات، إليه خاصّة دون غيره، وسمّوه أستاذهم ورئيسهم، واجتذبته كلّ فرقة من الفرق إلىٰ نفسها، ألا ترىٰ أنّ أصحابنا ينتمون إلىٰ واصل بن عطاء، وواصل تلميذ أبي هاشم بن محمّد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه محمّد، ومحمّد تلميذ أبيه علي «علیه السلام»»108.
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً في بحثه عن موضوع (التوبة): أنّ كلام أصحابه من المعتزلة في هذا الباب مأخوذ ومقتبس من كلام أميرالمؤمنين «علیه السلام»، وهو من الأسس التي بُنيَت عليها آراء أصحابه من المعتزلة؛ حيث قال: «وينبغي أن نذكر في هذا الموضوع كلاماً مختصراً ممّا يقوله أصحابنا في (التوبة)، فإنّ كلام أمير المؤمنين هو الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم، والذي يقولونه في (التوبة)، فقد أتىٰ علىٰ جوامعه «علیه السلام» في هذا الفصل علىٰ اختصاره»109.
إنّ جميع ما ذكرناه من الأقوال تشير إلىٰ أنّ جذور البحوث التوحيدية والتنزيهية في باب معرفة الله، وبعض القضايا الكلامية المهمّة الأخرىٰ، إنّما تعود إلىٰ روايات الإمام علي «علیه السلام»، وإنّ متكلّمي الإمامية إنّما كانوا متطفّلين علىٰ مائدة علم الإمام وتعاليمه وهم مَدِينون له. وعلىٰ أقلّ تقدير فمن الواضح أنّ الشيعة كانت أصولهم الاعتقادية ـ مثل التوحيد والعدل ـ إنّما هي من ثمار تعاليم وإرشادات الأئمّة «علیهم السلام» وليست نتيجة الأخذ والاقتباس من المعتزلة.
وأمّا معتقدات المعتزلة بأصلَي التوحيد والعدل، فقد جاءت نظريّات مختلفة في منشأ اعتقادات متقدّمي المعتزلة من البصريّين بهذه الأصول؛ حيث يرتئي البعض أنّ منشأ اعتقادات متقدّمي المعتزلة بالتوحيد وتنزيه الصفات لها جذور غير إسلامية، مثل الفلسفة اليونانية110 أو الكلام المسيحي، علىٰ سبيل المثال يعتقد السيّد ولفسون أنّ آراء متقدّمي المعتزلة في باب التوحيد ونفي صفات الله وحتّىٰ أدلّتهم التي ذكروها في إثبات هذه التعاليم، كلّها مأخوذة من الفلسفة المسيحية وكلامهم، وعلىٰ الخصوص من بعض آباء الكنيسة مثل سابليوس وآريوس المتأثّرَين بفيلون اليهودي الإسكندراني111.
وفي إزاء هذه النظرية نفىٰ بعض المحقّقين وجود جذور ومنشأٍ كهذا لأفكار المعتزلة، ونفىٰ كلّياً تأثّر المعتزلة بشكل واسع بهؤلاء112، واعتبر أنّ مؤسّسي المعتزلة مثل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد إنّما تأثّروا في آرائهم بالقدرية، منها عقيدتهم بالقدر (اختيار الإنسان)، وحدوث القرآن، ونفي الصفات [بكونها زائدة علىٰ الذات الإلهية]113.
واعتقد البعض الآخر أنّه نظراً لمعاندة متقدّمي المعتزلة من البصريّين مع أمير المؤمنين «علیه السلام»، فلا يمكن تصوّر أخذهم للتعاليم التوحيدية منه، ولم ينسب أحد منهم آراءه للإمام وأبنائه «علیهم السلام»، ولم يذعن أحد منهم بتأثّره بالأئمّة سوىٰ بعض مَن تأثّر بالزيدية من متأخّري المعتزلة. ولذلك لم تكن خطب الإمام علي «علیه السلام» وأقواله مصدراً لمعتقداتهم في باب التوحيد والعدل114. هذا وقد حذا بعض المحقّقين حذوهم؛ حيث اعتقد أنّ متقدّمي معتزلة البصرة لم يأخذوا أصول عقائدهم ـ مثل التوحيد والعدل ـ من أئمّة الشيعة، ولم تكن لمتقدّمي المعتزلة أساساً أيّ معرفة وصلة لهم بأحاديث أئمّة الشيعة، بل إنّ أغلب تأثّرهم إنّما كان بالعلوم والأديان غير الإسلامية. وكذلك الإمامية أيضاً فإنّ معتقداتهم التنزيهية لم تكن مشابهة لآراء المعتزلة منذ البداية، ولم يكونوا في هذا المجال متأثّرين بالمعتزلة115. وبناء علىٰ هذا؛ فإنّ الاعتقاد في خصوص التوحيد والعدل منذ المرحلة الأولىٰ من ظهور مدرسة الاعتزال، لا المعتزلة كانوا متأثّرين بالشيعة الإمامية ولا الشيعة الإمامية كانوا متأثّرين بالمعتزلة.
ولكن في إزاء هذا فإنّ كلام بعض متكلّمي المعتزلة مثل ابن أبي الحديد ـ وكما ذكرناه بالتفصيل ـ يدلّ علىٰ أنّ مأخذ المعتزلة ومستندهم الأصلي في قسم من أهمّ أصولهم الاعتقادية مثل التوحيد والعدل هو كلام الإمام علي «علیه السلام». ويعتقد أنصار هذه النظرية أنّ المعتزلة في معتقدهم بالتوحيد والعدل كانوا يقيناً متأثّرين بأقوال الإمام علي «علیه السلام» 116، وتارة ما يتمسّك هؤلاء بالسلسلة السندية عند المعتزلة؛ حيث اعترف علىٰ أساسها متقدّمو المعتزلة وافتخروا بأنّ موروثهم العلمي وسلسلة انتساب تعاليمهم إنّما تعود إلىٰ الإمام علي «علیه السلام» وإلىٰ الرسول الأكرم |، ومنهم أبو القاسم الكعبي البلخي (ت 3319هـ)، وهو من أكابر مدرسة الاعتزال في بغداد، حيث ذكر في كتابه مقالات الإسلاميّين ـ في باب ذكر المعتزلة ـ سنداً يظهر فيه السلسلة العلمية للمعتزلة، حيث يتّصل عن طريق واصل بن عطاء بمحمّد بن الحنفية وابنه أبي هاشم وعنهما بالإمام علي «علیه السلام» ثمّ برسول الله117. وذكر ابن المرتضىٰ أيضاً سند مذهب المعتزلة من قول أبي إسحاق بن عيّاش كالتالي: «قال: وسند المعتزلة لمذهبهم أوضح من الفلق؛ إذ يتّصل إلىٰ واصل وعمرو اتّصالاً ظاهراً شاهراً وهما أخذا عن محمّد بن علي بن أبي طالب وابنه أبي هاشم عبد الله بن محمّد، ومحمّد هو الذي ربّىٰ واصلاً وعلّمه حتّىٰ تخرّج واستحكم، ومحمّد أخذ عن أبيه علي بن أبي طالب «علیهم السلام» عن رسول الله ’»118.
وكما ذكر الشريف المرتضىٰ فإنّ واصل بن عطاء (ت 131هـ) قد تلمّذ عند أبي هاشم فقط، وما قيل من تلمّذه علىٰ محمّد ابن الحنفية فغير مقبول؛ لأنّ محمّد ابن الحنفية توفّي سنة (80 أو81 هجرية)، في حين أنّ ميلاد واصل بن عطاء كان سنة (80 هجرية) بناء علىٰ ما ذكره أبو الحسين الخيّاط119. ولذلك جاء في سند آخر نقله ابن النديم يظهر فيه أنّ واصلاً كان في سلسلة السند إلىٰ محمّد ابن الحنفية فقط بواسطة أبي هاشم ابن محمّد ابن الحنفية؛ حيث ذكر ابن النديم ـ الذي كان في عداد شيعة المعتزلة120 ـ ذلك في الفهرست قائلاً: «... قال: حدّثنا أبوالهُذيل العلّاف محمّد بن الهُذيل، قال: أخذت هذا الذي أنا عليه من العدل والتوحيد عن عثمان الطّويل ـ وكان معلّم أبي الهُذيل ـ قال أبوالهُذيل: وأخبرني عثمان أنّه أخذه عن واصل بن عطاء، وأنّ واصلاً أخذه عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة، وأنّ عبد الله أخذه من أبيه محمّد بن الحنفيّة، وأنّ محمّداً أخبره أنّه أخذه عن أبيه علي «علیه السلام» وأنّ أباه أخذه عن رسول الله ’، وأنّ رسول الله أخبره أنّ جبريل نزل به عن الله جلّ وتعالى»121. ونقل القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت 415هـ) أيضاً مثل سلسلة هذا السند باختلاف أنّه ذكر عمرو بن عبيد (ت 144هـ) إلىٰ جانب واصل بن عطاء122.
وفيما يخصّ الاستناد إلىٰ هذا السند لإثبات ما تأثّر به المعتزلة من كلام أمير المؤمنين علي «علیه السلام»، لابدّ لنا أن نأخذ بعين الاعتبار احتمال كون جميع هذه الأسانيد موضوعة؛ وذلك لأنّه لم تذكر المصادر الأولىٰ للمعتزلة هذه الأسانيد. وكما قال جوزيف فان إس فإنّه يحتمل أنّ وضع هذا السند من قِبَل المعتزلة ووصل سلسلته إلىٰ النبي | إنّما جاء من قبل بعض المعتزلة بهدف تعريف مدرسة الاعتزال في كونها مذهباً يستند بواسطة هذا الطريق إلىٰ النبي |، وأن ينزّهوا مدرستهم من الاتّهام بالبدعة123. وهناك بعض المحقّقين قد احتمل احتمالاً قويّاً بأنّ متشيّعة المعتزلة هم مَن وضعوا هذا السند124. وقد أكّد الأستاذ علي سامي النشّار ضمن ردّه للادّعاء القائل بوضع هذا السند من قبل الزيدية، أنّه لا شكّ بتلمّذ واصل بن عطاء عند أبي هاشم، ولكن هناك أمراً غير واضح وهو: هل أنّ أبا هاشم كان يدلي بما أخذه عن أبيه محمّد بن الحنفية إلىٰ واصل؟ أم كان له رأيه واجتهاده الخاصّ به وكان يدلي به إلىٰ واصل125؟ ومع ذلك فقد صرّح في موضع آخر أنّ واصلاً أخذ الاعتزال من أبي هشام126. وقد انتقد النشّار ذكر اسم الإمام علي «علیه السلام» ووضعه في سلسلة سند المذهب المعتزلي؛ فهو يعتقد أنّ الإمام عليّاً «علیه السلام» والإمام الصادق ـ الذي ينتمي له المذهب الاثني عشري ـ لم يكن أيّ واحد منهما قدريّاً، بل كانا كلاهما من أئمّة (أهل السنّة والجماعة)، وإنّ آراءهم كذلك هي من معتقدات سلف (أهل السنّة والجماعة)127!!!
ناهيك عن أن يكون السند المذكور صحيحاً وحقيقيّاً أو موضوعاً، فإنّ هناك أمراً جديراً بالاهتمام وهو أنّ بعض الوجوه البارزة من متأخّري المعتزلة في المراحل المتأخّرة كانوا ينسبون أصولهم وتاريخهم العقائدي إلىٰ الإمام علي «علیه السلام» استناداً علىٰ هذا السند، وكانوا يتوسّلون به كوسيلة لإثبات ذلك؛ أي: إنّهم كانوا قد قبلوا بهذا السند وكانوا يستندون إليه. بناء علىٰ ذلك كلّه يحتمل قويّاً أنّ القصد من وراء نشر وترويج هذا السند ـ المشار إليه في البحث ـ أكثر ما يكون من أجل إيجاد المشروعية لمدرسة الاعتزال والقول بأصالتها واستقامتها وأخذها للمعارف من مصدرها المنتهي بالله عزّ وجلّ، وليس المراد لزوماً أن يكون القصد منه هو إسناد هذه المدرسة ونسبتها إلىٰ الإمام علي «علیه السلام» وإثبات أخذ المعارف التوحيدية منه؛ وذلك لأنّ أكثر النقولات المعروفة لهذا السند تنتهي سلسلة معارفه إلىٰ جبرئيل وإلىٰ الله عزّ وجلّ.
وبغضّ النظر عن كلّ ذلك؛ فالمهمّ في بحثنا هذا هو أنّ اعتقاد الشيعة بأصولهم الاعتقادية الأصيلة مثل التوحيد والعدل كان ثمرة تعاليم الأئمّة المعصومين وإرشاداتهم «علیهم السلام»، ولم يقتبسوها من المعتزلة ولم يأخذوها منهم، بل أكثر من ذلك، حيث نقل ـ وفقاً لبعض الآراء ـ إنّ منشأ وأصل اعتقاد المعتزلة بالتوحيد والعدل إنّما يعود إلىٰ تعاليم الإمام علي «علیه السلام».
3ـ الرأي المنتخب: تأثّر الكلام الإمامي بحِوارِيّات الكلام المعتزلي:
في باب مسألة تأثّر الكلام الإمامي بحِوارِيّات الكلام المعتزلي يدلي راقم السطور برأيه من خلال تبيين بعض الأمور. وبالطبع فإنّ الرأي المنتخب هذا ليس رأياً إبداعيّاً في كلام الإمامية، ولا بعيداً عن الخلفية التاريخية للكلام الإمامي ـ كما سنبيّن ذلك في هذا البحث ـ فهو رأي كان محلّ تأييد وتصديق الفقيه والمتكلّم الشيعي الكبير المحقّق صاحب الشرائع ـ المحقّق الحلّي (ت 676هـ) ـ كما قد أشار إليه كذلك بعض المحقّقين المعاصرين ممّن سبقت الإشارة إليهم، والشيء الجديد الذي يبدو في هذا الرأي هو أسلوب تدوين وترتيب نفس ذلك الرأي في قالب بياني جديد، مضافاً إلىٰ تبيين مختلف أبعاده.
أوّلاً: لقد مرّت العلاقات بين الكلام الإمامي والكلام المعتزلي بمنعطفات عديدة في مختلف المراحل التاريخية، ولم يكن تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي علىٰ نسقٍ واحد في تلك المراحل؛ ولذلك لا يمكن إصدار حكم واحد في باب ما تأثّر به الإمامية من المعتزلة علىٰ مدىٰ تلك المراحل التاريخية، بل لابدّ لنا أن ندرس مختلف المراحل التاريخية من هذا التعاطي العلمي كلّا ً علىٰ حِدة، وذلك من أجل تقديم دراسة جامعة ودقيقة لتعامل وتعاطي الكلام الإمامي مع الكلام المعتزلي. وللحصول علىٰ دراسة تاريخية لمقدار تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي وارتباطه به يمكننا أن نتناول دراسة المراحل الثلاث المتمايزة أدناه كلّا ً علىٰ حِدة:
ألف) المرحلة الأولىٰ: من بداية نشأة المعتزلة إلىٰ ما قبل زمن الشيخ المفيد.
ب) المرحلة الثانية: من زمن الشيخ المفيد (ت 413هـ) والشريف المرتضىٰ وتلامذتهم في مدرسة بغداد إلىٰ ما قبل زمن الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672هـ) وتأسيس المدرسة الكلامية الفلسفية.
ج) المرحلة الثالثة: بعد تأسيس المدرسة الكلامية الفلسفية.
ثانياّ: إنّ أكثر الآراء والمصنّفات التي تناولت موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي ـ التي ذكرنا أهمّها في الفصل السابق ـ كانت قد أهملت أنّ الأبعاد والجوانب المختلفة التي تؤدّي إلىٰ تأثّر أحد المدارس الكلامية بالمدارس الأخرىٰ تعتمد علىٰ دراسة جميع أجزاء ومكوّنات المنظومة الكلامية لتلك المدارس؛ ففي الواقع أنّ أكثر الآراء والكتب المؤلّفة في هذا الشأن كانت قد تناولت واحداً أو بعضاً من موارد وأبعاد تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي، ولم تأخذ بنظر الاعتبار بقيّة أبعاد وزوايا ذلك التأثّر. ففي اعتقادي أنّ موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي إنّما يتمّ تحديد جميع أبعاده بنحو دقيق من خلال دراسة تلك التأثّرات في جميع أجزاء وأركان المنظومة الكلامية التي تمّ التأثّر بها. علماً بأنّ كلّ نظام كلامي عندما يتمّ تدوينه سوف يتبيّن من خلال ذلك مكوّنات وأركان ذلك النظام؛ والتي هي عبارة عن:
1ـ الترتيب والتبويب في ذلك النظام، 2ـ المواضيع والمسائل التي هي محلّ النقاش فيه، 3ـ المصطلحات المتداولة في ذلك النظام، 4ـ التعاريف، 5ـ المباني، 6ـ القواعد، 7ـ المدّعيات والنتائج (التعاليم والأصول الاعتقادية)، 8ـ الاستدلالات والأدلّة، 9ـ طريقة الاستدلال (العقلية أو النقلية أو التجربية)، 10ـ الآراء والنظريّات التي هي محلّ النقاش والدراسة في ذلك النظام.
فإنّ مجموع هذه المكوّنات والعناصر التي تؤسّس لكلّ نظام كلامي عندما تؤخذ بعين الاعتبار، مضافاً إلىٰ معتقدات ذلك النظام بالرؤية الفلسفية التوحيدية الخاصّة بذلك النظام، وآرائه الكلامية، سوف يتبلور نتيجة لذلك نوعاً خاصّاً يميّز ذلك النظام الكلامي من حيث الأسلوب وطريقة التفكير والتأليف في تعاطيه مع المسائل الكلامية، فإذا ترسّخت وتوطّدت أسس ذلك النظام الكلامي في المجتمعات العلمية حينها يمكننا أن نطلق عليها عنوان: (الحِوَارِيّات الكلامية). ولابدّ لنا هنا من توضيح المراد من اصطلاح: (الحِوَارِيّات) ليتبيّن لنا المقصود من (الحِوَارِيّات الكلامية) بشكل أوضح.
يمكن تعريف (الحِوَارِيّات الكلامية) كونها: «الأسلوب والطريقة الخاصّة من التفكير والتأليف في باب المسائل الكلامية والتي استطاعت أن تثبّت أركانها في المجتمعات العلمية». هذا وإنّ اختلاف (الأساليب والمفاهيم الخاصّة) في التعامل مع مسائل علم الكلام يؤدّي بطبيعة الحال إلىٰ تنوّع (الحِواريّات الكلامية) في علم الكلام الإسلامي، ومن نماذج ذلك التنوّع يمكن الإشارة إلىٰ نموذجين من تلك الحِواريّات وهي: (حِوارِيّات الكلام المعتزلي) و(الحِوارِيّات الكلامية الفلسفية). بناء علىٰ هذا فإنّ المقصود من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في علم الكلام هو: «الأسلوب والطريقة الخاصّة التي تتميّز بها ذهنية المعتزلة دون غيرها من المدارس الكلامية، والبيان والأسلوب الخاصّ الذي تنفرد به في تبيين المسائل الكلامية وتوضيحها». وفي هذه الحالة فإنّ استخدام (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في علم الكلام من قبل إحدىٰ المدارس الكلامية الأخرىٰ هو بمثابة: «الاستفادة من ذهنية المعتزلة وبيانهم وأسلوب تفكيرهم وطريقتهم الخاصّة في تعاملهم مع مسائل علم الكلام».
بناء علىٰ ذلك فإنّ مفهوم (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) بالمعنىٰ الذي ذكرناه يختلف عن مفهوم (مدرسة المعتزلة الكلامية)؛ فإنّ مفهوم (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في الحقيقة هو ناظر إلىٰ الأسلوب وطريقة التفكير وذهنية المعتزلة في تعاملهم مع مسائل علم الكلام، وبالنتيجة فإنّهم قد أبدعوا أنموذجاً وقالباً فكريّاً وأسلوباً في التأليف استطاعت المعتزلة تثبيت أركانه في المجتمعات العلمية، ولذلك يمكن لمتكلّمي المدارس الكلامية الأخرىٰ ـ غير المعتزلة ـ أن يستفيدوا من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) وأسلوبهم بالرغم من اختلافهم مع مدرسة الاعتزال ورفضهم للعديد من المواقف والآراء التي تتبنّاها تلك المدرسة.
ثالثاً: ويبقىٰ السؤال قائماً وهو أنّ الكلام الإمامي تُرىٰ هل كان متأثّراً بالكلام المعتزلي أم لم يكن متأثّراً به؟ وللجواب علىٰ هذا السؤال علينا أن نقوم بدراسة تاريخية تطبيقية بين النصوص الكلامية الإمامية ونصوص المعتزلة لكي يتوضّح لنا من خلال ذلك مدىٰ تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي في كلّ مرحلة من مراحله؟ ويتوضّح لنا أيضاً بأيّ جزء وركن من الأركان العشرة ـ التي ذكرناها سابقاً ـ كان ذلك التأثّر؟ وبطبيعة الحال إنّ مثل هذه الدراسة واسعة ودقيقة جدّاً ولا يمكن الإلمام بها بسهولة؛ ومع ذلك ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ يمكننا أن نقول أنّ ما توصّلنا إليه من دراساتنا الأوّلية لبعض النصوص الكلامية لكلا الطرفين هو: أنّ الكلام الإمامي منذ عصرالشيخ المفيد (ت 413 هـ) وما بعده كان متأثّراً وبدرجات مختلفة ـ من حيث المكوّنات والأركان العشرة التي ذكرناها آنفاً ـ بالكلام المعتزلي، أو الأفضل أن نقول متأثّراً بـ: (حِواريّات الكلام المعتزلي). وأنّ مقارنة نصوص الكلام الإمامي مع مؤلّفات المعتزلة المشابهة لها في الموضوع والحقبة يؤيّد هذا التأثّر. ونظراً إلىٰ قلّة النصوص الكلامية المتبقّية للإمامية من المرحلة المتقدّمة علىٰ الشيخ المفيد، لا يمكننا أن نبدي رأياً قاطعاً في خصوص علاقة الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي في تلك المرحلة ـ أي: منذ بداية نشأة المعتزلة إلىٰ ما قبل عهد الشيخ المفيد ـ أو أن نحدّد حدوداً دقيقة لمقدار ونوعية تأثّر الكلام الإمامي بحِوَارِيّات الكلام المعتزلي؛ مع ذلك ـ بناء علىٰ بعض الشواهد ـ يمكننا أن نؤيّد وجوداً مختصراً من التأثّر بالكلام المعتزلي من قبل بعض متكلّمي الإمامية في تلك الحقبة.
ومن الواضح أنّ المقصود من تأثّر الكلام الإمامي بحِواريّات الكلام المعتزلي في المكوّنات والأركان المذكورة ليس معناه أنّ الإمامية كانوا يتّبعون المعتزلة في كلّ المواضيع، أو أنّهم كانوا يأخذون أصولهم الفكرية والاعتقادية منهم، أو أنّ نظام الكلام الإمامي هو نفس نظام الكلام المعتزلي، وليس للإمامية نظاماً كلاميّاً مستقلّا ً بهم. لا شكّ أنّ للإمامية نظاماً كلاميّاً خاصّاً بهم ـ كما ذكرنا سابقاً ـ فقد أخذوا أصولهم الاعتقادية مثل التوحيد والعدل والإمامة من القرآن ومن تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»: «أصولهم إنّما أخذت من أئمّتهم «علیهم السلام»»128؛ وبناء علىٰ هذا فإنّ متكلّمي الإمامية لم يتقبّلوا بعض الأصول الاعتقادية المهمّة للمعتزلة مثل (المنزلة بين المنزلتين) و(الوعيد)129 ، كما أنّهم خالفوا المعتزلة في باب (الإمامة) وكانوا في صراع مع آرائهم. بناء علىٰ هذا فإنّهم لم يتأثّروا بالمعتزلة من ناحية الإيمان بالأصول الاعتقادية، ولم يأخذوا منهم أصولهم الاعتقادية قطّ. ولكن في نفس الوقت لابدّ لنا أن نعترف بتأثّر متكلّمي الإمامية ـ منذ القرن الرابع الهجري وحتّىٰ قبل مرحلة الملّا صدرا (ت 1050هـ) ـ ببعض دقائق المسائل الاعتقادية للمعتزلة مثل تأثّرهم بالقسم المعروف بـ: (جليل الكلام) وكذلك بقسم من المسائل الفلسفية والطبيعية المعروفة بأبحاث: (دقيق الكلام) أو (لطيف الكلام) تأثّراً كلّيّاً في طريقة تعاملهم مع المسائل الكلامية ـ بشكل أو بآخر ـ بحِوارِيّات الكلام المعتزلي؛ أي: إنّهم كانوا ـ بشكل أو بآخر ـ مثل المعتزلة في طريقة وأسلوب تفكيرهم وكذلك في تأليفاتهم.
ويبدو أنّ الكثير ممّن نفىٰ وردّ نظرية تأثّر الإمامية بالمعتزلة كان مرادهم من ذلك هو عدم أخذ واقتباس الإمامية لأصولهم الاعتقادية من المعتزلة، وإنّ عدم تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي إنّما كان من هذه الجهة، وبناء علىٰ هذا فهم لم يخالفوا نظرية تأثّر الإمامية بالمعتزلة في جهات ومجالات أخرىٰ مثل المسائل الطبيعية والفلسفية أو أسلوب التفكير والتأليف؛ فقد صرّح العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري &ـ الذي كان من الأنصار المتشدّدين لنظرية عدم تأثّر الإمامية من المعتزلة ـ أنّه لابدّ لنا من التمييز بين المسائل الاعتقادية المحضة وبين المسائل الطبيعية الفلسفية التي يدور النقاش حولها في علم الكلام بعنوان: (لطيف الكلام)، حيث كان يعتقد أنّ الإمامية في مجال الاعتقادات لم يتأثّروا بالمعتزلة ولم يأخذوها منهم، ولكنّ تأثّر الإمامية بالمعتزلة في مجال المسائل الطبيعية والفلسفية أو في باب نوعية الاستدلالات ليس فقط لا يمكن إنكاره، بل توجد شواهد كثيرة أيضاً تدلّ علىٰ ذلك. بناء علىٰ هذا الوصف من التأثّر فإنّ العلّامة &يعتقد أنّ تأثّر الإمامية في هذه الجوانب أيضاً كان تأثّراً متقابلاً بين الطرفين. ويا حبّذا لو كانت كتب المتقدّمين من متكلّمي الإمامية باقية إلىٰ يومنا هذا لاستطعنا حينها أن نقول أنّ تأثّر المعتزلة من الإمامية كان أكثر من تأثّر الإمامية من المعتزلة130.
بناء علىٰ ذلك فإنّ الادّعاء بأنّ الإمامية أخذوا أصولهم الاعتقادية من المعتزلة لا محلّ له من الإعراب هنا، بل المقصود هنا هو أنّ متكلّمي الإمامية المعروفين أخذوا شيئاً فشيئاً حِوارِيّات الكلام المعتزلي وأسلوبهم في تناولهم للأبحاث الكلامية وفي تبيينهم المسائل الاعتقادية وتحريرها؛ وبعبارة أخرىٰ: إنّ الإمامية استفادوا في تعاملهم مع مسائل علم الكلام من ذهنية وتعبير وبيان ونظام الكلام المعتزلي، وتناولوا المسائل والأبحاث الكلامية علىٰ طريقة وأسلوب تفكير وتأليف المعتزلة الخاصّ، في الوقت الذي حافظوا فيه علىٰ استقلالهم فيما يخصّ تعاليمهم وأصولهم الاعتقادية. ففي الواقع إنّ متكلّمي الإمامية كانوا متأثّرين بالمعتزلة في أسلوب ونمط تعاملهم مع الموضوعات الكلامية وأسلوب حِوارِيّاتهم أكثر من تأثّرهم بتعاليمهم وآرائهم الكلامية. وقد تناول الإمامية مسائل علم الكلام بأسلوب معتزليّ؛ أي: تناولوا تلك المسائل في إطار وسياق (حِوارِيّات الكلام المعتزلي)، ودوّنوا كتبهم ـ علىٰ ما ذكره الشيخ محمّد رضا الجعفري ـ بـ: (روح اعتزالية)131.
وبصرف النظر عن التقارن والتشابه الموجود في الهيكلية والمحتوىٰ بين الكتب الكلامية لمتكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية مع الكتب الكلامية للمعتزلة المماثلة لها، هناك بعض العبارات موجودة في مؤلّفات متكلّمي بغداد من الإمامية هي في الحقيقة استنساخ واقتباس ـ إلىٰ حدّ ما ـ من مؤلّفات متكلمي معتزلة البصرة من البهشمية، وخاصّة القاضي عبد الجبّار المعتزلي. بناء علىٰ هذا لا ريب في إطلاق صفة: (معتزلي المسلك) أو (بهشمي الهوى) علىٰ بعض متكلّمي الإمامية مثل الشريف المرتضىٰ؛ وذلك لاستفادتهم من (حِوارِيّات الكلام المعتزلي) أي: من أسلوب المعتزلة وتعبيرهم وطريقة تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، وبالطبع أنّ مثل هذه الاستفادة ليست بمثابة قبول متكلّمي الإمامية لجميع آراء المعتزلة والبهشمية.
بناء علىٰ هذا فإنّ خلاصة كلامنا في هذا المقال هو أنّ متكلّمي الإمامية بعد أن أخذوا أُصول عقائدهم من الأئمّة «علیهم السلام» استفادوا من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) ـ أي: من ذهنية وتعبير وأسلوب التفكير والتأليف عند المعتزلة، حيث كانت حِوَارِيّاتهم تعدّ نوعاً من الحِوَارِيّات المتداولة آنذاك ـ في إثبات وتبيين وتوضيح تلك الأصول الاعتقادية، وهذه حقيقة تاريخية لابدّ من الاعتراف بها سواء رضينا بذلك أم لم نرضَ. وبالنتيجة؛ فبالرغم من الاختلافات الملفتة للنظر لمتكلّمي الشيعة مع مواضع وآراء المعتزلة الاعتقادية إلّا أنّ كثيراً من مباني المدرسة الكلامية الاعتزالية وأساليبهم وأصولهم وقواعدهم واصطلاحاتهم وتعاريفهم ومناهجهم واستدلالاتهم الخاصّة قد حظيت بالقبول عندهم، بل وانعكست في مؤلّفاتهم كذلك.
هذا وإنّ الانتفاع من معطيات ومخرجات المعتزلة في علم الكلام، والاستفادة من حِوَارِيّات الكلام المعتزلي في التعامل مع المسائل الكلامية ليس أمراً مذموماً، بل هو من بعض النواحي الأخرىٰ أمر ممدوح وحسب. فإنّ هدف المتكلّم ـ بما هو متكلّم ـ هو إثبات ادّعاءاته الكلامية والدفاع عنها، ولذلك يمكنه الاستفادة من أيّ طريقة وأسلوب لبلوغ هدفه. بناء علىٰ هذا لا ينبغي أن يُستشكل علىٰ متكلّم أخذ حِوارِيّات فكرية متداولة ومقبولة في عصره واستفاد من مناهجها أو أصولها وقواعدها ومن الاصطلاحات المستعملة فيها لإثبات أو تبيين أصول وفروع مذهبه الاعتقادية. ومن الطبيعي أنّ متكلّمي الإمامية في كلّ حقبة نراهم قد استفادوا من مناهج وأفكار وسائر آليّات المدارس الفكرية المعروفة في عصرهم لإثبات وتبيين مواضع واعتقادات المدرسة الإمامية علىٰ أفضل وجه ممكن. وبذلك يتبيّن لنا السرّ في ميول متكلّمي الإمامية في مختلف المراحل إلىٰ سائر المدارس الفكرية الأخرىٰ. فإذا كان متكلّمو الإمامية قد مالوا في برهة من تاريخ الكلام الشيعي إلىٰ الكلام الاعتزالي وحِواريّاته واختاروا المنهج المعتزلي وأسلوبه في تبيين المسائل الكلامية وتحريرها، فذلك ـ أساساً ـ بدليل أنّهم كانوا يظنّون أنّ الطريقة الخاصّة للمعتزلة في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام آنذاك ـ أو بتعبير آخر: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) ـ هي أفضل طريقة لإثبات المعتقدات الشيعية والدفاع عنها.
هذا وإنّ كلام العلّامة الحلّي (ت 676هـ) ـ باعتباره أحد فقهاء ومتكلّمي الإمامية البارزين ـ شاهدُ صدقٍ ودليلٌ قوي علىٰ هذا الادّعاء، حيث صرّح في مقدّمة أحد كتبه الكلامية قائلاً: «فإنّه لمّا كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد، وأعزّ الفرائد، وجب علىٰ كلّ ذي فطنة أن يصرف رويّته إلىٰ استخراج حقائقها، وكشف غوامضها ودقائقها، ولمّا كانت الطرق إلىٰ ذلك مختلفة، والوسائل إليه منكّرة ومعرّفة، وجب أن نسلك أتمّها تحقيقاً، وأوضحها مسلكاً وطريقاً، وهو النهج الذي سلكه متأخّرو المعتزلة»132.
وذكر بعد ذلك العبارة التالية يوضّح فيها قصده وما يرمي إليه من تأليف هذا الكتاب، قائلاً: «رأيت أن أملي مختصراً يقصر عن هجنة التطويل؛ ويرتفع عن لكنة التقليل، يكون مدخلاً إلىٰ مطوّل كتبهم، وموصلاً إلىٰ تحصيل مذاهبهم»133.
فالذي يقصده العلّامة الحلّي من اصطلاح: (متأخّروا المعتزلة) في العبارة الآنفة الذكر هو أبا الحسين البصري المعتزلي (ت 436هـ) الذي أسّس آخر مدرسة اعتزالية في حينها، وليس كما يظنّ البعض134 أنّ المقصود من ذلك هو القاضي عبد الجبّار وتلامذته البهشمية فهو ظنّ خاطئ؛ والدليل علىٰ ذلك هو أنّ أغلب آراء المحقّق الحلّي مشابهة لآراء مدرسة أبي الحسين الكلامية وأتباعه الذي كان ـ إجمالاً ـ مخالفاً لآراء البهشمية في بعض المسائل ومنهم القاضي عبد الجبّار المعتزلي. وفضلاً عن ذلك فقد أشار التاج الرازي في شرحه علىٰ قواعد العقائد للخواجة نصير الدين الطوسي إلىٰ أنّ المراد من مصطلح: (متأخّرو المعتزلة) هم أبو الحسين البصري وأتباعه135.
هذا وقد أيّد العالم الإمامي الشهير قطب الدين الراوندي (ت 573هـ) وصرّح باختيار طريقة ومنهجية مدرسة أبي الحسين البصري وأتباعه من قِبَل بعض متكلّمي الإمامية وساق الحديث عن اختيار بعض متكلّمي الإمامية وانتخابهم الآراء الكلامية لمدرسة أبي الحسين البصري في موضعين من شرحه القيّم علىٰ نهج البلاغة للشريف الرضي الذي جاء تحت عنوان: (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) ، قائلاً: «وأمّا مَن يختار من أصحابنا طريقة أبي الحسين البصري فإنّه يقول: معنىٰ قوله: (ليس لصفته حدّ) أي: ليس لوصفنا إيّاه بما نذكره من الحمد والمدح ونحوهما غاية»136.
وأكّد في موضع آخر قائلاً: «وقال بعض أصحابنا ممّن يختار طريقة أبي الحسين البصري: إنّ لله ذات مخصوصة ليس له صفات، وإنّما يخالف غيره بذاته المتميّزة»137.
فبالرغم من أنّ مصطلح: (الطريقة) قد جاء في بعض الاستعمالات بمعنىٰ: (الرأي المبتكر الأصيل)138 ، أو (الأسلوب والطريق والنهج)139 ، إلّا أنّه في العبارات المذكورة أعلاه يبدوا بمعنىٰ: (المنهج والمسلك الكلامي والمدرسة الكلامية)140. وعلىٰ كلّ حال فإنّ تلك العبارات تفصح عن اتّباع بعض متكلّمي الإمامية لآراء مدرسة ومنهج أبي الحسين البصري الكلامية.
والأمر الملفت للنظر هو أنّ كلام الراوندي (ت 573هـ) فيما يخصّ اتّباع عدد من متكلّمي الإمامية لمدرسة أبي الحسين البصري ومنهجه قد جاء في زمن لم يؤلّف فيه بعد سديد الدين الحِمّصي الرازي كتابه المنقذ من التقليد الذي أتمّه سنة (581هـ)، حيث يدلّ هذا الأمر علىٰ أنّ متكلّمي الإمامية منذ أواسط القرن السادس الهجري ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ أي: قبل إتمام تأليف الحمّصي ونشره لتعاليم البصري بين الإمامية عن طريق هذا الكتاب بعقد من الزمن تقريباً كانوا علىٰ اطّلاع كامل علىٰ مدرسة أبي الحسين البصري، واتّبع بعضهم طريقته ومسلكه الكلامي.
كما أشار القطب الراوندي في موضع آخر إلىٰ رأي الشيخ المفيد في كون الباري تعالىٰ مريداً وكارهاً، ووصف رأيه موافقاً لرأي معتزلة بغداد، حيث قال: «وكان الشيخ المفيد يثبت كونه تعالىٰ: (مريداً وكارهاً) علىٰ طريق البغداديّين»141.
هذا وإنّ الرسالة التي ألّفها الشيخ المفيد تحت عنوان: (الرسالة المقنعة في وفاق البغداديّين من المعتزلة لما رُوِي عن الأئمّة «علیهم السلام»)142 ـ والتي لم يتبقَّ منها سوىٰ عنوانها ـ يمكن لها أن تكشف تقارب آراء الشيخ المفيد مع معتزلة بغداد. وكما يبدو من عنوان هذه الرسالة كذلك: أنّ آراء معتزلة بغداد من وجهة نظر الشيخ المفيد كانت موافقة مع مرويّات وأقوال أئمّة الشيعة، ولذلك يعتبر الشيخ المفيد أنّ موافقته المعتزلة في آرائهم هو أمر لا محذور فيه ، ولذلك كان يتّبعهم. كما أنّ الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات عندما يبيّن معتقده ومعتقد جمهور الإمامية في مسألة اعتقادية ما، كان ـ أحياناً ـ يشير إلىٰ أنّ روايات الأئمّة وردت في تأييد هذا المعتقد، ومن ثمّ يردف كلامه بأنّ معتزلة بغداد يوافقون هذا الرأي أيضاً، حيث قال: «وهذا مذهب جمهور الإمامية، وقد جاءت به آثار عن الأئمّة «علیهم السلام» والبغدادیّون من المعتزلة يوافقون فيه»143.
وقد ذكرنا فيما سبق أيضاً عن السيّد مادلونغ أنّ التعاليم ذات النزعة العقلية الموجودة في الإرشادات الاعتقادية للأئمّة «علیهم السلام» كانت قد مهّدت الأرضية لاختيار وقبول المعتقد المعتزلي العقلي بشكل صريح من قبل أعلام علماء الإمامية في عهد آل بويه مثل: الشيخ المفيد والشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي. فإنّ جميع هذه الموارد التي ذكرناها يمكن أن تكون مبيّنة لسبب ميول متكلّمي الإمامية إلىٰ: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي).
وبناء علىٰ ذلك يمكن القول: بأنّ السبب في ميول البعض الآخر من متكلّمي الإمامية إلىٰ الفلسفة ومن بينهم الخواجة نصير الدين الطوسي ـ مؤسّس المدرسة الكلامية الفلسفية في الإمامية ـ وأتباعه، هو أنّهم كانوا يرون:
1ـ إنّ الأصول والقواعد الفلسفية مطابقة وموافقة مع الأصول الاعتقادية الراسخة التي أخذها الإمامية من أئمّتهم.
2ـ إنّ الطريقة والمنحىٰ الفلسفي أو بعبارة أخرىٰ: (الحِوَارِيّات ذات الطابع الفلسفي) في عصرهم كان يعدّ أفضل طريق لإثبات المعتقدات الدينية والدفاع عنها.
وقد أكّد الفيّاض اللاهيجي (ت 1072هـ) ـ المتكلّم ذو النزعة الفلسفية المشّائية الشديدة ـ علىٰ هذا الأمر بالذات، حيث قال: «أكثر الأصول الثابتة عند الامامية عن أئمّتهم المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، مطابق لما هو الثابت من أساطين الفلاسفة ومتقدّميهم، ومبني علىٰ قواعد الفلسفة الحقّة»144
لا نريد حاليّاً أن نشير إلىٰ صحّة وسقم النظريّات المشار إليها من قِبَل متكلّمي الإمامية فيما يخصّ موافقة ومطابقة تعاليم المعتزلة والتعاليم الفلسفية مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»؛ فإنّ التحقيق في مجال الموارد التي تتطابق فيها أصول وعقائد المعتزلة والقواعد والمباني الفلسفية مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» ومدىٰ انسجامها معها يقتضي مقالاً آخر علىٰ تفصيل يذكر في محلّه ومجالاً واسعاً في بحث منفصل. ولكنّ المهمّ حاليّاً في هذا البحث هو نظرة متكلّمي الإمامية للمسألة التي نحن في صددها، ونظرتهم لها خلال المراحل التاريخية المختلفة؛ أي: نظرتهم الإيجابية اتّجاه تعاليم مدرسة الاعتزال وحِواريّاتها وكذلك بعض المدارس الفلسفية وحِواريّاتها ـ التي كانت محلّ اهتمام الباحثين في عصرهم ـ التي تتوافق وتنسجم انسجاماً نسبيّاً مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»، وقبولهم بها كمنهج وأسلوب مفيد لا مفرّ منه لتبيين المعتقدات وتحرير المواضيع والمسائل الكلامية؛ وبذلك يكون ميول متكلمي الإمامية إلىٰ مدرسة الاعتزال ومختلف المدارس الفلسفية الأخرىٰ في مختلف المراحل نتيجة طبيعية لهذا التوجّه، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها حتّىٰ وإن لم ترُقْ لنا ولم ننظر إليها بنظرة إيجابية إلّا أنّه لا مفرّ لنا منها ولا بدّ لنا من قبولها. فإنّ العلّامة محمّد باقر المجلسي & (ت 1110هـ) كان من العلماء الذين أشاروا إلىٰ هذه الحقيقة بالرغم من مخالفته لهذا التوجّه عند متكلّمي الإمامية، حيث كان له اطّلاع دقيق علىٰ الصبغة الاعتزالية لكلام الإمامية المتداول آنذاك، وكان مقِرّاً ومعترفاً بتجذّرها ورسوخها في كلام الإمامية، إلّا أنّه كان من العلماء الذين لا يعتبرون هذه التوجّه في كلام الإمامية سنّة حسنة، بل ولم يرُقْ له هذا التوجّه، فاعترض علىٰ ذلك ووصفه انحرافاً عن أصول الإمامية ومؤدّياً إلىٰ الابتعاد عن الآيات والروايات حيث قال ما معرّبه: «إنّ ترميم وتجديد أصول الإمامية الأصيلة المندرسة، التي مُحيت آثارها وأعرض عنها الكثير ممّن يدّعي العلم، واتّخذوا أصول المعتزلة قدوةً لهم، وتخلّوا عن الآيات الكريمة والأخبار المتواترة، فقد أوردت ما أستطيعه في هذه الرسالة...»145.
بناء علىٰ هذا لايوجد شكّ في معرفة متكلّمي الإمامية وإلمامهم العميق بالكلام المعتزلي، بل واختيارهم له بصفته أفضل طريق موجود في التعامل مع مسائل علم الكلام. ولابدّ هنا من الإشارة إلىٰ نكتة جديرة بالاهتمام وهي أنّ إلمام متكلّمي الإمامية بالكلام المعتزلي جاء أكثره عن طريق أساتذة الإمامية ومطالعة كتب المعتزلة، وليس عن طريق التلمّذ عند متكلّمي المعتزلة؛ فإنّ كبار متكلّمي الإمامية مثل الفضل بن شاذان النيشابوري (ت 260 هـ)، وأبي سهل النوبختي، وأبي محمّد النوبختي، وعلي بن عبد الله وَصيف (ت 366 ه) وأبي الجيش البلخي (ت 367 ه) يبدو أنّهم لم يتلمّذوا عند أيّ متكلّم معتزلي146. ومن بين أعلام متكلّمي الإمامية فإنّ الشيخ المفيد كان قد حضر عند اثنين من متكلّمي المعتزلة: أحدهم أبو عبد الله البصري المعروف بـ: (جُعَل) (ت 369 هـ) الذي يُعدّ أحد كبار مدرسة البهشمية وهو أستاذ القاضي عبد الجبّار المعتزلي كذلك، والآخر هو الأديب والمفسّر والمتكلّم المعروف علي بن عيسىٰ الرمّاني (ت 384هـ)، الذي يبدو ـ وفقاً لبعض النقولات ـ أنّه هو الذي كان قد لقّب الشيخ المفيد بهذا اللقب، علماً بأنّ الرمّاني كان يتّبع مدرسة ابن إخشيد (ت 326 هـ) ـ أو ابن إخشاد ـ وكان مخالفاً لآراء البهشمية. وكان دور الشريف الرضي أقلّ بكثير من دور أستاذه الشيخ المفيد وأخيه الشريف المرتضىٰ في تقدّم علم الكلام عند الإمامية؛ وذلك لقصر عمره. وقد حضر عند القاضي عبد الجبّار ردحاً من الزمن؛ وأمّا بالنسبة إلىٰ تلمّذ أخيه الشريف المرتضىٰ عند القاضي عبد الجبّار فبالرغم من بعض النقولات الواردة في تلمّذه عليه إلّا أنّ هذا الأمر يبدو بعيداً147.
رابعاً: إنّ تأثّر متكلّمي الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في مختلف المراحل الزمنية واستفادتهم من طريقة التفكير والتأليف عند المعتزلة في تبيين الأبحاث الكلامية وتوضيحها لا يتنافىٰ مع اختلافهم مع الكثير من آراء المعتزلة الكلامية ـ الفلسفية ـ الطبيعية؛ وكما أشرنا سابقاً فإنّ التأثّر في هذا المجال هو واحد من وجوه تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي. ففي الحقيقة إنّ أهمّ وجوه تأثّر الكلام الإمامي بمنظومة الكلام المعتزلي هو اقتباس متكلّمي الإمامية أسلوب وطريقة التعامل مع المسائل الكلامية عند المعتزلة، وأسلوب تبيين تلك المسائل وترتيبها وفقاً لذهنية المعتزلة وبيانهم الذي أشرنا إليه تحت عنوان: التأثّر بـ: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي).
بناء علىٰ هذا، وخلافاً لما يظنّه هاشم معروف الحسني الذي اعتبر ردود الإمامية علىٰ بعض آراء المعتزلة دليل علىٰ البون الشاسع بين الفرقتين، وأيضاً خلافاً لرأي الكثير148 ممّن ينفي تأثّر كلام الإمامية بالكلام المعتزلي مستنداً في ذلك علىٰ اختلاف آراء متكلّمي الإمامية مع آراء المعتزلة وعلىٰ ردودهم علىٰ متكلّميهم وعلىٰ مناظراتهم معهم لينفي بذلك تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي؛ فإنّ كثيراً ما دبّ الاختلاف بين نفس متكلّمي المعتزلة وبين التيّارات الكلامية الموجودة في هذه الفرقة في قبول بعض الآراء والنظريّات الفلسفية ـ الطبيعية ـ الكلامية وعدم قبولها، وبالرغم من كلّ ذلك فإنّ اختلاف الآراء وحتّىٰ الردود العنيفة والمناظرات العديدة التي دارت بينهم ـ والتي كانت تجرّ أحياناً إلىٰ تكفير بعضهم الآخر ـ لم تؤدِّ إلىٰ خروج أيّ منهم من أطار حِواريّات الكلام المعتزلي؛ فعلىٰ سبيل المثال فقد ألّف أبو موسىٰ مُردار (ت 226هـ) ـ من متكلّمي معتزلة بغداد ـ كتاباً كبيراً في نقد متكلّم معتزلة البصرة وتكفيره أي: أبو الهذيل العلّاف (ت حدود 277 أو235هـ)، وكذلك جعفر بن حرب (ت 236هـ) ـ من متكلّمي معتزلة بغداد ـ ألّف كتاباً يردّ فيه علىٰ أبي الهذيل تحت عنوان: (توبيخ أبي الهذيل) وكفّره فيه، كما كتب الجبّائي أيضاً كتاباً في نقد آراء أبي الهذيل في باب: (المخلوق) وحكم بكفره149، والأنموذج الآخر من ردّ أحد المعتزلة علىٰ معتزلي آخر هو نقد وردّ أبي جعفر الإسكافي (ت 240هـ) ـ من معتزلة بغداد ـ علىٰ كتاب: (العثمانية) للجاحظ وهو من متكلّمي البصرة المعروفين150.
وفي الواقع فإنّ مثل هذه الاختلافات في الآراء والردود والاعتراضات كانت موجودة أيضاً بين علماء الإمامية؛ ومن أكثر النماذج شهرة هي رسالة: (تصحيح الاعتقاد) للشيخ المفيد التي أُلّفت في نقد آراء الشيخ الصدوق في كتابه: (الاعتقادات)، حيث انهال بالنقد علىٰ الكثير من آرائه وبأسلوب شديد، وبالرغم من هذه الاختلافات فلا زالت مؤلّفات الشيخ المفيد والشيخ الصدوق تتلقّىٰ القبول ولم تخرج من إطار التشيّع، ولم يحكم أحد بخروج أحدهما من دائرة المذهب. وكذلك الاختلافات الفكرية التي كانت بين الشيخ المفيد وتلميذه الشريف المرتضىٰ، إذ بناء علىٰ ما نقله السيّد ابن طاووس في كتاب: (كشف المحجّة) عن القطب الراوندي نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الاختلاف بينهما فيها، حيث قال: «إنّني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة قطب الدين الراوندي، واسمه سعيد بن هبة الله رحمه الله، قد صنّف كرّاساً وهي عندي الآن في الخلاف الذي تجدّد بين الشيخ المفيد والمرتضىٰ رحمهما الله، وكانا من أعظم أهل زمانهما وخاصّة شيخنا المفيد، فذكر في الكرّاس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الاختلاف بينهما فيها من علم الأصول، وقال في آخرها: لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب»151. وبالرغم من ذلك لم يؤدِّ هذا الاختلاف بينهما إلىٰ خروج أحدهما من إطار دائرة التشيّع.
وهناك البعض أيضاً قد استنتج عدم ميول الشيخ المفيد إلىٰ المعتزلة مستنداً في ذلك علىٰ ما أبداه الشيخ المفيد من مخالفته للمعتزلة وردوده عليهم؛ ولابدّ أن نلفت الأنظار في هذا الخصوص إلىٰ أنّ مخالفات الشيخ المفيد للكلام المعتزلي ـ التي جاء قسم منها في كتابه: (أوائل المقالات) والقسم الآخر في رسالة تحت عنوان: (الحكايات [في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية]) التي انعكست فيها أجزاء متفرّقة من آرائه في هذا الشأن ـ كان جلّ اهتمامه منصبّاً بشكل أساسي علىٰ مخالفته لآراء معتزلة البصرة الكلامية، والتي منها نظرية: (الأحوال) لأبي هاشم152، وكلام البصريّين في باب: (الإرادة والقدرة)153 ، ونظرية: (شيئية المعدوم)154 ، وبطبيعة الحال فإنّ مثل هذه الاختلافات لا يمكن لها أن تدلّ علىٰ نفي ميول الشيخ المفيد إلىٰ معتزلة بغداد الذين كانوا هم أيضاً في مواجهة مع معتزلة البصرة ولهم معهم اختلافات كثيرة في وجهات النظر. وبعبارة أخرىٰ: فإنّ الشيخ المفيد في نفس الوقت الذي كان موافقاً لأكثر آراء معتزلة بغداد ـ وخاصّة آراء الكعبي البلخي وكان يراها منسجمة مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» حيث ألّف إثر ذلك رسالته: (المقنعة في وفاق البغداديّين من المعتزلة لما رُوي عن الأئمّة «علیهم السلام») ـ فقد كان مخالفاً مع كثير من آراء معتزلة البصرة وسائر تشعّباتهم الفكرية، وقد صرّح بمخالفاته هذه في بعض كتبه مثل كتاب: (أوائل المقالات) ورسالة: (الحكايات) بشكل صريح. وأمّا ردّ الشيخ المفيد في كتابه: (نقض الخمس عشرة مسألة علىٰ البلخي)155 ، هو أيضاً لا يمكن أن نعتبره دليلاً علىٰ مخالفة الشيخ المفيد للبلخي ولا ينبغي أن نعتبره منافياً لموافقته وتعاطفه مع البلخي في عدّة موارد أخرىٰ.
ومن المعلوم: إنّ الزيدية أيضاً كانوا يميلون مَيلاً شديداً للمعتزلة، وكانوا يمثّلون مدرسة الاعتزال في القرون الهجرية الوسطىٰ، ولكن بالرغم من موافقتهم وتعاطفهم الشديد مع المعتزلة في كثير من المسائل، إلّا أنّهم في بعض الأبواب مثل: (الإمامة) لم يكونوا موافقين للمعتزلة، وكانوا يتصدّون لردّ آرائهم ونقضها في خصوص هذا الباب156، ومع ذلك فإنّ هذه النقوض والردود لا تنفي ـ كلّياً ـ ميولهم إلىٰ نظام الفكر المعتزلي.
إحدىٰ نماذج الردود الزيدية علىٰ المعتزلة هي الردود المتعدّدة للمتكلّم المعتزلي البهشمي الزيدي محيي الدين محمّد بن أحمد بن علي بن الوليد القرشي (المتوفّىٰ أوائل القرن السابع الهجري) التي ألّفها في نقد آراء المعتزلة في مسألة: (الإمامة)؛ بناء علىٰ ما ذكره القرشي فإنّه بادئ ذي بدء ألّف كتاب: (منهاج السلامة في مسائل الإمامة) في الردّ علىٰ فصل: (الإمامة) من كتاب: (شرح عيون المسائل) للحاكم الجشمي؛ وبعد ذلك ألّف كتابه المعروف: (الجواب الناطق الصادق بحلّ شُبَه كتاب الفائق فيما خالف فيه ابن الملاحمي مذاهب الزيدية في الإمامة)157 ، الذي ألّفه في نقد آراء ركن الدين الملاحمي في باب: (الإمامة) من كتاب: (الفائق في الأصول)158 ، وأخيراً ألّف رسالة: (الجواب الحاسِم المُفني لِشُبَه المُغني)159 في الردّ علىٰ فصل: (الإمامة) من كتاب: (المغني) للقاضي عبد الجبّار المعتزلي كذلك160. وبالرغم من تأليفاته هذه في نقد آراء المعتزلة إلّا أنّه لا يوجد هناك أحد ممّن يشكّ بميول محيي الدين بن الوليد القرشي إلىٰ المعتزلة . وقد نحا الشريف المرتضىٰ نفس هذا المنحىٰ فقد ألّف كتاب: (الشافي في الإمامة) في نقد فصل: (الإمامة) من كتاب: (المغني) للقاضي عبد الجبّار المعتزلي. بناء علىٰ ذلك ـ وخلافاً لما يظنّه البعض من أنّ تأليف هذا الردّ لا يتلاءم مع ما نسب للشريف المرتضىٰ من ميول اعتزالية161 ـ فكما قلنا في شأن محيي الدين بن الوليد القرشي فإنّ تأليف هذا الردّ لا يتنافىٰ ولا يتناقض مع تأثّر الشريف المرتضىٰ بالمعتزلة وحتّىٰ بالقاضي عبد الجبّار؛ فإنّ السيّد في تأليفه لكتبه قد تأثّر في موارد كثيرة بآراء ومؤلّفات القاضي عبد الجبّار، ولكن هذا لايمنع من نظرته الانتقادية بالنسبة إلىٰ قسم من آراء القاضي الأخرىٰ.
بناء علىٰ هذا فإنّ التعويل علىٰ ما ألّفه الشيخ المفيد وسائر متكلّمي الإمامية من ردود علىٰ طائفة من طوائف المعتزلة أو علىٰ نزعة خاصّة عند البعض منهم لوحده لا ينفع في إثبات عدم ميولهم إلىٰ المعتزلة.
خامساً: لم يكن التأثّر بالحِوارِيّات الكلامية للمعتزلة مختصّاً بمتكلّمي الإمامية ومنحصراً بهم فحسب، فقد تأثّر كلّ من متكلّمي الزيدية والأشعرية والماتُريدية والظاهرية والأباضية وحتّىٰ اليهود والمسيحيّين كذلك بمناهج المعتزلة وبأسلوب تفكيرهم وآرائهم، وقد اعتمدوا ـ إلىٰ حدّ ما ـ النموذج المعتزلي في علم الكلام، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في مدىٰ تأثّرهم بالمعتزلة في بعض الأحيان.
إنّ قبول آراء المعتزلة وأصولهم الكلامية عند الزيدية ـ باستثناء الإمامة ـ أمر واضح ولا يحتاج إلىٰ الكثيرمن الأدلّة والشواهد لإثباته. ومن أجل الاطّلاع علىٰ منعطفات التلاقح الفكري بين الزيدية وآراء المعتزلة ومدىٰ تقبّلهم لتلك الآراء يمكننا الرجوع إلىٰ بعض الدراسات المطبوعة التي تمّ تأليفها في هذا الخصوص162.
وكذلك أيضاً قد طبعت بعض الدراسات المفيدة فيما يخصّ تأثّر متكلّمي الأشعرية بمدرسة المعتزلة؛ فقد قام مَنيف النفيعي العتيبي في كتابه: (أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة)163 بدراسة مفصّلة لمسألة تأثّر الأشاعرة بالمعتزلة في كلّ واحد من المواضيع والمسائل الكلامية، وقد أشار فيه إلىٰ مواضع ذلك التأثّر؛ ففي بداية كلّ موضوع قام بتبيين آراء المعتزلة، ومن ثمّ يبيّن عقيدة الأشاعرة في ذلك الباب، وبعد المقارنة بين آرائهما يكشف عن جوانب تأثّر الأشاعرة بالمعتزلة، ونظراً إلىٰ توجّهه السلفي يتطرّق في نهاية المطاف إلىٰ نقد آراء كلّ من المعتزلة والأشاعرة.
وفي دراسة أخرىٰ جاء الكلام عن مدرسة عند الأشاعرة باسم: (مدرسة معتزلة الأشاعرة)؛ حيث تأثّر أتباعها بالمعتزلة من حيث الأصول والمنهج والمسائل، فوافقوهم وواكبوهم. ويرىٰ المؤلّف أنّ تأثّر الأشاعرة بالمعتزلة قد بدأ منذ نشأة المذهب الأشعري، وعلىٰ مرّ الزمن أخذ هذا التأثّر بالازدياد شيئاً فشيئاً164. وفي هذا المجال أشار صاحب هذه الدراسة إلىٰ كلام ابن تيمية (ت 726هـ) الذي يدور حول أبي المعالي الجويني (ت 487هـ) حيث اعتبره ابن تيمية العامل الأساسي في تغيير الكثير من قواعد المذهب الأشعري القريبة إلىٰ المعتزلة. ثمّ تطرّق إلىٰ دراسة مميّزات (مدرسة معتزلة الأشاعرة) وأهمّ مؤسّسيها ومنهم عبد القاهر البغدادي وعبد الكريم القُشَيري وأبو المَعالي الجوَيني، وعرّف مؤلّفاتهم وبيّن آراءهم165.
وقد مرّت الإشارة سابقاً إلىٰ رأي بعض المحقّقين أنّ متكلّمي الأشعرية مثل أبي المعالي الجويني والفخر الرازي كانوا قد تأثّروا بشكل ملحوظ بمدرسة أبي الحسين البصري الفكرية. وبيّن السيّد مادلونغ في مقالة له أنّ إمام الحرمين الجويني مثله مثل أبي الحسين البصري بين المعتزلة، وهو أوّل متكلّم أشعري أدخل المناهج والمفاهيم الفلسفية في الكلام الأشعري. ووفقاً لقول مادلونغ، فبالرغم من عدم ذكر اسم أبي الحسين في كتب الجويني، لكنّه كان علىٰ اطّلاع كامل علىٰ أفكار أبي الحسين الاعتزالية، وكان تأثّره بها واضحاً. فإنّ عدم ذكر البصري في كتب الجويني أيضاً لعلّه يعود إلىٰ عدم رغبة الجويني في أن يلفت انتباه الآخرين إلىٰ تعاليم أحد ممثّلي مدرسة رقبائه، أو أنّه لا يريد أن يُبدي كونه مَديناً لأحد المعتزلة166.
ومن بين أصحاب التراجم فقد أكّد ابن المرتضىٰ في قسم طبقات المعتزلة من كتاب المنية والأمل بعد أن ذكر ترجمة أبي الحسين البصري ومن أتباعه ركن الدين الملاحمي المعروف بوفائه له، أشار إلىٰ أنّ الكثير من متأخّري العلماء مثل الإمام يحيىٰ بن حمزة العلوي وكذلك أكثر الإمامية كانوا قد اتّبعوا أبا الحسين والملاحمي، ومن بين الأشاعرة فإنّ الفخر الرازي كان قد اعتمد آراء البصري في المسائل الطبيعة والفلسفية الكلامية المعروفة بمباحث: (لطيف الكلام) وغيرها من المباحث الأخرىٰ.
وكذلك الماتُريدية أيضاً كالأشاعرة كانوا قد تأثّروا في بعض المجالات بالمعتزلة. وقد بحث السيّد أولريش رودلف في دراساته حول الماتُريدية ـ إلىٰ حدّ ما ـ عن هذه التأثّرات. حيث كان يرىٰ أنّ آراء المعتزلة ـ وخاصّة آراء أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ) ـ كان لها أثر واضح في تغيير آراء أبي المنصور الماتُريدي (ت 333هـ)؛ علماً بأنّ الماتُريدي كان ناقداً مهمّاً لآرائه أيضاً167. وكذلك أشارت رشا العمري في كتابها الذي ألّفته في شأن أبي القاسم الكعبي البلخي إلىٰ تأثير أفكاره علىٰ الماتُريدي وأتباعه من أمثال أبي المعين النَّسَفي (ت 508هـ)168.
وبصرف النظر عن هؤلاء، بناء علىٰ ما ذكره ابن تيمية فإنّ بعض متكلّمي الظاهرية من أتباع أبي سليمان داود الظاهري الإصفهاني (ت 270هـ) أيضاً كانوا متأثّرين بآراء المعتزلة وخاصّة في موضوع صفات الباري عزّ وجلّ فقد وافقوا المعتزلة في نظريّاتهم وبيّنوها. وقد خصّ ابن حزم الأندلسي (ت 465هـ) وأمثاله بالذكر الذين ذهبوا مذهب المعتزلة واتّخذوا طريقتهم التأويلية في موضوع صفات الباري، خلافاً لطريقة أبي داود الظاهرية الذي كان يؤكّد علىٰ الالتزام بظواهر النصوص، وإن كانوا قد خالفوا المعتزلة في موضوع القدر والوعيد. ويرىٰ أنّ هذه الطائفة من الظاهرية أقرب إلىٰ المعتزلة، بل وإلىٰ الفلاسفة من الأشاعرة وأصحاب الحديث؛ حيث قال: «فمَن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبيّن له ذلك، وعلم هو وكلّ مَن فهم المقالتين أنّ هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلىٰ المعتزلة، بل إلىٰ الفلاسفة من الأشعرية. وأنّ الأشعرية أقرب إلىٰ السلف والأئمّة وأهل الحديث منهم، وأيضاً فإنّ إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات علىٰ مذهب أهل السنّة والحديث، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة، وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد»169.
ولم يقتصر تأثير: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) علىٰ المذاهب الإسلامية فحسب، بل كان تأثيرها علىٰ متكلّمي اليهود كذلك؛ فكان بعض متكلّمي اليهود ـ من مختلف فرقهم وبالخصوص فرقة قرائيم ـ علىٰ معرفة وعلاقة بكتب المعتزلة مثلهم مثل الزيدية، فبصرف النظر عن قبولهم عقائد المعتزلة في بحوثهم الكلامية علىٰ نطاق واسع، قد أخذوا باستنساخ الكثير من كتبهم الكلامية170. وقد حظي موضوع كيفية تأثير حِواريّات الكلام المعتزلي علىٰ الكلام اليهودي في العقود الأخيرة الماضية بأهمّية كبيرة في الأوساط العلمية وخاصّة عند محقّقي اليهود، وصار موضوعاً للعديد من المقالات والكتب، فإنّ كتاب هاري أوسترين ولفسون (ت 1974هـ) هو واحد من أوائل الكتب في هذا المجال، تناول فيه تأثير الكلام الإسلامي علىٰ الفلسفة اليهودية171، وقد تطرّق فيه إلىٰ جانب من تأثيرات الكلام المعتزلي علىٰ الكلام اليهودي، وما استفاده متكلّمو اليهود من تعاليم المعتزلة وبراهينهم لتعزيز نظامهم الكلامي وإكماله. وقد ذكرت بعض الدراسات أيضاً أسامي بعض متكلّمي اليهود الذين كانوا شديدي التأثّر بمدرسة المعتزلة البهشمية؛ فإنّ صموئيل بن حُفني (ت 403 ه) ـ من متكلّمي فرقة رَبّانيم (رَبِّیّون / رَبّانیّون) ـ وأبا يعقوب يوسف البَصير (ت حدود: 431 ه) وتلميذه أبا الفُرقان بن الأسد (ت بعد 457 ه) ـ من فرقة قَرائيم (قَرائيان) ـ هم من أبرز متكلّمي اليهود ممّن انتحىٰ المنحىٰ المعتزلي172. وقد اهتمّ بعض علماء اليهود أيضاً باستنساخ الكتب الكلامية لمتكلّمي الإمامية والمعتزلة البهشمية بالخطّ العبري أو العربي، حيث بقي اليوم نسخ منها في المكتبات؛ علىٰ سبيل المثال فقد أشار غرغور شوراب في عدد من مقالاته إلىٰ الأهمّية الخاصّة لكتب الشريف المرتضىٰ والكراجكي الكلامية عند علماء فرقة قرائيم المرتبطين بدار علم قرائيم أورشليم في أوائل القرن الخامس الهجري، وعرّف بعض النسخ الخطّية التي استنسخوها من كتب السيّد المرتضىٰ الكلامية مثل: (جمل العلم والعمل) و(الملخّص)173. وقد أشارت أيضاً زابينه شميتكه في مقال لها إلىٰ نسخة من كتاب: (الذخيرة) للشريف المرتضىٰ التي كتبت بخطّ العالم اليهودي القرائيمي علي بن سليمان المَقدِسي، وعدّتها واحدةً من الوثائق التي تبيّن تأثّر القرائيمية العميق بكتب الشريف المرتضىٰ الاعتقادية. وهي تعتقد أنّ أبا الفتح الكراجكي له دور بارز في نقل المخطوطات الاعتقادية الإمامية إلىٰ قرائيم174. وبما أنّه هناك مقالات عديدة قد كتبت باللغة الفارسية والإنجليزية حول التأثير الذي تركته مدرسة الاعتزال علىٰ متكلّمي اليهود ومساهمة متكلّمي اليهود ذوي النزعة الاعتزالية في الكلام المعتزلي فلا نتطرّق هنا إلىٰ أكثر من هذا ونحيل مَن لهم رغبة بهذا الموضوع إلىٰ تلك المقالات175.
سادساً: إنّ القول بتأثّر متكلّمي الشيعة الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في التعامل مع مسائل علم الكلام لا يكون مسوّغاً لأن نعتبر ذلك نقصاً وعيباً علىٰ الشيعة، ولا يهدّد كيان النظام الاعتقادي الإمامي وأصوله الاعتقادية بخطر؛ فإنّ الأمر المهمّ والأساسي في كلّ نظام كلامي والذي يدخل في تشكيل أركانه هو الأصول الاعتقادية والمبادئ الأساسية في الاعتقادات، حيث إنّ الكلام الإمامي من هذه الجهة ـ وكما بيّنّا سابقاً ـ له استقلاليّتُه الكاملة عن مدرسة الاعتزال. فإنّ الإمامية تعلّموا أصولهم الاعتقادية ـ أي: التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ـ من تعاليم أهل البيت «علیهم السلام»، وبناء علىٰ هذه التعاليم رفضوا بعض أصول مدرسة الاعتزال الاعتقادية مثل: (المنزلة بين المنزلتين) و(الوعيد)، وكانت لهم في باب: (الإمامة) أيضاً اختلافات أساسية مع آراء المعتزلة. بناء علىٰ هذا فإنّ متكلّمي الإمامية فيما يخصّ الأصول الاعتقادية كانوا بعيدين كلّ البعد عن المعتزلة، بل كانوا علىٰ خلاف معهم في بعضٍ من أصولهم الاعتقادية الأساسية. حيث كان الشيخ المفيد يعتبر الأساس والمِلاك في اتّباع مدرسة الاعتزال هو قبول أصل: (المنزلة بين المنزلتين)، أي: الأصل الذي كان سبباً لنشأة وظهور مدرسة الاعتزال176، وعلىٰ هذا الأساس فهو يعلم بأنّه لا يمكن اعتبار أيّ متكلّم من متكلّمي الإمامية معتزليّاً؛ نظراً إلىٰ عدم اعتقاد متكلّمي الإمامية بهذا الأصل.
ومع ذلك، فإنّ متكلّمي الإمامية ـ وكما قلنا سابقاً ـ كانوا متأثّرين بتعاليم مختلف اتّجاهات المعتزلة، وذلك في بعض الفروع وجزئيّات بعض المسائل وبعدد لا بأس به من المسائل الفلسفية ـ الطبيعية كذلك. والأهمّ من هذا، أنّهم أتّخذوا من أسلوب الكلام المعتزلي أنموذجاً لهم في طريقة تعاملهم مع مسائل علم الكلام وفي تبيين المواضيع وتحريرها، وكانوا متأثّرين بـ: (حِواريّات الكلام المعتزلي). وهذا الأمر هو من مقتضيات الطريقة المتداولة عند المتكلّمين في علم الكلام آنذاك، وهو ما جعل متكلّمي الإمامية أيضاً يتكلّمون بنفس لغة الحوار والبيان والأسلوب المعتزلي المتداول آنذاك، وكذلك أيضاً بسبب فطنتهم في انتخاب طريقة الكلام المعتزلي وذلك بصفتها أفضل طريقة متداولة في تناول مسائل علم الكلام. ومن الطبيعي أنّ الاستفادة الواسعة من أساليب المعتزلة وأفكارهم ومؤلّفاتهم من قبل متكلّمي الإمامية في مختلف الأزمنة أدّىٰ إلىٰ إيجاد رغبة وميل إلىٰ مدرسة الاعتزال لدىٰ متكلّمي الإمامية بمستويات مختلفة.
وقد نشأت فيما بعد علقة بين الكلام الشيعي وفلسفة ابن سينا ـ مثلها مثل العلقة الوثيقة التي كانت بين الشيعة ومدرسة الاعتزال في المراحل الأولىٰ من كلام الإمامية ـ حيث احتلّت فلسفة ابن سينا شيئاً فشيئاً مكانة في نظام الكلام الإمامي وأخذت مكان الكلام المعتزلي إلىٰ حدّ كبير. وفي مرحلة نشوء مدرسة الكلام الفلسفي الإمامي استفاد متكلّمو الإمامية من: (الحِوَارِيّات الفلسفية) المتداولة آنذاك في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، حيث استفادوا من المناهج والنظريّات والتأليفات التي كانت تدور في فلك فلسفة ابن سينا، ثمّ نأوا شيئاً فشيئاً عن تعاليم المعتزلة وحِواريّاتهم المنسوخة. وفي هذا الشأن أيضاً، فإنّه من المعلوم أنّ استفادة متكلّمي الإمامية من فلسفة ابن سينا من أجل تنقيح وتوضيح المسائل الكلامية لم يكن في تضادّ مع مبادئ وأسس وأصالة الكلام الإمامي، ولا يمكن اعتباره سبباً لتضعيف الكلام الشيعي والسخرية منه. بناء علىٰ هذا فلا يمكن أن تُعَدُّ استفادة الرعيل الأوّل من متكلّمي الإمامية من الكلام المعتزلي في مرحلة ترسيخ وتوضيح وتدوين المسائل الاعتقادية أمراً غير صحيح، وأن يكون موجباً للإنكار وعدم القبول به، وكذلك استفادتهم من فلسفة ابن سينا فيما بعد لا يمكن أن نعتبره أمراً غير مرغوب به أو ليس في محلّه، ويستوجب الإنكار والردّ. وعلىٰ أيّة حال؛ فإنّ قوّة الكلام المعتزلي وفلسفة ابن سينا في المرحلة التي تبلورا فيها وتطوّرا أصبحا من المعارف المتداولة التي لها ثقلها في الساحة العلمية آنذاك، ممّا أدّىٰ إلىٰ هيمنتهما علىٰ سائر المدارس الفكرية من حيث التأثّر بمناهجها ونظريّاتها ومؤلّفاتها؛ أو بعبارة أخرىٰ: التأثّر بـ: (حِواريّاتها) الحاكمة آنذاك، ممّا جعل سائر المدارس الكلامية ـ من الأشاعرة والماتُريدية والزيدية والإمامية ـ لا تجد محيصاً سوىٰ الاقتباس منها لترسيخ مبانيها ومناهجها الكلامية وتبيينها.
بناء علىٰ هذا؛ فإنّ القبول بتأثّر متكلّمي الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام لا يمثّل تهديداً لكيان الكلام الشيعي، ولابدّ من قبول ذلك، لكونه أمراً واقعاً رافق سير تكامل الكلام الشيعي، شِئْنا أم أبيْنا. وبذلك فإنّ قبول ما تركه الكلام المعتزلي من أثر واسع النطاق علىٰ الكلام الإمامي ـ كما قال حسين علي عبد الساتر ـ هو علىٰ كلّ حال بمعنىٰ قبول قدرة الكلام المعتزلي وهيمنته نسبة إلىٰ الكلام الإمامي177. ففي الواقع؛ إنّ تأثّر الكلام الإمامي بحِواريّات الكلام المعتزلي ـ حتّىٰ وإن لم يكن بمعنىٰ أخذ الأصول الاعتقادية من المعتزلة الذي يكون من نتائجه القول بعدم استقلالية الكلام الإمامي وفقدان أصالته ـ حتىٰ بناء علىٰ ما يراه راقم هذه السطور من كون هذا التأثّر بمعنىٰ أنّهم اتّخذوا من أسلوب الكلام المعتزلي أنموذجاً لهم في طريقة تعاطيهم مع علم الكلام، هو علىٰ أقلّ تقدير يحكي أصالة النظام الكلامي المعتزلي وإبداعه في تعاطيه مع مسائل علم الكلام، وتقليد متكلّمي الإمامية لذلك النظام في طريقة تعاملهم الكلامي. فإنّ مثل هذا الأمر يجعل الكلام المعتزلي في مقام الفاعلية: (التأثير)، ويجعل الكلام الإمامي ـ وكذلك سائر الأنظمة الكلامية الأخرىٰ المتأثّرة بالكلام المعتزلي ـ في موضع انفعالي: (التأثّر)178.
وبطبيعة الحال فإنّه ليس من السهل علينا ـ بصفتنا شيعة إمامية موالين لمذهبنا ـ أن نتقبّل مثل هذا الاقتدار والسطوة لمدرسة المعتزلة المنافسة لمذهبنا، ولكن وكما ذكرنا سابقاً فإنّ الفقيه والمتكلّم الإمامي الكبير المحقّق الحلّي أشار إلىٰ هذا الاقتدار والأصالة والقدرة عند المعتزلة في تعاملهم مع علم الكلام، واعترف بذلك. كما أنّ المتكلّم المعتزلي البهشمي الزيدي محيي الدين محمّد بن أحمد بن علي ابن الوليد القرشي ـ الذي ذكرنا آنفاً ردوده العديدة علىٰ المعتزلة في باب الإمامة ـ أيضاً ذكر كبار متكلّمي المعتزلة بتبجيل في كونهم: (محقّقين) و(مدقّقين) وأهل: (التحصيل والتفصيل): «ومن جملة ذلك كُتب في علم أصول الدين، صنّفها كبار مشايخ المعتزلة، وهم أهل التحقيق والتدقيق، والتحصيل والتفصيل»179.
وعلىٰ هذا المنوال نرىٰ المَلَطي (ت 377 هـ) ـ أحد منتقدي مدرسة المعتزلة ـ قد ذكر المعتزلة بإكبار حيث قال: «الطائفة السادسة: من مخالفي أهل القبلة هم المعتزلة: وهم أرباب الكلام، وأصحاب الجدل، والتمييز، والنظر، والاستنباط، والحجج علىٰ مَن خالفهم وأنواع الكلام، والمفرّقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم»180.
بناء علىٰ هذا؛ نحن أيضاً ـ وخلافاً لرغبتنا الباطنية ـ لابدّ لنا من اتّباع المحقّق الحلّي وسائر العلماء الذين أشادوا بالإبداع والنبوغ عند المعتزلة في علم الكلام، ولا محيص لنا إلّا قبول هذا الواقع التاريخي.
بعد كلّ ما ذكرناه؛ يمكننا القول بأنّ تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي بما أنّه لم يكن مطلقاًَ ولم يشمل جميع جوانبه، وأنّ متكلّمي الإمامية لم يقلّدوا المعتزلة بتقليدٍ صِرْفٍ، بل احتفظوا بمبادئهم الاعتقادية، فهذا يعني عدم تعرّض أصالة الكلام الشيعي واستقلاليّته للخطر بهذا التأثّر. وفضلاً عن ذلك؛ فإنّ متكلّمي الإمامية هم أيضاً كانت لهم إبداعات في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، وكانوا كمتكلّمي الزيدية لهم دور مهمّ في تبيين الكلام الاعتزالي وتطوّره، وكان لهم سهم كبير في هذا المجال، خاصّة في عرضهم للجديد من الأدلّة، أو بيان تقريراتهم المبتكرة في مجال الأبحاث الكلامية. هذا وإنّ انتقادات متكلّمي الإمامية علىٰ بعض تعاليم المعتزلة وعلىٰ ادّعاءاتهم واستدلالاتهم هو شاهد آخر علىٰ كون الإمامية كانوا قد تعاملوا بذكاء وفطنة في انتخابهم واقتباسهم من الكلام المعتزلي، وسعوا إلىٰ الاستفادة من نقاط القوّة في الكلام المعتزلي في مسار توسعة نطاق الكلام الإمامي وترسيخه.
خلاصة الكلام: هو أنّ أكثر ما تأثّر به متكلّمو الإمامية من المعتزلة إنّما كان في إطار اقتباس النظريّات الفلسفية ـ الطبيعية عندهم، وكذلك طريقة تأليفهم ومناهجهم في التعامل مع علم الكلام، بناء علىٰ هذا فإنّ قبول هذا النوع من التأثّر لا يستلزم افتقار الشيعة في مجال الأصول الاعتقادية إلىٰ مدرسة الاعتزال. كما يصدق ذلك أيضاً علىٰ المدارس الأخرىٰ في تأثّرها بحِواريّات الكلام المعتزلي؛ فلم يهدّد هذا التأثّر أصالة كلامهم المستقلّ، ولم ينفِ تلك الأصالة. ولذلك نرىٰ أنّ أصحاب تلك الأديان والمذاهب لم يكن لديهم دافع وهاجس يدفعهم لنفي هذا التأثير عنهم.
المصادر
1ـ أبكار الأفكار في أصول الدين: الآمِدي، سيف الدين، تحقيق: أ.د. أحمد محمّد المهدي، دار الكتب والوثائق اليومية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1428هـ.
2ـ ابن قبه الرازي: ميرزايي، عبّاس، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1394 ش.
3ـ أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة (عرض ونقد): النفيعي العتيبي، مَنيف عايش مَرزم، مكتبة الرشد، الرياض، 1434 ه، 2013 م.
4ـ الإرشاد في معرفة حجج الله علیٰ العباد: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، دار المفيد، بيروت، 1413 هـ.
5ـ أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية: يوسُف المَناعي، عائشة، دار الثقافة، الدوحة، 1412 ه، 1992 م.
6ـ اعتزالگرايي سيّد مرتضیٰ؛ بررسي ونقد: يوسف زاده، حسينعلي، مجلّة نقد ونظر، العدد: 4، 1392 ش.
7ـ اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة: الشمّري، رؤوف، مجلّة رسالة التقريب، العدد: 25.
8ـ الأمالي (غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد): الموسوي، الشريف المرتضیٰ علي بن الحسين، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998 م.
9ـ الانتصار والردّ علی ابن الروندي الملحد: الخيّاط، أبو الحسين، تحقيق: نيبرج، مكتبة الدار العربية للكتاب، أوراق شرقية، بيروت، الطبعة الثانية، 1413 ه، 1993 م.
10ـ انديشههاي كلامي شيخ مفيد: مكدرموت، مارتين، ترجمة: أحمد آرام، مؤسّسة وانتشارت دانشگاه طهران، تهران، الطبعة الثانية، 1384 ش.
11ـ انديشههاي كلامي علامه حلّي: شميتكه، زابينه، ترجمة: أحمد نمايي، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1378 ش.
12ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، باهتمام: مهدي محقّق، مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه طهران، طهران، الطبعة الثانية، 1382 ش.
13ـ بازتابهاي كلام إسلامي در فلسفه يهودي: وُلفسن، هَري اوسترين، ترجمة: علي شهبازي، مركز مطالعات وتحقيقات اديان ومذاهب، قم، 1387 ش.
14ـ بحوث في الملل والنحل: السبحاني، جعفر، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1426 ه.
15ـ پَرسهها وپرسشها: آشوري، داريوش، نشر آگه، طهران، الطبعة الثالثة، 1391 ش.
16ـ تأثير الفكر المعتزلي البصري علی السيّد المرتضىٰ في مسائل التوحيد والعدل الإلهي: حيدر البيّاتي، ترجمة: أسعد مندي الكعبي، مجلّة العقيدة، العدد (3)، السنة الأولیٰ، ربيع الأوّل 1436 ه.
17ـ تأثير انديشههاي كلامي شيعه بر معتزله: جوادي، قاسم، مجلّة هفت آسمان، العدد: 1، 137 ه.
18ـ تأثير كلام معتزلي بر كلام قرائيم: قربان علمي ومريم ساجدي نسب، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد: 2، 1389 ش.
19ـ تشيّع اماميه وعلم كلام معتزلي: مادلونگ، آلفرد [كذا: ويلفرد]، ترجمة: أحمد آرام، طبع ضمن: شيعه در حديث ديگران، باهتمام: د. مهدي محقّق، دفتر دائرة المعارف تشيّع، طهران، 1362 ش.
20ـ تطوّرات كلام اماميه در مدرسة بغداد: حسيني زاده خضرآباد، سيّد علي، مؤسّسة دار الحديث، قم، 1396 ش.
21ـ تقدّم كلام شيعه بر معتزله: حبيب كاركن بيرق، طوبیٰ كرماني، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد: 13، 1394 ش.
22ـ التنبيه والردّ علیٰ أهل الأهواء والبِدَع: المَلَطي، محمّد بن أحمد، عُني بتحقيقه: س. ديدرينغ، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 2009 م.
23ـ جستارهايي در مدرسه كلامي بغداد: مجموعة من المحقّقين، بإشراف: السبحاني، محمّد تقي، مؤسّسة دار الحديث، قم، 1395 ش.
24ـ الجواب الناطق الصادق بِحَلِّ شُبَه كتاب الفائِق فيما خالف فيه ابنُ الملاحِمي مذاهب الزيدية في الإمامة: الوليد القرشي، محمّد بن أحمد، تحقيق وتقديم: فيصل عون، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، القاهرة، 2010 م.
25ـ حقّ اليقين: المجلسي، محمّد باقر، تصحيح: حسين نادري، انتشارات امام عصر، قم، 1386 ش.
26ـ بحارالأنوار، مؤسّسة الوفاء، بيروت، لبنان.
27ـ الحكايات في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، طبع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، قم، 1413 هـ.
28ـ الحور العين: النشوان الحِميري، أبو سعيد، حقّقه: كمال مصطفیٰ، مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنّی ببغداد، القاهره، 1965 م.
29ـ خاندان نوبختي: إقبال آشتياني، عبّاس، طهوري، طهران، الطبعة الثالثة، 1357 ش.
30ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، قم، مؤسّسة النشر الفقاهه، 1417 ه.
31ـ خلاصة النظر: مؤلّف غير معروف، تحقيق ومقدّمة: زابينه شميتكه، حسن الأنصاري، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه ايران، طهران، 1385 ش.
32ـ دانش كلام در حلّه از سديد الدين حمّصي تا ابن طاوس: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/3468
33ـ الرجال: النجاشي، أحمد بن علي، تحقيق: سيّد موسیٰ شبيري الزنجاني، الطبعة الثامنة، مؤسّسة نشر إسلامي، قم، 1427هـ.
34ـ سعديا گائون ورويكرد معتزلي او در تفسير وكلام: سعيد عدالت نژاد؛ ووحيد سعدي نعلبندي، مجلّة جستارهاي فلسفي، العدد: 1، 1387 ش.
35ـ سيّد مرتضىٰ (بالفارسية): پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، أسعدي، عليرضا،، قم، 1391 ش.
36ـ سِير أعلام النُّبَلاء: الذهبي، شمسالدين محمّد بن أحمد، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق: حسين الأسد، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة، 1413 هـ.
37ـ الشامل في أصول الدين: الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420 هـ.
38ـ شرح العقيدة الإصفهانية: ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، بيروت، المكتبة العصرية، 1425 هـ.
39ـ شرح القصيدة النونية (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية): ابن القيّم الجوزية، شرحها وحقّقها: محمّد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ.
40ـ شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، تصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1378ـ1383 ش.
41ـ الشريف المرتضىٰ متكلّماً: الشمّري، رؤوف، مراجعة: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1434 ه.
42ـ الشريف المرتضىٰ والمعتزلة (دراسة مقارنة بين أهمّ النظريّات الكلامية للشريف المرتضىٰ والمعتزلة وبيان وجوه الالتقاء والافتراق فيما بينهما): البيّاتي، حيدر، خاتمة المطاف (قيد الطبع).
43ـ شريف مرتضىٰ به مثابه متكلّمي معتزلي: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/1926
44ـ شريف مرتضىٰ ومعتزله: الأنصاري، حسن، والمنشور في: http://ansari.kateban.com/post/2868
45ـ شكل گيري كلام يهود در سايه كلام إسلامي: رضا پور، محمّد مهدي؛ گندمي نصر آبادي، رضا؛ مجلّة انديشه نوين ديني، العدد: 40، 1394 ش.
46ـ شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام: اللاهيجي، ملّا عبد الرزّاق، تحقيق: أكبر أسد علي زاده، مؤسّسة الإمام الصادق «علیه السلام»، قم، الطبعة الثانية، 1385 ش.
47ـ شيعه در برابر معتزله واشاعره: الحسني، هاشم معروف، ترجمة: سيّد محمّد صادق عارف، مؤسّسة پژوهشهاي آستان قدس رضوي، مشهد، الطبعة الثالثة، 1379 ش.
48ـ الصراط المستقيم إلىٰ مستحقي التقديم: البيّاضي، علي بن يونس، تحقيق: محمّد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، 1384ش.
49ـ الصّلة بين التشيّع والاعتزال (رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة): الجدعاني، محمّد بن حامد بن منوّر، جامعة أمّ القریٰ، المملكة العربية السعودية، 1419هـ.
50ـ طبقات المعتزلة: ابن المرتضىٰ، أحمد بن يحيىٰ، عُنيت بتحقيقه: سوزانا ديوالد وِلزَر، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 1430 ه.، 2009 م.
51ـ طبقات المعتزلة: الهمداني، القاضي عبد الجبّار، المنشور: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، حقّقه: فؤاد السيّد، الدار التونسية للنشر، تونس، 1393 هـ.
52ـ عقلانية المعتزلة بين التسنّن والتشيّع: المَدَن، علي، جريدة الصباح، رقم: 3781، 2016 م.
53ـ علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة: فان اِس، جوزف، ترجمة: محيي الدين جمال بدر، رضا حامد قطب، مراجعة وتقديم: محسن الدمرداش، منشورات الجمل، بيروت، 2016 م.
54ـ الفَرق بين الفِرَق: البغدادي، عبد القاهر، حقّقه: محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
55ـ فرقه قَرائيم وكلام إسلامي: رحمتي، محمّد كاظم، مجلّة تاريخ وتمدّن إسلامي، العدد: 16، 1391، ص: 45ـ71.
56ـ فرقههاي إسلامي ايران در سدههاي ميانه: رحمتي، محمّد كاظم، انتشارات بصيرت، طهران، 1387 ش.
57ـ فلسفه علم كلام: وُلفسن، هَري اوسترين، ترجمة: أحمد آرام، انتشارات الهدیٰ، طهران، 1368 ش.
58ـ الفهرست: ابن النديم، أبو الفرج، محمّد بن إسحاق، تحقيق: أيمن فؤاد سيّد، مؤسّسة الفرقان للتُّراث الإسلامي، لندن، 1430هـ.
59ـ في علم الكلام: صُبحي، أحمد محمود، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الخامسة، 1405 هـ، 1985 م.
60ـ قواعد العقائد: الطوسي، نصير الدين، تحقيق: علي حسن الخازم، دار الغربة، لبنان، 1413 ه.
61ـ الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: العجالي، تقي الدين، دراسة وتحقيق: السيّد محمّد الشاهد، القاهرة، 1420 هـ، 1999 م.
62ـ كشف الفوائد: الحلّي، حسن بن يوسف، تحقيق:حسن مكّي العاملي، دار الصفوة، بيروت، 1413 ه.
63ـ كشف المَحَجّة لِثَمَرةِ المُهجَة: ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسىٰ، تحقيق: محمّد الحسّون، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1375 هـ.
64ـ كشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: الحِمَّصي الرازي، محمود بن علي، تقديم: زابينه شميتكه، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه ايران، طهران، 1386 ش.
65ـ كلام شيعه كلام معتزله (پژوهشي مقايسهاي بر مبناي متون قرنهاي چهارم وپنجم): مريم كياني فريد، انتشارات دانشگاه أديان ومذاهب، قم، 1393 ش.
66ـ الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30ـ31، 1413 ه.
67ـ الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 32ـ33، 1413 ه.
68ـ كلام معتزله واماميه: مادلونگ، ويلفرد، طبع باهتمام: مكتبها وفرقههاي إسلامي در سدههاي ميانه، ترجمة: جواد قاسمي، مشهد، مؤسّسة پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، 1387 ش.
69ـ المدارس الأشعرية (دراسة مقارنة): الراجحي الشهري، محمّد بن محمّد بن بالخير، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الرياض، 1436 ه، 2015 م.
70ـ مسائل ابن زهرة: ابن زُهرة، علي بن إبراهيم، تصحيح: محمّد الغريبي، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1392 هـ.
71ـ المسلك في أصول الدين: المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن، تحقيق: رضا أستادي، مؤسّسة پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، الطبعة الثانية، 1379 ش.
72ـ المطالب العالية من العلم الإلهي: الرازي، فخر الدين، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ه.
73ـ المعتمد في أصول الدين: الملاحمي الخوارزمي، محمود بن محمّد، تحقيق وتقديم: ويلفرد مادلونغ، انتشارات ميراث مكتوب ـ مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه آزاد برلين، تهران 1389 ش.
74ـ معجم الأدباء: الحموي، ياقوت بن عبد الله، تحقيق: إحسان عبّاس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م.
75ـ المُغني في أبواب التوحيد والعدل: الهمداني، القاضي عبد الجبّار المعتزلي، إشراف: الدكتور طه حسين، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1965 م.
76ـ مكتب اعتزال؛ ميراث إسلام سنّي يا تشيّع: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/2911
77ـ مكتب در فرايند تكامل (نظرى بر تطوّر مبانى فكرى تشيّع در سه قرن نخستين): مدرّسي طباطبائي، سيّد حسين، ترجمة: هاشم ايزد پناه، انتشارات كوير، طهران، 1386 ش.
78ـ مكتبها وفرقههاي إسلامي در سدههاي ميانه: مادلونگ، ويلفرد، ترجمة: جواد قاسمي، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي ويرايش دوم، مشهد، 1387ش.
79ـ الملل والنحل: الشهرستاني، عبد الكريم، تخريج: محمّد بن فتح الله بَدران، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية.
80ـ مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: جعفريّان، رسول، نشر سازمان تبليغات إسلامي، 1372.
81ـ مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، تحقيق: يوسف البقاعي، انتشارات ذوي القربىٰ، قم، الطبعة الثانية، 1427 هـ.
82ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الكوهكمري، منشورات مكتبة آية الله العظمیٰ المرعشي النجفي، قم، 1406 ه.
83ـ مواجهه قرائيم با تفكر أبو الحسين بصري بر مبناي مجموعة فركويچ در سن پطرزبورگ: شميتكه، زابينه، مطبعة رحمتي، محمّد كاظم، فرقههاي إسلامي ايران در سدّههاي ميانه، نشر بصيرت، طهران، 1387 ش.
84ـ ميان كلام وفلسفه: الأنصاري، حسن، كتاب رايزن، تهران، 1395 ش.
85ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: النشّار، علي سامي، القاهرة، دار المعارف.
86ـ نهج البلاغة: الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، حقّقه وضبط نصّه: الشيخ قيس بهجت العطّار، مؤسّسة الرافد للمطبوعات، قم، 1431 هـ.
87ـ نوبختيان (أبو سهل وأبو محمّد): حسيني زاده خضرآباد، سيّد علي، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1393 ش.
87- A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, eds. C. Adang, S. Schmidtke, D. Sklare, Würzburg: Ergon, 2006.
88- Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: al-Sharif al-Murtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017.
89- Ansari, Hassan, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (I) Zaydīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 181- 195.
90- Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 196 - 214.
91- El Omari, Racha, The Theology of Abū l-Qāsim al-Balkhī/ al-Kaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016.
92- Gregor Schwarb, “Short Communication: A Newly Discovered Fragment of al-Sharīf al-Murtaḍā’s K.al-Mulakhkhaṣ fī uṣūl al-dīn in Hebrew Script”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 75–79.
93- Jorgensen, Marianne and Phillips, Louise, Discourse Analysis as Theory and Method, SAGE Publications, London, First published, 2002.
94- Madelung, Wilferd and Sabine Schmidtke, Rational Theology in Interfaith Communication. Abu l-Ḥusayn al-Baṣrī's Muʿtazilī Theology among the Karaites in the Fāṭimid Age, Leiden: Brill, 2006.
95- Madelung, Wilferd, ‘Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb al-Kāfī of alKulaynī’, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. Tauris-The Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014, p. 458.
96- Madelung, Wilferd, “Abū I- Ḥusayn al-Baṣrī’s Proof for the Existence of God”, In J. E. Montgomery (ed.), Arabic Theology, Arabic Philosophy. From the Many to the One. Essays in Celebration of Richard M. Frank. Leuven: Peeters, pp. 273–80.
97- Madelung, Wilferd, “introduction”, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. Tauris-The Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014.
98- Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, London, Variorum Reprints, 1985, VII.
99- Madelung, Wilferd: “Imāmism and Muʿtazilite theology”. In: Le Shî’isme Imâmite. Ed: T.Fahd, Paris: Presses Universitaires de France, (1979), pp. 13–29.
100- McDermott, Martin j., The Theology of al-Shaikh al-Mufīd (d. 413/1022), Beirut, 1978.
101- Rudolph, Ulrich, “Ḥanafī Theological Tradition and Māturīdism”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 280 - 296.
102- Rudolph, Ulrich, al-Māturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarkand, translated by Rodrigo Adem, Leiden: Brill, 2015.
103- Schmidtke, Sabine (ed), The Oxford handbook of Islamic theology, Oxford University Press, Oxford, 2016.
104- Schmidtke, Sabine, “Jewish Reception of Twelver Shīʿī kalām: A copy of al-Sharīf al-Murtaḍā’s Kitāb al-Dhakhīra in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 50–74.
105- Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu l-‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford)”, Le shiʿisme imamite quarante ans après. Hommage à Etan Kohlberg, eds. Mohammad Ali Amir-Moezzi, Meir Bar-Asher, Simon Hopkins, Turnhout 2009, pp. 357-382.
106- Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū l-Ḥusayn al-Baṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the Firkovitch-Collection, St. Petersburg”, Arabica, T. 53, Fasc. 1 Jan., 2006.
107- Schmidtke, Sabine, “Al-ʿAllāma al-Ḥillī and Shīʿite Muʿtazilite Theology”, Spektrum Iran 7 iii (1994), pp. 10-35. Repr. In: Shīʿism. Critical Concepts in Islamic Studies. Eds. Colin Turner & Paul Luft. Oxford 2007, vol. 2 (Beliefs and Practices), part 27".
108- Schmidtke, Sabine, The Theology of al-ʿAllama al-Ḥillī (d. 726/1325), Berlin, 1991.
109- Schwarb, Gregor, “Sahl b. al-Faḍl al-Tustarī’s Kitāb al-Īmāʾ,” Ginzei Qedem 2, 2006, pp. 61–105.
تمّت ترجمة هذه المقالة إلىٰ العربية من قبل هيئة التحرير.
المراد هنا من مصطلح: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) هو: «الأسلوب والطريقة الخاصّة في التفكير الذي تتميّز به ذهنية المعتزلة دون غيرها من المدارس الكلامية في تعاطيها مع المسائل الكلامية ببيانها الخاصّ الذي تنفرد به، وليس المراد منه عقيدتهم». (المترجم)
يعتبر موضوع ارتباط الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي ونسبته اليه واحداً من أهمّ المواضيع إثارة للجدل في تاريخ الكلام الشيعي، وبالخصوص موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي؛ فقد تناولت كلّ من المصنّفات الكلامية وكتب الملل والنحل وكتب التراجم القديمة مختلف الآراء في خصوص علل وأسباب هذا الأمر، هذا وإنّ بعض الدراسات قد تناولت هذا الموضوع بالخصوص، حيث تطرّقت إلىٰ العديد من الأقوال والآراء القديمة في هذا الشأن3
لمراجعة أقوال وآراء مَن كتب في الملل والنحل وأصحاب التراجم في هذا المجال انظر: مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه، جميع الكتاب، وخاصّة: 95ـ99.،
1ـ إطلالة علىٰ النظريّات المطروحة في هذا الشأن:
من أجل الوصول إلىٰ تبيين مختلف النظريّات المطروحة في هذا الشأن بصورة دقيقة، نحاول دراسة مختلف الآراء التي تناولت هذا الموضوع من خلال الترتيب أدناه لوجهات النظر والفرضيّات المطروحة في هذا الخصوص.
أ: التأثير الواسع للمعتزلة علىٰ الفكر الشيعي:
يعتقد مؤيّدوا هذه الفرضية أنّ تعاليم متكلّمي المعتزلة أخذت بالتأثير علىٰ المعتقدات الشيعية تأثيراً أساسيّاً وواسع النطاق منذ القرن الثاني الهجري، حيث أدّىٰ ذلك إلىٰ حدوث تطوّرات في مختلف مراحل الكلام الشيعي. علماً بأنّ هذا الرأي غالباً ما طُرح من قبل المستشرقين ومحقّقي العرب من غير الشيعة وبعض محقّقي الشيعة، وسوف نشير إلىٰ أهمّ تلك الآراء فيما يلي:
فقد أشار عبّاس إقبال الآشتياني ـ في كتابه خاندان نوبختي (آل النوبختي) ـ إلىٰ مسألة تأثير الكلام المعتزلي علىٰ الكلام الشيعي؛ وعلىٰ حدّ تعبيره: إنّ علم الكلام لم يكن متداولاً بين الإمامية إلىٰ زمن الإمام الصادق «علیه السلام»، وكان علماء الإمامية يتّبعون الأئمّة «علیهم السلام» في الأصول الاعتقادية، ولكن علىٰ مرّ الزمن انفصلت طبقة المتكلّمين عن الأخباريّين؛ وذلك لاختلافهم في نقل الحديث حيث مال المتكلّمون إلىٰ أصول المعتزلة. وقد أعرض جماعة من المتكلّمين ـ ممّن كان في بادئ الأمر من المشبّهة ـ عن عقيدتهم وذلك إثر ما ورد عن الأئمّة «علیهم السلام» من نهي وإرشاد في هذا الخصوص، وكذلك نتيجة لارتباطهم بالمعتزلة. وبعد أن أخذ الكلام الإمامي بالتبلور شيئاً فشيئاً نتيجة لإرشادات الأئمّة وظهور المتكلّمين البارزين من الشيعة، ظهر الاختلاف العقائدي بعد ذلك بين الكلام الشيعي والكلام المعتزلي في الكثير من المواضيع، بعدما كان في بادئ الأمر قد اقتبس مبانيه من المعتزلة، وحتّىٰ احتدمت بينهم سجالات قوية في مناظراتهم، وقد ألّفوا العديد من الردود علىٰ بعضهم الآخر، ولكن بالرغم من ذلك فإنّه لا يوجد هناك اختلاف كبير بين المعتزلة والشيعة في مجال الأصول الاعتقادية4
خاندان نوبختي: 74.
ومن الواضح أنّ الأستاذ إقبال يعتقد أنّ أصول الكلام الشيعي كانت مأخوذة ومقتبسة في بادئ الأمر من المعتزلة، ولكن شيئاً فشيئاً أخذت تنأىٰ عن نظام الكلام المعتزلي. كما أشار إقبال كذلك إلىٰ تبعية أبي سهل النوبختي (ت 311هـ) للأصول الكلامية للمعتزلة في تقريره للمسائل الكلامية؛ حيث إنّ أقبال يرىٰ أنّ التقارب بين المذهبين في زمنه أصبح أكثر ممّا كان عليه سابقاً 5
نفس المصدر: 102.
نفس المصدر: 128.
وكذلك تعتبر مقالة ويلفرد مادلونغ المعروفة والتي جاءت تحت عنوان: (الإمامية والكلام المعتزلي)7
انظر: Madelung, Wilferd: “Imāmism and Muʿtazilite theology”. In: Le Shî’isme Imâmite. Ed: T.Fahd, Paris: Presses Universitaires de France, (1979), 13–29.
وطبعت هذه المقالة أيضاً في:
Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, London, Variorum Reprints, 1985, VII.
وتمّ نشر ترجمتان لهذه المقالة بالفارسية:
(أ) تشيّع اماميه وعلم کلام معتزلي: 9ـ31.
(ب) کلام معتزله واماميه: 151ـ171. ومع الأسف الشديد فإنّ هناك في هاتين الترجمتين أغلاطاً عديدة؛ ومن نماذج هذه الأغلاط: فقد ورد في كلا الترجمتين اسم الحسن بن موسىٰ النوبختي وذكر علىٰ أنّه (ابن أخ) أبي سهل النوبختي في حين هو (ابن أخت) أبي سهل! (انظر: ترجمة أحمد آرام: 11؛ ترجمة جواد قاسمي: 153). وقد قمنا بالإرجاع إلىٰ ترجمة جواد قاسمي في بعض فصول هذه المقالة لأنّها كانت في متناول أيدينا.
وطبعت هذه المقالة أيضاً في:
Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, London, Variorum Reprints, 1985, VII.
وتمّ نشر ترجمتان لهذه المقالة بالفارسية:
(أ) تشيّع اماميه وعلم کلام معتزلي: 9ـ31.
(ب) کلام معتزله واماميه: 151ـ171. ومع الأسف الشديد فإنّ هناك في هاتين الترجمتين أغلاطاً عديدة؛ ومن نماذج هذه الأغلاط: فقد ورد في كلا الترجمتين اسم الحسن بن موسىٰ النوبختي وذكر علىٰ أنّه (ابن أخ) أبي سهل النوبختي في حين هو (ابن أخت) أبي سهل! (انظر: ترجمة أحمد آرام: 11؛ ترجمة جواد قاسمي: 153). وقد قمنا بالإرجاع إلىٰ ترجمة جواد قاسمي في بعض فصول هذه المقالة لأنّها كانت في متناول أيدينا.
( Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, PP. 15ـ16.
الترجمة الفارسية: 153ـ154.
الترجمة الفارسية: 153ـ154.
Ibid, 24. الترجمة الفارسية: ص 165، (نفس المصدر: 24).
Ibid, 26. الترجمة الفارسية: ص 167، (نفس المصدر: 26).
Ibid, 27. الترجمة الفارسية: ص 169، (نفس المصدر: 27).
وقد أكّد مادلونغ مرّة أخرىٰ في إحدىٰ مقالاته الأخيرة علىٰ النظريّات الآنفة الذكر؛ فإنّه بعدما أشار إلىٰ الصراعات الأولىٰ والتعارض الشديد بين الإمامية والمعتزلة في القرن الثاني الهجري، صرّح بالتقارب بين متكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية مع المعتزلة في بعض الأصول الاعتقادية مثل التوحيد والعدل. وعلىٰ حدّ تعبيره فإنّ الشيخ المفيد كان قد تبنّىٰ آراء مدرسة معتزلة بغداد إلّا أنّ الشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي من تلامذته كانا من أنصار المدرسة العقائدية للمعتزلة البهشمية، ولكن بعد ذلك في المرحلة التالية في الكلام الإمامي كان سديد الدين محمود الحمّصي الرازي مؤيّداً لآراء أبي الحسين البصري الكلامية تأييداً كاملاً12
Madelung, Wilferd, “introduction”, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. TaurisـThe Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014, p. 458.
هذا وإنّ السيّد مادلونغ في مقالته التي ألّفها حديثاً: (عقائد الإمامية الأولىٰ من خلال روايات أصول الكافي للشيخ الكليني) أرجع امتداد تاريخ تأثّر الاعتقدات الإمامية بالمعتزلة إلىٰ زمن أئمّة الشيعة؛ فهو ـ أثناء إشارته إلىٰ أنّ الدراسات الغربية كانت مبتنية علىٰ دراسة تطوّر الكلام الإمامي وتبلوره في القرون الأولىٰ اعتماداً علىٰ مصادر تدوين الفرق والعقائد التي لم تذكر فيها قطّ نظريّات وآراء أئمّة الشيعة بشكل صريح ـ أكّد علىٰ أنّ تطوّر تعاليم أئمّة الشيعة وتحوّلها لابدّ أن تكون دراسة قائمة علىٰ أساس أمّهات المصادر الإمامية وخاصّة كتاب أصول الكافي 13
Madelung, Wilferd, “Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb alـKāfī of alKulaynī”, P. 465.
فإنّ نظريّته الأصلية يمكن خلاصتها بما قاله في هذا المقال: «إنّ أئمّة الشيعة قد أخذوا شيئاً فشيئاً في أجوبتهم علىٰ الأسئلة الكلامية [بالأخصّ في باب التوحيد وصفات الباري] إلىٰ تأييد وتصديق آراء المعتزلة ومواقفهم ومفاهيمهم»14
“it appears that the Imams, in answering question on disputed issues, progressively came to endorse Muʿtazilī perspectives, concepts and positions. This was certainly the case in regard to questions concerning tawhīd, the reality and unicity of God and His attributed”. Madelung, Wilferd, ‘Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb alـKāfī of alـKulaynī’, P. 468.
“Imam Jaʿfar here unambiguously sets forth early Muʿtazilī doctrine about the divine attributes.”. Ibid, p. 470. “lman Jaʿfar’s adoption of the Muʿtazilī concept of divine attributes and the distinction between attributes of essence and of acts rendered his statement about the Qurʾan, presumably made earlier, problematic. Ibid, p. 471.
هذا وإنّ السيّد مادلونغ ـ بعد أن أشار إلىٰ حديث عن الإمام الصادق «علیه السلام» ميّز فيه الإمام بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية للباري عزّ وجلّ ـ قال: إنّ الصفات التي عرّفها الإمام «علیه السلام» مثل العلم والبصر والسمع والقدرة كونها صفات للباري قديمة، هي ـ في كلّيّاتها ـ نفس تلك الصفات التي اعتبرها المعتزلة صفات ذاتية للباري عزّ وجلّ. بناء علىٰ ما قاله مادلونغ فإنّ الإمام الصادق «علیه السلام» (ت 148هـ) قد اعتبر تلك الصفات ثابتة للباري عزّ وجلّ ووصفها بأنّها عين الذات الإلهية، وهو مطابق لما يقول به أبو الهذيل العلّاف المعتزلي (ت حوالي 227أو 235هـ)16
“The attributes he describes as eternal, knowledge, sight, hearing and power, are those primarily recognised by the Mu'tazila as attributes of essence. Like the Mu'tazili scholar Abu'lـHudhayl, he describes them as identical with God's essence and immutable.”. Ibid, p. 470.
هذا وقد تصدّىٰ من بعد مادلونغ تلميذه مارتين مك درموت في كتابه إلهيّات الشيخ المفيد إلىٰ إثبات ما تأثّر به الشيخ المفيد (ت 413هـ) من أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ). حيث تطرّق في القسم الأوّل من كتابه إلىٰ المقارنة بين آراء الشيخ المفيد وآراء القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت 415هـ)، واستنتج أنّ نظريّات الشيخ في أصلَي التوحيد والعدل أقرب إلىٰ معتزلة بغداد، وخاصّة إلىٰ آراء أبي القاسم البلخي، إلّا أنّه في المسائل التي لها صلة بالإمامة والمنزلة بين المنزلتين والوعيد فهو كسائر الإمامية بعيد عن المعتقد الاعتزالي. واستنتج في القسم الثاني من كتابه ـ في خلال مقارنة آراء الشيخ المفيد مع آراء الشيخ الصدوق (ت 381هـ) ـ أنّ طريقة الشيخ المفيد في الحديث أقرب للمعتزلة من طريقة أهل السنّة. ويبيّن في القسم الثالث من كتابه ـ في خلال مقارنة إجمالية بين نظريّات الشيخ المفيد ونظريّات تلميذه الشريف المرتضىٰ (ت 436هـ) ـ أنّ الشريف المرتضىٰ خطا خطوة كبيرة نحو مدرسة الاعتزال، وخلافاً لأستاذه الشيخ المفيد الذي كان يتبع مدرسة معتزلة بغداد، فإنّه ـ سوىٰ المواضيع المرتبطة بالإمامة والمنزلة بين المنزلتين والوعيد ـ كان يميل إلىٰ آراء معتزلة البصرة17
McDermott, Martin j., the theology of alـshaikh alـMufīd, pp. 4ـ5.
انظر الترجمة الفارسية للكتاب ـ وإن كانت تفتقر إلىٰ الدقّة ـ وقد طبعت تحت عنوان:
انديشههاي کلامي شيخ مفيد: 5ـ6.
انظر الترجمة الفارسية للكتاب ـ وإن كانت تفتقر إلىٰ الدقّة ـ وقد طبعت تحت عنوان:
انديشههاي کلامي شيخ مفيد: 5ـ6.
ويرىٰ مك درموت أنّ النوبختيّين كانوا أكثر قرباً إلىٰ مدرسة الاعتزال من الشيخ المفيد ومَن تلاه من الإمامية من عدّة نواحٍ؛ وبالرغم من أنّ بعض أساتذة الشيخ المفيد كانوا من النوبختيّين ولكن يبدو أنّ تأثّر الشيخ بالمعتزلة كان نتيجة لقراءته كتب أبي القاسم البلخي المعتزلي مؤسّس مدرسة معتزلة بغداد ولم يكن نتيجة لتأثّره بالنوبختيّين. ويرىٰ مك درموت أنّ الشيخ المفيد في منهجه الكلامي قد اتّخذ موقفاً وسطاً بين محدّثي الإمامية والموقف الاعتزالي البحت للشريف المرتضىٰ؛ فإنّ الشيخ كان يميل إلىٰ معتزلة بغداد القائلين بقلّة دور العقل نسبة إلىٰ معتزلة البصرة، وكان أقرب من الشريف المرتضىٰ لمحدّثي الإماميّة. والحاصل: إنّ كلام الإمامية في عهد الشيخ المفيد كان متأثّراً بمدرسة معتزلة بغداد تأثّراً كبيراً18
Ibid, p. 395 ـ 397. الترجمة الفارسية: 521ـ523، (نفس المصدر: 395ـ397).
وتطرّقت السيّدة زابينه شميتكه ـ وهي الأخرىٰ أيضاً تلميذة السيّد مادلونغ ـ في رسالتها (الدكتوراه) تحت عنوان: (إلهيّات العلّامة الحلّي) إلىٰ الموارد التي تأثّر بها العلّامة الحلّي بأبي الحسين البصري (ت 436هـ) في مختلف الأبحاث الكلامية؛ فإنّها ترىٰ أنّ مدرسة أبي الحسين البصري كان لها أثر بنّاء ومصيري علىٰ طريقة العلّامة الحلّي الكلامية وتفكّره في جميع الموارد التي كانت محلّا ً للاختلاف بين البهشمية وأبي الحسين البصري، سواء كان في مجال العدل والصفات الإلهية أو في مجال الطبيعيّات، فإنّ العلّامة كان يأخذ في جميع هذه المجالات بآراء أبي الحسين البصري19
Schmidtke, Sabine. The Theology of alـʿAllama alـḤillī (d. 726/1325), pp. 250 ـ 251.
كذلك انظر الترجمة الفارسية ـ المشوّشة ـ للكتاب والتي جاءت تحت عنوان: انديشههاي
کلامي علّامه حلّي: 241ـ242.
كذلك انظر الترجمة الفارسية ـ المشوّشة ـ للكتاب والتي جاءت تحت عنوان: انديشههاي
کلامي علّامه حلّي: 241ـ242.
Ibid, p. 252. الترجمة الفارسية، ص 243، (نفس المصدر: 252).
Ibid, pp. 253 ـ 254. الترجمة الفارسية: 244، (نفس المصدر: 252ـ253)
وقد جاء في الترجمة الفارسية هذه اشتباهاً: (مذهب اشعريّان) بدلاً عن: (برخلاف معتزله). وكذلك جاءت عبارة: «هر جا که... مخالفتي با نظریّات کلّي متکلّمان نداشت». في هذه الترجمة اشتنباهاً، في حين أنّ الترجمة الصحيحة هي: «در مواردي که مخالف با ديدگاههاي بنيادين کلامي او نبوده باشد».
وقد جاء في الترجمة الفارسية هذه اشتباهاً: (مذهب اشعريّان) بدلاً عن: (برخلاف معتزله). وكذلك جاءت عبارة: «هر جا که... مخالفتي با نظریّات کلّي متکلّمان نداشت». في هذه الترجمة اشتنباهاً، في حين أنّ الترجمة الصحيحة هي: «در مواردي که مخالف با ديدگاههاي بنيادين کلامي او نبوده باشد».
Ibid, p. 254. الترجمة الفارسية، ص 244، (نفس المصدر: 254).
وبعد بضع سنين ذكرت الدكتورة شميتكه في مقالة من تقريراتها تحت عنوان: (العلّامة الحلّي والكلام المعتزلي الشيعي)23
Schmidtke, Sabine, “AlـʿAllāma alـḤillī and Shīʿite Muʿtazilite Theology”, Spektrum Iran 7 iii (1994), pp. 10ـ(35) Repr. In: Shīʿism. Critical Concepts in Islamic Studies. Eds. Colin Turner & Paul Luft. Oxford 2007, vol. 2 (Beliefs and Practices), part 27".
Ibid, pp. 12 ـ 14. نفس المصدر: 12ـ14.
المتكلّم المعتزلي أبو الحسين البصري المعاصر للشريف المرتضىٰ والذي تلمّذ علىٰ القاضي عبد الجبّار وكان له باع في الفلسفة، كان قد طرح آراء كلامية متمايزة ومستقلّة بعد تغيّر موقفه من المدرسة البهشمية. وبالنتيجة أسّس مدرسة جديدة بين المعتزلة حظيت بالقبول من قبل الكثير من المعتزلة الزيدية والإمامية، وقد فاقت المدرسة البهشمية شيئاً فشيئاً. وبالرغم من فقدان كتب أبي الحسين البصري الكلامية إلّا أنّه يمكن إعادة صياغة آرائه ومعرفتها من خلال كتب ركن الدين محمود الملاحمي الخوارزمي (ت 536هـ) وكذلك أيضاً من خلال كتاب الكامل في الاستقصاء تأليف تقي الدين العجالي الذي ذكر فيه الفروقات بين البهشمية ومدرسة أبي الحسين البصري. وقد حظيت أغلب آراء أبي الحسين البصري الكلامية بالقبول من قبل الفخر الرازي أيضاً من بين الأشاعرة، وقد بادر إلىٰ تفسيرها بما يؤيّد آراء الأشاعرة دون المعتزلة.
لقد تركت هذه التطوّرات تأثيراً أساسيّاً في الكلام الإمامي. وقد أسّس الخواجة نصير الدين الطوسي آخر مدرسة اعتزالية أُسّست في الفكر الشيعي، ووسّع نطاقها تلميذه العلّامة الحلّي، حيث حظيت ـ تقريباً ـ كلّ أراء مدرسة أبي الحسين البصري في المسائل الكلامية عندهما بالقبول. وفضلاً عن ذلك فقد اتّخذا الاصطلاحات الفلسفية في مؤلّفاتهم بالنحو الذي اتّخذه الفخر الرازي بدلاً من اصطلاحات المعتزلة القديمة، وبذلك نأَيا بعد قبولهما الآراء الفلسفية عمّا كان عليه متقدّمو المعتزلة. إنّ الخواجة نصير وابن ميثم والعلّامة الحلّي هؤلاء الثلاثة كانوا شديدي التأثّر بأفكار أبي الحسين البصري25
Ibid, pp. 15 ـ 18. نفس المصدر: 15ـ18.
Ibid, pp. 19 ـ 26. نفس المصدر: 19ـ26.
وكذلك تطرّقت شميتكه في بحث آخر إلىٰ دراسة موضوع تأثير أفكار أبي الحسين البصري علىٰ متكلّمي الشيعة الإمامية، وذكرت في مقالها هذا أبا جعفر ابن قِبة الرازي (ت قبل 319هـ) والنوبختيّين باعتبارهما أوّل من قَبِلَ آراء المعتزلة في الشيعة الإمامية27
Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu lـ‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford)”, p. 373.
وسوف يتبيّن لاحقاً بناء علىٰ تصريحات القطب الراوندي أنّ التأثّر بمدرسة معتزلة البصرة كان بين الإمامية ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ منذ أواسط القرن السادس الهجري.
Ibid, pp. 374 ـ 375. نفس المصدر: 374ـ375.
Ibid, p. 376. نفس المصدر: 376.
Ibid, p. 377. نفس المصدر: 377.
واستمراراً لهذه التحقيقات تناول كلّ من الدكتورة شميتكة والدكتور الأنصاري ـ في بحث جديد لهما ـ العديد من الزوايا في خصوص الموضوع الذي نحن في صدده؛ وكان من بين أهمّ ما أشاروا إليه في هذا المجال هو عبارة عن:
1ـ كثيراً ما تقبّل واقتبس متكلّمو الإمامية ـ في بحث وجود الباري وصفاته ـ مفاهيم المعتزلة واصطلاحاتهم. منهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي (ت311هـ) وابن أخته أبو محمّد الحسن بن موسىٰ (ت بين 300و310هـ)، إذ تقبّلا الكثير من آراء المعتزلة مع رفضهما نظريّاتهم في الإمامة والوعيد والمنزلة بين المنزلتين المخالفة لآراء الشيعة32
Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 199.
2ـ تعتبر السنين الأولىٰ من عهد الغيبة الكبرىٰ هي مرحلة الذروة في صياغة الكلام الإمامي بصياغة معتزلية؛ حيث كانت البداية مع تأليفات الشيخ المفيد، ومن ثمّ بلغت ذروتها بمؤلّفات الشريف المرتضىٰ33
Ibid, p. 200. نفس المصدر: 200.
3ـ بعد نأي الشيخ المفيد عن المنهج الحديثي للشيخ الصدوق استفاد من المنهج الاعتقادي لمدرسة معتزلة بغداد وأبي القاسم البلخي، ليرسم في الإمامية خارطة جديدة في الفكر الكلامي، وبالرغم من ذلك فإنّه كان ينأىٰ عن الانتساب إلىٰ المعتزلة، وكان يؤكّد في مؤلّفاته مثل كتاب أوائل المقالات ورسالة الحكايات في مخالفة المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية علىٰ الفوارق بين الكلام الإمامي والكلام المعتزلي وتمايزه عنه؛ فقد استهدفت انتقادات الشيخ المفيد في هذه الكتب بشكل أساسي نظريّات أبي الهاشم الجبّائي (ت 321هـ) وأتباعه، وخاصّة نظرية: (الأحوال) ونظرية: (شيئية المعدوم). واعتبر الشيخ المفيد أنّ آراء معتزلة بغداد والبلخي موافقة مع آراء الأئمّة «علیهم السلام» في الكثير من المسائل. فهو يرىٰ أنّ أكثر الاختلافات المهمّة الموجودة بين الإمامية والمعتزلة ـ أعمّ من البصرية والبغدادية ـ إنّما هي في موضوع الإمامة وفي المسائل المرتبطة بها، مثل تعريف: (الإيمان) الذي ينتهي في آخر المطاف إلىٰ إنكار الوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين. وكذلك أيضاً الشريف المرتضىٰ فبالرغم من خلافه مع الشيخ المفيد وإقباله علىٰ البهشمية، إلّا أنّه كأستاذه الشيخ المفيد في المسائل المذكورة كان يذهب إلىٰ ما يذهب إليه الإمامية رافضاً آراء المعتزلة في هذه المواضيع34
Ibid, pp. 201 ـ 202. نفس المصدر: 201ـ202.
4ـ وقد بقي ـ من بين تلامذة الشيخ المفيد ـ كلّ من أبي الفتح الكراجكي وأبي يعلىٰ الجعفري واحتمالاً أبي الحسن البُصرَوي كذلك علىٰ وفائهم لمدرسة الشيخ المفيد، وعادة ما اتّبعوا آراء معتزلة بغداد؛ ولكنّ الشريف المرتضىٰ وسائر متكلّمي الإمامية آنذاك رجّحوا آراء البهشمية. ويبدو في هذا البين وفق الشواهد الموجودة أنّ الشيخ الطوسي في كتبه المفقودة التي ألّفها في أواخر سنيّ عمره كان قد ابتعد عن المدرسة البهشمية ونأىٰ عنها واقترب من مدرسة أبي الحسين البصري35
Ibid, p. 203. نفس المصدر: 203.
Ibid, pp. 204 ـ 205. نفس المصدر: 204ـ205.
Ibid, p. 209. نفس المصدر: 209.
المقدّمة الفارسية لکتاب (المعتمد في أصول الدين): 14.
خلاصة النظر، تحقيق ومقدّمة: زابينه اشميتکه، وحسن الأنصاري، مؤسّسة پژوهشي حکمت وفلسفة إيران، 1385ش، طهران.
نفس المصدر: xvii.
ووفقاً لما قاله الدكتور الأنصاري فإنّ مدرسة الحمّصي كانت مبتنية علىٰ تعاليم أبي الحسين البصري، فهي من حيث المجموع كانت أكثر انسجاماً ـ مع آراء الشيخ المفيد ـ من مدرسة الشريف المرتضىٰ؛ والسبب في ذلك يرجع إلىٰ أنّ مدرسة أبي الحسين البصري كانت أقرب إلىٰ مدرسة معتزلة بغداد التي كان يميل لها الشيخ المفيد، ولذلك نرىٰ أنّ الحمّصي يدافع عن آراء الشيخ المفيد في المسائل الخلافية بين الشريف المرتضىٰ والشيخ المفيد. ولذلك فإنّ أتباع مدرسة الحمّصي من متكلّمي الحلّة كانوا قد التزموا ـ نوعاً ما ـ بكلام الشيعة القديم الذي رسم الشيخ المفيد خطوطه، واستطاعت مدرسة الشيخ المفيد أن تستعيد أهمّيتها في الكلام الإمامي؛ وذلك إثر إقبال متكلّمي الحلّة وسائر الإمامية علىٰ مدرسة سديد الدين الحمّصي منذ القرن السابع الهجري وما بعده41
انظر المقالة التالية تحت عنوان: «دانش کلام در حلّه از سديد الدين حمّصي تا ابن طاوس» التي تمّ نشرها في: .http://ansari.kateban.com/post/3468
وكذلك يعتقد الدكتور الأنصاري أنّ معتقدات الإمامية لم تكن بادئ بدء منسجمة مع المعتزلة، فهي تختلف اختلافاً أساسيّاً مع آراء المعتزلة في الكثير من المعتقدات في باب التوحيد وما يرتبط به من أبحاث، ولكن في أواخر القرن الثالث الهجري مال عدد من الإمامية إلىٰ المعتزلة وتأثّروا بهم شيئاً فشيئاً، وكان هذا التأثّر بشكل أساسي في جهتين؛ أولاهما: في الأبحاث الأصلية في مواضيع التوحيد والعدل. والآخرىٰ: في قبول الكلام المعتزلي بصفته أسلوباً تنظيريّاً، والاستفادة من الهيكلية التنظيرية المتّبعة في أبحاثهم42
انظر ما قاله حسن الأنصاري تحت عنوان: (مکتب اعتزال؛ ميراث اسلام سني يا تشيع؟) التي تمّ نشرها في: http://ansari.kateban.com/post/2911.
وقد أكّد الأنصاري ـ في مقالتين له بالفارسية تحت عنوان: (الشريف المرتضىٰ بمثابة متكلّم معتزلي) و(الشريف المرتضیٰ والمعتزلة) ـ علىٰ النزعة البهشمية للشريف المرتضىٰ وعلىٰ علقته الفكرية بهذه المدرسة. ويرىٰ الأنصاري: «أنّ الشيخ المفيد أستاذ الشريف المرتضىٰ كان قد مال ـ نوعاً ما ـ إلىٰ كلام معتزلة بغداد في بعض المسائل الفلسفية وبعض المسائل الأساسية في علم الكلام، ولا يخفىٰ أنّه كان متأثّراً في نفس الوقت بالنزعات الكلامية للكلام المعتزلي القديم، وبالنزعات التي تميل للاعتزال مثل النزعة الكلامية لبني نوبخت من جانب ومن جانب آخر تأثّره بنزعة قدماء علماء الكلام الإمامي في عهد الأئمّة «علیهم السلام» مثل هشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان»؛ ومع ذلك فإنّه كان مخالفاً للمعتزلة في أبحاث ذات صلة بالإيمان، وأحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة، وكذلك في موضوع إمامة الأمّة. هذا وإنّ الشريف المرتضىٰ كان متأثّراً بأستاذه الشيخ المفيد في مخالفته المعتزلة وانتقادهم في المسائل المذكورة والمسائل المرتبطة بها مثل القرآن وتفريعات النبوّة والمعاد، ومع ذلك فإنّه خلافاً لأستاذه كان يميل لمدرسة الاعتزال البهشمي لا إلىٰ مدرسة بغداد، وفي الأساس كان أكثر بكثير من الشيخ المفيد في ميله إلىٰ مدرسة الاعتزال، كما يبدو جليّاً من المؤلّفات الكلامية للشريف المرتضىٰ بأنّه لم يكن فقط من أنصار المدرسة البهشمية فحسب، بل كان شديد الدفاع عنهم إزاء نقد مخالفيهم، وقد غيّرت ميوله إلىٰ المدرسة البهشمية مسار الكلام الإمامي إلىٰ قرون متمادية. وقد طرح نفسه في كتبه الكلامية بصفته معتزليّاً بهشميّاً بشكل كامل، وكان يصرّح علناً بكونه معتزليّاً43
انظر: .http://ansari.kateban.com/post/1926
انظر: .http://ansari.kateban.com/post/2868
وفي ضمن هذا الإطار ـ تأثّر الإمامية بالكلام المعتزلي ـ أكّد الدكتور المدرّسي الطباطبائي في كتابه الذي جاء تحت عنوان: (مكتب در فرايند تكامل) علىٰ أنّ الآراء والنطريّات الكلامية الاعتزالية أخذت تتسلّل إلىٰ المذهب الشيعي شيئاً فشيئاً عن طريق جيل جديد من علماء الشيعة وذلك منذ أواسط القرن الثالث الهجري فما بعد، وقد ظهرت ـ نتيجة لذلك ـ مدرسة جديدة في الإمامية. وبناء علىٰ ما قاله: فقد أخذ الرعيل الأوّل من هذه المدرسة بالمعتقد الفلسفي الاعتزالي فيما يخصّ: (العدل وصفات الباري وتخيير الإنسان) وقد تلقّوا ذلك بالقبول، ولكنّهم في نفس الوقت كانوا يتمسّكون بمباني مدرسة التشيّع في باب الإمامة ويدعمون رأيهم في هذا الشأن بكلّ قوّة. ولم تتأسّس هذه المدرسة من قبل معتزلة الشيعة، بل تأسّست هذه المدرسة من قبل عدد من متكلّمي الشيعة مثل أبي الأحوص داود بن أسد البصري وعبد الرحمن بن أحمد جبرويه العسكري، حيث كان لهما إلمام بأصول المعتزلة ومعتقداتهم عن طريق المطالعات والمناظرات، ومن ثمّ قويت بعد ذلك تزامناً مع انضمام متكلّمي النزعة الفلسفية من أمثال أبي سهل وأبي محمّد النوبختي، ومع مساهمة معتزلة الشيعة مثل أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن مملك الأصفهاني وأبي جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قِبة الرازي صارت علىٰ شكل مدرسة ذات أسس رزينة وبنية حصينة45
مکتب در فرايند تکامل: 213ـ215.
وقد جاء الحديث أيضاً في دراسة أخرىٰ مستقلّة في شأن أبي جعفر ابن قِبة الرازي (ت قبل 319هـ) عن نسبة أفكاره الكلامية إلىٰ آراء المعتزلة، ونظراً إلىٰ ماضيه الاعتزالي واقتصار ما تبقّىٰ من متون مؤلّفاته وأقواله علىٰ موضوع الإمامة؛ يحتمل أنّه في سائر أصوله الاعتقادية غير أصل الإمامة قد بقي علىٰ ما كان عليه من عقائد المعتزلة46
انظر: ابن قبه الرازي: 66، وص: 234.
الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 235.
ومن بين محقّقي العرب فقد تطرّقت عائشة يوسف المناعي في رسالة لها تحت عنوان: (أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية) إلىٰ مسألة الارتباط الفكري بين الإمامية والمعتزلة في المواضيع الكلامية، وقد كانت من نتائج ذلك التحقيق: قبول قسم من آراء المعتزلة الكلامية من قبل متكلّمي النوبختيّين وخاصّة من قبل أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي وابن أخته أبي محمّد الحسن بن موسىٰ النوبختي؛ وتأثّر الشيخ المفيد بمدرسة معتزلة بغداد وخاصّة بآراء الكعبي البلخي؛ وتأثّر الشريف المرتضىٰ بمعتزلة البصرة وخاصّة بالقاضي عبد الجبّار المعتزلي؛ وأكّدت كذلك أنّه بسبب فقدان المستندات والشواهد الكافية من نصوص الكلام الإمامي والمعتزلي في القرون الإسلامية الأولىٰ لا يمكن الحكم بنحو قاطع فيما يخصّ كيفية التأثير والتأثّر بين هاتين الفرقتين في المرحلة الأولىٰ من تكوين المدارس الكلامية، ولا الحكم بتأثّر واحدة من هاتين الفرقتين بالأخرىٰ48
أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية: 447ـ451.
وأيضاً السيّدة رشا العُمَري في كتابها ـ النافع ـ الذي تناولت فيه شخصية أبي القاسم الكعبي البلخي قد تحدّثت عن قبول الشيخ المفيد في مؤلّفاته مختلف المباني الكلامية للكعبي وسائر معتزلة بغداد وحتّىٰ غير البغداديّين منهم مثل النظّام49
انظر كتابه تحت عنوان: (إلهیّات أبو القاسم البلخي/ الکعبي): 33.
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 33.
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 33.
هذا وقد تناول الأستاذ حسين علي عبد الساتر بشكل مبسوط في كتاب قيّم له حديث النشر ـ ألّفه في الشريف المرتضىٰ باللغة الإنجليزية معرّب عنوانه: (عقائد الشيعة والكلام المعتزلي: الشريف المرتضىٰ وحِواريّات الإمامية) ـ موضوع الارتباط بين الفكر الكلامي الشيعي الإمامي ومدرسة الاعتزال؛ فقد أشار بادئ الأمر إلىٰ النظريَّتين الأصليّين في هذا المجال، أي: نظرية أخذ واقتباس نظريّات المعتزلة من قبل متكلّمي الإمامية، وفي إزائها أشار إلىٰ نظرية استقلال عقائد الإمامية عن الكلام المعتزلي رغم التشابه الاعتقادي الأساسي الموجود بينهما. ووفقاً لما قاله: فإنّ أنصار نظرية استقلال الكلام الشيعي عن المعتزلي، إمّا أنّهم أخذوا بنظر الاعتبار أحاديث الأئمّة «علیهم السلام» بصفتها الأسس النظرية لآراء الشيعة في باب الأصول الاعتقادية، والاستغناء بها عن الحاجة إلىٰ الأخذ بغيرها من المصادر الخارجية مثل الكلام المعتزلي، أو أنّهم اعتمدوا علىٰ الاستقلال الفكري للرعيل الأوّل من متكلّمي الإمامية ممّن افتُتِح بهم مجرىٰ الكلام الإمامي في بادئ الأمر50
Hussein Ali Abdulsater, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017, pp. 2ـ3.
ويرىٰ عبد الساتر: من الصعب أساساً نعت (الارتباط) وتوصيفه بـ: (التأثير) بالحدّ الذي تصل فيه أواصر العلاقة بين الأفكار إلىٰ حدّ افتقارها إلىٰ بعضها البعض؛ فإنّ مثل هذه المشكلات تحصل نتيجة للاعتبارات في المنهجية؛ أي: بمعنىٰ أنّه لا يمكن الأخذ بعين الاعتبار أيّ قاعدة ثابتة دقيقة لتعيين حقيقة مفهوم: (التأثير) بنحوقطعي، وإنّما يرجع تعيين ذلك إلىٰ منهجية كلّ شخص في اعتبار المفهوم، وفضلاً عن ذلك فإنّ إثبات: (التأثّر) و(التأثير) عادة ما يحتاج بالضرورة إلىٰ وجود الشواهد والقرائن الداخلية والخارجية؛ وذلك بمعنىٰ أنّه لابدّ من دراسة مدخلية التطوّرات الزمانية والتقارنات المحلّية ليتمّ تأييد إمكان التعامل بين السنن ومختلف المؤلّفين لإثبات التأثير والتأثّر، هذا من جهة، ومن جهة أخرىٰ لابدّ من مطالعة تشابه المفاهيم والنصوص لدرء احتمال التشابه الذي يأتي بمحض الصدفة فقط لا بالتأثير والتأثّر51
Ibid, pp. 5ـ6. نفس المصدر: 5ـ6.
وقد تطرّق عبد الساتر إلىٰ المقارنة بين آراء الشريف المرتضىٰ مع الشيخ المفيد والشيخ الطوسي من جهة، والمقارنة بين آرائه وآراء القاضي عبدا لجبّار المعتزلي من جهة أخرىٰ، وعدّ نقاط الاشتراك والاختلاف بين عقائدهم وعدّدها ضمن أربعة أقسام:
1ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بينهم جميعاً.
2ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بين المفيد والمرتضىٰ والطوسي التي لا يعتقد بها عبد الجبّار.
3ـ نقاط الاشتراك الاعتقادية بين المرتضىٰ والقاضي عبد الجبّار والتي رفضها الشيخ المفيد.
4ـ العقائد التي تقبّلها الشريف المرتضىٰ فقط ـ مثل نظرية الصرفة ـ ورفضها كلّ من المفيد والطوسي والقاضي ولم يعتقدوا بها. ثمّ استنتج بعد ذلك أنّ الشريف المرتضىٰ احتفظ إلىٰ حدّ كبير في مجال المعتقد الإمامي بمصطلحات وأفكار من سبقه من متكلّمي الإمامية ذات النزعة العقلية، ولكن استفاد منها بنحو يختلف عمّا استفاده متكلّمو السلف. ويرىٰ عبد الساتر أنّ مؤلّفات السيّد المرتضىٰ في خصوص الكلام المعتزلي تعكس لنا نوعاً آخر من التأثّر. ولم يأخذ الشريف المرتضىٰ باستدلالات معتزلة البصرة عندما كان يرىٰ أنّها تؤدّي إلىٰ نتائج غير صحيحة. كما أنّه تارة كان يرىٰ أن لا محيص من إجراء إصلاحات وتغييرات ما في بعض آراء المعتزلة ليجعلها منسجمة وموافقة مع الاعتقادات الثابتة عند الإمامية52
Ibid, p. 215. نفس المصدر: 215.
ب: التأثير المعتزلي المحدود النطاق علىٰ الشيعة:
الفرضيةالثانية حول العلاقات الفكرية بين الإمامية والمعتزلة تؤكّد علىٰ أنّ التأثير المعتزلي علىٰ الإمامية هو تأثير نسبي ومحدود. ويعتقد أنصار هذه النظرية أنّه بالرغم من التأثير الذي تركته منظومة الكلام المعتزلي علىٰ الإمامية أمر لا يمكن إنكاره، إلّا أنّ مجال هذه التأثير محدود جدّاً، ولايشمل سوىٰ بعض الجهات. علىٰ سبيل المثال فإنّ مؤلّف كتاب: (كلام شيعة كلام معتزلة) بعد أن قام بدراسة شملت آراء متكلّمي الإمامية وآراء متكلّمي المعتزلة في مختلف المواضيع الكلامية في القرنين الرابع والخامس الهجريّين توصّل إلىٰ النتيجة التالية: «بالرغم من أنّ منظومة الكلام الشيعي كانت متأثّرة إلىٰ حدّ ما بالمعتزلة، ولكن لو أخذنا بنظر الاعتبار مجموع القرائن ـ وخاصّة في مجال المصادر والمبادئ والأجوبة ـ في هذه المنظومة فإنّ استقلال النظام الكلامي الإمامي سوف يبدو واضحاً»53
کلام شيعه کلام معتزله (دراسة مقارنة بناء علىٰ نصوص القرن الرابع والقرن الخامس): 284.
نفس المصدر: 283.
وفي العديد من الدراسات الأخرىٰ التي ألّفت بشكل خاصّ حول بعض متكلّمي الإمامية، جاء الكلام فيها أيضاً عن مسألة تأثّرهم بأفكار المعتزلة؛ فقد تناول الشيخ حيدر البيّاتي في كتاب له تحت عنوان: (الشريف المرتضىٰ والمعتزلة) علاقة السيّد المرتضىٰ بالمعتزلة في بحث مفصّل، وبعد قبوله بتأثّر الشريف المرتضىٰ بالمعتزلة في المواضيع المرتبطة بالتوحيد والعدل، اعتبر آراءه في شأن الكثير من المسائل التي جاء الحديث عنها في هامش الأصول الاعتقادية للإمامة والنبوّة والمعاد مخالفة لآراء المعتزلة في هذا الباب، واعتبر هذا الأمر دليلاً قويّاً علىٰ البون الواضح بين الشريف المرتضىٰ وبين المعتزلة، وعدم اتّباعه لهم55
الشريف المرتضىٰ والمعتزلة (دراسة مقارنة بين أهمّ النظريات الكلامية للشريف المرتضىٰ والمعتزلة وبيان وجوه الالتقاء والافتراق فيما بينهما)، خاتمة المطاف (قيد الطبع). وكذلك انظر: تأثير الفکر المعتزلي البصري علىٰ السیّد المرتضىٰ في مسائل التوحيد والعدل الإلهي) لحيدر البياتي، مجلّة العقيدة، العدد: 3، السنة الأولی: 193ـ220.
وقد انتحىٰ السيّد حسيني زاده خضرآباد في دراسته حول آل نوبخت ـ وخاصّة حول أبي سهل وأبي محمّد النوبختيّيَن ـ نفس هذا المنحىٰ، حيث سعىٰ إلىٰ جمع ونقل آراء مَن صرّحوا بنزعة النوبختيّين الاعتزالية؛ فإنّه يرىٰ أنّ موافقة النوبختيّين للمعتزلة إنّما كانت في أصل التوحيد فقط، وأمّا في سائر الأصول الاعتقادية الأخرىٰ مثل العدل والمنزلة بين المنزلتين فإنّهم يخالفون المعتزلة في ذلك، ولذلك فإنّ القول بميل النوبختيّين إلىٰ المعتزلة واتّباعهم لهذه الفرقة أمر غير مقبول56
النوبختيّان (أبو سهل وأبو محمّد): 236ـ253.
تطوّرات کلام إماميه در مدرسة بغداد: 310ـ314؛ وص: 295ـ303.
نفس المصدر: 297. لقد استفاد الكاتب هنا من مفردة (الحِوَارِيّات) إلّا أنّه لم يوضّح مراده من هذا الاصطلاح، وكان يجدر به إيضاحه؛ لأنّه مصطلح فيه نوع من العمومية فقد يراد منه أكثر من معنى، وسوف نوضّح ذلك فيما بعد.
کلام اماميه پس از دوران حضور؛ نخستين واگراييها: 59ـ85، وعلىٰ الخصوص ص: 81.
ج: التأثير والتأثّر المتقابل بين الشيعة والمعتزلة:
الفرضية الثالثة في مجال نسبة الفكر الشيعي إلىٰ الفكر الاعتزالي والارتباط بينهما، هو وجود التأثير والتأثّر المتقابلين بين هاتين المدرستين. حيث يؤكّد أصحاب هذه الفرضية عادة علىٰ تأثير الفكر الشيعي علىٰ خصوص معتزلة بغداد؛ علىٰ سبيل المثال فقد أكّد أحمد محمود صبحي في دراسته حول ارتباط الفكر الشيعي مع الفكر المعتزلي علىٰ وجود فوارق متمايزة بين معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد في هذا الخصوص، حيث يعتقد أنّ معتزلة البصرة لم يكن لهم مع الشيعة الإمامية أيّ توافق وانسجام حتّىٰ القرن الثالث الهجري، بل تارة ما كانت تحصل بينهما خصومة شديدة، ولم يكن بينهما وئام في الأصول الاعتقادية60
في علم الکلام 1 / 260.
استعمل اصطلاح: (متشيّعة المعتزلة) في کتاب الانتصار لأبي الحسين الخیّاط في خصوص بعض المعتزلة القائلين بتفضيل الإمام علي «علیه السلام»: «فأمّا مَن تشيّع من المعتزلة فليس هذه علّته ولا هذا قوله، وهذه کتب أبي جعفر الإسکافي في هذا الباب معروفة مشهورة وهو من رؤساء متشيّعة المعتزلة». الانتصار والردّ علىٰ ابن الروندي: 100. وكما أشار بعض المحقّقين أيضاً فإنّ تشيّع المعتزلة هنا ليس بمعناه الخاصّ، بل بمعناه العامّ؛ أي: عدم الميل إلىٰ العثمانية، وعدم قبول معاوية، وتفضيل الإمام علي «علیه السلام» علىٰ الخلفاء، والأخذ بنظر العلويّين في أمور السياسة. انظر: مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 52.
نفس المصدر: 261ـ262.
نفس المصدر: 112، الهامش 2.
والدراسة الأخرىٰ في هذا المجال التي اختارت التأثير والتأثّر المتقابل بين كلا الفريقين هي عبارة عن دراسة الدكتور الشيخ رسول جعفريّان بالفارسية في كتابه الذي صدر تحت عنوان ما معرّبه: (الروابط الفكرية بين المعتزلة والشيعة حتّىٰ بدايات زمان انصهار المعتزلة بالشيعة)؛ فإنّه ومن خلال تأكيده علىٰ أنّ تأسيس التشيّع تاريخيّاً كان متقدّماً علىٰ الاعتزال، أشار إلىٰ أنّ العلاقات الشيعية (الاجتماعية، السياسية، الفكرية) مع المعتزلة مرّت بثلاث مراحل مختلفة:
1ـ اغتراب المدرستين عن بعضهما الآخر في زمان مواجهة الشيعة للخوارج.
2ـ بداية تقارب المعتزلة مع عموم الشيعة ـ الزيدية منهم والإمامية ـ والذي بلغ ذروته في عهد آل بويه.
3ـ عهد الانصهار الكامل للاعتزال في الشيعة الإمامية والزيدية في القرن السابع الهجري وما بعده64
مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 11.
وبناء علىٰ ما قاله مؤلّف الكتاب فإنّ شدّة أواصر العلاقة بين المعتزلة والشيعة ترك أثراً كبيراً علىٰ متكلّمي كلا المدرستين، ممّا أدّىٰ إلىٰ تأثّر بعض علماء الشيعة بالمعتزلة، كما أدّىٰ في نفس الوقت إلىٰ نفوذ التشيّع ـ خاصّة التشيّع الزيدي ـ في عدد كبير من المعتزلة. علماً بأنّ هذه العلاقات بين الفريقين أدّت كذلك إلىٰ تدوين محاججات وردّيّات بينهما، وإن كان هذا لا يعني وجود عداوات واسعة النطاق بينهما، بل يمكن حمله علىٰ شدّة الأواصر بينهما65
نفس المصدر: 84. قارنوا بينها وبين آراء هاشم معروف الحسني حيث اعتبر تأليف هذه الردود دليلاً علىٰ الابتعاد والبون الشاسع بين كلا المذهبين! (للمزيد تابعوا ما يأتي لاحقاً في هذا المقال).
نفس المصدر: 132.
نفس المصدر: 118:123.
نفس المصدر: 99ـ100.
كذلك محمّد حامد بن منور الجدعاني هو الآخر أيضاً من المعتقدين بفرضية التأثير الذي تركه كلّ واحد من الجانبين الشيعي والمعتزلي علىٰ الآخر. فقد تطرّق في أطروحته التي قدّمها تحت عنوان: (الصّلة بين التشيّع والاعتزال) إلىٰ مواضع تأثّر الإمامية والزيدية بالمعتزلة وكذلك إلىٰ بعض تأثّرات المعتزلة بالشيعة69
الصّلة بين التشيّع والاعتزال 1 / 330ـ379.
د: نفي التأثير المعتزلي علىٰ الشيعة:
النظرية الأخرىٰ في الارتباط الفكري الشيعي بالمعتزلة، هو أنّ متكلّمي الامامية لم يتأثّروا بمدرسة الاعتزال، وأنّ الشيعة لم يكونوا مَدِينين للمعتزلة بمعتقداتهم. فقد أبدىٰ الشيخ جعفر السبحاني في هذا المجال رأيه استناداً علىٰ عدد من المناظرات التي دارت بين متكلّمي الإمامية والمعتزلة وعلىٰ الكثير من ردود الإمامية عليهم، حيث أكّد قائلاً: بالرغم من وجود بعض المشتركات بين الشيعة والمعتزلة في الأصول العقائدية مثل التوحيد والعدل، إلّا أنّه وقعت هناك بينهم اختلافات في الكثير من المسائل والمعتقدات الأخرىٰ؛ فلذلك لا يمكن أن يكون الشيعة مَدِينين للمعتزلة في معتقداتهم70
بحوث في الملل والنحل 3 / 178.
وقد تناولت بعض المقالات الأخرىٰ دراسة في خصوص موضوع تأثّر الشريف المرتضىٰ بالمعتزلة، جاء التأكيد فيها علىٰ نفي أيّ نوع تأثّر له بالمعتزلة؛ فقد سعىٰ الأستاذ حسينعلي يوسف زاده في مقالته أن يثبت ذلك عن طريق المقارنة بين آراء السيّد المرتضىٰ والقاضي عبد الجبّار في خصوص بعض المسائل الكلامية المهمّة، حيث قال ما معرّبه: «إنّ السيّد المرتضىٰ لم يكن متأثّراً بالمعتزلة وخاصّة بالقاضي عبد الجبّار فحسب، بل كانت آراؤه متأثّرة بالنهج الشيعي الإمامي الأصيل وكان يدافع عنه»71
اعتزالگرايي سیّد مرتضیٰ؛ بررسي ونقد، يوسفزاده، حسينعلي، مجلّة نقد ونظر، 1392، العدد 4: 121.
أيضاً الأستاذ رؤوف الشمّري قد تطرّق في مقالته: (اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة)72
اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة، الشمّري، رؤوف، مجلّة رسالة التقريب، العدد 25: 156.
«من هنا فالمرتضىٰ لم يکن معتزلیّاً، ولا رأساً في الاعتزال علىٰ ما يراه الخطيب البغدادي، ولا مَيل أو تظاهُر في الاعتزال علىٰ ما ذهب إليه ابن الجوزي، ولا جعَل التشيّع منحىٰ من مناحي الاعتزال علىٰ ما ادّعاه الدکتور عبد الرزّاق محيي الدين».الشريف المرتضىٰ متکلّماً: 323.
وعلىٰ نفس هذا المنوال فقد اعتبر مؤلّف كتاب: (السيّد المرتضىٰ) أنّ الأدلّة والشواهد علىٰ انتساب الشريف المرتضىٰ للاعتزال مردودة؛ نظراً إلىٰ مخالفات الشريف المرتضىٰ مع قسم من أصول المعتزلة مثل المنزلة بين المنزلتين، وكذلك اختلافاته الجديرة بالالتفات مع المعتزلة في بعض المواضيع المهمّة مثل الإمامة74
سیّد مرتضىٰ: 91ـ94.
هـ: تأثير الشيعة علىٰ المعتزلة:
لقد خالف بعض محقّقي الإمامية مخالفة شديدة النظرية القائلة بأنّ الشيعة قد تأثّروا في المسائل الكلامية بأفكار المعتزلة علىٰ نطاق واسع ولم تكن لهم استقلالية في هذا المجال، وبذلوا جهودهم ليثبتوا خلاف ذلك؛ أي: إثبات أنّ المعتزلة ـ في واقع الأمر ـ هم الذين كانوا متأثّرين بأفكار الشيعة الكلامية. وهذا ما يعتقد به العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري حيث قال: «فالقول بأنّ الإمامية أخذت عن المعتزلة وتأثّرت بهم فيما اتّفقت معهم في العقيدة لا أقول فيه سوىٰ أنّه باطل لا أساس له من الصحّة جملة وتفصيلاً، ولا سند له من دراسة عقائد الإمامية والأسس التي قامت عليها تلك العقائد»75
الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 164.
نفس المصدر: 237. «إنّ المعتزلة هم الذين تأثّروا بالإمامية دون العکس». نفس المصدر: 238.
نفس المصدر: 238.
نفس المصدر: 253.
نفس المصدر: 256.
وفي نفس هذا الإطار ذكر الدكتور قاسم جوادي في هذا الباب أيضاً رأياً مشابهاً للعلّامة الجعفري؛ بناء علىٰ قوله: فإنّ اختلاف الشيعة مع المعتزلة في موضوع الإمامة هو اختلاف مبدئي يبيّن لنا واحداً من أهمّ وجوه استقلال الكلام الشيعي عن المعتزلي80
تأثير انديشههاي کلامي شيعه بر معتزله، جوادي، قاسم، مجلّة هفت آسمان، العدد 1: 126.
نفس المصدر: 128ـ131.
نفس المصدر: 138.
نفس المصدر: 134ـ138.
نفس المصدر: 142ـ149.
و: نفي وجود التأثير والتأثّر بين الشيعة والمعتزلة:
وفي إزاء جميع النظريّات المتقدّمة توجد نظرية أخرىٰ متمايزة جدّاً مبتنية علىٰ أنّه أساساً لا يوجد هناك أيّ تأثير وتأثّر بين الشيعة والمعتزلة ولا يوجد بينهما أيّ ارتباط فكري. ويذهب بعض محقّقي الشيعة إلىٰ أنّه لا يوجد هناك أيّ تشابه ملحوظ بين الإمامية والمعتزلة في آرائهم الكلامية، بل إنّ آراءهم الكلامية تفترق عن بعضها الآخر، وبينهما بون كبير، ولا يمكن الكلام أساساً عن التأثير والتأثّر بينهما. علىٰ سبيل المثال: فقد أكّد هاشم معروف الحسني في كتابه الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة أنّ: «الإمامية مستقلّون في تفكيرهم وآرائهم استقلالاً كاملاً في جميع الأدوار والمراحل التي مرّوا بها»85
الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 17.
نفس المصدر: 341.
نفس المصدر: 342.
2ـ ملاحظات حول الارتباطات الاعتقادية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة:
وكما لاحظنا فقد مرّت علينا طوائف متنوّعة ومتضادّة من الآراء في خصوص العلاقة الكلامية بين الإمامية والمعتزلة، وكذلك في موضوع التأثير والتأثّر بين الكلام الشيعي والكلام المعتزلي، بحيث يبدو من الصعب العثور علىٰ وجه مشترك جامع بين كلّ تلك الآراء. وقبل أن أبدي رأياً في هذا الموضوع، لابدّ وأن أتطرّق إلىٰ تقييم بعض الآراء القديمة في باب الارتباطات الاعتقادية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة. وسوف أتناول هنا نكات تكون في حكم المقدّمة للدّخول في أصل البحث.
أ: خلافاً لما يعتقده العالم الإمامي الكبير هاشم معروف الحسني (ت1403هـ) من تباين الكلام الإمامي مع أفكار المعتزلة، وكون الإمامية هي أبعد الفرق الإسلامية عن المعتزلة88
«إنّ المسافة بين المعتزلة والإمامية أبعد منها بينهم وبين سائر الفِرق، وربّما يلتقون مع الأشاعرة والمرجئة أكثر ممّا يلتقون معهم».
خاندان نوبختي: 74.
ومع غضّ النظر عن وجود الشبه الملفت للنظر بين الإمامية والمعتزلة في الآراء والمؤلّفات، والذي يمكن أن نتوصّل إليه من خلال مقارنة مختصرة في المؤلّفات الكلامية بين كلتا المدرستين، فإنّ التصريحات الصادرة من بعض كبار متكلّمي الإمامية علىٰ وجود التوافق والتقارب بين المدرستين في الأصول الاعتقادية هو الآخر يمكن أن يكون شاهداً قويّاً علىٰ هذا الادّعاء؛ وعلىٰ سبيل المثال فإنّ الخواجة نصير الدين عندما تطرّق في رسالة: (قواعد العقائد) إلىٰ تعريف مذهب الإمامية أكّد قائلاً: «وهم في أكثر أصول مذهبهم يوافقون المعتزلة»90
قواعد العقائد: 89.
وبيّن العلّامة الحلّي ـ في شرحه لكلام الخواجة ـ أنّ العقيدة في العدل ونفي رؤية الباري عزّ وجلّ بالعين من مصاديق الاشتراك بين الشيعة والمعتزلة قائلاً:
«وهم في أكثر الأصول يوافقون المعتزلة: من القول بالعدل، وانتفاء الرؤية، وغير ذلك»91
کشف الفوائد: 309.
وكذلك تاج الدين الرازي (كان حيّاً في سنة 750 هـ) في شرحه عبارة الخواجة الآنفة الذكر ـ مضافاً إلىٰ الأمور التي ذكرها العلّامة ـ أشار إلىٰ توافق الإمامية مع المعتزلة في قبول الحسن والقبح العقليّين92
کشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: 120.
وفضلاً عن ذلك كلّه فإنّ كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد إنّما قام بتأليفه من أجل تبيين الاختلافات العقائدية بين الشيعة والمعتزلة93
«فإنّي بتوفيق الله ومشيّته مُثبت في هذا الكتاب ما آثر إثباته من فرق ما بين الشيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدليّة من الشيعة ومَن ذهب إلىٰ العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد وبين الإماميّة فيما اتّفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول». أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 1.
Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, p. (7).
ب: لقد ظهرت فرضيّات مختلفة فيما يخصّ أسباب التشابه والتوافق بين الشيعة والمعتزلة في أكثر الأصول الاعتقادية، وأحد هذه الفرضيّات تقول: بأنّ سبب ذلك يعود إلىٰ اقتباس إحدىٰ هاتين المدرستين من الأخرىٰ، وتتفرّع من هذه الفرضية فرضيّتان أحدهما قبال الآخر، أي: اقتباس الإمامية من المعتزلة والعكس من ذلك، وكما أشرنا فيما مرّ سابقاً95
حيث أشرنا سابقاً في ضمن الفرضيّات الستّ إلىٰ فرضية: (التأثير والتأثّر المتقابل بين الشيعة والمعتزلة)، والفرضيّتين المتفرّعتين عنها: (تأثير المعتزلة علىٰ الفكر الشيعي، وتأثير الشيعة علىٰ المعتزلة).
والفرضية الأخرىٰ: هي أنّ كلا النظامين الكلاميّين للشيعة والمعتزلة ينهل من منهل واحد، وكلاهما يأخذ من نفس المصدر؛ ويجدر الإشارة هنا إلىٰ أنّ هذه الفرضية يمكن أن تطرح بهذا الوجه: وهو أنّ كلّا ً من المعتزلة والإمامية قد أخذوا أصولهم الاعتقادية من مصدرين مختلفين، ولكنّ هذين المصدرين ـ في خصوص هذه الأبحاث ـ كانا منسجمين مع بعضهما البعض في نهاية المطاف؛ فعلىٰ سبيل المثال فإنّ المتكلّم الإمامي الكبير الحكيم فيّاض اللاهيجي (ت1072) يعتقد أنّ تشابه وتوافق أكثر الأصول الاعتقادية للإمامية مع المعتزلة لم يكن بسبب اتّباع الإمامية للمعتزلة أو الاقتباس من أصولهم الكلامية، بل أنّ هذا الأمر معلول للتوجّه الفلسفي لدىٰ المعتزلة واستفادتهم منه، هذا من جانب، ومن جانب آخر انسجام الأصول الكلامية الإمامية المأخوذة من الأئمّة «علیهم السلام» مع المباني الفلسفية، حيث قال: «وينبغي أن یُعلمَ أنّ موافقة الإمامیّة مع المعتزلة في أكثر الأصول الكلامیّة، إنّما هو لاستمداد المعتزلة من الفلسفة؛ لا لأنّ أصول الإمامیّة مأخوذة من علوم المعتزلة؛ بل أصولهم إنّما أخذت مِن أئمّتهم «علیهم السلام»»96
شوارق الإلهام 1 / 50.
أمّا الفرضية المشهورة والمعروفة في شأن سبب التقارب والتوافق بين الإمامية والمعتزلة في أكثر الأصول الاعتقادية هو اقتباس إحدىٰ هاتين المدرستين وأخذها من الأخرىٰ، ففي واقع الأمر أنّ جذور هذه المسألة تعود إلىٰ التأثير والتأثّر الفكري في القرون الإسلامية الأولىٰ بين الإمامية والمعتزلة في مجال الأصول الاعتقادية الأساسية كالتوحيد والعدل، وهي المرحلة الابتدائية من تكوين المناهج الكلامية للإمامية والمعتزلة، حيث اعتبر فريق بأنّ الإمامية هم الذين تأثّروا بالمعتزلة، واعتبر فريق آخر أنّ المعتزلة هم الذين تأثّروا بتعاليم أئمّة الشيعة.
وكما لاحظنا فإنّ الأستاذ مادلونغ هو من بين أولائك الذين يعتقدون بأنّ الإمامية ومن بينهم أئمّة الشيعة هم الذين تأثّروا إلىٰ حدّ ما بتعاليم المعتزلة في خصوص بعض المسائل المرتبطة بالتوحيد والعدل، وكما ذكرنا في سابقاً: أنّ مادلونغ يعتقد بأنّ أئمّة الشيعة في أجوبتهم علىٰ التساؤلات الكلامية في باب التوحيد وصفات الباري أخذوا شيئاً فشيئاً بتأييد مواقف المعتزلة وتصديق آرائهم ومفاهيمهم؛ وقد استند لإثبات هذه الفرضية علىٰ روايات أخذها من كتاب أصول الكافي، جاء فيها عن الأئمّة «علیهم السلام» مفاهيم ومضامين نظير تلك التي يقول بها متكلّمو المعتزلة في باب معرفة الباري. فإنّ مادلونغ أخذ بنظر الاعتبار وجوه التشابه بين تعاليم الإمام جعفر الصادق «علیه السلام» وعقائد متكلّمي المعتزلة الإوَل مثل أبي الهذيل العلّاف في عدد من المسائل الكلامية ـ مثل تفسير الصفات الإلهية، وصلة الذات بالصفات الإلهية، أو تقسيم الصفات الإلهية إلىٰ الصفات الذاتية والصفات الفعلية، والاعتقاد بقِدَم علم الله ـ واستنتج أنّ آراء المعتزلة فيما يخصّ المواضيع المذكورة قد حظيت بالقبول عند الإمام الصادق «علیه السلام» وكان يقول بها.
وبطبيعة الحال يمكن نقد نظرية الأستاذ مادلونغ من عدّة جهات وسنشير هنا إلىٰ بعضها:
نحن نقبل أنّ وجهة نظره في شأن أئمّة الشيعة «علیهم السلام» تختلف كثيراً عن وجهة نظر الشيعة وإدراكهم لأئمّتهم «علیهم السلام» بصفتهم المنتجبين من عند الله وحملة العلم الإلهي، ولذلك ذكر الإمام الصادق «علیه السلام» بصفته من العلماء والمفكّرين الذين كانوا يتأثّرون بأفكار علماء زمانهم نتيجة للمحتدم الفكري ممّا يؤدّي إلىٰ تغيير معتقداتهم وتحوّلها؛ ولكن لا يمكننا قبول عدم التفاته وملاحظته للسير التاريخي للتعاليم التوحيدية في الكلام الشيعي، وأن يتطرّق إلىٰ تلك التعاليم علىٰ أنّها من آثار التأثّر بأفكار المعتزلة، عوضاً عن البحث في خلفية التعاليم التوحيدية عند أئمّة الشيعة في الموروث الروائي للرعيل الأوّل من أئمّة الشيعة. علماً بأنّه توجد في الروايات المتبقّية من الرعيل الأوّل لأئمّة الشيعة تعاليم توحيدية تنزيهية كثيرة في باب معرفة الله تبارك وتعالىٰ، وبطبيعة الحال فإنّ نفس هذه التعاليم الصادرة ممّن سبق من الأئمّة ـ إلىٰ جانب العلوم الإلهية الموهوبة إليهم «علیهم السلام» ـ كانت تعتبر واحدة من الطرق التي من خلالها حصل سائر الأئمّة من بعدهم علىٰ تلك العلوم والمعارف التوحيدية كالأمام الصادق «علیه السلام». هذا وقد تلمّذ أئمّة الشيعة عند آبائهم فقط لا غير، ولا يوجد أيّ خبر دالٌّ علىٰ تلمّذهم عند عالم من مدارس أخرىٰ. فلابدّ من دليل قوي وشاهد معتبر لإثبات تأثّر الإمام الصادق «علیه السلام» بمعتزلة عصره؛ لأنّ تشابه الآراء والنظريّات في حدّ ذاته لا يدلّ بالضرورة علىٰ أخذها واقتباسها وقبولها. وفضلاً عن ذلك فإنّ الإمام الصادق «علیه السلام» (ت 148هـ) كان قبل عقود من الزمن ـ علىٰ أقلّ التقديرات ـ وقبل المعتزلة من أمثال أبي الهُذيل العلّاف (ت حدود 227 أو 235هـ) قد تطرّق لمواضيع من قبيل عينيّة الذات الإلهية مع صفاته، وتقسيم صفات الله إلىٰ ذاتية وفعلية. بناء علىٰ هذا فإذا كان هناك نوع من التأثير قد حصل بين الأئمّة «علیهم السلام» وبين المعتزلة فمن المفروض أن يكون المعتزلة هم الذين تأثّروا بتعاليم الأئمّة «علیهم السلام» وليس العكس من ذلك.
إنّ البحث والتنقيب في الموروث الروائي المتبقّي من الرعيل الأوّل من أئمّة الشيعة «علیهم السلام» يبيّن لنا أنّ هذه الروايات تشتمل علىٰ تعاليم توحيدية جديرة بالالتفات في شأن الباري عزّ وجلّ. وقد جاءت الإشارة في بعضها إلىٰ (التوحيد الصفاتي) أي: عينية الذات الإلهية مع صفاته؛ كما في الروايات المنقولة عن الإمام علي «علیه السلام» حيث جاءت فيها العبارات التالية: «كمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة»97
نهج البلاغة، الخطبة الأولىٰ: 46.
الإرشاد 1 / 223.
طبقات المعتزلة: 163.
وقد أبدىٰ الشيخ المفيد أيضاً كلاماً يفيد هذا المعنىٰ في جوابه علىٰ الشريف المرتضىٰ وعلىٰ تساؤلاته؛ حيث قال الشريف المرتضىٰ: «فإنّي لا أزال أسمع المعتزلة يدّعون علىٰ أسلافنا أنّهم كانوا كلّهم مشبّهة، وأسمع المشبّهة من العامّة يقولون مثل ذلك، وأرىٰ جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم علىٰ هذه الحكاية، ويقولون: إنّ نفي التشبيه إنّما أخذناه من المعتزلة، فاحبّ أن تروي لي حديثاً يبطل ذلك، فقال: هذه الدعوىٰ كالأوّلة، ولم يكن في سلفنا رحمهم الله من تديّن بالتشبيه من طريق المعنىٰ، وإنّما خالف هشام وأصحابه جماعة أصحاب أبي عبد الله «علیه السلام» بقوله في الجسم، وزعم أنّ الله تعالىٰ جسم لا كالأجسام، وقد روي أنّه رجع عن هذا القول بعد ذلك، وقد اختلفت الحكايات عنه، ولم يصحّ منها إلّا ما ذكرت، وأمّا الردّ علىٰ هشام والقول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يُحصىٰ من الرواية عن آل محمّد»100
الحکايات: 79ـ80؛ بحار الأنوار 10/452.
ومن ثمّ ذكر الشيخ المفيد رواية عن الإمام الصادق «علیه السلام» في ردّ الجمسانية عن الله تبارك وتعالىٰ قائلاً: «فهذا قول أبي عبد الله «علیه السلام» وحجّته علىٰ هشام فيما اعتلّ به من المقال، فكيف نكون قد أخذنا ذلك عن المعتزلة لولا قلّة الدين؟!»101
«فكيف نكون قد أخذنا ذلك عن المعتزلة؟». الحکايات: 81؛ بحار الأنوار 10/453.
وذكر في موضع آخر في الردّ علىٰ اتّهام الشيعة فيما يخصّ الاعتقاد بالجبر ورؤية الله، مصرّحاً مرّة أخرىٰ: «والرواية في العدل ونفي الرؤية عن آل محمّد «علیهم السلام» أكثر من أن يقع عليها الإحصاء»102
الحکايات: 84.
وكذلك الشريف المرتضىٰ فقد أكّد في كلام له معروف وواضح قائلاً: «اعلم أنّ أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وخطبه، فإنّها تتضمّن من ذلك ما لا زيادة عليه، ولا غاية وراءه، ومَن تأمّل المأثور في ذلك من كلامه عَلِم أنّ جميع ما أسهب المتكلّمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنّما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول، ورُوىٰ عن الأئمّة مِن أبنائه «علیهم السلام» من ذلك ما يكاد لا يحاط به كثرة، ومَن أحبّ الوقوف عليه، وطلبه من مظانّه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة»103
أمالي المرتضىٰ 1 / 148.
وفي نفس هذا الإطار ذكر ابن شهر آشوب أيضاً مقالاً مذكّراً بكلام الشريف المرتضىٰ، قائلاً: «وما أطنب المتكلّمون في الأصول إنّما هو زيادة لتلك الجمل وشرح لتلك الأصول».
ثمّ أضاف قائلاً: «فالإمامية يرجعون إلىٰ الصادق «علیه السلام» وهو إلىٰ آبائه، والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبّار بن أحمد عن أبي عبد الله الحسين البصري وأبي إسحاق عبّاس عن أبي هاشم الجبّائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحّام عن أبي الهذيل العلّاف عن أبي عثمان الطويل عن واصل بن عطاء عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن علي عن أبيه محمّد بن الحنفية عنه «علیه السلام»»104
مناقب آل أبي طالب 2 / 56.
ومن بين المعتزلة، فقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656هـ) في عدّة مواضع من شرحه علىٰ نهج البلاغة بأنّ أهمّ الأصول الاعتقادية للمعتزلة إنّما أخذت من أقوال الإمام علي «علیه السلام» وفي شرح عبارة: «وسُئل عن التوحيد والعدل، فقال «علیه السلام»: التوحيد ألّا تتوهّمه، والعدل ألّا تتّهمه»105
نهج البلاغة، الکلمات القصار: 726، رقم 449.
شرح نهج البلاغة 20/ 227ـ228.
وذكر في بداية شرحه علىٰ نهج البلاغة، قائلاً: «إنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم ومعلومه أشرف الموجودات فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه «علیه السلام» اقتبس وعنه نقل وإليه انتهىٰ ومنه ابتدأ؛ فإنّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ـ ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ ـ تلامذته وأصحابه»107
نفس المصدر 1 / 17.
وصرّح في موضع آخر قائلاً: «أوّل مَن خاض فيه من العرب علي «علیه السلام»، ولهذا تجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل، مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه، ولا تجد في كلام أحد من الصحابة، والتابعين كلمة واحدة من ذلك، ولا يتصوّرونه، ولو فهموه لم يفهموه، وأنّىٰ للعرب ذلك! ولهذا انتسب المتكلّمون الذين لججوا في بحار المعقولات، إليه خاصّة دون غيره، وسمّوه أستاذهم ورئيسهم، واجتذبته كلّ فرقة من الفرق إلىٰ نفسها، ألا ترىٰ أنّ أصحابنا ينتمون إلىٰ واصل بن عطاء، وواصل تلميذ أبي هاشم بن محمّد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه محمّد، ومحمّد تلميذ أبيه علي «علیه السلام»»108
نفس المصدر 6 / 371.
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً في بحثه عن موضوع (التوبة): أنّ كلام أصحابه من المعتزلة في هذا الباب مأخوذ ومقتبس من كلام أميرالمؤمنين «علیه السلام»، وهو من الأسس التي بُنيَت عليها آراء أصحابه من المعتزلة؛ حيث قال: «وينبغي أن نذكر في هذا الموضوع كلاماً مختصراً ممّا يقوله أصحابنا في (التوبة)، فإنّ كلام أمير المؤمنين هو الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم، والذي يقولونه في (التوبة)، فقد أتىٰ علىٰ جوامعه «علیه السلام» في هذا الفصل علىٰ اختصاره»109
نفس المصدر 20 / 57.
إنّ جميع ما ذكرناه من الأقوال تشير إلىٰ أنّ جذور البحوث التوحيدية والتنزيهية في باب معرفة الله، وبعض القضايا الكلامية المهمّة الأخرىٰ، إنّما تعود إلىٰ روايات الإمام علي «علیه السلام»، وإنّ متكلّمي الإمامية إنّما كانوا متطفّلين علىٰ مائدة علم الإمام وتعاليمه وهم مَدِينون له. وعلىٰ أقلّ تقدير فمن الواضح أنّ الشيعة كانت أصولهم الاعتقادية ـ مثل التوحيد والعدل ـ إنّما هي من ثمار تعاليم وإرشادات الأئمّة «علیهم السلام» وليست نتيجة الأخذ والاقتباس من المعتزلة.
وأمّا معتقدات المعتزلة بأصلَي التوحيد والعدل، فقد جاءت نظريّات مختلفة في منشأ اعتقادات متقدّمي المعتزلة من البصريّين بهذه الأصول؛ حيث يرتئي البعض أنّ منشأ اعتقادات متقدّمي المعتزلة بالتوحيد وتنزيه الصفات لها جذور غير إسلامية، مثل الفلسفة اليونانية110
انظر أنموذجاً: الملل والنحل 1 / 51ـ53.
فلسفه علم کلام: 66ـ69، 144ـ145، 148ـ151؛ وكذلك انظر: بازتاب هاي کلام اسلامي در فلسفه يهودي: 25.
وفي إزاء هذه النظرية نفىٰ بعض المحقّقين وجود جذور ومنشأٍ كهذا لأفكار المعتزلة، ونفىٰ كلّياً تأثّر المعتزلة بشكل واسع بهؤلاء112
نشأة الفکر الفلسفي في الاسلام 1 / 426ـ430، بالأخصّ: ص428.
نفس المصدر: 407ـ408.
واعتقد البعض الآخر أنّه نظراً لمعاندة متقدّمي المعتزلة من البصريّين مع أمير المؤمنين «علیه السلام»، فلا يمكن تصوّر أخذهم للتعاليم التوحيدية منه، ولم ينسب أحد منهم آراءه للإمام وأبنائه «علیهم السلام»، ولم يذعن أحد منهم بتأثّره بالأئمّة سوىٰ بعض مَن تأثّر بالزيدية من متأخّري المعتزلة. ولذلك لم تكن خطب الإمام علي «علیه السلام» وأقواله مصدراً لمعتقداتهم في باب التوحيد والعدل114
«النقطة المهمّة التي يجب تذكّرها في هذا السياق هي أنّ المعتزلة الأوائل كانوا منفصلين عن التشيّع بالکامل حتّىٰ أنّ بعضهم اتُّهم بالنصب وبعضهم كان يخطّئ الإمام عليّاً في حروبه، وبعض يراه مفضولاً بمَن تقدّمه من الخلفاء. ولم يظهر من المعتزلة مَن يرجع بنسِب أفكاره إلىٰ الإمام علي وولده، أو تأثيره (وتأثيرهم) عليهم، إلّا في زمن متأخّر وبتأثير من الزيدية في الغالب»، مقالة: (عقلانیّة المعتزلة بين التسنّن والتشيّع) لعلي المَدَن، جريدة الصباح: 14. وكذلك فيما يخصّ عناد المعتزلة البصريّين للإمام علي «علیه السلام»، انظر: الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 236.
«مکتب اعتزال؛ ميراث اسلام سني يا تشيّع؟» المنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/2911.
http://ansari.kateban.com/post/2911.
ولكن في إزاء هذا فإنّ كلام بعض متكلّمي المعتزلة مثل ابن أبي الحديد ـ وكما ذكرناه بالتفصيل ـ يدلّ علىٰ أنّ مأخذ المعتزلة ومستندهم الأصلي في قسم من أهمّ أصولهم الاعتقادية مثل التوحيد والعدل هو كلام الإمام علي «علیه السلام». ويعتقد أنصار هذه النظرية أنّ المعتزلة في معتقدهم بالتوحيد والعدل كانوا يقيناً متأثّرين بأقوال الإمام علي «علیه السلام» 116
مناقب آل أبي طالب 2 / 56؛ بحوث في الملل والنحل 3/167؛ تأثير انديشههاي کلامي شيعه بر معتزله: 142.
«والمعتزلة، يقال: إنّ لها ولمذهبها إسناداً يتّصل بالنبي ’ ليس لأحدٍ مِن فِرَق الأمّة مثله، وليس يمکن خصومهم دفعهم عنه، وهو أنّ خصومهم يُقرّون بأنّ مذهبهم يسند إلىٰ واصل بن عطاء وأنّ واصلاً يسند إلىٰ محمّد بن علي ابن أبي طالب وابنه أبي هاشم عبد الله بن محمّد ابن علي، وأنّ محمّداً أخذ عن أبيه علي وأنّ عليّاً أخذ عن رسول الله ’». فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: 68؛ وانظر نفس هذا البحث في: الحور العين: 206.
طبقات المعتزلة: 7.
وكما ذكر الشريف المرتضىٰ فإنّ واصل بن عطاء (ت 131هـ) قد تلمّذ عند أبي هاشم فقط، وما قيل من تلمّذه علىٰ محمّد ابن الحنفية فغير مقبول؛ لأنّ محمّد ابن الحنفية توفّي سنة (80 أو81 هجرية)، في حين أنّ ميلاد واصل بن عطاء كان سنة (80 هجرية) بناء علىٰ ما ذكره أبو الحسين الخيّاط119
«و كان واصل ممّن لقي أبا هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة وصحبه، وأخذ عنه، وقال قوم: إنّه لقي أباه محمّداً، وذلك غلط؛ لأن محمّداً توفّي سنة ثمانين أو إحدىٰ وثمانين، وواصل ولد في سنة ثمانين». أمالي المرتضىٰ 1 / 165.
«و كان شيعيّاً معتزليّاً». معجم الأدباء 6 / 2427.
«... قال حدّثنا أبو الهُذيل العلّاف محمّد بن الهُذيل، قال: أخذت هذا الذي أنا عليه من العدل والتوحيد عن عثمان الطّويل، وكان معلّم أبي الهُذيل. قال أبو الهُذيل: وأخبرني عثمان أنّه أخذه عن واصل بن عطاء، وأنّ واصلاً أخذه عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة، وأنّ عبد الله أخذه من أبِيه محمّد بن الحنفيّة، وأنّ محمّدًا أخبره أنّه أخذه عن أبيه عليِ «علیه السلام»، وأنّ أباه أخذه عن رسول الله ’، وأنّ رسول الله أخبره أنّ جبريل نزل به عن الله جلّ وتعالى». فهرست ابن النديم 1ـ2 / 558؛ سير أعلام النبلاء 13 / 149.
طبقات المعتزلة: 164.
وفيما يخصّ الاستناد إلىٰ هذا السند لإثبات ما تأثّر به المعتزلة من كلام أمير المؤمنين علي «علیه السلام»، لابدّ لنا أن نأخذ بعين الاعتبار احتمال كون جميع هذه الأسانيد موضوعة؛ وذلك لأنّه لم تذكر المصادر الأولىٰ للمعتزلة هذه الأسانيد. وكما قال جوزيف فان إس فإنّه يحتمل أنّ وضع هذا السند من قِبَل المعتزلة ووصل سلسلته إلىٰ النبي | إنّما جاء من قبل بعض المعتزلة بهدف تعريف مدرسة الاعتزال في كونها مذهباً يستند بواسطة هذا الطريق إلىٰ النبي |، وأن ينزّهوا مدرستهم من الاتّهام بالبدعة123
علم الکلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة 2 / 379ـ380.
مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 21.
نشأة الفکر الفلسفي في الاسلامر 1 / 410.
نفس المصدر: 383.
نفس المصدر: 414ـ415.
ناهيك عن أن يكون السند المذكور صحيحاً وحقيقيّاً أو موضوعاً، فإنّ هناك أمراً جديراً بالاهتمام وهو أنّ بعض الوجوه البارزة من متأخّري المعتزلة في المراحل المتأخّرة كانوا ينسبون أصولهم وتاريخهم العقائدي إلىٰ الإمام علي «علیه السلام» استناداً علىٰ هذا السند، وكانوا يتوسّلون به كوسيلة لإثبات ذلك؛ أي: إنّهم كانوا قد قبلوا بهذا السند وكانوا يستندون إليه. بناء علىٰ ذلك كلّه يحتمل قويّاً أنّ القصد من وراء نشر وترويج هذا السند ـ المشار إليه في البحث ـ أكثر ما يكون من أجل إيجاد المشروعية لمدرسة الاعتزال والقول بأصالتها واستقامتها وأخذها للمعارف من مصدرها المنتهي بالله عزّ وجلّ، وليس المراد لزوماً أن يكون القصد منه هو إسناد هذه المدرسة ونسبتها إلىٰ الإمام علي «علیه السلام» وإثبات أخذ المعارف التوحيدية منه؛ وذلك لأنّ أكثر النقولات المعروفة لهذا السند تنتهي سلسلة معارفه إلىٰ جبرئيل وإلىٰ الله عزّ وجلّ.
وبغضّ النظر عن كلّ ذلك؛ فالمهمّ في بحثنا هذا هو أنّ اعتقاد الشيعة بأصولهم الاعتقادية الأصيلة مثل التوحيد والعدل كان ثمرة تعاليم الأئمّة المعصومين وإرشاداتهم «علیهم السلام»، ولم يقتبسوها من المعتزلة ولم يأخذوها منهم، بل أكثر من ذلك، حيث نقل ـ وفقاً لبعض الآراء ـ إنّ منشأ وأصل اعتقاد المعتزلة بالتوحيد والعدل إنّما يعود إلىٰ تعاليم الإمام علي «علیه السلام».
3ـ الرأي المنتخب: تأثّر الكلام الإمامي بحِوارِيّات الكلام المعتزلي:
في باب مسألة تأثّر الكلام الإمامي بحِوارِيّات الكلام المعتزلي يدلي راقم السطور برأيه من خلال تبيين بعض الأمور. وبالطبع فإنّ الرأي المنتخب هذا ليس رأياً إبداعيّاً في كلام الإمامية، ولا بعيداً عن الخلفية التاريخية للكلام الإمامي ـ كما سنبيّن ذلك في هذا البحث ـ فهو رأي كان محلّ تأييد وتصديق الفقيه والمتكلّم الشيعي الكبير المحقّق صاحب الشرائع ـ المحقّق الحلّي (ت 676هـ) ـ كما قد أشار إليه كذلك بعض المحقّقين المعاصرين ممّن سبقت الإشارة إليهم، والشيء الجديد الذي يبدو في هذا الرأي هو أسلوب تدوين وترتيب نفس ذلك الرأي في قالب بياني جديد، مضافاً إلىٰ تبيين مختلف أبعاده.
أوّلاً: لقد مرّت العلاقات بين الكلام الإمامي والكلام المعتزلي بمنعطفات عديدة في مختلف المراحل التاريخية، ولم يكن تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي علىٰ نسقٍ واحد في تلك المراحل؛ ولذلك لا يمكن إصدار حكم واحد في باب ما تأثّر به الإمامية من المعتزلة علىٰ مدىٰ تلك المراحل التاريخية، بل لابدّ لنا أن ندرس مختلف المراحل التاريخية من هذا التعاطي العلمي كلّا ً علىٰ حِدة، وذلك من أجل تقديم دراسة جامعة ودقيقة لتعامل وتعاطي الكلام الإمامي مع الكلام المعتزلي. وللحصول علىٰ دراسة تاريخية لمقدار تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي وارتباطه به يمكننا أن نتناول دراسة المراحل الثلاث المتمايزة أدناه كلّا ً علىٰ حِدة:
ألف) المرحلة الأولىٰ: من بداية نشأة المعتزلة إلىٰ ما قبل زمن الشيخ المفيد.
ب) المرحلة الثانية: من زمن الشيخ المفيد (ت 413هـ) والشريف المرتضىٰ وتلامذتهم في مدرسة بغداد إلىٰ ما قبل زمن الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 672هـ) وتأسيس المدرسة الكلامية الفلسفية.
ج) المرحلة الثالثة: بعد تأسيس المدرسة الكلامية الفلسفية.
ثانياّ: إنّ أكثر الآراء والمصنّفات التي تناولت موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي ـ التي ذكرنا أهمّها في الفصل السابق ـ كانت قد أهملت أنّ الأبعاد والجوانب المختلفة التي تؤدّي إلىٰ تأثّر أحد المدارس الكلامية بالمدارس الأخرىٰ تعتمد علىٰ دراسة جميع أجزاء ومكوّنات المنظومة الكلامية لتلك المدارس؛ ففي الواقع أنّ أكثر الآراء والكتب المؤلّفة في هذا الشأن كانت قد تناولت واحداً أو بعضاً من موارد وأبعاد تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي، ولم تأخذ بنظر الاعتبار بقيّة أبعاد وزوايا ذلك التأثّر. ففي اعتقادي أنّ موضوع تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي إنّما يتمّ تحديد جميع أبعاده بنحو دقيق من خلال دراسة تلك التأثّرات في جميع أجزاء وأركان المنظومة الكلامية التي تمّ التأثّر بها. علماً بأنّ كلّ نظام كلامي عندما يتمّ تدوينه سوف يتبيّن من خلال ذلك مكوّنات وأركان ذلك النظام؛ والتي هي عبارة عن:
1ـ الترتيب والتبويب في ذلك النظام، 2ـ المواضيع والمسائل التي هي محلّ النقاش فيه، 3ـ المصطلحات المتداولة في ذلك النظام، 4ـ التعاريف، 5ـ المباني، 6ـ القواعد، 7ـ المدّعيات والنتائج (التعاليم والأصول الاعتقادية)، 8ـ الاستدلالات والأدلّة، 9ـ طريقة الاستدلال (العقلية أو النقلية أو التجربية)، 10ـ الآراء والنظريّات التي هي محلّ النقاش والدراسة في ذلك النظام.
فإنّ مجموع هذه المكوّنات والعناصر التي تؤسّس لكلّ نظام كلامي عندما تؤخذ بعين الاعتبار، مضافاً إلىٰ معتقدات ذلك النظام بالرؤية الفلسفية التوحيدية الخاصّة بذلك النظام، وآرائه الكلامية، سوف يتبلور نتيجة لذلك نوعاً خاصّاً يميّز ذلك النظام الكلامي من حيث الأسلوب وطريقة التفكير والتأليف في تعاطيه مع المسائل الكلامية، فإذا ترسّخت وتوطّدت أسس ذلك النظام الكلامي في المجتمعات العلمية حينها يمكننا أن نطلق عليها عنوان: (الحِوَارِيّات الكلامية). ولابدّ لنا هنا من توضيح المراد من اصطلاح: (الحِوَارِيّات) ليتبيّن لنا المقصود من (الحِوَارِيّات الكلامية) بشكل أوضح.
يمكن تعريف (الحِوَارِيّات الكلامية) كونها: «الأسلوب والطريقة الخاصّة من التفكير والتأليف في باب المسائل الكلامية والتي استطاعت أن تثبّت أركانها في المجتمعات العلمية». هذا وإنّ اختلاف (الأساليب والمفاهيم الخاصّة) في التعامل مع مسائل علم الكلام يؤدّي بطبيعة الحال إلىٰ تنوّع (الحِواريّات الكلامية) في علم الكلام الإسلامي، ومن نماذج ذلك التنوّع يمكن الإشارة إلىٰ نموذجين من تلك الحِواريّات وهي: (حِوارِيّات الكلام المعتزلي) و(الحِوارِيّات الكلامية الفلسفية). بناء علىٰ هذا فإنّ المقصود من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في علم الكلام هو: «الأسلوب والطريقة الخاصّة التي تتميّز بها ذهنية المعتزلة دون غيرها من المدارس الكلامية، والبيان والأسلوب الخاصّ الذي تنفرد به في تبيين المسائل الكلامية وتوضيحها». وفي هذه الحالة فإنّ استخدام (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في علم الكلام من قبل إحدىٰ المدارس الكلامية الأخرىٰ هو بمثابة: «الاستفادة من ذهنية المعتزلة وبيانهم وأسلوب تفكيرهم وطريقتهم الخاصّة في تعاملهم مع مسائل علم الكلام».
بناء علىٰ ذلك فإنّ مفهوم (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) بالمعنىٰ الذي ذكرناه يختلف عن مفهوم (مدرسة المعتزلة الكلامية)؛ فإنّ مفهوم (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) في الحقيقة هو ناظر إلىٰ الأسلوب وطريقة التفكير وذهنية المعتزلة في تعاملهم مع مسائل علم الكلام، وبالنتيجة فإنّهم قد أبدعوا أنموذجاً وقالباً فكريّاً وأسلوباً في التأليف استطاعت المعتزلة تثبيت أركانه في المجتمعات العلمية، ولذلك يمكن لمتكلّمي المدارس الكلامية الأخرىٰ ـ غير المعتزلة ـ أن يستفيدوا من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) وأسلوبهم بالرغم من اختلافهم مع مدرسة الاعتزال ورفضهم للعديد من المواقف والآراء التي تتبنّاها تلك المدرسة.
ثالثاً: ويبقىٰ السؤال قائماً وهو أنّ الكلام الإمامي تُرىٰ هل كان متأثّراً بالكلام المعتزلي أم لم يكن متأثّراً به؟ وللجواب علىٰ هذا السؤال علينا أن نقوم بدراسة تاريخية تطبيقية بين النصوص الكلامية الإمامية ونصوص المعتزلة لكي يتوضّح لنا من خلال ذلك مدىٰ تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي في كلّ مرحلة من مراحله؟ ويتوضّح لنا أيضاً بأيّ جزء وركن من الأركان العشرة ـ التي ذكرناها سابقاً ـ كان ذلك التأثّر؟ وبطبيعة الحال إنّ مثل هذه الدراسة واسعة ودقيقة جدّاً ولا يمكن الإلمام بها بسهولة؛ ومع ذلك ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ يمكننا أن نقول أنّ ما توصّلنا إليه من دراساتنا الأوّلية لبعض النصوص الكلامية لكلا الطرفين هو: أنّ الكلام الإمامي منذ عصرالشيخ المفيد (ت 413 هـ) وما بعده كان متأثّراً وبدرجات مختلفة ـ من حيث المكوّنات والأركان العشرة التي ذكرناها آنفاً ـ بالكلام المعتزلي، أو الأفضل أن نقول متأثّراً بـ: (حِواريّات الكلام المعتزلي). وأنّ مقارنة نصوص الكلام الإمامي مع مؤلّفات المعتزلة المشابهة لها في الموضوع والحقبة يؤيّد هذا التأثّر. ونظراً إلىٰ قلّة النصوص الكلامية المتبقّية للإمامية من المرحلة المتقدّمة علىٰ الشيخ المفيد، لا يمكننا أن نبدي رأياً قاطعاً في خصوص علاقة الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي في تلك المرحلة ـ أي: منذ بداية نشأة المعتزلة إلىٰ ما قبل عهد الشيخ المفيد ـ أو أن نحدّد حدوداً دقيقة لمقدار ونوعية تأثّر الكلام الإمامي بحِوَارِيّات الكلام المعتزلي؛ مع ذلك ـ بناء علىٰ بعض الشواهد ـ يمكننا أن نؤيّد وجوداً مختصراً من التأثّر بالكلام المعتزلي من قبل بعض متكلّمي الإمامية في تلك الحقبة.
ومن الواضح أنّ المقصود من تأثّر الكلام الإمامي بحِواريّات الكلام المعتزلي في المكوّنات والأركان المذكورة ليس معناه أنّ الإمامية كانوا يتّبعون المعتزلة في كلّ المواضيع، أو أنّهم كانوا يأخذون أصولهم الفكرية والاعتقادية منهم، أو أنّ نظام الكلام الإمامي هو نفس نظام الكلام المعتزلي، وليس للإمامية نظاماً كلاميّاً مستقلّا ً بهم. لا شكّ أنّ للإمامية نظاماً كلاميّاً خاصّاً بهم ـ كما ذكرنا سابقاً ـ فقد أخذوا أصولهم الاعتقادية مثل التوحيد والعدل والإمامة من القرآن ومن تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»: «أصولهم إنّما أخذت من أئمّتهم «علیهم السلام»»128
شوارق الإلهام 1 / 50. كذلك انظر: الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 164.
وقد جاء في بعض المصادر أنّ الشيخ الطوسي كان قد قبِل بنظرية المعتزلة في أصل: (الوعيد) ردحاً من الزمن في بادئ الأمر، ثمّ أعرض عنها بعد ذلك. وذكر العلّأمة الحلّي في شرح حال شيخ الطائفة قائلاً: «وکان يقول أوّلاً بالوعيد ثمّ رجع»، خلاصة الأقوال: 250.
ويبدو أنّ الكثير ممّن نفىٰ وردّ نظرية تأثّر الإمامية بالمعتزلة كان مرادهم من ذلك هو عدم أخذ واقتباس الإمامية لأصولهم الاعتقادية من المعتزلة، وإنّ عدم تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي إنّما كان من هذه الجهة، وبناء علىٰ هذا فهم لم يخالفوا نظرية تأثّر الإمامية بالمعتزلة في جهات ومجالات أخرىٰ مثل المسائل الطبيعية والفلسفية أو أسلوب التفكير والتأليف؛ فقد صرّح العلّامة الشيخ محمّد رضا الجعفري &ـ الذي كان من الأنصار المتشدّدين لنظرية عدم تأثّر الإمامية من المعتزلة ـ أنّه لابدّ لنا من التمييز بين المسائل الاعتقادية المحضة وبين المسائل الطبيعية الفلسفية التي يدور النقاش حولها في علم الكلام بعنوان: (لطيف الكلام)، حيث كان يعتقد أنّ الإمامية في مجال الاعتقادات لم يتأثّروا بالمعتزلة ولم يأخذوها منهم، ولكنّ تأثّر الإمامية بالمعتزلة في مجال المسائل الطبيعية والفلسفية أو في باب نوعية الاستدلالات ليس فقط لا يمكن إنكاره، بل توجد شواهد كثيرة أيضاً تدلّ علىٰ ذلك. بناء علىٰ هذا الوصف من التأثّر فإنّ العلّامة &يعتقد أنّ تأثّر الإمامية في هذه الجوانب أيضاً كان تأثّراً متقابلاً بين الطرفين. ويا حبّذا لو كانت كتب المتقدّمين من متكلّمي الإمامية باقية إلىٰ يومنا هذا لاستطعنا حينها أن نقول أنّ تأثّر المعتزلة من الإمامية كان أكثر من تأثّر الإمامية من المعتزلة130
الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 229.
بناء علىٰ ذلك فإنّ الادّعاء بأنّ الإمامية أخذوا أصولهم الاعتقادية من المعتزلة لا محلّ له من الإعراب هنا، بل المقصود هنا هو أنّ متكلّمي الإمامية المعروفين أخذوا شيئاً فشيئاً حِوارِيّات الكلام المعتزلي وأسلوبهم في تناولهم للأبحاث الكلامية وفي تبيينهم المسائل الاعتقادية وتحريرها؛ وبعبارة أخرىٰ: إنّ الإمامية استفادوا في تعاملهم مع مسائل علم الكلام من ذهنية وتعبير وبيان ونظام الكلام المعتزلي، وتناولوا المسائل والأبحاث الكلامية علىٰ طريقة وأسلوب تفكير وتأليف المعتزلة الخاصّ، في الوقت الذي حافظوا فيه علىٰ استقلالهم فيما يخصّ تعاليمهم وأصولهم الاعتقادية. ففي الواقع إنّ متكلّمي الإمامية كانوا متأثّرين بالمعتزلة في أسلوب ونمط تعاملهم مع الموضوعات الكلامية وأسلوب حِوارِيّاتهم أكثر من تأثّرهم بتعاليمهم وآرائهم الكلامية. وقد تناول الإمامية مسائل علم الكلام بأسلوب معتزليّ؛ أي: تناولوا تلك المسائل في إطار وسياق (حِوارِيّات الكلام المعتزلي)، ودوّنوا كتبهم ـ علىٰ ما ذكره الشيخ محمّد رضا الجعفري ـ بـ: (روح اعتزالية)131
وقد عبّر العلّامة الجعفري في شأن مؤلّفات الصاحب بن عبّاد الكلامية قائلاً: «إنّ جميع ما وصلنا من کتب الصاحب وآثاره في أصول الدين والعقائد إنّما کتبه بالروح الاعتزالية». نفس المصدر: 287.
وبصرف النظر عن التقارن والتشابه الموجود في الهيكلية والمحتوىٰ بين الكتب الكلامية لمتكلّمي مدرسة بغداد من الإمامية مع الكتب الكلامية للمعتزلة المماثلة لها، هناك بعض العبارات موجودة في مؤلّفات متكلّمي بغداد من الإمامية هي في الحقيقة استنساخ واقتباس ـ إلىٰ حدّ ما ـ من مؤلّفات متكلمي معتزلة البصرة من البهشمية، وخاصّة القاضي عبد الجبّار المعتزلي. بناء علىٰ هذا لا ريب في إطلاق صفة: (معتزلي المسلك) أو (بهشمي الهوى) علىٰ بعض متكلّمي الإمامية مثل الشريف المرتضىٰ؛ وذلك لاستفادتهم من (حِوارِيّات الكلام المعتزلي) أي: من أسلوب المعتزلة وتعبيرهم وطريقة تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، وبالطبع أنّ مثل هذه الاستفادة ليست بمثابة قبول متكلّمي الإمامية لجميع آراء المعتزلة والبهشمية.
بناء علىٰ هذا فإنّ خلاصة كلامنا في هذا المقال هو أنّ متكلّمي الإمامية بعد أن أخذوا أُصول عقائدهم من الأئمّة «علیهم السلام» استفادوا من (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) ـ أي: من ذهنية وتعبير وأسلوب التفكير والتأليف عند المعتزلة، حيث كانت حِوَارِيّاتهم تعدّ نوعاً من الحِوَارِيّات المتداولة آنذاك ـ في إثبات وتبيين وتوضيح تلك الأصول الاعتقادية، وهذه حقيقة تاريخية لابدّ من الاعتراف بها سواء رضينا بذلك أم لم نرضَ. وبالنتيجة؛ فبالرغم من الاختلافات الملفتة للنظر لمتكلّمي الشيعة مع مواضع وآراء المعتزلة الاعتقادية إلّا أنّ كثيراً من مباني المدرسة الكلامية الاعتزالية وأساليبهم وأصولهم وقواعدهم واصطلاحاتهم وتعاريفهم ومناهجهم واستدلالاتهم الخاصّة قد حظيت بالقبول عندهم، بل وانعكست في مؤلّفاتهم كذلك.
هذا وإنّ الانتفاع من معطيات ومخرجات المعتزلة في علم الكلام، والاستفادة من حِوَارِيّات الكلام المعتزلي في التعامل مع المسائل الكلامية ليس أمراً مذموماً، بل هو من بعض النواحي الأخرىٰ أمر ممدوح وحسب. فإنّ هدف المتكلّم ـ بما هو متكلّم ـ هو إثبات ادّعاءاته الكلامية والدفاع عنها، ولذلك يمكنه الاستفادة من أيّ طريقة وأسلوب لبلوغ هدفه. بناء علىٰ هذا لا ينبغي أن يُستشكل علىٰ متكلّم أخذ حِوارِيّات فكرية متداولة ومقبولة في عصره واستفاد من مناهجها أو أصولها وقواعدها ومن الاصطلاحات المستعملة فيها لإثبات أو تبيين أصول وفروع مذهبه الاعتقادية. ومن الطبيعي أنّ متكلّمي الإمامية في كلّ حقبة نراهم قد استفادوا من مناهج وأفكار وسائر آليّات المدارس الفكرية المعروفة في عصرهم لإثبات وتبيين مواضع واعتقادات المدرسة الإمامية علىٰ أفضل وجه ممكن. وبذلك يتبيّن لنا السرّ في ميول متكلّمي الإمامية في مختلف المراحل إلىٰ سائر المدارس الفكرية الأخرىٰ. فإذا كان متكلّمو الإمامية قد مالوا في برهة من تاريخ الكلام الشيعي إلىٰ الكلام الاعتزالي وحِواريّاته واختاروا المنهج المعتزلي وأسلوبه في تبيين المسائل الكلامية وتحريرها، فذلك ـ أساساً ـ بدليل أنّهم كانوا يظنّون أنّ الطريقة الخاصّة للمعتزلة في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام آنذاك ـ أو بتعبير آخر: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) ـ هي أفضل طريقة لإثبات المعتقدات الشيعية والدفاع عنها.
هذا وإنّ كلام العلّامة الحلّي (ت 676هـ) ـ باعتباره أحد فقهاء ومتكلّمي الإمامية البارزين ـ شاهدُ صدقٍ ودليلٌ قوي علىٰ هذا الادّعاء، حيث صرّح في مقدّمة أحد كتبه الكلامية قائلاً: «فإنّه لمّا كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد، وأعزّ الفرائد، وجب علىٰ كلّ ذي فطنة أن يصرف رويّته إلىٰ استخراج حقائقها، وكشف غوامضها ودقائقها، ولمّا كانت الطرق إلىٰ ذلك مختلفة، والوسائل إليه منكّرة ومعرّفة، وجب أن نسلك أتمّها تحقيقاً، وأوضحها مسلكاً وطريقاً، وهو النهج الذي سلكه متأخّرو المعتزلة»132
المسلك في أصول الدين: 33.
وذكر بعد ذلك العبارة التالية يوضّح فيها قصده وما يرمي إليه من تأليف هذا الكتاب، قائلاً: «رأيت أن أملي مختصراً يقصر عن هجنة التطويل؛ ويرتفع عن لكنة التقليل، يكون مدخلاً إلىٰ مطوّل كتبهم، وموصلاً إلىٰ تحصيل مذاهبهم»133
نفس المصدر: 33ـ34.
فالذي يقصده العلّامة الحلّي من اصطلاح: (متأخّروا المعتزلة) في العبارة الآنفة الذكر هو أبا الحسين البصري المعتزلي (ت 436هـ) الذي أسّس آخر مدرسة اعتزالية في حينها، وليس كما يظنّ البعض134
الشيخ رضا أستادي، مصحّح کتاب المسلك، أشار إلىٰ: أنّ المقصود من (متأخّرو المعتزلة» هم القاضي عبد الجبّار المعتزلي وأتباعه). انظر: نفس المصدر: 33، الهامش3.
قال الحِمَّصي الرازي: «المتأخّرون من المعتزلة کأبي الحسين البصري ومتابعيه»، کشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: 62. علماً أنّ اصطلاح: (متأخّرو المعتزلة) تمّ إطلاقه في بعض النصوص الكلامية علىٰ القاضي عبد الجبّار كذلك، منها: ما جاء في الملل والنحلِ 1 / 96: «والمتأخّرون من المعتزلة مثل القاضي عبد الجبّار...». وذكره أيضاً الآمدي قائلاً: «والذي صار إليه متأخّروا المعتزلة، وهو اختيار صاحب المغني...»، أبكار الأفكار في أصول الدين 2 / 221. وقد أطلق الاصطلاح المذكور في أبي هاشم الجُبّائي وأتباعه (البَهشَمية): «فقد قال المتأخّرون من المعتزلة: كأبي هاشم وأتباعه». نفس المصدر 3 / 366. وذكره عبد الملك الجويني: «أمّا ابن الجُبّائي ومَن تبعه من متأخّري المعتزلة، فلم يصفوا الأحوال بكونها معلومة». الشامل في أصول الدين: 380. وقد أطلق هذا الاصطلاح حتّىٰ في المتكلّم المعتزلي البارز حسين النجّار (ت حدود 220 ه)، «ثمّ الحسين النجّار من متأخّري المعتزلة...»، شرح القصيدة النونية 2 / 149. ومن الواضح أنّ اصطلاح: (متأخّرو المعتزلة) وأمثال هذا الاصطلاح إنّما هي مقولة نسبية ـ زمنيّة؛ يمكن إطلاقها مع اختلاف الزمان علىٰ أفراد ومجموعات مختلفة من المعتزلة.
هذا وقد أيّد العالم الإمامي الشهير قطب الدين الراوندي (ت 573هـ) وصرّح باختيار طريقة ومنهجية مدرسة أبي الحسين البصري وأتباعه من قِبَل بعض متكلّمي الإمامية وساق الحديث عن اختيار بعض متكلّمي الإمامية وانتخابهم الآراء الكلامية لمدرسة أبي الحسين البصري في موضعين من شرحه القيّم علىٰ نهج البلاغة للشريف الرضي الذي جاء تحت عنوان: (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) ، قائلاً: «وأمّا مَن يختار من أصحابنا طريقة أبي الحسين البصري فإنّه يقول: معنىٰ قوله: (ليس لصفته حدّ) أي: ليس لوصفنا إيّاه بما نذكره من الحمد والمدح ونحوهما غاية»136
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 1 / 7.
وأكّد في موضع آخر قائلاً: «وقال بعض أصحابنا ممّن يختار طريقة أبي الحسين البصري: إنّ لله ذات مخصوصة ليس له صفات، وإنّما يخالف غيره بذاته المتميّزة»137
نفس المصدر 1 / 47.
فبالرغم من أنّ مصطلح: (الطريقة) قد جاء في بعض الاستعمالات بمعنىٰ: (الرأي المبتكر الأصيل)138
في بعض النصوص الكلامية جاءت كلمة: (طريقة) وفي قبالها كلمة: (اختيار)، حيث يحتمل أن تكون كلمة: (طريقة) في هذه الموارد بمعنىٰ: «الرأي الأصيل الذي ابتكره ذلك الشخص وهو أوّل مَن قال به»، في قبال: (الاختيار) الذي هو بمعنىٰ: «الرأي المنتخب المأخوذ من الآخرين»؛ مثل ما ذكره فخر الدين الرازي عندما قال: «الأوّل: وهو طريقة أبي علي وأبي هاشم، واختيار القاضي عبد الجبّار بن أحمد؛ وهو أنّه إذا قيل لهم: لو وقع خلاف معلوم الله، لزم أن ينقلب علم الله جهلاً. فقالوا: ...» المطالب العالية من العلم الإلهي 3 / 313، هذا وأنّ وجود عبارة مماثلة لها ذكرها الفخر الرازي في نفس هذا الكتاب جاءت فيها كلمة: (طريقة) فقط دون كلمة: (اختيار)، حيث يمكن أن يستفاد منها أنّ الكلمتين مترادفتان ويراد بهما معنىٰ واحد وليس معنيين كما قلنا: «الأوّل: طريقة أبي علي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار بن أحمد وهي أن قالوا: إنّ قول القائل: لو وقع خلاف معلوم الله، لانقلب علم الله جهلا. قالوا: ...». نفس المصدر 9 / 53، وهناك عبارة أخرىٰ ذكرها الفخر الرازي في نفس هذا الكتاب كذلك: «الثاني: طريقة الكعبي، واختيار أبي الحسين البصري؛ وهو أنّ العلم يتّبع المعلوم». نفس المصدر؛ حيث يبدو أنّ المراد منها ما قلناه آنفاً، أي: بمعنىٰ: «إنّ الكعبي كان قد ابتكر هذا الرأي وهو أوّل مَن قال به، وقد انتخبه من بعده أبو الحسين البصري».
مثل عبارة ابن تيمية حيث قال: «وإنّما سلك هذا المصنّف طريقة أبي عبد الله بن الخطيب الرازي فإنّ هذه طرقه وكان ينسج علىٰ منواله»، شرح العقيدة الإصفهانية: 53. ومثل عبارة: «وقال أبو عبد الله البصري إنّ طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار تقتضي تصحيحه»، الصراط المستقيم إلىٰ مستحقّي التقديم 1 /193. ومثل عبارة تقي الدين العجالي: «وأمّا طريقة أبي هاشم وأصحابه، قالوا: طريقه ذلك هو القياس»، الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: 156.
إنّ استعمال اصطلاح: (الطريقة) بمعنىٰ: (المنهج أو المدرسة أو الأسلوب الکلامي) في سياق العبارات التي استُعمل فيها هذا المصطلح هو أمر ليس بالغريب؛ فعلىٰ سبيل المثال نرىٰ علاء الدين علي بن إبراهيم ابن زهرة في سؤاله من العلّامة الحلّي حول الحمَّصي في كونه من ضمن الأشخاص الذين سلكوا: (طريقة السيّد المرتضى) في أصول الدين؛ حيث قال: «ممّن تکلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضىٰ». فهنا المراد من: (الطريقة) هو نفس المصطلح المتداول المعروف: (المدرسة الكلامية) أو (المذهب الكلامي) أو (المنهج الكلامي)، مسائل ابن زهرة: 127. ونفس هذا الاستعمال لمصطلح: (الطريقة) جاء في العبارة التالية: «والمتأخرون من المعتزلة مثل القاضي عبد الجبّار وغيره انتهجوا طريقة أبي هاشم». الملل والنحل 1 / 96.
والأمر الملفت للنظر هو أنّ كلام الراوندي (ت 573هـ) فيما يخصّ اتّباع عدد من متكلّمي الإمامية لمدرسة أبي الحسين البصري ومنهجه قد جاء في زمن لم يؤلّف فيه بعد سديد الدين الحِمّصي الرازي كتابه المنقذ من التقليد الذي أتمّه سنة (581هـ)، حيث يدلّ هذا الأمر علىٰ أنّ متكلّمي الإمامية منذ أواسط القرن السادس الهجري ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ أي: قبل إتمام تأليف الحمّصي ونشره لتعاليم البصري بين الإمامية عن طريق هذا الكتاب بعقد من الزمن تقريباً كانوا علىٰ اطّلاع كامل علىٰ مدرسة أبي الحسين البصري، واتّبع بعضهم طريقته ومسلكه الكلامي.
كما أشار القطب الراوندي في موضع آخر إلىٰ رأي الشيخ المفيد في كون الباري تعالىٰ مريداً وكارهاً، ووصف رأيه موافقاً لرأي معتزلة بغداد، حيث قال: «وكان الشيخ المفيد يثبت كونه تعالىٰ: (مريداً وكارهاً) علىٰ طريق البغداديّين»141
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 2 / 174.
هذا وإنّ الرسالة التي ألّفها الشيخ المفيد تحت عنوان: (الرسالة المقنعة في وفاق البغداديّين من المعتزلة لما رُوِي عن الأئمّة «علیهم السلام»)142
رجال النجاشي: 400.
أوائل المقالات: 60.
وقد ذكرنا فيما سبق أيضاً عن السيّد مادلونغ أنّ التعاليم ذات النزعة العقلية الموجودة في الإرشادات الاعتقادية للأئمّة «علیهم السلام» كانت قد مهّدت الأرضية لاختيار وقبول المعتقد المعتزلي العقلي بشكل صريح من قبل أعلام علماء الإمامية في عهد آل بويه مثل: الشيخ المفيد والشريف المرتضىٰ والشيخ الطوسي. فإنّ جميع هذه الموارد التي ذكرناها يمكن أن تكون مبيّنة لسبب ميول متكلّمي الإمامية إلىٰ: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي).
وبناء علىٰ ذلك يمكن القول: بأنّ السبب في ميول البعض الآخر من متكلّمي الإمامية إلىٰ الفلسفة ومن بينهم الخواجة نصير الدين الطوسي ـ مؤسّس المدرسة الكلامية الفلسفية في الإمامية ـ وأتباعه، هو أنّهم كانوا يرون:
1ـ إنّ الأصول والقواعد الفلسفية مطابقة وموافقة مع الأصول الاعتقادية الراسخة التي أخذها الإمامية من أئمّتهم.
2ـ إنّ الطريقة والمنحىٰ الفلسفي أو بعبارة أخرىٰ: (الحِوَارِيّات ذات الطابع الفلسفي) في عصرهم كان يعدّ أفضل طريق لإثبات المعتقدات الدينية والدفاع عنها.
وقد أكّد الفيّاض اللاهيجي (ت 1072هـ) ـ المتكلّم ذو النزعة الفلسفية المشّائية الشديدة ـ علىٰ هذا الأمر بالذات، حيث قال: «أكثر الأصول الثابتة عند الامامية عن أئمّتهم المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، مطابق لما هو الثابت من أساطين الفلاسفة ومتقدّميهم، ومبني علىٰ قواعد الفلسفة الحقّة»144
. شوارق الإلهام 1 / 49.
لا نريد حاليّاً أن نشير إلىٰ صحّة وسقم النظريّات المشار إليها من قِبَل متكلّمي الإمامية فيما يخصّ موافقة ومطابقة تعاليم المعتزلة والتعاليم الفلسفية مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»؛ فإنّ التحقيق في مجال الموارد التي تتطابق فيها أصول وعقائد المعتزلة والقواعد والمباني الفلسفية مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام» ومدىٰ انسجامها معها يقتضي مقالاً آخر علىٰ تفصيل يذكر في محلّه ومجالاً واسعاً في بحث منفصل. ولكنّ المهمّ حاليّاً في هذا البحث هو نظرة متكلّمي الإمامية للمسألة التي نحن في صددها، ونظرتهم لها خلال المراحل التاريخية المختلفة؛ أي: نظرتهم الإيجابية اتّجاه تعاليم مدرسة الاعتزال وحِواريّاتها وكذلك بعض المدارس الفلسفية وحِواريّاتها ـ التي كانت محلّ اهتمام الباحثين في عصرهم ـ التي تتوافق وتنسجم انسجاماً نسبيّاً مع تعاليم الأئمّة «علیهم السلام»، وقبولهم بها كمنهج وأسلوب مفيد لا مفرّ منه لتبيين المعتقدات وتحرير المواضيع والمسائل الكلامية؛ وبذلك يكون ميول متكلمي الإمامية إلىٰ مدرسة الاعتزال ومختلف المدارس الفلسفية الأخرىٰ في مختلف المراحل نتيجة طبيعية لهذا التوجّه، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها حتّىٰ وإن لم ترُقْ لنا ولم ننظر إليها بنظرة إيجابية إلّا أنّه لا مفرّ لنا منها ولا بدّ لنا من قبولها. فإنّ العلّامة محمّد باقر المجلسي & (ت 1110هـ) كان من العلماء الذين أشاروا إلىٰ هذه الحقيقة بالرغم من مخالفته لهذا التوجّه عند متكلّمي الإمامية، حيث كان له اطّلاع دقيق علىٰ الصبغة الاعتزالية لكلام الإمامية المتداول آنذاك، وكان مقِرّاً ومعترفاً بتجذّرها ورسوخها في كلام الإمامية، إلّا أنّه كان من العلماء الذين لا يعتبرون هذه التوجّه في كلام الإمامية سنّة حسنة، بل ولم يرُقْ له هذا التوجّه، فاعترض علىٰ ذلك ووصفه انحرافاً عن أصول الإمامية ومؤدّياً إلىٰ الابتعاد عن الآيات والروايات حيث قال ما معرّبه: «إنّ ترميم وتجديد أصول الإمامية الأصيلة المندرسة، التي مُحيت آثارها وأعرض عنها الكثير ممّن يدّعي العلم، واتّخذوا أصول المعتزلة قدوةً لهم، وتخلّوا عن الآيات الكريمة والأخبار المتواترة، فقد أوردت ما أستطيعه في هذه الرسالة...»145
حقّ اليقين: 568.
بناء علىٰ هذا لايوجد شكّ في معرفة متكلّمي الإمامية وإلمامهم العميق بالكلام المعتزلي، بل واختيارهم له بصفته أفضل طريق موجود في التعامل مع مسائل علم الكلام. ولابدّ هنا من الإشارة إلىٰ نكتة جديرة بالاهتمام وهي أنّ إلمام متكلّمي الإمامية بالكلام المعتزلي جاء أكثره عن طريق أساتذة الإمامية ومطالعة كتب المعتزلة، وليس عن طريق التلمّذ عند متكلّمي المعتزلة؛ فإنّ كبار متكلّمي الإمامية مثل الفضل بن شاذان النيشابوري (ت 260 هـ)، وأبي سهل النوبختي، وأبي محمّد النوبختي، وعلي بن عبد الله وَصيف (ت 366 ه) وأبي الجيش البلخي (ت 367 ه) يبدو أنّهم لم يتلمّذوا عند أيّ متكلّم معتزلي146
الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 234.
الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 32 و33: 88.
رابعاً: إنّ تأثّر متكلّمي الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في مختلف المراحل الزمنية واستفادتهم من طريقة التفكير والتأليف عند المعتزلة في تبيين الأبحاث الكلامية وتوضيحها لا يتنافىٰ مع اختلافهم مع الكثير من آراء المعتزلة الكلامية ـ الفلسفية ـ الطبيعية؛ وكما أشرنا سابقاً فإنّ التأثّر في هذا المجال هو واحد من وجوه تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي. ففي الحقيقة إنّ أهمّ وجوه تأثّر الكلام الإمامي بمنظومة الكلام المعتزلي هو اقتباس متكلّمي الإمامية أسلوب وطريقة التعامل مع المسائل الكلامية عند المعتزلة، وأسلوب تبيين تلك المسائل وترتيبها وفقاً لذهنية المعتزلة وبيانهم الذي أشرنا إليه تحت عنوان: التأثّر بـ: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي).
بناء علىٰ هذا، وخلافاً لما يظنّه هاشم معروف الحسني الذي اعتبر ردود الإمامية علىٰ بعض آراء المعتزلة دليل علىٰ البون الشاسع بين الفرقتين، وأيضاً خلافاً لرأي الكثير148
بحوث في الملل والنحل 3 / 176ـ177.
الفَرق بين الفِرَق: 122.
طبقات المعتزلة: 276. جاءت بعض النصوص المتناثرة هنا وهناك من هذه الردود المعنونة بـ: (نقض العثمانية) في شرح نهج بلاغة لابن أبي الحديد.
وفي الواقع فإنّ مثل هذه الاختلافات في الآراء والردود والاعتراضات كانت موجودة أيضاً بين علماء الإمامية؛ ومن أكثر النماذج شهرة هي رسالة: (تصحيح الاعتقاد) للشيخ المفيد التي أُلّفت في نقد آراء الشيخ الصدوق في كتابه: (الاعتقادات)، حيث انهال بالنقد علىٰ الكثير من آرائه وبأسلوب شديد، وبالرغم من هذه الاختلافات فلا زالت مؤلّفات الشيخ المفيد والشيخ الصدوق تتلقّىٰ القبول ولم تخرج من إطار التشيّع، ولم يحكم أحد بخروج أحدهما من دائرة المذهب. وكذلك الاختلافات الفكرية التي كانت بين الشيخ المفيد وتلميذه الشريف المرتضىٰ، إذ بناء علىٰ ما نقله السيّد ابن طاووس في كتاب: (كشف المحجّة) عن القطب الراوندي نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الاختلاف بينهما فيها، حيث قال: «إنّني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة قطب الدين الراوندي، واسمه سعيد بن هبة الله رحمه الله، قد صنّف كرّاساً وهي عندي الآن في الخلاف الذي تجدّد بين الشيخ المفيد والمرتضىٰ رحمهما الله، وكانا من أعظم أهل زمانهما وخاصّة شيخنا المفيد، فذكر في الكرّاس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الاختلاف بينهما فيها من علم الأصول، وقال في آخرها: لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب»151
کشف المحجّة لثمرة المهجة: 64.
وهناك البعض أيضاً قد استنتج عدم ميول الشيخ المفيد إلىٰ المعتزلة مستنداً في ذلك علىٰ ما أبداه الشيخ المفيد من مخالفته للمعتزلة وردوده عليهم؛ ولابدّ أن نلفت الأنظار في هذا الخصوص إلىٰ أنّ مخالفات الشيخ المفيد للكلام المعتزلي ـ التي جاء قسم منها في كتابه: (أوائل المقالات) والقسم الآخر في رسالة تحت عنوان: (الحكايات [في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية]) التي انعكست فيها أجزاء متفرّقة من آرائه في هذا الشأن ـ كان جلّ اهتمامه منصبّاً بشكل أساسي علىٰ مخالفته لآراء معتزلة البصرة الكلامية، والتي منها نظرية: (الأحوال) لأبي هاشم152
الحکايات [في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية]، المطبوع في: مصنّفات الشيخ المفيد 10 / 49ـ56.
نفس المصدر: 57ـ58.
نفس المصدر: 59ـ62.
رجال النجاشي: 400.
ومن المعلوم: إنّ الزيدية أيضاً كانوا يميلون مَيلاً شديداً للمعتزلة، وكانوا يمثّلون مدرسة الاعتزال في القرون الهجرية الوسطىٰ، ولكن بالرغم من موافقتهم وتعاطفهم الشديد مع المعتزلة في كثير من المسائل، إلّا أنّهم في بعض الأبواب مثل: (الإمامة) لم يكونوا موافقين للمعتزلة، وكانوا يتصدّون لردّ آرائهم ونقضها في خصوص هذا الباب156
انظر ما جاء في شأن نقودات الزيدية علىٰ آراء المعتزلة في باب الإمامة: كتاب (ميان کلام وفلسفه): 297ـ335.
إحدىٰ نماذج الردود الزيدية علىٰ المعتزلة هي الردود المتعدّدة للمتكلّم المعتزلي البهشمي الزيدي محيي الدين محمّد بن أحمد بن علي بن الوليد القرشي (المتوفّىٰ أوائل القرن السابع الهجري) التي ألّفها في نقد آراء المعتزلة في مسألة: (الإمامة)؛ بناء علىٰ ما ذكره القرشي فإنّه بادئ ذي بدء ألّف كتاب: (منهاج السلامة في مسائل الإمامة) في الردّ علىٰ فصل: (الإمامة) من كتاب: (شرح عيون المسائل) للحاكم الجشمي؛ وبعد ذلك ألّف كتابه المعروف: (الجواب الناطق الصادق بحلّ شُبَه كتاب الفائق فيما خالف فيه ابن الملاحمي مذاهب الزيدية في الإمامة)157
الجواب الناطق الصادق بِحلّ شبه کتاب الفائق فيما خالف فيه ابن الملاحمي مذاهب الزيدية في الإمامة، للوليد القرشي، محمّد بن أحمد، تحقيق: فيصل عون، الهيئة المصرية العامّة للکتاب، القاهرة، 2010 م.
انظر ما جاء في شأن هذا الكتاب في: (رساله اي در ردّ بر محمود ابن الملاحمي المعتزلي درباره امامت)، المطبوعة في كتاب (ميان کلام وفلسفه): 331ـ335.
تمّت طباعة فصول من هذه الرسالة في آخر الفصل الثاني من قسم الإمامة في كتاب المغني، انظر: المغني 20/ 262ـ274، الفصل الثاني.
انظر: المغني 20/ 264، الفصل الثاني.
وظنّ البعض ـ ممّن ليس له معرفة بتاريخ مثل هذه الردود ـ أنّ ما كتبه الشريف المرتضىٰ في ردّه علىٰ القاضي عبد الجبّار المعتزلي دليل علىٰ عدم كون الشريف المرتضىٰ من المعتزلة حيث قال ما معرّبه: «من المثير للاهتمام حقّاً أنّ البعض قد اعتبروا السيّد المرتضىٰ معتزليّاً، علىٰ الرغم من أنه ألّف كتاب الشافي في الردّ علىٰ كتاب المغني للقاضي عبد الجبّار»، انظر مقالة: (تقدّم کلام شيعه بر معتزله) بالفارسية من تأليف: حبيب کارکن بيرق وطوبىٰ کرماني ، والمنشورة في مجلّة إلهیّات تطبيقي، العدد 13: 28، 1394. إذا كان هذا النوع من الاستدلالات صحيحاً للزِم من ذلك عدم اعتبار الشيخ المفيد والشيخ الصدوق من مذهب واحد؛ وذلك لما كتبه الشيخ المفيد من نقد علىٰ الشيخ الصدوق! في حين لايوجد هناك مَن يقول بذلك.
بناء علىٰ هذا فإنّ التعويل علىٰ ما ألّفه الشيخ المفيد وسائر متكلّمي الإمامية من ردود علىٰ طائفة من طوائف المعتزلة أو علىٰ نزعة خاصّة عند البعض منهم لوحده لا ينفع في إثبات عدم ميولهم إلىٰ المعتزلة.
خامساً: لم يكن التأثّر بالحِوارِيّات الكلامية للمعتزلة مختصّاً بمتكلّمي الإمامية ومنحصراً بهم فحسب، فقد تأثّر كلّ من متكلّمي الزيدية والأشعرية والماتُريدية والظاهرية والأباضية وحتّىٰ اليهود والمسيحيّين كذلك بمناهج المعتزلة وبأسلوب تفكيرهم وآرائهم، وقد اعتمدوا ـ إلىٰ حدّ ما ـ النموذج المعتزلي في علم الكلام، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في مدىٰ تأثّرهم بالمعتزلة في بعض الأحيان.
إنّ قبول آراء المعتزلة وأصولهم الكلامية عند الزيدية ـ باستثناء الإمامة ـ أمر واضح ولا يحتاج إلىٰ الكثيرمن الأدلّة والشواهد لإثباته. ومن أجل الاطّلاع علىٰ منعطفات التلاقح الفكري بين الزيدية وآراء المعتزلة ومدىٰ تقبّلهم لتلك الآراء يمكننا الرجوع إلىٰ بعض الدراسات المطبوعة التي تمّ تأليفها في هذا الخصوص162
Ansari, Hassan, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (I) Zaydīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 181ـ 195; Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, Arabica, T. 53, Fasc. 1 (Jan., 2006), pp. 108ـ142.
وكذلك أيضاً قد طبعت بعض الدراسات المفيدة فيما يخصّ تأثّر متكلّمي الأشعرية بمدرسة المعتزلة؛ فقد قام مَنيف النفيعي العتيبي في كتابه: (أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة)163
أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة (عرض ونقد)، النفيعي العتيبي، مَنيف عايش مَرزم، مكتبة الرشد، الرياض، 2013م.
وفي دراسة أخرىٰ جاء الكلام عن مدرسة عند الأشاعرة باسم: (مدرسة معتزلة الأشاعرة)؛ حيث تأثّر أتباعها بالمعتزلة من حيث الأصول والمنهج والمسائل، فوافقوهم وواكبوهم. ويرىٰ المؤلّف أنّ تأثّر الأشاعرة بالمعتزلة قد بدأ منذ نشأة المذهب الأشعري، وعلىٰ مرّ الزمن أخذ هذا التأثّر بالازدياد شيئاً فشيئاً164
المدارس الأشعرية: 309.
المدارس الأشعرية: 311ـ486.
وقد مرّت الإشارة سابقاً إلىٰ رأي بعض المحقّقين أنّ متكلّمي الأشعرية مثل أبي المعالي الجويني والفخر الرازي كانوا قد تأثّروا بشكل ملحوظ بمدرسة أبي الحسين البصري الفكرية. وبيّن السيّد مادلونغ في مقالة له أنّ إمام الحرمين الجويني مثله مثل أبي الحسين البصري بين المعتزلة، وهو أوّل متكلّم أشعري أدخل المناهج والمفاهيم الفلسفية في الكلام الأشعري. ووفقاً لقول مادلونغ، فبالرغم من عدم ذكر اسم أبي الحسين في كتب الجويني، لكنّه كان علىٰ اطّلاع كامل علىٰ أفكار أبي الحسين الاعتزالية، وكان تأثّره بها واضحاً. فإنّ عدم ذكر البصري في كتب الجويني أيضاً لعلّه يعود إلىٰ عدم رغبة الجويني في أن يلفت انتباه الآخرين إلىٰ تعاليم أحد ممثّلي مدرسة رقبائه، أو أنّه لا يريد أن يُبدي كونه مَديناً لأحد المعتزلة166
Madelung, Wilferd, “Abū Iـ Ḥusayn alـBaṣrī’s Proof for the Existence of God”, pp. 278 – 279.
ومن بين أصحاب التراجم فقد أكّد ابن المرتضىٰ في قسم طبقات المعتزلة من كتاب المنية والأمل بعد أن ذكر ترجمة أبي الحسين البصري ومن أتباعه ركن الدين الملاحمي المعروف بوفائه له، أشار إلىٰ أنّ الكثير من متأخّري العلماء مثل الإمام يحيىٰ بن حمزة العلوي وكذلك أكثر الإمامية كانوا قد اتّبعوا أبا الحسين والملاحمي، ومن بين الأشاعرة فإنّ الفخر الرازي كان قد اعتمد آراء البصري في المسائل الطبيعة والفلسفية الكلامية المعروفة بمباحث: (لطيف الكلام) وغيرها من المباحث الأخرىٰ.
وكذلك الماتُريدية أيضاً كالأشاعرة كانوا قد تأثّروا في بعض المجالات بالمعتزلة. وقد بحث السيّد أولريش رودلف في دراساته حول الماتُريدية ـ إلىٰ حدّ ما ـ عن هذه التأثّرات. حيث كان يرىٰ أنّ آراء المعتزلة ـ وخاصّة آراء أبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ) ـ كان لها أثر واضح في تغيير آراء أبي المنصور الماتُريدي (ت 333هـ)؛ علماً بأنّ الماتُريدي كان ناقداً مهمّاً لآرائه أيضاً167
انظر:
Rudolph, Ulrich, alـMāturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarkand, translated by Rodrigo Adem, Leiden: Brill, 2015, p. 158.
Rudolph, Ulrich, “Ḥanafī Theological Tradition and Māturīdism”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 286.
Rudolph, Ulrich, alـMāturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarkand, translated by Rodrigo Adem, Leiden: Brill, 2015, p. 158.
Rudolph, Ulrich, “Ḥanafī Theological Tradition and Māturīdism”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 286.
انظر كتابه تحت عنوان: (الهیّات أبو القاسم البلخي/ الکعبي): 34:
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 34.
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 34.
وبصرف النظر عن هؤلاء، بناء علىٰ ما ذكره ابن تيمية فإنّ بعض متكلّمي الظاهرية من أتباع أبي سليمان داود الظاهري الإصفهاني (ت 270هـ) أيضاً كانوا متأثّرين بآراء المعتزلة وخاصّة في موضوع صفات الباري عزّ وجلّ فقد وافقوا المعتزلة في نظريّاتهم وبيّنوها. وقد خصّ ابن حزم الأندلسي (ت 465هـ) وأمثاله بالذكر الذين ذهبوا مذهب المعتزلة واتّخذوا طريقتهم التأويلية في موضوع صفات الباري، خلافاً لطريقة أبي داود الظاهرية الذي كان يؤكّد علىٰ الالتزام بظواهر النصوص، وإن كانوا قد خالفوا المعتزلة في موضوع القدر والوعيد. ويرىٰ أنّ هذه الطائفة من الظاهرية أقرب إلىٰ المعتزلة، بل وإلىٰ الفلاسفة من الأشاعرة وأصحاب الحديث؛ حيث قال: «فمَن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبيّن له ذلك، وعلم هو وكلّ مَن فهم المقالتين أنّ هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلىٰ المعتزلة، بل إلىٰ الفلاسفة من الأشعرية. وأنّ الأشعرية أقرب إلىٰ السلف والأئمّة وأهل الحديث منهم، وأيضاً فإنّ إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات علىٰ مذهب أهل السنّة والحديث، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة، وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد»169
شرح العقيدة الإصفهانية: 127.
ولم يقتصر تأثير: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) علىٰ المذاهب الإسلامية فحسب، بل كان تأثيرها علىٰ متكلّمي اليهود كذلك؛ فكان بعض متكلّمي اليهود ـ من مختلف فرقهم وبالخصوص فرقة قرائيم ـ علىٰ معرفة وعلاقة بكتب المعتزلة مثلهم مثل الزيدية، فبصرف النظر عن قبولهم عقائد المعتزلة في بحوثهم الكلامية علىٰ نطاق واسع، قد أخذوا باستنساخ الكثير من كتبهم الكلامية170
Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, p. 108.
بازتابهاي کلام اسلامي در فلسفه يهودي: 25.
Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, p. 111.
انظر إلىٰ مقالتيه التاليتين:
Gregor Schwarb, “Short Communication: A Newly Discovered Fragment of alـSharīf alـMurtaḍā’s K.alـMulakhkhaṣ fī uṣūl alـdīn in Hebrew Script”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 75–79.
Schwarb, Gregor, “Sahl b. alـFaḍl alـTustarī’s Kitāb alـĪmāʾ,” Ginzei Qedem 2, 2006, pp. 61*–105*.
Gregor Schwarb, “Short Communication: A Newly Discovered Fragment of alـSharīf alـMurtaḍā’s K.alـMulakhkhaṣ fī uṣūl alـdīn in Hebrew Script”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 75–79.
Schwarb, Gregor, “Sahl b. alـFaḍl alـTustarī’s Kitāb alـĪmāʾ,” Ginzei Qedem 2, 2006, pp. 61*–105*.
انظر:
Schmidtke, Sabine, “Jewish Reception of Twelver Shīʿī kalām: A copy of alـSharīf alـMurtaḍā’s Kitāb alـDhakhīra in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 50–74.
Schmidtke, Sabine, “Jewish Reception of Twelver Shīʿī kalām: A copy of alـSharīf alـMurtaḍā’s Kitāb alـDhakhīra in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 50–74.
لمزيد من الاطّلاع علىٰ أحوال ما تركته كتب المعتزلة وآرائهم من أثر علىٰ المتكلّمين من معتزلة اليهود ومساهمتهم في الكلام الاعتزالي، انظر:
A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, eds. C. Adang, S. Schmidtke, D. Sklare, Würzburg: Ergon, 2006.
Madelung, Wilferd and Sabine Schmidtke, Rational Theology in Interfaith Communication. Abu lـḤusayn alـBaṣrī's Muʿtazilī Theology among the Karaites in the Fāṭimid Age, Leiden: Brill, 2006.
وهناك أيضاً بعض المقالات المفيدة باللغة الفارسية للاطّلاع علىٰ مدىٰ تأثّر متكلّمي اليهود من فرقة: (القرائيم) بمدرسة المعتزلة:
أ) «فرقه قَرائيم وکلام اسلامي»، رحمتي، محمّد کاظم، مجلّة تاريخ وتمدّن اسلامي، العدد 16: 45ـ71، 1391ش.
ب) «تأثير کلام معتزلي بر کلام قرائيمي»، قربان علمي ومريم ساجدي نسب، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد 2: 1ـ18، 1389.
ج) «شکل گيري کلام يهود در سايه کلام اسلامي»، رضاپور، محمد مهدي؛ گندمي نصر آبادي، رضا؛ مجلّة انديشه نوين ديني، العدد 40: 111ـ128، 1394.
د) «سعديا گائون ورويکرد معتزلي او در تفسير وکلام»، عدالت نژاد، سعيد؛ سعدي نعلبندي، وحيده؛ مجلّة جستارهاي فلسفي، العدد 1: 107ـ124، 1387ش.
A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, eds. C. Adang, S. Schmidtke, D. Sklare, Würzburg: Ergon, 2006.
Madelung, Wilferd and Sabine Schmidtke, Rational Theology in Interfaith Communication. Abu lـḤusayn alـBaṣrī's Muʿtazilī Theology among the Karaites in the Fāṭimid Age, Leiden: Brill, 2006.
وهناك أيضاً بعض المقالات المفيدة باللغة الفارسية للاطّلاع علىٰ مدىٰ تأثّر متكلّمي اليهود من فرقة: (القرائيم) بمدرسة المعتزلة:
أ) «فرقه قَرائيم وکلام اسلامي»، رحمتي، محمّد کاظم، مجلّة تاريخ وتمدّن اسلامي، العدد 16: 45ـ71، 1391ش.
ب) «تأثير کلام معتزلي بر کلام قرائيمي»، قربان علمي ومريم ساجدي نسب، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد 2: 1ـ18، 1389.
ج) «شکل گيري کلام يهود در سايه کلام اسلامي»، رضاپور، محمد مهدي؛ گندمي نصر آبادي، رضا؛ مجلّة انديشه نوين ديني، العدد 40: 111ـ128، 1394.
د) «سعديا گائون ورويکرد معتزلي او در تفسير وکلام»، عدالت نژاد، سعيد؛ سعدي نعلبندي، وحيده؛ مجلّة جستارهاي فلسفي، العدد 1: 107ـ124، 1387ش.
سادساً: إنّ القول بتأثّر متكلّمي الشيعة الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في التعامل مع مسائل علم الكلام لا يكون مسوّغاً لأن نعتبر ذلك نقصاً وعيباً علىٰ الشيعة، ولا يهدّد كيان النظام الاعتقادي الإمامي وأصوله الاعتقادية بخطر؛ فإنّ الأمر المهمّ والأساسي في كلّ نظام كلامي والذي يدخل في تشكيل أركانه هو الأصول الاعتقادية والمبادئ الأساسية في الاعتقادات، حيث إنّ الكلام الإمامي من هذه الجهة ـ وكما بيّنّا سابقاً ـ له استقلاليّتُه الكاملة عن مدرسة الاعتزال. فإنّ الإمامية تعلّموا أصولهم الاعتقادية ـ أي: التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ـ من تعاليم أهل البيت «علیهم السلام»، وبناء علىٰ هذه التعاليم رفضوا بعض أصول مدرسة الاعتزال الاعتقادية مثل: (المنزلة بين المنزلتين) و(الوعيد)، وكانت لهم في باب: (الإمامة) أيضاً اختلافات أساسية مع آراء المعتزلة. بناء علىٰ هذا فإنّ متكلّمي الإمامية فيما يخصّ الأصول الاعتقادية كانوا بعيدين كلّ البعد عن المعتزلة، بل كانوا علىٰ خلاف معهم في بعضٍ من أصولهم الاعتقادية الأساسية. حيث كان الشيخ المفيد يعتبر الأساس والمِلاك في اتّباع مدرسة الاعتزال هو قبول أصل: (المنزلة بين المنزلتين)، أي: الأصل الذي كان سبباً لنشأة وظهور مدرسة الاعتزال176
«فمَن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين کان معتزلیّاً علىٰ الحقيقة». أوائل المقالات: 38.
ومع ذلك، فإنّ متكلّمي الإمامية ـ وكما قلنا سابقاً ـ كانوا متأثّرين بتعاليم مختلف اتّجاهات المعتزلة، وذلك في بعض الفروع وجزئيّات بعض المسائل وبعدد لا بأس به من المسائل الفلسفية ـ الطبيعية كذلك. والأهمّ من هذا، أنّهم أتّخذوا من أسلوب الكلام المعتزلي أنموذجاً لهم في طريقة تعاملهم مع مسائل علم الكلام وفي تبيين المواضيع وتحريرها، وكانوا متأثّرين بـ: (حِواريّات الكلام المعتزلي). وهذا الأمر هو من مقتضيات الطريقة المتداولة عند المتكلّمين في علم الكلام آنذاك، وهو ما جعل متكلّمي الإمامية أيضاً يتكلّمون بنفس لغة الحوار والبيان والأسلوب المعتزلي المتداول آنذاك، وكذلك أيضاً بسبب فطنتهم في انتخاب طريقة الكلام المعتزلي وذلك بصفتها أفضل طريقة متداولة في تناول مسائل علم الكلام. ومن الطبيعي أنّ الاستفادة الواسعة من أساليب المعتزلة وأفكارهم ومؤلّفاتهم من قبل متكلّمي الإمامية في مختلف الأزمنة أدّىٰ إلىٰ إيجاد رغبة وميل إلىٰ مدرسة الاعتزال لدىٰ متكلّمي الإمامية بمستويات مختلفة.
وقد نشأت فيما بعد علقة بين الكلام الشيعي وفلسفة ابن سينا ـ مثلها مثل العلقة الوثيقة التي كانت بين الشيعة ومدرسة الاعتزال في المراحل الأولىٰ من كلام الإمامية ـ حيث احتلّت فلسفة ابن سينا شيئاً فشيئاً مكانة في نظام الكلام الإمامي وأخذت مكان الكلام المعتزلي إلىٰ حدّ كبير. وفي مرحلة نشوء مدرسة الكلام الفلسفي الإمامي استفاد متكلّمو الإمامية من: (الحِوَارِيّات الفلسفية) المتداولة آنذاك في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، حيث استفادوا من المناهج والنظريّات والتأليفات التي كانت تدور في فلك فلسفة ابن سينا، ثمّ نأوا شيئاً فشيئاً عن تعاليم المعتزلة وحِواريّاتهم المنسوخة. وفي هذا الشأن أيضاً، فإنّه من المعلوم أنّ استفادة متكلّمي الإمامية من فلسفة ابن سينا من أجل تنقيح وتوضيح المسائل الكلامية لم يكن في تضادّ مع مبادئ وأسس وأصالة الكلام الإمامي، ولا يمكن اعتباره سبباً لتضعيف الكلام الشيعي والسخرية منه. بناء علىٰ هذا فلا يمكن أن تُعَدُّ استفادة الرعيل الأوّل من متكلّمي الإمامية من الكلام المعتزلي في مرحلة ترسيخ وتوضيح وتدوين المسائل الاعتقادية أمراً غير صحيح، وأن يكون موجباً للإنكار وعدم القبول به، وكذلك استفادتهم من فلسفة ابن سينا فيما بعد لا يمكن أن نعتبره أمراً غير مرغوب به أو ليس في محلّه، ويستوجب الإنكار والردّ. وعلىٰ أيّة حال؛ فإنّ قوّة الكلام المعتزلي وفلسفة ابن سينا في المرحلة التي تبلورا فيها وتطوّرا أصبحا من المعارف المتداولة التي لها ثقلها في الساحة العلمية آنذاك، ممّا أدّىٰ إلىٰ هيمنتهما علىٰ سائر المدارس الفكرية من حيث التأثّر بمناهجها ونظريّاتها ومؤلّفاتها؛ أو بعبارة أخرىٰ: التأثّر بـ: (حِواريّاتها) الحاكمة آنذاك، ممّا جعل سائر المدارس الكلامية ـ من الأشاعرة والماتُريدية والزيدية والإمامية ـ لا تجد محيصاً سوىٰ الاقتباس منها لترسيخ مبانيها ومناهجها الكلامية وتبيينها.
بناء علىٰ هذا؛ فإنّ القبول بتأثّر متكلّمي الإمامية بحِواريّات الكلام المعتزلي في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام لا يمثّل تهديداً لكيان الكلام الشيعي، ولابدّ من قبول ذلك، لكونه أمراً واقعاً رافق سير تكامل الكلام الشيعي، شِئْنا أم أبيْنا. وبذلك فإنّ قبول ما تركه الكلام المعتزلي من أثر واسع النطاق علىٰ الكلام الإمامي ـ كما قال حسين علي عبد الساتر ـ هو علىٰ كلّ حال بمعنىٰ قبول قدرة الكلام المعتزلي وهيمنته نسبة إلىٰ الكلام الإمامي177
Hussein Ali Abdulsater, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017, p. 6.
Ibid. نفس المصدر.
وبطبيعة الحال فإنّه ليس من السهل علينا ـ بصفتنا شيعة إمامية موالين لمذهبنا ـ أن نتقبّل مثل هذا الاقتدار والسطوة لمدرسة المعتزلة المنافسة لمذهبنا، ولكن وكما ذكرنا سابقاً فإنّ الفقيه والمتكلّم الإمامي الكبير المحقّق الحلّي أشار إلىٰ هذا الاقتدار والأصالة والقدرة عند المعتزلة في تعاملهم مع علم الكلام، واعترف بذلك. كما أنّ المتكلّم المعتزلي البهشمي الزيدي محيي الدين محمّد بن أحمد بن علي ابن الوليد القرشي ـ الذي ذكرنا آنفاً ردوده العديدة علىٰ المعتزلة في باب الإمامة ـ أيضاً ذكر كبار متكلّمي المعتزلة بتبجيل في كونهم: (محقّقين) و(مدقّقين) وأهل: (التحصيل والتفصيل): «ومن جملة ذلك كُتب في علم أصول الدين، صنّفها كبار مشايخ المعتزلة، وهم أهل التحقيق والتدقيق، والتحصيل والتفصيل»179
المغني 20/ 263، الفصل الثاني.
وعلىٰ هذا المنوال نرىٰ المَلَطي (ت 377 هـ) ـ أحد منتقدي مدرسة المعتزلة ـ قد ذكر المعتزلة بإكبار حيث قال: «الطائفة السادسة: من مخالفي أهل القبلة هم المعتزلة: وهم أرباب الكلام، وأصحاب الجدل، والتمييز، والنظر، والاستنباط، والحجج علىٰ مَن خالفهم وأنواع الكلام، والمفرّقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم»180
التنبيه والردّ علىٰ أهل الأهواء والبِدَع: 28.
بناء علىٰ هذا؛ نحن أيضاً ـ وخلافاً لرغبتنا الباطنية ـ لابدّ لنا من اتّباع المحقّق الحلّي وسائر العلماء الذين أشادوا بالإبداع والنبوغ عند المعتزلة في علم الكلام، ولا محيص لنا إلّا قبول هذا الواقع التاريخي.
بعد كلّ ما ذكرناه؛ يمكننا القول بأنّ تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي بما أنّه لم يكن مطلقاًَ ولم يشمل جميع جوانبه، وأنّ متكلّمي الإمامية لم يقلّدوا المعتزلة بتقليدٍ صِرْفٍ، بل احتفظوا بمبادئهم الاعتقادية، فهذا يعني عدم تعرّض أصالة الكلام الشيعي واستقلاليّته للخطر بهذا التأثّر. وفضلاً عن ذلك؛ فإنّ متكلّمي الإمامية هم أيضاً كانت لهم إبداعات في تعاطيهم مع مسائل علم الكلام، وكانوا كمتكلّمي الزيدية لهم دور مهمّ في تبيين الكلام الاعتزالي وتطوّره، وكان لهم سهم كبير في هذا المجال، خاصّة في عرضهم للجديد من الأدلّة، أو بيان تقريراتهم المبتكرة في مجال الأبحاث الكلامية. هذا وإنّ انتقادات متكلّمي الإمامية علىٰ بعض تعاليم المعتزلة وعلىٰ ادّعاءاتهم واستدلالاتهم هو شاهد آخر علىٰ كون الإمامية كانوا قد تعاملوا بذكاء وفطنة في انتخابهم واقتباسهم من الكلام المعتزلي، وسعوا إلىٰ الاستفادة من نقاط القوّة في الكلام المعتزلي في مسار توسعة نطاق الكلام الإمامي وترسيخه.
خلاصة الكلام: هو أنّ أكثر ما تأثّر به متكلّمو الإمامية من المعتزلة إنّما كان في إطار اقتباس النظريّات الفلسفية ـ الطبيعية عندهم، وكذلك طريقة تأليفهم ومناهجهم في التعامل مع علم الكلام، بناء علىٰ هذا فإنّ قبول هذا النوع من التأثّر لا يستلزم افتقار الشيعة في مجال الأصول الاعتقادية إلىٰ مدرسة الاعتزال. كما يصدق ذلك أيضاً علىٰ المدارس الأخرىٰ في تأثّرها بحِواريّات الكلام المعتزلي؛ فلم يهدّد هذا التأثّر أصالة كلامهم المستقلّ، ولم ينفِ تلك الأصالة. ولذلك نرىٰ أنّ أصحاب تلك الأديان والمذاهب لم يكن لديهم دافع وهاجس يدفعهم لنفي هذا التأثير عنهم.
المصادر
1ـ أبكار الأفكار في أصول الدين: الآمِدي، سيف الدين، تحقيق: أ.د. أحمد محمّد المهدي، دار الكتب والوثائق اليومية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1428هـ.
2ـ ابن قبه الرازي: ميرزايي، عبّاس، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1394 ش.
3ـ أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة (عرض ونقد): النفيعي العتيبي، مَنيف عايش مَرزم، مكتبة الرشد، الرياض، 1434 ه، 2013 م.
4ـ الإرشاد في معرفة حجج الله علیٰ العباد: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، دار المفيد، بيروت، 1413 هـ.
5ـ أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية: يوسُف المَناعي، عائشة، دار الثقافة، الدوحة، 1412 ه، 1992 م.
6ـ اعتزالگرايي سيّد مرتضیٰ؛ بررسي ونقد: يوسف زاده، حسينعلي، مجلّة نقد ونظر، العدد: 4، 1392 ش.
7ـ اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة: الشمّري، رؤوف، مجلّة رسالة التقريب، العدد: 25.
8ـ الأمالي (غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد): الموسوي، الشريف المرتضیٰ علي بن الحسين، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998 م.
9ـ الانتصار والردّ علی ابن الروندي الملحد: الخيّاط، أبو الحسين، تحقيق: نيبرج، مكتبة الدار العربية للكتاب، أوراق شرقية، بيروت، الطبعة الثانية، 1413 ه، 1993 م.
10ـ انديشههاي كلامي شيخ مفيد: مكدرموت، مارتين، ترجمة: أحمد آرام، مؤسّسة وانتشارت دانشگاه طهران، تهران، الطبعة الثانية، 1384 ش.
11ـ انديشههاي كلامي علامه حلّي: شميتكه، زابينه، ترجمة: أحمد نمايي، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1378 ش.
12ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، باهتمام: مهدي محقّق، مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه طهران، طهران، الطبعة الثانية، 1382 ش.
13ـ بازتابهاي كلام إسلامي در فلسفه يهودي: وُلفسن، هَري اوسترين، ترجمة: علي شهبازي، مركز مطالعات وتحقيقات اديان ومذاهب، قم، 1387 ش.
14ـ بحوث في الملل والنحل: السبحاني، جعفر، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1426 ه.
15ـ پَرسهها وپرسشها: آشوري، داريوش، نشر آگه، طهران، الطبعة الثالثة، 1391 ش.
16ـ تأثير الفكر المعتزلي البصري علی السيّد المرتضىٰ في مسائل التوحيد والعدل الإلهي: حيدر البيّاتي، ترجمة: أسعد مندي الكعبي، مجلّة العقيدة، العدد (3)، السنة الأولیٰ، ربيع الأوّل 1436 ه.
17ـ تأثير انديشههاي كلامي شيعه بر معتزله: جوادي، قاسم، مجلّة هفت آسمان، العدد: 1، 137 ه.
18ـ تأثير كلام معتزلي بر كلام قرائيم: قربان علمي ومريم ساجدي نسب، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد: 2، 1389 ش.
19ـ تشيّع اماميه وعلم كلام معتزلي: مادلونگ، آلفرد [كذا: ويلفرد]، ترجمة: أحمد آرام، طبع ضمن: شيعه در حديث ديگران، باهتمام: د. مهدي محقّق، دفتر دائرة المعارف تشيّع، طهران، 1362 ش.
20ـ تطوّرات كلام اماميه در مدرسة بغداد: حسيني زاده خضرآباد، سيّد علي، مؤسّسة دار الحديث، قم، 1396 ش.
21ـ تقدّم كلام شيعه بر معتزله: حبيب كاركن بيرق، طوبیٰ كرماني، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد: 13، 1394 ش.
22ـ التنبيه والردّ علیٰ أهل الأهواء والبِدَع: المَلَطي، محمّد بن أحمد، عُني بتحقيقه: س. ديدرينغ، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 2009 م.
23ـ جستارهايي در مدرسه كلامي بغداد: مجموعة من المحقّقين، بإشراف: السبحاني، محمّد تقي، مؤسّسة دار الحديث، قم، 1395 ش.
24ـ الجواب الناطق الصادق بِحَلِّ شُبَه كتاب الفائِق فيما خالف فيه ابنُ الملاحِمي مذاهب الزيدية في الإمامة: الوليد القرشي، محمّد بن أحمد، تحقيق وتقديم: فيصل عون، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، القاهرة، 2010 م.
25ـ حقّ اليقين: المجلسي، محمّد باقر، تصحيح: حسين نادري، انتشارات امام عصر، قم، 1386 ش.
26ـ بحارالأنوار، مؤسّسة الوفاء، بيروت، لبنان.
27ـ الحكايات في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية: الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، طبع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، قم، 1413 هـ.
28ـ الحور العين: النشوان الحِميري، أبو سعيد، حقّقه: كمال مصطفیٰ، مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنّی ببغداد، القاهره، 1965 م.
29ـ خاندان نوبختي: إقبال آشتياني، عبّاس، طهوري، طهران، الطبعة الثالثة، 1357 ش.
30ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: الحلّي، الحسن بن يوسف، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، قم، مؤسّسة النشر الفقاهه، 1417 ه.
31ـ خلاصة النظر: مؤلّف غير معروف، تحقيق ومقدّمة: زابينه شميتكه، حسن الأنصاري، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه ايران، طهران، 1385 ش.
32ـ دانش كلام در حلّه از سديد الدين حمّصي تا ابن طاوس: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/3468
33ـ الرجال: النجاشي، أحمد بن علي، تحقيق: سيّد موسیٰ شبيري الزنجاني، الطبعة الثامنة، مؤسّسة نشر إسلامي، قم، 1427هـ.
34ـ سعديا گائون ورويكرد معتزلي او در تفسير وكلام: سعيد عدالت نژاد؛ ووحيد سعدي نعلبندي، مجلّة جستارهاي فلسفي، العدد: 1، 1387 ش.
35ـ سيّد مرتضىٰ (بالفارسية): پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، أسعدي، عليرضا،، قم، 1391 ش.
36ـ سِير أعلام النُّبَلاء: الذهبي، شمسالدين محمّد بن أحمد، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق: حسين الأسد، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة، 1413 هـ.
37ـ الشامل في أصول الدين: الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420 هـ.
38ـ شرح العقيدة الإصفهانية: ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، بيروت، المكتبة العصرية، 1425 هـ.
39ـ شرح القصيدة النونية (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية): ابن القيّم الجوزية، شرحها وحقّقها: محمّد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ.
40ـ شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، تصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1378ـ1383 ش.
41ـ الشريف المرتضىٰ متكلّماً: الشمّري، رؤوف، مراجعة: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1434 ه.
42ـ الشريف المرتضىٰ والمعتزلة (دراسة مقارنة بين أهمّ النظريّات الكلامية للشريف المرتضىٰ والمعتزلة وبيان وجوه الالتقاء والافتراق فيما بينهما): البيّاتي، حيدر، خاتمة المطاف (قيد الطبع).
43ـ شريف مرتضىٰ به مثابه متكلّمي معتزلي: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/1926
44ـ شريف مرتضىٰ ومعتزله: الأنصاري، حسن، والمنشور في: http://ansari.kateban.com/post/2868
45ـ شكل گيري كلام يهود در سايه كلام إسلامي: رضا پور، محمّد مهدي؛ گندمي نصر آبادي، رضا؛ مجلّة انديشه نوين ديني، العدد: 40، 1394 ش.
46ـ شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام: اللاهيجي، ملّا عبد الرزّاق، تحقيق: أكبر أسد علي زاده، مؤسّسة الإمام الصادق «علیه السلام»، قم، الطبعة الثانية، 1385 ش.
47ـ شيعه در برابر معتزله واشاعره: الحسني، هاشم معروف، ترجمة: سيّد محمّد صادق عارف، مؤسّسة پژوهشهاي آستان قدس رضوي، مشهد، الطبعة الثالثة، 1379 ش.
48ـ الصراط المستقيم إلىٰ مستحقي التقديم: البيّاضي، علي بن يونس، تحقيق: محمّد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، 1384ش.
49ـ الصّلة بين التشيّع والاعتزال (رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة): الجدعاني، محمّد بن حامد بن منوّر، جامعة أمّ القریٰ، المملكة العربية السعودية، 1419هـ.
50ـ طبقات المعتزلة: ابن المرتضىٰ، أحمد بن يحيىٰ، عُنيت بتحقيقه: سوزانا ديوالد وِلزَر، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 1430 ه.، 2009 م.
51ـ طبقات المعتزلة: الهمداني، القاضي عبد الجبّار، المنشور: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، حقّقه: فؤاد السيّد، الدار التونسية للنشر، تونس، 1393 هـ.
52ـ عقلانية المعتزلة بين التسنّن والتشيّع: المَدَن، علي، جريدة الصباح، رقم: 3781، 2016 م.
53ـ علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة: فان اِس، جوزف، ترجمة: محيي الدين جمال بدر، رضا حامد قطب، مراجعة وتقديم: محسن الدمرداش، منشورات الجمل، بيروت، 2016 م.
54ـ الفَرق بين الفِرَق: البغدادي، عبد القاهر، حقّقه: محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
55ـ فرقه قَرائيم وكلام إسلامي: رحمتي، محمّد كاظم، مجلّة تاريخ وتمدّن إسلامي، العدد: 16، 1391، ص: 45ـ71.
56ـ فرقههاي إسلامي ايران در سدههاي ميانه: رحمتي، محمّد كاظم، انتشارات بصيرت، طهران، 1387 ش.
57ـ فلسفه علم كلام: وُلفسن، هَري اوسترين، ترجمة: أحمد آرام، انتشارات الهدیٰ، طهران، 1368 ش.
58ـ الفهرست: ابن النديم، أبو الفرج، محمّد بن إسحاق، تحقيق: أيمن فؤاد سيّد، مؤسّسة الفرقان للتُّراث الإسلامي، لندن، 1430هـ.
59ـ في علم الكلام: صُبحي، أحمد محمود، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الخامسة، 1405 هـ، 1985 م.
60ـ قواعد العقائد: الطوسي، نصير الدين، تحقيق: علي حسن الخازم، دار الغربة، لبنان، 1413 ه.
61ـ الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: العجالي، تقي الدين، دراسة وتحقيق: السيّد محمّد الشاهد، القاهرة، 1420 هـ، 1999 م.
62ـ كشف الفوائد: الحلّي، حسن بن يوسف، تحقيق:حسن مكّي العاملي، دار الصفوة، بيروت، 1413 ه.
63ـ كشف المَحَجّة لِثَمَرةِ المُهجَة: ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسىٰ، تحقيق: محمّد الحسّون، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1375 هـ.
64ـ كشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: الحِمَّصي الرازي، محمود بن علي، تقديم: زابينه شميتكه، مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه ايران، طهران، 1386 ش.
65ـ كلام شيعه كلام معتزله (پژوهشي مقايسهاي بر مبناي متون قرنهاي چهارم وپنجم): مريم كياني فريد، انتشارات دانشگاه أديان ومذاهب، قم، 1393 ش.
66ـ الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30ـ31، 1413 ه.
67ـ الكلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 32ـ33، 1413 ه.
68ـ كلام معتزله واماميه: مادلونگ، ويلفرد، طبع باهتمام: مكتبها وفرقههاي إسلامي در سدههاي ميانه، ترجمة: جواد قاسمي، مشهد، مؤسّسة پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، 1387 ش.
69ـ المدارس الأشعرية (دراسة مقارنة): الراجحي الشهري، محمّد بن محمّد بن بالخير، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الرياض، 1436 ه، 2015 م.
70ـ مسائل ابن زهرة: ابن زُهرة، علي بن إبراهيم، تصحيح: محمّد الغريبي، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1392 هـ.
71ـ المسلك في أصول الدين: المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن، تحقيق: رضا أستادي، مؤسّسة پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، الطبعة الثانية، 1379 ش.
72ـ المطالب العالية من العلم الإلهي: الرازي، فخر الدين، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ه.
73ـ المعتمد في أصول الدين: الملاحمي الخوارزمي، محمود بن محمّد، تحقيق وتقديم: ويلفرد مادلونغ، انتشارات ميراث مكتوب ـ مؤسّسة مطالعات إسلامي دانشگاه آزاد برلين، تهران 1389 ش.
74ـ معجم الأدباء: الحموي، ياقوت بن عبد الله، تحقيق: إحسان عبّاس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م.
75ـ المُغني في أبواب التوحيد والعدل: الهمداني، القاضي عبد الجبّار المعتزلي، إشراف: الدكتور طه حسين، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1965 م.
76ـ مكتب اعتزال؛ ميراث إسلام سنّي يا تشيّع: الأنصاري، حسن، والمنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/2911
77ـ مكتب در فرايند تكامل (نظرى بر تطوّر مبانى فكرى تشيّع در سه قرن نخستين): مدرّسي طباطبائي، سيّد حسين، ترجمة: هاشم ايزد پناه، انتشارات كوير، طهران، 1386 ش.
78ـ مكتبها وفرقههاي إسلامي در سدههاي ميانه: مادلونگ، ويلفرد، ترجمة: جواد قاسمي، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي ويرايش دوم، مشهد، 1387ش.
79ـ الملل والنحل: الشهرستاني، عبد الكريم، تخريج: محمّد بن فتح الله بَدران، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية.
80ـ مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: جعفريّان، رسول، نشر سازمان تبليغات إسلامي، 1372.
81ـ مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، تحقيق: يوسف البقاعي، انتشارات ذوي القربىٰ، قم، الطبعة الثانية، 1427 هـ.
82ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الكوهكمري، منشورات مكتبة آية الله العظمیٰ المرعشي النجفي، قم، 1406 ه.
83ـ مواجهه قرائيم با تفكر أبو الحسين بصري بر مبناي مجموعة فركويچ در سن پطرزبورگ: شميتكه، زابينه، مطبعة رحمتي، محمّد كاظم، فرقههاي إسلامي ايران در سدّههاي ميانه، نشر بصيرت، طهران، 1387 ش.
84ـ ميان كلام وفلسفه: الأنصاري، حسن، كتاب رايزن، تهران، 1395 ش.
85ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: النشّار، علي سامي، القاهرة، دار المعارف.
86ـ نهج البلاغة: الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، حقّقه وضبط نصّه: الشيخ قيس بهجت العطّار، مؤسّسة الرافد للمطبوعات، قم، 1431 هـ.
87ـ نوبختيان (أبو سهل وأبو محمّد): حسيني زاده خضرآباد، سيّد علي، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1393 ش.
87- A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, eds. C. Adang, S. Schmidtke, D. Sklare, Würzburg: Ergon, 2006.
88- Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: al-Sharif al-Murtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017.
89- Ansari, Hassan, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (I) Zaydīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 181- 195.
90- Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 196 - 214.
91- El Omari, Racha, The Theology of Abū l-Qāsim al-Balkhī/ al-Kaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016.
92- Gregor Schwarb, “Short Communication: A Newly Discovered Fragment of al-Sharīf al-Murtaḍā’s K.al-Mulakhkhaṣ fī uṣūl al-dīn in Hebrew Script”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 75–79.
93- Jorgensen, Marianne and Phillips, Louise, Discourse Analysis as Theory and Method, SAGE Publications, London, First published, 2002.
94- Madelung, Wilferd and Sabine Schmidtke, Rational Theology in Interfaith Communication. Abu l-Ḥusayn al-Baṣrī's Muʿtazilī Theology among the Karaites in the Fāṭimid Age, Leiden: Brill, 2006.
95- Madelung, Wilferd, ‘Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb al-Kāfī of alKulaynī’, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. Tauris-The Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014, p. 458.
96- Madelung, Wilferd, “Abū I- Ḥusayn al-Baṣrī’s Proof for the Existence of God”, In J. E. Montgomery (ed.), Arabic Theology, Arabic Philosophy. From the Many to the One. Essays in Celebration of Richard M. Frank. Leuven: Peeters, pp. 273–80.
97- Madelung, Wilferd, “introduction”, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. Tauris-The Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014.
98- Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, London, Variorum Reprints, 1985, VII.
99- Madelung, Wilferd: “Imāmism and Muʿtazilite theology”. In: Le Shî’isme Imâmite. Ed: T.Fahd, Paris: Presses Universitaires de France, (1979), pp. 13–29.
100- McDermott, Martin j., The Theology of al-Shaikh al-Mufīd (d. 413/1022), Beirut, 1978.
101- Rudolph, Ulrich, “Ḥanafī Theological Tradition and Māturīdism”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 280 - 296.
102- Rudolph, Ulrich, al-Māturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarkand, translated by Rodrigo Adem, Leiden: Brill, 2015.
103- Schmidtke, Sabine (ed), The Oxford handbook of Islamic theology, Oxford University Press, Oxford, 2016.
104- Schmidtke, Sabine, “Jewish Reception of Twelver Shīʿī kalām: A copy of al-Sharīf al-Murtaḍā’s Kitāb al-Dhakhīra in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 50–74.
105- Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu l-‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford)”, Le shiʿisme imamite quarante ans après. Hommage à Etan Kohlberg, eds. Mohammad Ali Amir-Moezzi, Meir Bar-Asher, Simon Hopkins, Turnhout 2009, pp. 357-382.
106- Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū l-Ḥusayn al-Baṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the Firkovitch-Collection, St. Petersburg”, Arabica, T. 53, Fasc. 1 Jan., 2006.
107- Schmidtke, Sabine, “Al-ʿAllāma al-Ḥillī and Shīʿite Muʿtazilite Theology”, Spektrum Iran 7 iii (1994), pp. 10-35. Repr. In: Shīʿism. Critical Concepts in Islamic Studies. Eds. Colin Turner & Paul Luft. Oxford 2007, vol. 2 (Beliefs and Practices), part 27".
108- Schmidtke, Sabine, The Theology of al-ʿAllama al-Ḥillī (d. 726/1325), Berlin, 1991.
109- Schwarb, Gregor, “Sahl b. al-Faḍl al-Tustarī’s Kitāb al-Īmāʾ,” Ginzei Qedem 2, 2006, pp. 61–105.
- تمّت ترجمة هذه المقالة إلىٰ العربية من قبل هيئة التحرير.
- المراد هنا من مصطلح: (حِوَارِيّات الكلام المعتزلي) هو: «الأسلوب والطريقة الخاصّة في التفكير الذي تتميّز به ذهنية المعتزلة دون غيرها من المدارس الكلامية في تعاطيها مع المسائل الكلامية ببيانها الخاصّ الذي تنفرد به، وليس المراد منه عقيدتهم». (المترجم)
- لمراجعة أقوال وآراء مَن كتب في الملل والنحل وأصحاب التراجم في هذا المجال انظر: مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه، جميع الكتاب، وخاصّة: 95ـ99.،
- خاندان نوبختي: 74.
- نفس المصدر: 102.
- نفس المصدر: 128.
- انظر: Madelung, Wilferd: “Imāmism and Muʿtazilite theology”. In: Le Shî’isme Imâmite. Ed: T.Fahd, Paris: Presses Universitaires de France, (1979), 13–29.
وطبعت هذه المقالة أيضاً في:
Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, London, Variorum Reprints, 1985, VII.
وتمّ نشر ترجمتان لهذه المقالة بالفارسية:
(أ) تشيّع اماميه وعلم کلام معتزلي: 9ـ31.
(ب) کلام معتزله واماميه: 151ـ171. ومع الأسف الشديد فإنّ هناك في هاتين الترجمتين أغلاطاً عديدة؛ ومن نماذج هذه الأغلاط: فقد ورد في كلا الترجمتين اسم الحسن بن موسىٰ النوبختي وذكر علىٰ أنّه (ابن أخ) أبي سهل النوبختي في حين هو (ابن أخت) أبي سهل! (انظر: ترجمة أحمد آرام: 11؛ ترجمة جواد قاسمي: 153). وقد قمنا بالإرجاع إلىٰ ترجمة جواد قاسمي في بعض فصول هذه المقالة لأنّها كانت في متناول أيدينا. - ( Madelung, Wilferd, Religious schools and sects in medieval Islam, PP. 15ـ16.
الترجمة الفارسية: 153ـ154. - Ibid, 24. الترجمة الفارسية: ص 165، (نفس المصدر: 24).
- Ibid, 26. الترجمة الفارسية: ص 167، (نفس المصدر: 26).
- Ibid, 27. الترجمة الفارسية: ص 169، (نفس المصدر: 27).
- Madelung, Wilferd, “introduction”, in: The Study of Shi'i Islam: History, Theology and Law, edited by: Farhad Daftary and Gurdofarid Miskinzoda, I.B. TaurisـThe Institute of Ismaili Studies, 2014, London, 2014, p. 458.
- Madelung, Wilferd, “Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb alـKāfī of alKulaynī”, P. 465.
- “it appears that the Imams, in answering question on disputed issues, progressively came to endorse Muʿtazilī perspectives, concepts and positions. This was certainly the case in regard to questions concerning tawhīd, the reality and unicity of God and His attributed”. Madelung, Wilferd, ‘Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb alـKāfī of alـKulaynī’, P. 468.
- “Imam Jaʿfar here unambiguously sets forth early Muʿtazilī doctrine about the divine attributes.”. Ibid, p. 470. “lman Jaʿfar’s adoption of the Muʿtazilī concept of divine attributes and the distinction between attributes of essence and of acts rendered his statement about the Qurʾan, presumably made earlier, problematic. Ibid, p. 471.
- “The attributes he describes as eternal, knowledge, sight, hearing and power, are those primarily recognised by the Mu'tazila as attributes of essence. Like the Mu'tazili scholar Abu'lـHudhayl, he describes them as identical with God's essence and immutable.”. Ibid, p. 470.
- McDermott, Martin j., the theology of alـshaikh alـMufīd, pp. 4ـ5.
انظر الترجمة الفارسية للكتاب ـ وإن كانت تفتقر إلىٰ الدقّة ـ وقد طبعت تحت عنوان:
انديشههاي کلامي شيخ مفيد: 5ـ6. - Ibid, p. 395 ـ 397. الترجمة الفارسية: 521ـ523، (نفس المصدر: 395ـ397).
- Schmidtke, Sabine. The Theology of alـʿAllama alـḤillī (d. 726/1325), pp. 250 ـ 251.
كذلك انظر الترجمة الفارسية ـ المشوّشة ـ للكتاب والتي جاءت تحت عنوان: انديشههاي
کلامي علّامه حلّي: 241ـ242. - Ibid, p. 252. الترجمة الفارسية، ص 243، (نفس المصدر: 252).
- Ibid, pp. 253 ـ 254. الترجمة الفارسية: 244، (نفس المصدر: 252ـ253)
وقد جاء في الترجمة الفارسية هذه اشتباهاً: (مذهب اشعريّان) بدلاً عن: (برخلاف معتزله). وكذلك جاءت عبارة: «هر جا که... مخالفتي با نظریّات کلّي متکلّمان نداشت». في هذه الترجمة اشتنباهاً، في حين أنّ الترجمة الصحيحة هي: «در مواردي که مخالف با ديدگاههاي بنيادين کلامي او نبوده باشد». - Ibid, p. 254. الترجمة الفارسية، ص 244، (نفس المصدر: 254).
- Schmidtke, Sabine, “AlـʿAllāma alـḤillī and Shīʿite Muʿtazilite Theology”, Spektrum Iran 7 iii (1994), pp. 10ـ(35) Repr. In: Shīʿism. Critical Concepts in Islamic Studies. Eds. Colin Turner & Paul Luft. Oxford 2007, vol. 2 (Beliefs and Practices), part 27".
- Ibid, pp. 12 ـ 14. نفس المصدر: 12ـ14.
- Ibid, pp. 15 ـ 18. نفس المصدر: 15ـ18.
- Ibid, pp. 19 ـ 26. نفس المصدر: 19ـ26.
- Schmidtke, Sabine, “The doctrinal views of the Banu lـ‘Awd (early 8th /14th century): an analysis of ms Arab. f. 64 (Bodleian Library, Oxford)”, p. 373.
- وسوف يتبيّن لاحقاً بناء علىٰ تصريحات القطب الراوندي أنّ التأثّر بمدرسة معتزلة البصرة كان بين الإمامية ـ علىٰ أقلّ تقدير ـ منذ أواسط القرن السادس الهجري.
- Ibid, pp. 374 ـ 375. نفس المصدر: 374ـ375.
- Ibid, p. 376. نفس المصدر: 376.
- Ibid, p. 377. نفس المصدر: 377.
- Ansari, Hassan, Schmidtke, Sabine, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (II) Twelver shīʿīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 199.
- Ibid, p. 200. نفس المصدر: 200.
- Ibid, pp. 201 ـ 202. نفس المصدر: 201ـ202.
- Ibid, p. 203. نفس المصدر: 203.
- Ibid, pp. 204 ـ 205. نفس المصدر: 204ـ205.
- Ibid, p. 209. نفس المصدر: 209.
- المقدّمة الفارسية لکتاب (المعتمد في أصول الدين): 14.
- خلاصة النظر، تحقيق ومقدّمة: زابينه اشميتکه، وحسن الأنصاري، مؤسّسة پژوهشي حکمت وفلسفة إيران، 1385ش، طهران.
- نفس المصدر: xvii.
- انظر المقالة التالية تحت عنوان: «دانش کلام در حلّه از سديد الدين حمّصي تا ابن طاوس» التي تمّ نشرها في: .http://ansari.kateban.com/post/3468
- انظر ما قاله حسن الأنصاري تحت عنوان: (مکتب اعتزال؛ ميراث اسلام سني يا تشيع؟) التي تمّ نشرها في: http://ansari.kateban.com/post/2911.
- انظر: .http://ansari.kateban.com/post/1926
- انظر: .http://ansari.kateban.com/post/2868
- مکتب در فرايند تکامل: 213ـ215.
- انظر: ابن قبه الرازي: 66، وص: 234.
- الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه: تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 235.
- أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية: 447ـ451.
- انظر كتابه تحت عنوان: (إلهیّات أبو القاسم البلخي/ الکعبي): 33.
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 33. - Hussein Ali Abdulsater, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017, pp. 2ـ3.
- Ibid, pp. 5ـ6. نفس المصدر: 5ـ6.
- Ibid, p. 215. نفس المصدر: 215.
- کلام شيعه کلام معتزله (دراسة مقارنة بناء علىٰ نصوص القرن الرابع والقرن الخامس): 284.
- نفس المصدر: 283.
- الشريف المرتضىٰ والمعتزلة (دراسة مقارنة بين أهمّ النظريات الكلامية للشريف المرتضىٰ والمعتزلة وبيان وجوه الالتقاء والافتراق فيما بينهما)، خاتمة المطاف (قيد الطبع). وكذلك انظر: تأثير الفکر المعتزلي البصري علىٰ السیّد المرتضىٰ في مسائل التوحيد والعدل الإلهي) لحيدر البياتي، مجلّة العقيدة، العدد: 3، السنة الأولی: 193ـ220.
- النوبختيّان (أبو سهل وأبو محمّد): 236ـ253.
- تطوّرات کلام إماميه در مدرسة بغداد: 310ـ314؛ وص: 295ـ303.
- نفس المصدر: 297. لقد استفاد الكاتب هنا من مفردة (الحِوَارِيّات) إلّا أنّه لم يوضّح مراده من هذا الاصطلاح، وكان يجدر به إيضاحه؛ لأنّه مصطلح فيه نوع من العمومية فقد يراد منه أكثر من معنى، وسوف نوضّح ذلك فيما بعد.
- کلام اماميه پس از دوران حضور؛ نخستين واگراييها: 59ـ85، وعلىٰ الخصوص ص: 81.
- في علم الکلام 1 / 260.
- استعمل اصطلاح: (متشيّعة المعتزلة) في کتاب الانتصار لأبي الحسين الخیّاط في خصوص بعض المعتزلة القائلين بتفضيل الإمام علي «علیه السلام»: «فأمّا مَن تشيّع من المعتزلة فليس هذه علّته ولا هذا قوله، وهذه کتب أبي جعفر الإسکافي في هذا الباب معروفة مشهورة وهو من رؤساء متشيّعة المعتزلة». الانتصار والردّ علىٰ ابن الروندي: 100. وكما أشار بعض المحقّقين أيضاً فإنّ تشيّع المعتزلة هنا ليس بمعناه الخاصّ، بل بمعناه العامّ؛ أي: عدم الميل إلىٰ العثمانية، وعدم قبول معاوية، وتفضيل الإمام علي «علیه السلام» علىٰ الخلفاء، والأخذ بنظر العلويّين في أمور السياسة. انظر: مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 52.
- نفس المصدر: 261ـ262.
- نفس المصدر: 112، الهامش 2.
- مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 11.
- نفس المصدر: 84. قارنوا بينها وبين آراء هاشم معروف الحسني حيث اعتبر تأليف هذه الردود دليلاً علىٰ الابتعاد والبون الشاسع بين كلا المذهبين! (للمزيد تابعوا ما يأتي لاحقاً في هذا المقال).
- نفس المصدر: 132.
- نفس المصدر: 118:123.
- نفس المصدر: 99ـ100.
- الصّلة بين التشيّع والاعتزال 1 / 330ـ379.
- بحوث في الملل والنحل 3 / 178.
- اعتزالگرايي سیّد مرتضیٰ؛ بررسي ونقد، يوسفزاده، حسينعلي، مجلّة نقد ونظر، 1392، العدد 4: 121.
- اعتزالية الشريف المرتضىٰ بين الوهم والحقيقة، الشمّري، رؤوف، مجلّة رسالة التقريب، العدد 25: 156.
- «من هنا فالمرتضىٰ لم يکن معتزلیّاً، ولا رأساً في الاعتزال علىٰ ما يراه الخطيب البغدادي، ولا مَيل أو تظاهُر في الاعتزال علىٰ ما ذهب إليه ابن الجوزي، ولا جعَل التشيّع منحىٰ من مناحي الاعتزال علىٰ ما ادّعاه الدکتور عبد الرزّاق محيي الدين».الشريف المرتضىٰ متکلّماً: 323.
- سیّد مرتضىٰ: 91ـ94.
- الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 164.
- نفس المصدر: 237. «إنّ المعتزلة هم الذين تأثّروا بالإمامية دون العکس». نفس المصدر: 238.
- نفس المصدر: 238.
- نفس المصدر: 253.
- نفس المصدر: 256.
- تأثير انديشههاي کلامي شيعه بر معتزله، جوادي، قاسم، مجلّة هفت آسمان، العدد 1: 126.
- نفس المصدر: 128ـ131.
- نفس المصدر: 138.
- نفس المصدر: 134ـ138.
- نفس المصدر: 142ـ149.
- الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 17.
- نفس المصدر: 341.
- نفس المصدر: 342.
- «إنّ المسافة بين المعتزلة والإمامية أبعد منها بينهم وبين سائر الفِرق، وربّما يلتقون مع الأشاعرة والمرجئة أكثر ممّا يلتقون معهم».
- خاندان نوبختي: 74.
- قواعد العقائد: 89.
- کشف الفوائد: 309.
- کشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: 120.
- «فإنّي بتوفيق الله ومشيّته مُثبت في هذا الكتاب ما آثر إثباته من فرق ما بين الشيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدليّة من الشيعة ومَن ذهب إلىٰ العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد وبين الإماميّة فيما اتّفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول». أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 1.
- Abdulsater, Hussein Ali, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, p. (7).
- حيث أشرنا سابقاً في ضمن الفرضيّات الستّ إلىٰ فرضية: (التأثير والتأثّر المتقابل بين الشيعة والمعتزلة)، والفرضيّتين المتفرّعتين عنها: (تأثير المعتزلة علىٰ الفكر الشيعي، وتأثير الشيعة علىٰ المعتزلة).
- شوارق الإلهام 1 / 50.
- نهج البلاغة، الخطبة الأولىٰ: 46.
- الإرشاد 1 / 223.
- طبقات المعتزلة: 163.
- الحکايات: 79ـ80؛ بحار الأنوار 10/452.
- «فكيف نكون قد أخذنا ذلك عن المعتزلة؟». الحکايات: 81؛ بحار الأنوار 10/453.
- الحکايات: 84.
- أمالي المرتضىٰ 1 / 148.
- مناقب آل أبي طالب 2 / 56.
- نهج البلاغة، الکلمات القصار: 726، رقم 449.
- شرح نهج البلاغة 20/ 227ـ228.
- نفس المصدر 1 / 17.
- نفس المصدر 6 / 371.
- نفس المصدر 20 / 57.
- انظر أنموذجاً: الملل والنحل 1 / 51ـ53.
- فلسفه علم کلام: 66ـ69، 144ـ145، 148ـ151؛ وكذلك انظر: بازتاب هاي کلام اسلامي در فلسفه يهودي: 25.
- نشأة الفکر الفلسفي في الاسلام 1 / 426ـ430، بالأخصّ: ص428.
- نفس المصدر: 407ـ408.
- «النقطة المهمّة التي يجب تذكّرها في هذا السياق هي أنّ المعتزلة الأوائل كانوا منفصلين عن التشيّع بالکامل حتّىٰ أنّ بعضهم اتُّهم بالنصب وبعضهم كان يخطّئ الإمام عليّاً في حروبه، وبعض يراه مفضولاً بمَن تقدّمه من الخلفاء. ولم يظهر من المعتزلة مَن يرجع بنسِب أفكاره إلىٰ الإمام علي وولده، أو تأثيره (وتأثيرهم) عليهم، إلّا في زمن متأخّر وبتأثير من الزيدية في الغالب»، مقالة: (عقلانیّة المعتزلة بين التسنّن والتشيّع) لعلي المَدَن، جريدة الصباح: 14. وكذلك فيما يخصّ عناد المعتزلة البصريّين للإمام علي «علیه السلام»، انظر: الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 236.
- «مکتب اعتزال؛ ميراث اسلام سني يا تشيّع؟» المنشور في:
http://ansari.kateban.com/post/2911. - مناقب آل أبي طالب 2 / 56؛ بحوث في الملل والنحل 3/167؛ تأثير انديشههاي کلامي شيعه بر معتزله: 142.
- «والمعتزلة، يقال: إنّ لها ولمذهبها إسناداً يتّصل بالنبي ’ ليس لأحدٍ مِن فِرَق الأمّة مثله، وليس يمکن خصومهم دفعهم عنه، وهو أنّ خصومهم يُقرّون بأنّ مذهبهم يسند إلىٰ واصل بن عطاء وأنّ واصلاً يسند إلىٰ محمّد بن علي ابن أبي طالب وابنه أبي هاشم عبد الله بن محمّد ابن علي، وأنّ محمّداً أخذ عن أبيه علي وأنّ عليّاً أخذ عن رسول الله ’». فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: 68؛ وانظر نفس هذا البحث في: الحور العين: 206.
- طبقات المعتزلة: 7.
- «و كان واصل ممّن لقي أبا هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة وصحبه، وأخذ عنه، وقال قوم: إنّه لقي أباه محمّداً، وذلك غلط؛ لأن محمّداً توفّي سنة ثمانين أو إحدىٰ وثمانين، وواصل ولد في سنة ثمانين». أمالي المرتضىٰ 1 / 165.
- «و كان شيعيّاً معتزليّاً». معجم الأدباء 6 / 2427.
- «... قال حدّثنا أبو الهُذيل العلّاف محمّد بن الهُذيل، قال: أخذت هذا الذي أنا عليه من العدل والتوحيد عن عثمان الطّويل، وكان معلّم أبي الهُذيل. قال أبو الهُذيل: وأخبرني عثمان أنّه أخذه عن واصل بن عطاء، وأنّ واصلاً أخذه عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة، وأنّ عبد الله أخذه من أبِيه محمّد بن الحنفيّة، وأنّ محمّدًا أخبره أنّه أخذه عن أبيه عليِ «علیه السلام»، وأنّ أباه أخذه عن رسول الله ’، وأنّ رسول الله أخبره أنّ جبريل نزل به عن الله جلّ وتعالى». فهرست ابن النديم 1ـ2 / 558؛ سير أعلام النبلاء 13 / 149.
- طبقات المعتزلة: 164.
- علم الکلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة 2 / 379ـ380.
- مناسبات فرهنگي معتزله وشيعه تا آغاز دوره انحلال معتزله در شيعه: 21.
- نشأة الفکر الفلسفي في الاسلامر 1 / 410.
- نفس المصدر: 383.
- نفس المصدر: 414ـ415.
- شوارق الإلهام 1 / 50. كذلك انظر: الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 164.
- وقد جاء في بعض المصادر أنّ الشيخ الطوسي كان قد قبِل بنظرية المعتزلة في أصل: (الوعيد) ردحاً من الزمن في بادئ الأمر، ثمّ أعرض عنها بعد ذلك. وذكر العلّأمة الحلّي في شرح حال شيخ الطائفة قائلاً: «وکان يقول أوّلاً بالوعيد ثمّ رجع»، خلاصة الأقوال: 250.
- الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 229.
- وقد عبّر العلّامة الجعفري في شأن مؤلّفات الصاحب بن عبّاد الكلامية قائلاً: «إنّ جميع ما وصلنا من کتب الصاحب وآثاره في أصول الدين والعقائد إنّما کتبه بالروح الاعتزالية». نفس المصدر: 287.
- المسلك في أصول الدين: 33.
- نفس المصدر: 33ـ34.
- الشيخ رضا أستادي، مصحّح کتاب المسلك، أشار إلىٰ: أنّ المقصود من (متأخّرو المعتزلة» هم القاضي عبد الجبّار المعتزلي وأتباعه). انظر: نفس المصدر: 33، الهامش3.
- قال الحِمَّصي الرازي: «المتأخّرون من المعتزلة کأبي الحسين البصري ومتابعيه»، کشف المعاقد في شرح قواعد العقائد: 62. علماً أنّ اصطلاح: (متأخّرو المعتزلة) تمّ إطلاقه في بعض النصوص الكلامية علىٰ القاضي عبد الجبّار كذلك، منها: ما جاء في الملل والنحلِ 1 / 96: «والمتأخّرون من المعتزلة مثل القاضي عبد الجبّار...». وذكره أيضاً الآمدي قائلاً: «والذي صار إليه متأخّروا المعتزلة، وهو اختيار صاحب المغني...»، أبكار الأفكار في أصول الدين 2 / 221. وقد أطلق الاصطلاح المذكور في أبي هاشم الجُبّائي وأتباعه (البَهشَمية): «فقد قال المتأخّرون من المعتزلة: كأبي هاشم وأتباعه». نفس المصدر 3 / 366. وذكره عبد الملك الجويني: «أمّا ابن الجُبّائي ومَن تبعه من متأخّري المعتزلة، فلم يصفوا الأحوال بكونها معلومة». الشامل في أصول الدين: 380. وقد أطلق هذا الاصطلاح حتّىٰ في المتكلّم المعتزلي البارز حسين النجّار (ت حدود 220 ه)، «ثمّ الحسين النجّار من متأخّري المعتزلة...»، شرح القصيدة النونية 2 / 149. ومن الواضح أنّ اصطلاح: (متأخّرو المعتزلة) وأمثال هذا الاصطلاح إنّما هي مقولة نسبية ـ زمنيّة؛ يمكن إطلاقها مع اختلاف الزمان علىٰ أفراد ومجموعات مختلفة من المعتزلة.
- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 1 / 7.
- نفس المصدر 1 / 47.
- في بعض النصوص الكلامية جاءت كلمة: (طريقة) وفي قبالها كلمة: (اختيار)، حيث يحتمل أن تكون كلمة: (طريقة) في هذه الموارد بمعنىٰ: «الرأي الأصيل الذي ابتكره ذلك الشخص وهو أوّل مَن قال به»، في قبال: (الاختيار) الذي هو بمعنىٰ: «الرأي المنتخب المأخوذ من الآخرين»؛ مثل ما ذكره فخر الدين الرازي عندما قال: «الأوّل: وهو طريقة أبي علي وأبي هاشم، واختيار القاضي عبد الجبّار بن أحمد؛ وهو أنّه إذا قيل لهم: لو وقع خلاف معلوم الله، لزم أن ينقلب علم الله جهلاً. فقالوا: ...» المطالب العالية من العلم الإلهي 3 / 313، هذا وأنّ وجود عبارة مماثلة لها ذكرها الفخر الرازي في نفس هذا الكتاب جاءت فيها كلمة: (طريقة) فقط دون كلمة: (اختيار)، حيث يمكن أن يستفاد منها أنّ الكلمتين مترادفتان ويراد بهما معنىٰ واحد وليس معنيين كما قلنا: «الأوّل: طريقة أبي علي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار بن أحمد وهي أن قالوا: إنّ قول القائل: لو وقع خلاف معلوم الله، لانقلب علم الله جهلا. قالوا: ...». نفس المصدر 9 / 53، وهناك عبارة أخرىٰ ذكرها الفخر الرازي في نفس هذا الكتاب كذلك: «الثاني: طريقة الكعبي، واختيار أبي الحسين البصري؛ وهو أنّ العلم يتّبع المعلوم». نفس المصدر؛ حيث يبدو أنّ المراد منها ما قلناه آنفاً، أي: بمعنىٰ: «إنّ الكعبي كان قد ابتكر هذا الرأي وهو أوّل مَن قال به، وقد انتخبه من بعده أبو الحسين البصري».
- مثل عبارة ابن تيمية حيث قال: «وإنّما سلك هذا المصنّف طريقة أبي عبد الله بن الخطيب الرازي فإنّ هذه طرقه وكان ينسج علىٰ منواله»، شرح العقيدة الإصفهانية: 53. ومثل عبارة: «وقال أبو عبد الله البصري إنّ طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار تقتضي تصحيحه»، الصراط المستقيم إلىٰ مستحقّي التقديم 1 /193. ومثل عبارة تقي الدين العجالي: «وأمّا طريقة أبي هاشم وأصحابه، قالوا: طريقه ذلك هو القياس»، الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء: 156.
- إنّ استعمال اصطلاح: (الطريقة) بمعنىٰ: (المنهج أو المدرسة أو الأسلوب الکلامي) في سياق العبارات التي استُعمل فيها هذا المصطلح هو أمر ليس بالغريب؛ فعلىٰ سبيل المثال نرىٰ علاء الدين علي بن إبراهيم ابن زهرة في سؤاله من العلّامة الحلّي حول الحمَّصي في كونه من ضمن الأشخاص الذين سلكوا: (طريقة السيّد المرتضى) في أصول الدين؛ حيث قال: «ممّن تکلّم في أصول الدين علىٰ طريقة السيّد المرتضىٰ». فهنا المراد من: (الطريقة) هو نفس المصطلح المتداول المعروف: (المدرسة الكلامية) أو (المذهب الكلامي) أو (المنهج الكلامي)، مسائل ابن زهرة: 127. ونفس هذا الاستعمال لمصطلح: (الطريقة) جاء في العبارة التالية: «والمتأخرون من المعتزلة مثل القاضي عبد الجبّار وغيره انتهجوا طريقة أبي هاشم». الملل والنحل 1 / 96.
- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 2 / 174.
- رجال النجاشي: 400.
- أوائل المقالات: 60.
- . شوارق الإلهام 1 / 49.
- حقّ اليقين: 568.
- الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 30 و31: 234.
- الکلام عند الإمامية، نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه، الجعفري، محمّد رضا، تراثنا، العدد المزدوج 32 و33: 88.
- بحوث في الملل والنحل 3 / 176ـ177.
- الفَرق بين الفِرَق: 122.
- طبقات المعتزلة: 276. جاءت بعض النصوص المتناثرة هنا وهناك من هذه الردود المعنونة بـ: (نقض العثمانية) في شرح نهج بلاغة لابن أبي الحديد.
- کشف المحجّة لثمرة المهجة: 64.
- الحکايات [في مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية]، المطبوع في: مصنّفات الشيخ المفيد 10 / 49ـ56.
- نفس المصدر: 57ـ58.
- نفس المصدر: 59ـ62.
- رجال النجاشي: 400.
- انظر ما جاء في شأن نقودات الزيدية علىٰ آراء المعتزلة في باب الإمامة: كتاب (ميان کلام وفلسفه): 297ـ335.
- الجواب الناطق الصادق بِحلّ شبه کتاب الفائق فيما خالف فيه ابن الملاحمي مذاهب الزيدية في الإمامة، للوليد القرشي، محمّد بن أحمد، تحقيق: فيصل عون، الهيئة المصرية العامّة للکتاب، القاهرة، 2010 م.
- انظر ما جاء في شأن هذا الكتاب في: (رساله اي در ردّ بر محمود ابن الملاحمي المعتزلي درباره امامت)، المطبوعة في كتاب (ميان کلام وفلسفه): 331ـ335.
- تمّت طباعة فصول من هذه الرسالة في آخر الفصل الثاني من قسم الإمامة في كتاب المغني، انظر: المغني 20/ 262ـ274، الفصل الثاني.
- انظر: المغني 20/ 264، الفصل الثاني.
- وظنّ البعض ـ ممّن ليس له معرفة بتاريخ مثل هذه الردود ـ أنّ ما كتبه الشريف المرتضىٰ في ردّه علىٰ القاضي عبد الجبّار المعتزلي دليل علىٰ عدم كون الشريف المرتضىٰ من المعتزلة حيث قال ما معرّبه: «من المثير للاهتمام حقّاً أنّ البعض قد اعتبروا السيّد المرتضىٰ معتزليّاً، علىٰ الرغم من أنه ألّف كتاب الشافي في الردّ علىٰ كتاب المغني للقاضي عبد الجبّار»، انظر مقالة: (تقدّم کلام شيعه بر معتزله) بالفارسية من تأليف: حبيب کارکن بيرق وطوبىٰ کرماني ، والمنشورة في مجلّة إلهیّات تطبيقي، العدد 13: 28، 1394. إذا كان هذا النوع من الاستدلالات صحيحاً للزِم من ذلك عدم اعتبار الشيخ المفيد والشيخ الصدوق من مذهب واحد؛ وذلك لما كتبه الشيخ المفيد من نقد علىٰ الشيخ الصدوق! في حين لايوجد هناك مَن يقول بذلك.
- Ansari, Hassan, “The Shīʿī Reception of Muʿtazilism (I) Zaydīs”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, pp. 181ـ 195; Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, Arabica, T. 53, Fasc. 1 (Jan., 2006), pp. 108ـ142.
- أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة (عرض ونقد)، النفيعي العتيبي، مَنيف عايش مَرزم، مكتبة الرشد، الرياض، 2013م.
- المدارس الأشعرية: 309.
- المدارس الأشعرية: 311ـ486.
- Madelung, Wilferd, “Abū Iـ Ḥusayn alـBaṣrī’s Proof for the Existence of God”, pp. 278 – 279.
- انظر:
Rudolph, Ulrich, alـMāturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarkand, translated by Rodrigo Adem, Leiden: Brill, 2015, p. 158.
Rudolph, Ulrich, “Ḥanafī Theological Tradition and Māturīdism”, in: The Oxford handbook of Islamic theology, p. 286. - انظر كتابه تحت عنوان: (الهیّات أبو القاسم البلخي/ الکعبي): 34:
El Omari, Racha, The Theology of Abū lـQāsim alـBalkhī/ alـKaʿbī (d. 319/931), Leiden: Brill, 2016, p. 34. - شرح العقيدة الإصفهانية: 127.
- Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, p. 108.
- بازتابهاي کلام اسلامي در فلسفه يهودي: 25.
- Schmidtke, Sabine, “The Karaites' Encounter with the Thought of Abū lـḤusayn alـBaṣrī (D. 436/1044). A Survey of the Relevant Materials in the FirkovitchـCollection, St. Petersburg”, p. 111.
- انظر إلىٰ مقالتيه التاليتين:
Gregor Schwarb, “Short Communication: A Newly Discovered Fragment of alـSharīf alـMurtaḍā’s K.alـMulakhkhaṣ fī uṣūl alـdīn in Hebrew Script”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 75–79.
Schwarb, Gregor, “Sahl b. alـFaḍl alـTustarī’s Kitāb alـĪmāʾ,” Ginzei Qedem 2, 2006, pp. 61*–105*. - انظر:
Schmidtke, Sabine, “Jewish Reception of Twelver Shīʿī kalām: A copy of alـSharīf alـMurtaḍā’s Kitāb alـDhakhīra in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg”, Journal of Intellectual History of the Islamicate World 2 (2014), pp. 50–74. - لمزيد من الاطّلاع علىٰ أحوال ما تركته كتب المعتزلة وآرائهم من أثر علىٰ المتكلّمين من معتزلة اليهود ومساهمتهم في الكلام الاعتزالي، انظر:
A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, eds. C. Adang, S. Schmidtke, D. Sklare, Würzburg: Ergon, 2006.
Madelung, Wilferd and Sabine Schmidtke, Rational Theology in Interfaith Communication. Abu lـḤusayn alـBaṣrī's Muʿtazilī Theology among the Karaites in the Fāṭimid Age, Leiden: Brill, 2006.
وهناك أيضاً بعض المقالات المفيدة باللغة الفارسية للاطّلاع علىٰ مدىٰ تأثّر متكلّمي اليهود من فرقة: (القرائيم) بمدرسة المعتزلة:
أ) «فرقه قَرائيم وکلام اسلامي»، رحمتي، محمّد کاظم، مجلّة تاريخ وتمدّن اسلامي، العدد 16: 45ـ71، 1391ش.
ب) «تأثير کلام معتزلي بر کلام قرائيمي»، قربان علمي ومريم ساجدي نسب، مجلّة إلهيّات تطبيقي، العدد 2: 1ـ18، 1389.
ج) «شکل گيري کلام يهود در سايه کلام اسلامي»، رضاپور، محمد مهدي؛ گندمي نصر آبادي، رضا؛ مجلّة انديشه نوين ديني، العدد 40: 111ـ128، 1394.
د) «سعديا گائون ورويکرد معتزلي او در تفسير وکلام»، عدالت نژاد، سعيد؛ سعدي نعلبندي، وحيده؛ مجلّة جستارهاي فلسفي، العدد 1: 107ـ124، 1387ش. - «فمَن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين کان معتزلیّاً علىٰ الحقيقة». أوائل المقالات: 38.
- Hussein Ali Abdulsater, Shi'i Doctrine, Mu'tazili Theology: alـSharif alـMurtada and Imami Discourse, Edinburgh University Press, 2017, p. 6.
- Ibid. نفس المصدر.
- المغني 20/ 263، الفصل الثاني.
- التنبيه والردّ علىٰ أهل الأهواء والبِدَع: 28.
جمعه ۱۸ خرداد ۱۴۰۳ ساعت ۵:۳۹
نمایش ایمیل به مخاطبین
نمایش نظر در سایت
۲) از انتشار نظراتی که فاقد محتوا بوده و صرفا انعکاس واکنشهای احساسی باشد جلوگیری خواهد شد .
۳) لطفا جهت بوجود نیامدن مسائل حقوقی از نوشتن نام مسئولین و شخصیت ها تحت هر شرایطی خودداری نمائید .
۴) لطفا از نوشتن نظرات خود به صورت حروف لاتین (فینگلیش) خودداری نمایید .